الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن سار على هديهم وسلك طريقهم إلى يوم الدين. أما بعد: قال الله تعالى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الإسراء: 1 ( عندما تهلُّ علينا ذكرى الإسراء والمعراج كل عام نقف أمامها وقفةً متأملةً نقرأ من خلالها الحاضر ونستشرف بها المستقبل، فنرى من خلالها الأمل المشرق، والغد الباسم، من وسط الظلمة البهيمة، والباطل المستشري، والهجمة الشرسة على الإسلام والمسلمين، فالإسلام ما أنزله الله إلا ليأخذ بيد البشرية الضالة الحائرة: من الضلالة إلى الهدى، ومن الظلمة إلى النور، ومن القسوة والفظاظة إلى الرحمة واللين، ومن الجور والظلم إلى العدل والإنصاف، ومن العنصرية البغيضة إلى المساواة بين الإنسانية جمعاء، ومن الشقاء والنكد إلى الرخاء والرغد، ومن الباطل والشر إلى الحق والخير (ومَا أَرْسَلْنَاكَ إلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء :107) ميراث النبوة إن هدي السماء هذا ورثه النبي من الرسل السابقين وقد تحملوا في سبيله الكثير من التضحيات والآلام، والتعذيب والاضطهاد، واتهامهم زورًا وبهتانًا بالكذب والسحر والجنون (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ. أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) (الذاريات : 52-53) ولأنهم يسعون لخير البشرية تحمَّلوا هذه المشاق والآلام، ولو أنهم كانوا طلاب شهرة أو ملك أو مال وثروة، لما ثبتوا على هذا الحق المبين، ولتنازلوا عنه أمام العروض السخية من أصحاب الباطل، وتأمل في هذا العرض السخي من قبل قريش لرسول الله وردّ الرسول عليهم، قالوا له: "إنْ كُنْتَ إنَّمَا تُرِيدُ بِمَا جِئْتَ بِهِ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ مَالًا جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا حَتَّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالًا، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ شَرَفًا سَوَّدْنَاكَ عَلَيْنَا، حَتَّى لَا نَقْطَعَ أَمْرًا دُونَكَ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ مُلْكًا مَلَّكْنَاكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي يَأْتِيكَ رِئْيًا تَرَاهُ لَا تَسْتَطِيعُ رَدَّهُ عَنْ نَفْسِكَ، طَلَبْنَا لَكَ الطِّبَّ، وَبَذَلْنَا فِيهِ أَمْوَالَنَا حَتَّى نُبْرِئَكَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا غَلَبَ التَّابِعُ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُدَاوَى مِنْهُ"، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "يَا عَمُّ، وَاَللَّهِ لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى ... المرشد العام للإخوان المسلمين