كتب - نادر أبو الفتوح: أخذ صوت الإسلام بعد صيحة الصفا يرتفع في مكة بعد أن ظل سرا لمدة ثلاث سنوات, وبدأ المسلمون يتحدثون جهرا, وبعثت هذه المبادئ السمحة الأمل في نفوس المستضعفين فأقبلوا يتدافعون إلي الإسلام إقبال الظمان علي زلال الماء. يقول الدكتور محمد الدسوقي أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم أن العداوة بدأت تسري في قلوب الكفار بعد أن فشلت كل أساليب الاضطهاد والاستهزاء بالمسلمين, وبدا لهم أن لغة القهر والتعذيب لم تعد كافية للقضاء علي الدين الجديد, فآثروا أن يأخذوا بلغة المساومة لعلهم ينجحون, فذهب بعض سادة قريش إلي أبي طالب وقالوا له إن ابن أخيك قد سب آلهتنا وعاب ديننا, فإما أن تكفه عنا وإما أن تخلي بيننا وبينه, ولم يستجب أبو طالب لسادة قريش وإن كان قد تلطف معهم في القول فانصرفوا عنه وهم يحسبون أنه سيقف دون محمد وما يدعو إليه, لكن الرسول مضي في طريقه يبلغ رسالة ربه غير عابئ بما تضعه قريش من أشواك في طريقه, فذهب سادة قريش مرة ثانية إلي أبي طالب واتسمت لهجتهم هذه المرة بالعنف, ولم يجد خلاصا مما هو فيه سوي أن يبعث إلي محمد ويخبره بما قاله سادة قريش وقال له إبق علي نفسك ولا تحملني ما لا أطيق فرد الرسول عليه بالمقولة التي أصبحت شعارا لثبات اليقين والله يا عمي لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري علي أن أترك هذا الأمر حتي يظهره الله أو أهلك دونه ما تركته وعندما عرفت قريش أن أبا طالب قد رفض خذلان ابن أخيه, فاجتمعوا علي أن يختاروا فتي من فتيان قريش وهو عمارة بن الوليد وذهبوا به إلي أبي طالب وعرضوا عليه أن يتخذ عمارة ولدا له ويسلم إليهم محمد بن أخيه, فقال لهم أبو طالب هذا والله لا يكون أبدا, واستمر قادة قريش في المساومة فأرسوا عتبة بن ربيعة للرسول فقال له إن كنت تريد مالا جمعنا لك من أموالنا حتي تكون أكثرنا مالا, وإن أردت شرفا سودناك علينا حتي لا نقطع أمرا دونك وإن كنت تريد ملكا ملكناك علينا, وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده طلبنا لك الطب حتي نبرئك منه, كما عرضوا علي الرسول أن يعبدوا إلهه سنة وأن يعبد آلهتهم سنة فنزلت سورة الكافرون تعلن في جلاء أن الإيمان والكفر لا التقاء بينهما بحال من الأحوال.