منذ أن شَرَعَ المسلمون فى بناء دولتهم كانوا يبحثون عن الرئيس القائد، قائد تفرضه عليهم بطولاته ونجاحاته فى تجاوز ظرف تاريخى بعينه، كان قد حدد ملامح تجاوزه، وتوافرت الملامح فى شخص الرئيس، قائد لا تنتجه أصلاب الوراثة ولا تفرزه أرحام الغرباء.. رافضين انتماء قائدهم لجماعة بعينها؛ فينقاد الشعب للجماعة قبل انقياده للرئيس. ولعل خلاف المسلمون على عثمان بن عفان وانقسامهم على بيعة على بن أبى طالب لم يكن تشكيكاً فى كفاءة أو انتقاص من اخلاص، وإنما لاحتساب عثمان على قبيلته التى تشبثت بمفاتيح السلطة ، ولم يبايعوا عليً إلا تخوفاً من إذا بايعوه فلن تخرج الخلافة من بيت النبوة أبدا، فهكذا أرادها المسلمون دولة مدنية خالصة كما أرادها الرسول من قبل حين رفض أن يوصى لعلىٍ بالخلافة. أما المصريون فلم يذوقوا طعم الانكسار الا عندما تأله حاكمهم مستمدا سلطته من السماء ، أو جاء وارثاً لحكم لا يستحقه ومسئولية غير مؤهل على حملها. ولعل ثورات الجياع التى قادها المصريون ضد حكامهم على مر التاريخ تعد مصوغاً أساسياً لكون التوريث سبباً فجاً فى مجاعة الشعب وحرمانه. وحديثاً برر المثقفون تأخر مشروع النهضة بعد الاستقلال إلى خنوع المصريون لقيادات ذات خلفية عسكرية بعيدة كل البعد عن مطالب الشعب وطموحاته، ولم يكن بوسعها سوى استيراد نماذج تنموية من الخارج لم تلائم خصوصية الشارع المصرى ولا احتياجاته؛ ففشلت جميعها بعد أن أهدرت موارد الدولة وأضاعت أعمار أجيال كانت قد حلمت وماتت قبل أن يكتمل الحلم.. وفى 25 يناير ثار المصريون مطالبون باسقاط حكم العسكر وانتخاب رئيساً مدنياً جديداً يخرج من صلب الحياة المدنية التىيؤمن بها إيمانه بقدرة الشعب على التغيير وتحقيق النهضة، واثق بالشعب أكثر من ثقته فى جماعة أو حزب. وهكذا تمخضت الثورة المصريا فانجبت مرسى رئيساً بخلفية أخوانية وبأصوات تقل عن العشرين بالمائة من تعداد مصر. ومثلت هذه النسبة تحدياً صارخاً أمام قدرات الرئيس على إدارة هذا الشعب الذى اكثر من 80% من سكانه لا يؤيدونه ولم يمنحوه اصواتهم. ومن هنا فقد لزم على الرئيس لَّمَ الشمل وتوحيد الصف المصرى لمجابهة قضاياه اليومية وتحويل اتجاهات الشارع من حديث السياسة إلى حديث النهضة ، ولن يتحقق ذلك إلا إذا تيقن الشارع من أن مرسى هو ابن لنجوعه وحواريه وأنه بوتقة انصهرت فيها كافة الاطياف والتوجهات السياسية، ليس منحاز لفكر ولا لمصالح جماعته. وألا يسلم أذنيه إلا لمن يتأكد من اخلاصه للشعب ، ومن ثم فيجب أن ينوع بين مستشاريه والا يختارهم من سلة واحدة، وأن يتخلص من انتماءاته لجماعة الاخوان و أن يعتبر مما فعله الحزب الوطنى بالمصرين مستنداً لكون مبارك رئيساً له أو عضوا ً فيه .. ويجب على جماعةالاخوان أن تعيد سيناريوهاتها للمستقبل، فقد نجحت بعد ثمانين عاماً فى الوصول للحكم فماذا تريد من الدنيا وقد تحقق الحلم المستحيل؟ كما نجحت فى أن تؤسس حزياً سياسياً بات حزب الاغلبية الذى َشَّكَل البرلمان وجاء بالرئيس فى العام الاول من تأسيسه، وحان الوقت لأن تحدد الجماعة لنفسها أهدافاً جديدة بعيدة عن السلطة، وأن تُسرِع فى توفيق أوضاعها قانونياً باعتبارها جمعية أهلية تعمل مع المجتمع وفيه بعيدة عن ممارسة السياسة. فماكنيكية النجاح هى تلك التى تدفع فتصيب الهدف ثم تعود إلى الخلف لاسترداد قوتها [email protected].