هل تريد جماعة الإخوان المسلمين «أخونة» المجتمع؟! سؤال عبثى، لأن أى جماعة إيديولوجية أو حتى حزب سياسى يتمنى أن يشكل المجتمع بالطريقة التى يراها. الإخوان يتمنون أن يصبح كل المجتمع اخوانيا، والسلفيون يريدونه سلفيا، والليبراليون يريدونه ليبراليا والشيوعيون يريدونه شيوعيا، وهكذا دواليك. سؤال آخر: هل سيسعى الإخوان لفرض «الأخونة»؟! سؤال عبثى آخر، لأنه طبيعى حتى لو أنكروا ذلك، وقد لا يتم فرض «الأخونة» بالإجبار، بل بوسائل ناعمة وجاذبة، وقد تصل لمنطق العصا والجزرة. وهذا السعى الإخوانى إذا تم يشابه سعى كل حزب سياسى لنشر أفكاره فى المجتمع. السؤال الأهم: هل ستتم أخونة المجتمع خصوصا بعد تركز كل السلطات فى يد الإخوان بعد ضربة محمد مرسى بإقصاء المؤسسة العسكرية عن المشهد خصوصا أن البعض كان يراهن عليها لإيجاد نوع من التوازن؟! الإجابة باختصار هى أنه من المنطقى أن يسعى الإخوان لوضع رجالهم فى كل مكان وفرض سياساتهم، فإذا لم يواجهوا أى مقاومة سلمية فهنيئا لهم الأخونة، وعلى المجتمع أن يتقبل ذلك مادام أنه لا توجد قوى أخرى تواجه ذلك. مصطلح الأخونة صار يتكرر كل لحظة ويستعمله الجميع، ويخشاه كل من هو ليس إخوانيا، حتى لو كان سلفيا أحيانا. قد يكون المصطلح صحيحا وقد يكون خاطئا، وقد تكون المخاوف مشروعة، وقد تكون أقرب إلى «الفوبيا» المرضية التى لا تعبر عن أى أساس حقيقى على الأرض. لكن وفى كل الأحوال فإن ما يصيب المرء بالشلل من بعض ممارسات القوى المدنية خصوصا الليبرالية هو ادمانها الصراخ والعويل على طريقة «شيلوه من فوقى لأضربه»، دون أن تفكر فى وسائل عملية لمقاومة الأخونة حال حدوثها. يقول الإخوان فى كل لحظة انهم لا يريدون التكويش، وأن شعارهم «المشاركة لا المغالبة» يعبر عن نواياهم الحقيقية وليس مجرد شعار يرفع. ليس مهما أن نصدقهم أو نكذبهم، المهم أن نراقبهم ونتابعهم، إن صدقوا نقول لهم أحسنتم، وإذا لم يفعلوا نقول لهم: انتبهوا، أنتم الآن تمارسون المغالبة لا المشاركة. هل المراقبة وحدها كافية كى تمنع الأخونة حال حدوثها؟! بالطبع لا. فكل منظمات المجتمع المدنى والأحزاب والقوى السياسية، «نشف ريقها» طوال ثلاثين عاما وهى تتابع وتراقب نظام حسنى مبارك، وأصدرت آلاف التقارير عن «مغالبة مبارك» لكن الأخير لم يراعِ ذلك، وظل سائرا فى غيه حتى أسقطه نزول الملايين إلى الشارع. القاعدة الذهبية فى السياسة تقول إنه من البلاهة والعته والغباء أن تعتمد على نوايا خصمك وتصريحاته الإعلامية أو حتى برامجه وشعاراته السياسية ثم تجلس مستريحا فى منزلك مطمئنا إلى كلامه. فى السياسة انت تعتمد على وجودك المادى والملموس فى الشارع وعلى الجماهير والقوى الاجتماعية التى تدعمك، ومدى قدرتك على حشد هؤلاء الأنصار فى مسيرات ومظاهرات واعتصامات وسائر الأشكال الاحتجاجية عندما يجد الجد. إذا شعر الإخوان أن هناك قوى حقيقية على الأرض تعارض الأخونة فلن يفعلوها، أما كلمات الشرف والجدعنة والمشاركة فكل ذلك لغو لا طائل منه. إذا أدركنا هذه الحقيقة الجوهرية فعلينا أن نتوقف عن فوبيا الأخونة أو حتى «السلفنة». ونجرب الاعتماد على العمل الميدانى. الناس البسطاء لا يعرفون ما هى الأخونة ولا يشغلهم أن يعرفوها، مطالبهم معروفة، من يحقق لهم الحياة الكريمة فسوف يضعونه فوق أعناقهم وداخل قلوبهم سواء كان إسلاميا أو علمانيا، يمينيا أو يساريا. المطحونون فى هذا الوطن غير مهمومين بمعارك النخبة، هم مشغولون الآن فقط بمعركة البقاء على قيد الحياة نقلا عن الشروق