الرئيس السيسي يتفقد الأكاديمية العسكرية بالعاصمة الإدارية الجديدة    توريد 189271 ألف طن قمح للشون والصوامع بالشرقية    تشكيل النصر المتوقع أمام الخليج.. كريستيانو يقود الهجوم    قبل مواجهة الترجي.. ماذا يفعل الأهلي في نهائي أفريقيا أمام الأندية العربية؟    ضبط 6 أشخاص بحوزتهم هيروين واستروكس وأقراص مخدرة بالقاهرة    56 مليون جنيه إيرادات فيلم شقو في 17 يومًا بالسينمات    دار الإفتاء: 6 أنواع لحسن الخلق في الإسلام    الأوراق المطلوبة لاستخراج شهادات فحص المقبلين على الزواج للمصريين والأجانب    صوامع الإسكندرية تستقبل 2700 طن قمح محلى منذ بدء موسم التوريد    طارق يحيى: المقارنة مع الأهلي ظالمة للزمالك    وزيرة البيئة تستعرض تحديات تمويل المناخ للدول النامية خلال مشاركتها بالدورة 15 لحوار بتسبيرج للمناخ بألمانيا    استمرار حبس تشكيل عصابي لسرقة السيارات في العجوزة    «الداخلية»: تحرير 441 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة وسحب 1255 رخصة خلال 24 ساعة    محافظ أسيوط يتابع استعدادات مديرية الشباب والرياضة للفعاليات والأنشطة الصيفية    كوريا الشمالية تتهم الولايات المتحدة بتسيس قضايا حقوق الإنسان    أفضل دعاء تبدأ وتختم به يومك.. واظب عليه    السبت 27 أبريل 2024 ... أسعار الذهب تنخفض 30 جنيها وعيار 21 يسجل 3100 جنيه    «الصحة» تعلن جهود الفرق المركزية التابعة لإدارة الحوكمة والمراجعة الداخلية بالوزارة    مواعيد مباريات اليوم السبت 27 أبريل 2024 والقنوات الناقلة    قبل 3 جولات من النهاية.. ماهي فرص "نانت مصطفى محمد" في البقاء بالدوري الفرنسي؟    بعد بقاء تشافي.. نجم برشلونة يطلب الرحيل    حماس تتسلم رد إسرائيل بشأن الصفقة الجديدة    حزب الله يعلن استشهاد 2 من مقاتليه في مواجهات مع الاحتلال    وزير الخارجية يتوجه إلى الرياض للمشاركة في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي    نظام امتحانات الثانوية العامة في المدارس الثانوية غير المتصلة بالإنترنت    اليوم.. استئناف محاكمة المتهمين بقضية تنظيم القاعدة بكفر الشيخ    بعد جريمة طفل شبرا الخيمة.. نصائح لحماية طفلك من مخاطر الدارك ويب    تفاصيل جريمة الأعضاء في شبرا الخيمة.. والد الطفل يكشف تفاصيل الواقعة الصادم    زلزال بقوة 4.1 درجة يضرب شرق تركيا    أول تعليق من الإعلامية مها الصغير بشأن طلاقها من الفنان أحمد السقا    كيف أدَّى حديث عالم أزهري إلى انهيار الإعلامية ميار الببلاوي؟.. القصة كاملة    برج الثور.. نصيحة الفلك لمواليد 27 أبريل 2024    مصطفى قمر يحتفل بافتتاح فرع جديد من مطعمه بحضور نجوم الفن والغناء    السبت 27 أبريل 2024.. نشرة أسعار الحديد والأسمنت اليوم    «الزراعة» تنفي انتشار بطيخ مسرطن بمختلف أسواق الجمهورية    هيئة كبار العلماء: الالتزام بتصريح الحج شرعي وواجب    المقاولون العرب" تنتهي من طريق وكوبري ساكا لإنقاذ السكان بأوغندا"    "أبعد من التأهل للنهائي".. 3 أهداف يسعى لها جوميز مع الزمالك من مواجهة دريمز؟    خبير أوبئة: مصر خالية من «شلل الأطفال» ببرامج تطعيمات مستمرة    إطلاق قافلة طبية بالمجان لقرية الخطارة بالشرقية ضمن مبادرة حياة كريمة    سياسيون عن ورقة الدكتور محمد غنيم.. قلاش: خلاصة فكره وحرية الرأي والتعبير هي درة العقد.. النقاش: تحتاج حياة سياسية حقيقية.. وحزب العدل: نتمنى من الحكومة الجديدة تنفيذها في أقرب وقت    علي جمعة: الشكر يوجب على المسلم حسن السلوك مع الله    وزير الري: الاستفادة من الخبرات العالمية فى استثمار الأخوار الطبيعية لنهر النيل    كندا تخصص أكثر من مليوني دولار لصناعة المسيرات الأوكرانية    المتهم خان العهد وغدر، تفاصيل مجزرة جلسة الصلح في القوصية بأسيوط والتي راح ضحيتها 4 من أسرة واحدة    إسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت ومركبات مدرعة ودبابات "ليوبارد" إلى كييف    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    بعد ارتفاعها.. أسعار الدواجن اليوم 27 أبريل| كرتونة البيض في مأزق    حكم الشرع في الإسراع أثناء أداء الصلاة.. دار الإفتاء تجيب    "كنت ببعتله تحياتي".. كولر يكشف سر الورقة التي أعطاها ل رامي ربيعة أثناء مباراة مازيمبي    لدورة جديدة.. فوز الدكتور أحمد فاضل نقيبًا لأطباء الأسنان بكفر الشيخ    عمل نفتخر به.. حسن الرداد يكشف تفاصيل مسلسل «محارب»    يسرا اللوزي تكشف سبب بكائها في آخر حلقة بمسلسل صلة رحم.. فيديو    الدكتور أحمد نبيل نقيبا لأطباء الأسنان ببني سويف    السيسي محتفلا ب"عودة سيناء ناقصة لينا" : تحمي أمننا القومي برفض تهجير الفلسطينيين!!    محمد جبران رئيسا للمجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب    مقتل 4 عمّال يمنيين بقصف على حقل للغاز في كردستان العراق    تهاني شم النسيم 2024: إبداع في التعبير عن المحبة والفرح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجزء الثانى من نص بلاغ خيانة مبارك يفتح النار على نجليه
نشر في الجمعة يوم 19 - 05 - 2012

تنشر "الجمعة" الجزء الثانى من نص بلاغ يتهم الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك وحاشيته بالخيانة العظمى والعمل علي قلب نظام الحكم من جمهوري ل"ملكي" بتوريث جمال الحكم ، كانت الجمعة نشرت الجزء الأول الذى إتهم مبارك وحاشيته بالخيانة العظمى ونهب المال العام والمساعدة على تركز الثروات والدخول ، وفى الجزء الثانى نتطرق لباقى الإتهامات ..
ثالثا: جرائم أبناء الرئيس المخلوع من التربح واستغلال النفوذ
تمثل حكاية علاء وجمال مبارك أحد أساطير نهب شعب ، واحتقار قوانين دولة ، والاستهتار بكل القيم والمعاني التى قامت على أساسها الدول المحترمة ، ويكفى هنا أن نشير إلى الحافظة رقم (22) التى تتضمن الثروات الضخمة المعروفة فقط لدى جهاز الكسب غير المشروع ، أما تلك التى تتوطن فى الدول الأجنبية ومناطق الملاذات الآمنة ضريبيا ويزيد عددها على 50 موطنا لمثل هذا التهرب الضريبى، فإن الأمر يحتاج إلى مزيد من البحث والتحرى.
رابعاً: إن السياسات الاقتصادية التى أتبعها الرئيس المخلوع طوال ثلاثين عاما من حكمه، قد عرضت قطاعات الاقتصاد السلعي في مصر ومنها الزراعة والصناعة والكهرباء والطاقة والتشييد إلى تغيرات ضارة بحيث جعلت الدولة المصرية ككل تحت ضغوط القوى الخارجية وامتداداتها المحلية من طبقة رجال المال والأعمال خاصة فئة المستوردين والوكلاء المحليين ( الكمبرادور) بحيث تعاظمت مصالحهم وتأثيرهم على عملية صناعة القرارات الاقتصادية والسياسية والتشريعية ، وزادت من قدرتهم على توجيه السياسة الخارجية لمصر بما يواءم مكاسبهم المالية بصرف النظر عن الأضرار المترتبة على هذه السياسة في الأجلين القصير والطويل.
1- ففي مجال الزراعة :
تعرض القطاع الزراعي طوال هذه الفترة لضربات قاصمة لم تتمثل فقط في الإهمال المتعمد لتطوير هذا القطاع سواء من حيث توفير الائتمان المصرفي اللازم لتطوير أدوات الإنتاج أو في توفير الرعاية الإرشادية الضرورية في نمط التركيب المحصولي التنموي أوفي توفير الأسمدة والمبيدات المناسبة أو في توفير شبكة توزيع للحاصلات الزراعية تؤدى إلى تعزيز فاعليته وتدفع الفلاح دفعاً إلى العمل والإنتاج.بل تمثلت في انتهاج مجموعة من الإجراءات السلبية التي أدت في النهاية إلى انخفاض متوسط اكتفاءنا الذاتي من جميع السلع الغذائية الحيوية لأقل من 45٪ .
فكما تقول بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة و الاحصاء , فقد إنخفض نصيب الفرد من المساحة المنزرعة من 0,53 فدان فى بداية القرن العشرين لتصبح 0,12 فدان فى نهاية نفس القرن , و تكاد بيانات نفس الجهاز تفسر الفجوة الغذائية التى يعانى منها الوطن و تتسبب فى الكثير من الازمات عندما يوضح أن نسبة الاكتفاء الذاتى من اللحوم قد إنخفضت من 88% فى 2001 لتصبح 74% فى 2006 ليزيد الاعتماد على الإستيراد بمعرفة شركات بعينها، ويزيد الطين بلة أن تنخفض فى نفس الوقت نسبة الإكتفاء الذاتى من الفول من حوالى 65 % فى 2001 لتصبح 43% فى 2006 !!
ومن قبيل هذه الإجراءات الضارة ، التآمر على تآكل المساحة الزراعية عبر منح الاراضى القابلة للاستصلاح إلى رجال مال وأعمال حولوها إلى منتجعات سياحية وشخصية ورفع أسعار البذور والأسمدة والمبيدات وإعمال آليات السوق الاحتكارية من جانب كبار التجار والمسئولين فى الحكم. وعدم توفير مستلزمات الري وإمدادات المياه ، فانتشرت الزراعات المروية بالمجارى ومياه الصرف الصحي (التي قدرت بأكثر من 500 ألف فدان) وجرى التآمر المباشر والمكشوف على محصول مصر الاستراتيجي (القطن والقمح ) لصالح استبداله بالاقماح المستوردة والأقطان قصيرة التيلة المستوردة من الولايات المتحدة والهند.
وبيعت محالج القطن لكبار رجال المال والأعمال ؛ كما جرى منح الاراضى في المشروعات الزراعية الجديدة ( توشكي العوينات واحة باريس ، الصالحية ترعة السلام فى سيناء) لمستثمرين عرب ومصريين ، أضروا بالمستقبل الزراعى لمصر وجعلوها عرضة لمخاطر متعددة .
وبرغم ما أنفق من مليارات الجنيهات فى إقامة البنية الأساسية لبعض هذه المشروعات الزراعية، فإن عوائدها لم تتحقق بسبب إرتباطات المصالح الخاصة بين آل مبارك والطبقة الفاسدة المحيطة به من رجال المال والأعمال والمسئولين من جهة والمستثمرين العرب والأجانب من جهة أخرى فى سبيل التآمر المكشوف على مشروعات بحثية زراعية قدمت نتائج باهرة فى أستزراع القمح فى بيئة جافة أو شبه جافة ( مشروع الدكتورة زينب الديب ) وجرى مطاردة الباحثة والتشهير بها من أجل ضمان إستمرار أوضاع الإستيراد وتدمير قدرتنا على الأكتفاء الغذائى الذاتى .
لقد أدى كل ذلك فى المحصلة النهائية إلى نتائج خطيرة ليس أقلها تعرضنا إلى أزمات فى صناعة الخبز – وهو الغذاء الرئيسى للمصريين الفقراء – وإنما تحولنا إلى رهينة فى أيدى جماعات محدودة العدد من المستوردين الذين لم يتورعوا عن إستيراد أسوأ أنواع الأقماح من أجل تعظيم مكاسبهم وأرباحهم (التى قدرت سنويا بأكثر من 500 مليون جنيه خلال السنوات الخمس الأخيرة وحدها).
كما انعكس ذلك سلبيا على زيادة العجز فى الميزان التجارى وتعاظم فاتورة واردتنا من المواد الغذائية لتتجاوز 25 مليار دولار فى العام الأخير (2010 ). ومن أخرى أدى إلى إضاعة فرصة تاريخية نادرة لخلق مجتمعات عمرانية / زراعية جديدة عبر إمتصاص مئات الالاف من الشباب وأسرهم حول هذه المشروعات الواعدة (توشكى وحدها يمكن أن تجذب 5 مليون نسمة)، فتخفف من غلواء البطالة وتفتح أفق الأكتفاء الذاتى من بعض أهم محاصيلنا الاستراتيجية.
2- فى مجال الصناعة :
كما تعرضت الزراعة لضربات مقصودة وإهمال متعمد ، كانت الصناعة الوطنية المصرية من أولى القطاعات التى أستهدفتها السياسة الجديدة لجماعات المافيا المصرية ، التى قادها بصورة مباشرة الرئيس المخلوع ( حسنى مبارك ) وأسرته والطبقة المحيطة به .
ولم يكن برنامج الخصخصة وبيع الأصول والشركات العامة الذى بدأ عام 1992 سوى التتويج المبكر لإتجاهات عدائية نمت وترعرعت منذ بداية إنتهاج الدولة فى عهد الرئيس الأسبق ( أنور السادات ) لسياسة الإنفتاح الاقتصادى .
لقد جرت العملية وفقا لدينامية محددة وأنتقلت من مرحلة إلى أخرى :
- ففى المرحلة الأولى: تركزت الدعوة الرسمية حول ضرورة منح القطاع الخاص فرصة الوجود والمشاركة على قدم وساق فى خطط التنمية مع القطاع العام ، وهكذا زاد نصيب القطاع الخاص فى الانتاج الصناعى من 25% عام 1979 إلى ما يقارب 70% فى عام 2009/2010 ، وبصرف النظر عن مضمون هذه الصناعة وفاعليتها فى بناء اقتصاد حديث ، فقد جرى فتح خزائن البنوك والجهاز المصرفى الحكومى وغير الحكومى لنفخ الروح فى هذا القطاع الخاص فزادت القروض الممنوحة له من 32 مليون جنيه عام 1970 ( بما لم يكن يزيد على 3.7% من إجمالى التسهيلات الأئتمانية الممنوحة من البنوك كافة ) إلى 798 مليون جنيه عام 1979 ( بما أصبح يمثل 15.0% من إجمالى التسهيلات الائتمانية الممنوحة) وبحلول عام 2010 كان القطاع الخاص أو ما يسمى قطاع العمال الخاص يستحوذ على ما يزيد على 350 مليار جنيه ( بما يشكل أكثر من 60% من التسهيلات الائتمانية الممنوحة من البنوك كافة) وإذا أضفنا إليها ما يحصل عليه القطاع العائلى فأن الرقم يتجاوز 470 مليار جنيه بما يشكل حوالى 75% من إجمالى الإئتمان الممنوح من البنوك فى مصر . وبرغم أن القطاع الصناعى الخاص لم يحصل سوى على أقل من 20% من هذا الأئتمان حيث ذهبت النسبة الأكبر لتمويل قطاعات السياحة والتجارة والمال والخدمات ، فان النمط الغالب على الاسثمار الخاص ظل بعيدا فى الواقع عن الصناعة ، فظلت البنية الاقتصادية المصرية هشه وعرضة للتقلبات والهتزازات كلما هبت رياح عاتية عالميا أو أقليميا أو حتى محليا .
- وفى المرحلة الثانية: جرى خنق مصرفى متعمد لشركات القطاع العام وما يسمى قطاع الأعمال العام الصناعى منها وغير الصناعى تحت زعم ضعف هياكلها التمويلية وتحقيقها لبعض الخسائر ، وبرغم زيف هذه الدعاوى وعد قدرتها على الصمود أما الكتابات الاقتصادية الرصينة والجادة (2) فأن هذه السياسة كانت منهجا وتمهيدا من أجل تمرير هذه ( الكذبة ) على الرأى العام تمهيدا لبيع هذه الشركات وتحقيق عمولات وماكسب شخصية لكبار رجال الحكم والإدارة كما ذكرنا وقتئذ وكشفت صحته التحقيقات الجارية حاليا .
- وفى المرحلة الثالثة: مرحلة البيع والخصخصة ، والتى شملت كل مقدرات الدولة والمجتمع المصرى من شركات صناعية وغير صناعية ، ومن البنوك إلى شركات التأمين ، إلى شركات التجارة ومنافذ التوزيع فى إطار أكبر عملية تفكيك لقدرات الدولة المصرية ، بما يجعلها ضعيفة إزاء أية تحديات إقليمية تنشأ أو تهديدات إسرائيلية أو أمريكية لمصر ومصالحها .
والمثير للسخرية أن القطاع الصناعى ( الانفتاحى ) الذى نشأ منذ عام 1974 لم يكن فى معظمه سوى صناعات قائمة على التجميع، مما ترتب عليه أن اصبحت 45% إلى 60% من أحتياجات قطاع الصناعة خصوصا وأحتياجاتنا عموما تستورد من الخارج ، يحتكر إستيرادها حفنة محدودة العدد من الأفراد والشركات لا تتجاوز مئات قليلة، يشاركهم فى الكثير من الحيان بعض المسئولين والوزراء وأفراد آل مبارك كما تكشفها التحقيقات الجارية حاليا. وزاد الميل الاحتكاري داخل هذا القطاع و إجنهدت الحكومة ومن معها من رجال الاعمال على رفع الأسعار و فرض الضرائب على المواطن العادى، وكانت نسبة النمو الاقتصادى المزعومة مثلها مثل الكثير من البيانات الحكومية لا تعكس واقع حياة ملايين الفلاحين الذين وجدوا أنفسهم يشترون الاسمدة والبذور والمبيدات بما سمى حينئذ بالاسعار العالمية، بينما هم لا يستطيعون ييع محصولهم إلا بأبخس الاثمان، وكانت تفرض عليهم أسعار إذعان، جعلت الكثير منهم يفضل حرث محصلوهم فى الارض ببساطة لأن أسعار بيعه لن تغطى تكلفة حصاده.
كلنا نذكر كيف كان الفلاحون يصارعون للحصول على (شكارة ) اسمدة حتى بعد أن تضاعف سعرها مرات عديدة، والغريب أن الشركات المملوكة للمال العام لم تتوانى عن الدخول فى السباق المخزى لنهب المواطنين، حتى أن هامش ربح الاسمدة تساوى أو كاد مع هامش ربح الاسمنت و الشاليهات السياحية و تجاوز هامش ربح شركات الاتصالات و السجاير.
و كلنا نعلم كم عانى صغار منتجى الالبان فى صراعهم مع شركات صناعة الالبان للوصول إلى سعر يبع عادل للبن الخام، و إستغرق الصراع سنوات طويلة و لم يعترف النظام الإقتصادى بوجود ممارسة إحتكارية ضد منتجى الألبان إلا بعد ثورة 25 يناير، كذلك نعلم الصراع بين مزراعى البنجر و شركات صناعة السكر، فبرغم زيادة هامش ربح شركات سكر البنجر وزيادة سعر البيع للمستهلك بشكل مستمر، إلا أنها تفرض أسعار إذعان على المزارعين بل وتخفض أسعار شراء البنجر سنة بعد أخرى.
3- فى مجال الكهرباء والطاقة:
يمثل قطاع الكهرباء والطاقة عصب الاقتصاد الحديث، فهو أساس النمو والتطور، وهو شريان الحياة لقطاعات الانتاج، ولذا تحرص الدول كافة على ضمان قوته والتحكم فى مصادر تدفقه وأستمراره.
وقد تفتق ذهن جماعات المافيا التى حكمت البلاد منذ عام 1991 على إبتكار أساليب جديدة غير مسبوقة لدولة نامية تواجه تحديات كبرى مثل بلادنا مثل:
- الأسلوب الأول: ما جرى من إعتماد نظام ما يسمى B.O.O.T أى البناء والتملك والتشغيل ثم الإعادة، فأمتد هذا النظام المحاط بالكثير من التساؤلات والشبهات (3) الذى صاغه عقل غربى أستعمارى مبدعا لأطر وصيغ قانونية جديدة لعلاقات قديمة (الأمتيازات) وأمتدت الصيغة لتشمل الطرق ومحطات المياة والصرف الصحى ، إلى المطارات والموانىء وصولا إلى محطات الكهرباء (سيدى كرير والكريمات)، وخطط لإنشاء خمسة عشرة محكة لتوليد الكهرباء حتى عام 2017 بنظام ال B.O.O.T وصيغت العقود بحيث تمثل إهدارا لموارد مالية حكومية وعبء على المستهلكين فى قطاع الكهرباء من مواطنيين أو مشروعات صناعية (4) .
- الأسلوب الثانى: ما جرى من إدخال وسيط وسمسار بين هيئة البترول الحكومية المصرية والمستوردين للنفط والغاز الطبيعى ، كما حدث فى شركة ( شرق المتوسط للغاز) التى تملكها ظاهريا المدعو ( حسين سالم ) الشريك المباشر للرئيس المخلوع (حسنى مبارك) وأهدر على الدولة المصرية حوالى 5 إلى 8 مليار دولار سنويا منذ عام 2001 حتى يومنا هذا . أى ما يعادل 45 مليار إلى 70 مليار دولار ، كانت كافية لتحقيق نقلة نوعية فى الحياة المصرية . وما جرى قبلها فى مشروع (ميدور) الذى تسبب فى خسارة للبنك الأهلى المصرى وهيئة البترول تزيد على مليار جنيه لصالح ( حسين سالم ومن ورائه ولشركة ميرهاف الإسرائيلية).
4- فى قطاع التشييد والبناء :
لعل هذا القطاع من أكثر القطاعات التى أستفادت من حقبة الانفتاح الاقتصادى منذ عام 1974 وحتى يومنا هذا .
وبرغم حيوية هذا القطاع وحجم الاستثمارات الحكومية والخاصة الضخمة الموظفة فيه ، فأن ما جرى من فساد وإفساد داخله وحوله وتحميله بنسبب عمولات ورشى هائلة قد أدت لإهدار موارد ضخمة على المجتمع المصرى كان من الممكن توظيفها فى مجالات تنموية أخرى . ومن ثم فأن عودة هذا القطاع إلى مساره التنموى الحقيقى خدمة لخطط وأهداف التنمية المستقبلية تصبح ضرورة حيوية .
وإذا كان حكومات الرئيس المخلوع ( حسنى مبارك ) قد أنفقت فى إقامة البنية التحتية للمجتمع منذ عام 1982 حتى تاريخ خلعه ما يربو قليلا على 400 مليار جنيه فى صورة ( طرق – كبارى – محطات مياة – محطات صرف صحى – محطات كهرباء – مادرس – مستشفيات .. الخ ) هذا بخلاف ما أنفقه القطاع الخاص والاستثمارى فى مجال التشييد والبناء والمقدر بحوالى 100 مليار جنيه أخرى .
فإن حجم العملات والرشى التى إهدرت والتسرب الذى حدث يقارب 40 مليار جنيه (حوالى 10% من حجم الأعمال ) ذهبت طوال هذه الفترة الكئيبة من تاريخ مصر إلى جيوب وحسابات عدد محدود من كبار المقاولين ورجال الحكم والإدارة والمكاتب الاستشارية القريبين من الحكم والإدارة قد لا يتجاوز عددهم عدة مئات قليلة .
أما السياسات المالية والنقدية وأسواق المال
فقد ترتب على السياسات المالية والنقدية وشكل إدارة أسواق المال والبورصة طوال الثلاثين عاما الماضية أضرار كبيرة كان من الممكن تجنبها لولا أن بعضها كان مقصودا لذاته من أجل تلبية مصالح دائرة ضيقة من رجال المال والعمال ورجال الحكم والإدارة مثل التلاعب فى أسعار الصرف ، ونظم الاقتراض المصرفى ، وتغيرات سعر الفائدة ، ونظم الاستيراد والتمويل عبر ما يسمى " كمبيالات التحصيل ، وطريقة الإقراض بالنقد الأجنبى ، وحسابات المراسلين بالبنوك ، والإقراض بدون ضمانات كافية .. الخ .
1- وبالنسبة للخدمات المالية غير المصرفية
فقد تم توحيد الجهات الرقابية لهذا القطاع فى جهة واحد على غرار النموذج البريطانى (FSA) مع اختلافات فى التطبيق بحيث لا تشتمل هيئة الرقابة الموحّدة على الخدمات المصرفية. وقد تم إنشاء هذه الهيئة بموجب القانون رقم 10 لسنة 2009 وتختص بالرقابة والإشراف على الأسواق والأدوات المالية غير المصرفية بما فى ذلك أسواق رأس المال وبورصات العقود الآجلة وانشطة التأمين والتمويل العقارى والتأجير التمويلى والتخصيم والتوريق.
وبرغم تخلّى الدولة الأكثر محافظة فى العالم (وهى بريطانيا) عن نموذج الهيئة الموّحدة الذى تحظى فى تطبيقه بالريادة، وذلك فى أعقاب أزمة الرهن العقارى فى الولايات المتحدة وتداعياتها على اقتصادات مختلف الدول. وتجرى بريطانيا الآن إصلاحات هيكلية لتفكيك هيئتها الموحّدة للعودة إلى نموذج الهيئات المستقلة الذى كانت تتبعه مصر من قبل، مع إعطاء دور هام لإدارة المخاطر فى المنظومة الجديدة.
وقد بلغ عدد الشركات المقيدة بالبورصة المصرية 215 شركة بقيمة إسمية قدرها 134.7 مليار جم وقيمة سوقية تبلغ نحو 410 مليار جنيه فى نهاية يونيو 2010، علماً بان الشركات المتداولة فعلياً لا تزيد عن المائة شركة المكوّنة لمؤشر أسعارها الأكثر شمولاً EGX100، بينما بلغ عدد الشركات التى تم تأسيسها خلال الفترة من 2004 إلى يوليو 2009 حيث أكثر من 30 ألف شركة جديدة[1].
وفيما يتعلّق بالسوق الأولية (سوق الإصدار) فقد بلغت قيمتها الإجمالية 154.3 مليار جنيه خلال العام 2009/2010. اما الإصدارات الخاصة بزيادة رؤوس الأموال فقد بلغت قيمتها الإجمالية فى نفس العام المالى نحو 141.7 مليار جنيه.
وبالنسبة لقطاع التأمين فقد بلغ عدد الشركات العاملة بسوق التأمين 29 شركة وتمت الموافقة على الترخيص لعدد 12 شركة بمزاولة مهنة الوساطة التأمينية. ارتفعت القيمة الإجمالية لأصول شركات التأمين (متضمنة الاستثمارات) لتصل إلى نحو 44.9 مليار جم فى نهاية يونيو 2010 بمعدل نمو قدره 36.1% خلال العام المالى 2009/2010. وبلغ إجمالى الأقساط المباشرة نحو 8.7 مليار جم بينما بلغ حجم التعويضات المسددة عن العمليات المباشرة نحو 5.2 مليار جم خلال ذات العام.
وفيما يتعلق بنشاط التمويل العقارى فقد زاد عدد الشركات العاملة فى المجال خلال العام 2009/2010 بمقدار 4 شركات ليصل إلى 13 شركة فقط بالإضافة إلى الشركة المصرية لإعادة التمويل العقارى. فضلاً عن 19 مصرفاً يعملون فى هذا النشاط. وقد ارتفعت قيمة القروض الممنوحة من البنوك وشركات التمويل العقارى بمقدار 1.1 مليار جم بنسبة 36.5% خلال العام المشار إليه لتصل إلى 4 مليار جم فى نهاية يونيو 2010. ووفقا للبيانات الرسمية المشكوك فى مدى دقتها فقد بلغ عدد الوحدات التى تم دعمها من قبل صندوق ضمان ودعم نشاط التمويل العقارى 5200 وحدة سكنية بإجمالى دعم قدره 51.7 مليون جم كذلك تم توفير مبلغ 1650 مليون جم لدعم 65000 وحدة سكنية لمحدودى الدخل خلال الأعوام الثلاثة القادمة.
ومن أبرز الملاحظات على مؤشرات الاستثمار والنشاط المالى غير المصرفى:
1- أن معدلات النمو التى يحققها الاقتصاد المصرى ما زالت متواضعة للغاية إذا ما قورنت بمعدلات النمو فى الاقتصادات الناشئة.
2- كان التركيز على رفع معدلات النمو فى معزل عن سياسات ناجعة لتوزيع الدخل وعائدات النمو بين الوحدات الاقتصادية المختلفة، وفى معزل عن سد منابع الفساد المالى والإدارى وما يتسرّب عنها من عائدات النمو، لا ينتج إلا مزيداً من البطالة والتضخّم وفجوات الدخول وما يصاحبها من أزمات اقتصادية واجتماعية، بينما فشل أثر التساقط فى تحقيق أى تحسّن ملحوظ على الأحوال الاقتصادية لغالبية المواطنين.
3- حجم الإصدارات الجديدة وزيادات رؤوس الأموال لا تعبّر عن دور السوق الثانوى (البورصة) فى إنشاء وتوسّعات الشركات لأن غالبية تلك الإصدارات تمت على شركات غير مقيّدة بالبورصة.
4- جانب كبير من استثمارات شركات التأمين تحقق بسبب صفقة مشكوك فى نزاهتها تمت ببيع الشركة القابضة للتامين لإجمالى الأسهم التى كانت تملكها فى سهم شركة طلعت مصطفى أثناء فترة حظر البيع المفروضة وفقاً لنشرة الاكتتاب على قدامى المساهمين (لأنهم اشتروا أسهم الشركة الأصلية –الاسكندرية للاستثمار العقارى- تاريخياً بسعر منخفض جداً)[2].
كما أن طريقة وضع أولويات للإنفاق بالموازنة العامة وتحميل المواطنين بعبء الضرائب المتزايدة كل ذلك قد أربك الوضع الاقتصادى والمالى للبلاد .
2- التلاعب بالموازنة العامة ونمط الأولويات :
لعل من أسوأ ما مارسه الرئيس السابق وجماعة رجال المال والعمال والمسئولين المحيطين به هو التلاعب فى الموازنة العامة للدولة وفى هذا المجال نشير إلى الحقائق التالية:
1- ما جرى من إستخدام ضار وخطير لنص المادة (20) من قانون الموازنة العامة للدولة رقم (53 لسنة 1973 وتعديلاته بالقوانيين رقم 11 لسنة 1979 ورقم 87 لسنة 2005 ) التى تخول رئيس الجمهورية سلطة إصدار قرارات لها قوة القانون بإنشاء حسابات خاصة وصناديق خارج الموازنة العامة للدولة ، والتى أتسعت شيئا فشىء ، ونزلت إلى درجة سلطات المحافظين ( وفقا لقانون الإدارة المحلية رقم 43 لسنة 1979 ) وقانون الجامعات ( رقم 49 لسنة 1972 وتعديلاته ) بإنشاء هذه الحسابات والصناديق ، وفرض رسوم على خدماتها المقدمة للمواطنيين ، حتى بلغ حجم حساباتها المجمعة فى عام 2008/2009 وفقا لتقرر الجهاز المركزى للمحاسبات لما أمكن حصره منها فقط حوالى 1.2 تريليون جنيه مصرى ، أى ما يقارب الناتج المحلى الإجمالى لذلك العام .
والأخطر فى هذا أن رئيس الجمهورية المخلوع قد سمح لنفسه بالخروج على الدستور والقانون عبر إنشاء صناديق خاصة ملحقة بديوان عام رئاسة الجمهورية من خلف ظهر المجالس الرقابية والتشريعية ، ومولها من خلال أساليب أقرب إلى الأحتيال بتوجيه تعليمات إلى بعض روؤساء الهيئات الاقتصادية الكبرى ( قناة السويس وهيئة البترول ) بالتلاعب فى الإيرادات المسجلة لهاتين الهيئتين من أجل تحويل جزء من هذه الإيرادات لتمويل هذه الحسابات السرية الخاصة فى رئاسة الجمهورية ومن خلف ظهر جميع الأجهزة فى مصر وهو ما يستدعى تشكيل لجان تحقيق على أعلى مستوى للتعرف على حجم هذه الأموال ومجالات صرفها.
2- ما جرى من تلاعب مالى فيما سمى "بند الاعتماد الإجمالى" أو ما بات يسمى بعد تعديلات قانون الموازنة العام ( قانون رقم 87 لسنة 2005) بالأحتياطيات العامة ، وذلك بوضع مبالغ مالية وصلت فى بعض السنوات إلى 16 مليار جنيه لمواجهة الظروف الطارئة (كالزلازل والكوارث .. الخ) فإذا به يستخدم خارج هذه الظروف ومن خلف ظهر الأجهزة الرقابية (مجلس شعب – جهاز محاسبات .. الخ) لا يعرف مصيرها حتى أعضاء مجلس الشعب فى غير أغراضها لتعزيز مكافأت بعض كبار القادة فى جهازى الشرطة والقوات المسلحة .
3- ما درج على تضمينه قانون الموازنة العامة للدولة مما يسمى " التأشيرات العامة " المصاحبة لقانون الموازنة العامة ، حيث تنص فى موادها ما يسلب المجلس التشريعى سلطته المسبقة واللاحقة على مكونات الموازنة العامة وأتجاهات الإنفاق فيها (5) وهو ما أدى لإهدار جزء كبير من موارد الموازنة كان من الممكن توجيهها لصالح تطوير قطاعى التعليم والصحة .
3- الدين العام المحلى
تسلم الرئيس المخلوع حسنى مبارك شئون الدولة فى أكتوبر عام 1981 وقد بلغ الدين المحلى الإجمالى حوالى 14.5 مليار جنيه ( بمعدل خدمة حوالى 1569 مليون جنيه ) فإذا به فى نهاية حكمه يتجاوز الدين المحلى الإجمالى 888 مليار جنيه ( ومعدل خدمته تزيد على 76 مليار جنيه ) هذا بخلاف الدين الخارجى الذى زاد من 25 مليار دولار عام 1981 إلى 50 مليار دولار عام 1991 ( بخلاف الديون العسكرية للولايات المتحدة وقدرها 7.5 مليار دولار ) وحتى بعد تخفيض الديون الخارجية المصرية بمقدار النصف كثمن سياسى مقابل تورط النظام المصرى فى حرب تدمير وحصار العراق ، عاد الدين الخارجى ليرتفع فى نهاية عهده مرة أخرى ليتجاوز حاليا حوالى 33 مليار دولار بخلاف تلك الديون على بعض الهيئات الاقتصادية مثل هيئة البترول والتى تزيد بدورها على 3 مليار دولار أخرى . وكل هذا الدين الخارجى أصبح يبتلع حوالى 35 مليار جنيه مصرى سنويا فى صورة خدمة لهذا الدين ( أى حوالى 6 مليار دولار سنويا ) .
4- التلاعب فى سعر الصرف لمصالح فئات معينة
من أسوأ الملفات التى أدارها نظام المافيات السابق ، وتكشف بحد ذاتها عن العبث بالمصلحة الوطنية العليا من أجل مصالح فئوية ضيقة ما جرى فى عام 2002 من تعويم مؤقت للجنية المصرى ، وترتب عليها أن قفز سعر التبادل بين الجنيه المصرى والدولار الأمريكى من 341 قرش للدولار إلى 630 قرشا للدولار ، مما حقق مكاسب كبيرة لعدد من رجال المال والأعمال وثيقى الصلة بدوائر أتخاذ القرارات وبنجل رئيس الجمهورية السابق ، وبالمقابل أنعكس الوضع سلبيا على فاتورة أستهلاك المواطنيين ومحدودى الدخل بسبب زيادة أسعار الواردات فى السوق المحلية وأرتفاع معدل التضخم .
5- التدخل فى سياسات الأقراض المصرفى
وقد ترتب على التدخل المباشر من جانب نجلى الرئيس السابق وبعض المسئولين التنفيذيين فى الحكم ضياع مبالغ قدرت بحوالى 40 مليار جنيه من أرصدة الأقراض لدى البنوك العاملة فى مصر وغالبيتها من البنوك المملوكة للدولة وذلك فيما سمى – تخفيفا – أزمة المتعثرون فى نهاية عام 2000 وبداية عام 2001 ، وبالتالى زيادة مخصص القروض الرديئة من 8.1% عام 1997 فى المحفظة المالية للنوك إلى 12.0% عام 2002 ، وبالتالى الدفع إلى فكرة بيع بعض البنوك الحكومية .
وقد أدت هذه السياسة إلى زيادة حجم الأموال المهربة من مصر إلى خارجها فبلغت خلال الفترة من 91/1992 إلى 2000/2001 فى بند واحد فقط هو بند " السهو والخطأ " فى ميزان المدفوعات المصرى حوالى 7202.5 مليون دولار ، أى بمعدل متوسط سنوى 720 مليون دولار ، زاد فيما بعد ذلك إلى معدل سنوى 3.5 مليار دولار خلال الفترة اللاحقة (2002 – 2011 ) .
وهكذا فأن بند السهو والخطأ وحده قد أظهر تهريب أموال مقدر بحوالى 42.7 مليار دولار منذ عام 91/1992 حتى مارس عام 2011 ، فما بالنا بعناصر التهريب المالى الأخرى ، وأهمها بندى صافى حسابات المراسلين وكمبيالات التحصيل فى عمليات الإستيراد . لقد بلغ صافى حسابات المراسلين (الفارق بين حسابات المراسلين فى الداخل المصرى وحسابات المراسلين فى الخارج ) فى يونية عام 1993 حوالى 32 مليار جنيه مصرى (ما يعادل 10 مليار دولار بأسعار الصرف السائدة وقتئذ ) وفى يونية عام 2010 بلغ صافى هذا الحساب حوالى 65 مليار جنيه .
6- إهدار موارد النفط والغاز
لعل من أخطر جرائم هذا النظام ما كشفته عقوده وتعاملاته فى مجال تصدير النفط والغاز سواء إلى إسرائيل أو غيرها من البلدان ، ، لقد كشف هذا الملف بوضوح مقدار العبث بمقدرات مصر وشعبها لصالح الرئيس المخلوع نفسه وبعض المحيطين به وبأسرته ، ووفقا لأكثر التقديرات تحفظا فأن ما ضاع على مصر وشعبها من جراء سياسته يتجاوز منذ عام 2000 حوالى 5 إلى 8 مليار دولار سنويا ذهبت إلى جيوب عدد محدود جدا من الأفراد على رأسهم مباشرة الرئيس المخلوع .
7- بيع الشركات والممتلكات العامة ( الخصخصة )
لقد ترتب على أتباع منهج " بيع الأصول والممتلكات العامة " منذ عام 1992 عدة نتائج ضارة فهى من ناحية أدت إلى تآكل القدرات الإنتاجية للدولة المصرية من حيث تحول الكثير من هذه الشركات إلى مجرد أراضى يجرى المضاربة على أسعارها وعششت غربان الخراب على آلاتها ومعداتها (قها - المراجل البخارية عمر أفندي الكتان .. الخ ) مما أضعف المناعة الصناعية والإنتاجية للمجتمع والدولة.
ومن ناحية أخرى فقد أدى التقييم البخس بدوافع الفساد إلى إهدار ما يربو على 150 مليار جنيه مثلت فارق القيمة بين حصيلة بيع نصف شركات القطاع العام (194 شركة) حتى يونية عام 2006 ومقداره 50 مليار جنيه وفقاً لتقرير الجهاز المركزي للمحاسبات وبين القيمة الأولية لأصول شركات القطاع العام فى مطلع عقد التسعينات والمقدرة بما يتراوح بين 300 إلى 500 مليار جنيه ذهب هذا الفارق إلى جيوب جماعات المافيا التى أدارت هذا الملف من المسئولين وشركائهم من المشترين لهذه الشركات.
ومن ناحية ثالثة لقد أدت سياسات الخصخصة هذه إلى إهدار إضافي تمثل فى التضحية بكوادر فنية وعمالية تحولت إلى رصيد إضافى للبطالة فى المجتمع.
ومن هنا فإن وقف هذه السياسة المشبوهة هى أولى خطوات والإصلاح وإعادة بناء قدراتنا الإنتاجية فى المستقبل.
8- البطالة:
لقد نتج عن هذه السياسات التى أنتهجها الرئيس المخلوع وجماعات رجال المال والأعمال طوال الربع قرن الماضى أن تزايد أعداد العاطلين عن العمل عموما والشباب وخريجى النظام التعليمى خصوصا بحيث تجاوز هذا العادد وفقا لبعض التقديرات من الباحثين الثقاة حوالى 9 مليون عاطل يشكلون حوالى 22% من حجم القوى العاملة فى البلاد وذلك فى عام 2010.
هذه هى القنبلة الموقوتة التى تركها النظام السابق وسياساته الضارة فى مجال التشغيل والتوظف. معظمهم تقريباً من الشباب والفتيات المتعلمين فى كافة الجامعات والمعاهد والمدارس الفنية المتوسطة.هذه الطاقة البشرية العظمى تحولت إلى عبء على طموحهم ورغباتهم فى الحياة.
وهكذا لم يكن غريباً أن نشاهد قوافل الموت تذهب بمئات من هؤلاء طوال السنوات العشر الأخيرة فى رحلات الهروب شبه الجماعية عبر البحر المتوسط بحثاً عن ملاذ آمن من وطن طارد لأبنائه ومانع لطموحاتهم ورغباتهم فى الحياة الكريمة.
هذا العار القومى ينبغى أن يتوقف فوراً عبر إتباع سياسات جديدة فى التشغيل والتوظيف، ومن خلال سياسات اقتصادية ترد الاعتبار لقيم الإنتاج الوطنى ودعم المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر ، مثلها تماماً مثل دخول الدولة مرة أخرى إلى مشروعات الإنتاج لخلق فرص عمل جديدة وتأهيل المشروعات القائمة التى تعرضت للتخريب والإهمال خلال فترة الخصخصة.
بيد أن مجالات الفساد التى انغمس فيها – بصورة شبة دائمة – كبار رجالات الدولة وأبنائهم – قد اتسع نطاقها ليشمل:
1- قطاع المقاولات وتخصيص الأراضي وشقق المدن الجديدة والطرق والكباري والبنية الأساسية.
2- عمولات التسلح ووسائل نقلها .
3- قطاع الاتصالات والهواتف المحمولة والثابتة.
4- خصخصة وبيع الشركات العامة ونظم تقييم الأصول والممتلكات والأراضي المملوكة لهذه الشركات.
5- البنوك ونظم الائتمان وتهريب الأموال الى الخارج عبر القنوات المصرفية الرسمية.
6- شركات توظيف الأموال وما جرى فيها.
7- تجارة المخدرات واختراق قيادات الأجهزة الأمنية والمؤسسة السياسية.
8- تجارة العملات الأجنبية والمضاربة على سعر صرف الجنية المصري .
9- تجارة الدعارة وشبكات البغاء ذات الصلة أحيانا بكبار رجال الدولة وأجهزتها .
10- نظم الاستيراد وأذون الاستيراد وبرامج الاستيراد السلعي .
11- طرق توزيع مشروعات المعونة الأمريكية .
12- الصحافة ومؤسساتها وإفساد الصحفيين عبر وسائل شتى والإعفاء غير القانوني للمؤسسات الصحفية ( القومية ) من أداء الضرائب العامة وتسهيل سبل الارتزاق السري وغير القانوني لبعض الصحفيين.
13- ما يسمى "علاوة الولاء" التى تمنح بصورة سرية وبالمخالفة لقواعد المشروعية المالية لكبار قيادات الجيش والأمن.
14- إفساد النظام التعليمي الرسمي والصمت على جريمة الدروس الخصوصية بل وخلق الظروف الملائمة لتفشيها.
15- الإبقاء على فساد النظام الصحي الحكومي من أجل إتاحة الفرص لتوسع المستشفيات الاستثمارية .
16- البورصة وسوق الأوراق المالية وسوق التأمين.
هذه هى عينة من بعض القطاعات التى أفسدتها السياسات العامة، وسوف نتعرض إليها تفصيلا بعد قليل.
أما مجالات الفساد لدى صغار المواطنين ومحدودي الدخل فقد أصبحت تشكل تيارا عريضا من الممارسات وجزءا أساسيا مما يسمى " الاقتصاد الخفى "hidden economy أودخول الظل shadow income أو الاقتصاد الموازى ، بحيث باتت تشمل الأنشطة التالية:
1- العمل على إبقاء النظام التعليمي الحكومى غير فعال لصالح نظام تعليمي غير رسمى أوالسوق التعليمية السوداء black educational market ، سواء فى صورة الدروس الخصوصية أو انتشار المدارس الخاصة والاستثمارية والأجنبية وأخيرا ما يسمى " مدارس التميز " ، ولقد بلغ حجم الأموال المنفقة على الدروس الخصوصية وحدها – وفقا لتقرير مجلس الشورى المصرى عام 1994 – وحده حوالي 10 مليارات جنية تحملتها الأسر المصرية الفقيرة (11) وقد بلغت عام (2004) حوالى 18 مليار جنية خاصة بعد تقسيم مرحلة الثانوية العامة إلى سنتين دراسيتين بدلا من عام دراسي واحد (12).
2- عدم فاعلية نظام الأمن الرسمي لصالح نمو وتفشى نظام الأمن غير الرسمي أو"مواز"، حيث لاتحرر أقسام الشرطة محاضر للمواطنين إلا بالوساطة، ولا تجرى عمليات التحرى لكشف السرقات وضبط المتهمين إلا من خلال المحسوبية والرشاوى والإكراميات، كل ذلك يتم على مرأى ومسمع من الجميع وداخل كل إدارات ومديريات الأمن.
3- يقاس نفس الأمر فى دوائر التقاضي والقضاء، حيث تمثل "الإكراميات" أو الرشاوى الوسيلة الأساسية لتحريك إعلانات القضايا بالمحاكم (قلم المحضرين) وغيرها من تسلسل أعمال التقاضي ووسط أكثر من ثلاثة ملايين قضية يجرى النظر فيها سنويا أمام المحاكم المختلفة.
4- وفى المستشفيات العامة والحكومية والتي يتردد عليها حوالي 47 مليون مريض – وفقا لتقرير وزارة الصحة عام 2006 – فان تقديم الخدمة لهؤلاء لا تتم إلا من خلال الإكراميات والوساطة، وبحسب الحالة الصحية وخطورة المرض (13) .
5- موظفي الخدمات الحكومية الأخرى، خاصة المصالح الجمركية والضرائبية والخدمات الجماهيرية الأخرى، حيث تقدم الإدارات الحكومية حوالي 627 خدمة متنوعة للجمهور، فان تعاطى بعضهم "للإكرامية" أو العمولات ، خاصة فى المحليات – إجراءات منح تراخيص البناء أو رخص النشاط أو تعلية الأدوار فى المساكن .. الخ – كلها تتم بسبب تدنى الأجور والمرتبات لهؤلاء الموظفين، مما أدى الى تركيز "جبري للخطيئة" وإجبار عشرات الآلاف منهم إلى قبول الرشوة والإكراميات، حماية لأبنائهم وأسرهم من العوز والجوع.
وإذا كان أحد أقطاب الحزب الوطني الحاكم – زكريا عزمي – وعضو مجلس الشعب قد أعترف علنا وداخل جلسة مصورة لمجلس الشعب بأن الفساد " للركب " فى المحليات ، فان الحقيقة هى أن الفساد قد وصل الى العنق ، وليس فقط فى المحليات بل فى مصر كلها بسبب سياسات هذا النظام ، الذي ترك نظم الأجور والمرتبات بهذا المستوى اللا إنساني وكأنه يرغب فى إفساد غالبية أبناء الشعب حتى لايتحدث أحد منهم عن فساد الحكام ورجال المال والأعمال.
ثانياً – جريمة عدم الولاء للنظام الجمهورى:
لقد حصر القانون 247 سنة 56 جريمة عدم الولاء للنظام الجمهورى فى مقلين:
1- العمل على تغيير النظام الجمهورى إلى نظام ملكى.
2- وقف دستور الدولة كله أو بعضه أو تعديل أحكامه دون اتباع القواعد والإجراءات التى قررها الدستور وقد ارتكب الرئيس المخلوع جريمة عدم الولاء للنظام الجمهورى بفعليها علاى النحو الآتى:
1- العمل على تغيير النظام الجمهورى:
لقد بات معلوماً فى داخل مصر وخارجها، أن المتهم عمل كعادته – على تحويل النظام الجمهورى الذى أقسم على احترامه، إلى نظام ملكى فى الواقع، ويحمل الاسم الجمهورى فى الشكل. إذ رغب فى توريث ابنه الأصغر جمال الحكم، وقد كان ذلك مشروعه الذى عمل بجدية لتحقيقه بمساعدة من القريبين منه، فرسمت الخطط ووضعت السيناريوهات انتظاراً إلى مناسبة مواتية أو تبدو مواتية، ثم يطرح المشروع نفسه، وكان من بنود الخطة أن يماطل الأب – فى الظاهر – ويرواغ، ولا يعلنها (نعم) صريحة لتوريث الحكم، أو (لا) قاطعة. وإن كان قد أبدى من الإشارات ما يفيد نعم أحياناً، فقد صرح بلا فى أحيان أخرى. ولكن الخطة كانت مرئية بجلاء لا لبس فيه، إذ تحول الإنكار إلى إفصاح تدريجى، بعد أن لجأ البيت الرئاسى فى مصر إلى نشر نوع من الشك السياسى، بأن أجاب جمال مبارك فى ختام المؤتمر الأخير للحزب الحاكم رداً على من سأله عن التوريث وقال "لا أريد الدخول فى قضايا فرعية، وأضاف "الإطار الدستورى واضح" فبدت النغمة مختلفة عن رده على ذات السؤال قبل شهور فى برنامج خاص للتليفزيون الحكومى إذ قال "ليس عندى رغبة فى الترشيح للرئاسة" تماماً كما فعل الأب الذى أنكر بطريقة شبه قطعية فى يناير سنة 2004 وقال "لاتوريث فى نظامنا الجمهورى" وفى يناير سنة 2005 تخفف الأب قليلاً من عبء الإنكار وقال فى حديث لقناة العربية واصفاً دور ابنه السياسى على طريقة "ابنى بيساعدنى" ثم فى اجتماع مغلق للهيئة البرلمانية لحزبه بدا مبارك الأب أقرب إلى الإفصاح إذ نقل عنه قوله "إذا كان الشعب عايز جمال يجيبه" ولم يكن الشعب حاضرا – بالطبع – فى عملية تسريب جمال مبارك من البيت للسياسة، بينما كان إنكار الأب قاطعاً فى أواسط التسعينات لعمل أبنائه بالسياسة، إذ صرح للصحفى مكرم محمد أحمد "أنه لاينوى أبداً إقحام ولديه فى السياسة وهما مشغولان بالبيزنس، وأضاف أن ابنه جمال يشترى ديون مصر لصالح البنك الذى يعمل مديراً لفرعه فى لندن (بنك أوف أمريكا) وضرب مثلاً بشراء جمال لدين صينى على مصر. ولم ينتبه الأب – بدرجة ذكائه المعروفة - لاعترافه الخطير باستغلال ابنه التجارى لسلطة الرئاسة، فالديون – فى العادة – تشترى بنصف القيمة أو أقل، ويكسب البنك الوسيط نصف قيمة الدين، وإذا كان الأمر متعلقاً بدين دولة، فلابد للدولة بمسئوليتها أن تتورط فى تسهيل عملية الشراء، وهذا ماجرى ببداهة الأمور، المهم أن ذات الطريقة فى الاستيلاء على الديون جرى إتباعها فيما بعد فى عملية الاستيلاء على الرئاسة، وبالدستور الذى بات دستور العائلة، وبالحزب الوطنى الذى هو خربها بالذات. ففى سنة 1994 أعيد جمال مبارك من لندن، وكانت ثروته الشخصية قد بدأت فى التضخم، وأنشأ شركة "ميدانفستمنت" المسجلة فى لندن برأسمال مائة مليون دولار، وتوسعت امبراطوريته المالية فيما بعد، وبلغت ثروته يحسب تقديرات "بيزنس ويك" إلى سبعمائة وخمسين مليون دولار، ثم أدخل فى مجالس إدارات بنوك كالبنك العربي الأمريكى والبنك العربى الإفريقى، ثم كانت القفزه الأهم بدخوله فى عضوية مجلس إدارة شركة هيرمس للاستثمار المباشر"، وفى طريقه للصعود الصاروخى فى دنيا البيزنس، بدأت رحلة التسلل إلى الرئاسة، ومن القمة رأسا، فقد عينه مبارك الأب سنة 1997 عضواً فى المجلس الرئاسى المصرى الأمريكى، ثم أصبح متحدث رسمياً باسم المجلس الذى أنشأه مبارك، وفى سنة 1998 جرى تطوير خطة الاقتحام السياسى وأنشأ جمال مبارك "جمعية جيل المستقبل" كانت الفكرة وقتها أن "ينشئ حزب المستقبل" وأن يدخل فى مباراة سياسية مع الحزب الوطنى الذى يترأسه والده، ثم يفرح الأب بفوز حزب الابن، لكن هذه الطريقة فى التوريث بدت صادمة لجنرالات الأب، ولم تصادف هوى لدى سيدة القصر "سوزان ثابت" الراعية لمستقبل الابن المعجزة، واستقر الاختيار على الطريق المباشر، وهكذا أضيف جمال مبارك إلى عضوية الحزب الوطنى ومن أعلى السلم سنة 2000، وجرى التوصل إلى تكتيك لجنة السياسات كإطار بديل لقيادة دولاب الحكومة، وظهر جمال مبارك كأمين للجنة السياسات فى مؤتمر الحزب الوطنى سنة 2002، وألصق باسم الحزب الوطنى شعار "فكر جديد" وبدت العبارة الموحية كأنها كلمة السر وشفرة صعود جمال مبارك، ورغم أن مبارك الابن بلا صفة تشريعية ولا تنفيذية، فقد بدأ من وقتها فى قيادة اجتماعات تضم رئيس الوزراء نفسه، وبدأت كراماته تظهر، فقد كان وراء تعويم الجنيه أى خفض قيمته إلى النصف فى يناير سنة 2003، ثم كان قرار تشكيل حكومة نظيف فى يوليو سنة 2004 بضغط مباشر منه، وسيطر رجاله – فى لجنة السياسات – على المجموعة الاقتصادية، ولفتت ديناميكية مبارك الابن نظر الرعاة فى واشنطن، وجرى ترتيب زيارات لجمال مبارك إلى واشنطن، وتحولت المناقشات من الاقتصاد إلى السياسة، وانتقلت من العلن إلى السرية، الزيارة السرية الأولى كشف عنها "بوب ود وارد" فى كتابه "خطة الحرب" وقد جرت قبل أسابيع من بدء حرب غزو العراق فى أواخر مارس سنة 2003، فقد ذهب جمال مبارك مبعوثاً شخصياً عن والده للقاء الرئيس بوش ونائبه ديك تشينى، ونقل الابن – بحسب بوب – رسالة من والده تقترح استضافة صدام حسين وعائلته فى لجوء سياسى للقاهرة، ولم توافق الإدارة الأمريكية وقتها، لكنها عادت لاستدعاء جمال مبارك فى زيارة سرية أخطر جرت فى 11، 12 مايو سنة 2006 وجرى النقاش عن الداخل المصرى بالذات، والتقى مبارك الابن ببوش وتشينى وأجرى مناقشات مفصلة أكثر مع كوندليزا رايس وزيرة الخارجية، واستيفين هادلى مستشار الأمن القومى، وبدت هذه الزيارة كأنها مرتبة بقصد الحصول على "ضوء أخضر" وإقناع واشنطن بأن استنساخ نظام مبارك – فى صورة رئاسة الابن هو الخيار الأفضل لصالحها، وبدا أن واشنطن قد اقنتعت حتى إشعار آخر، فالبديل لتوريث جمال مبارك هو حكم الجيش أو الإخوان المسلمون.
وأكثر من ذلك فقد تمكن مبارك الأب من تفريغ محيط النخبة فى مصر، فلم تعد تتسع لغيره، أو لمن يشاء ويختار، إذا جاءت ضرورات للاختيار حتى بالنسبة لمنصب نائب الرئيس، ولم يكن مبارك مستعداً لقبول رجل يجلس خلفه أو يجلس بجانبه فى انتظار موعد التغيير أو مفاجأة المقادير، ولعله بذلك، كان يؤبد لحكمه إلى أخر نبض يخفق، ونفس يتردد على حد ما قال، ثم أدخل جمال مبارك إلى النخبة الحاكمة بالنفوذ المباشر للأب. وهو ما اعترف به الإبن بصراحة، إذ قال فى لقاء بالتليفزيون الحكومى – أنه لم يكن بوسعه الصعود بالمباشر لمناصب حزبية لو لم يكن ابناً للرئيس، وهو ما يعنى – بالطبيعة – أن قوة الدفع بغير رعاية الأب ليست واردة، بينما الأب الثمانينى يبدو فى احتياج حقيقى لن يرعاه، وقواعده الاجتماعية تتآكل باطراد، ونسب الإقبال على التصويت فى انتخاباته واستفتاءاته تكاد تلامس خط الصفر، وبدت استفتاءات الصفر ظاهرة بالذات فى تعديلات الدستور التى جرت بمقاس عائلى ولمصلحة مبارك الأب والابن معا، فقد جرى تعديل المادة 76 من الدستور باستفتاء 25 مايو سنة 2005 وجرى تعديل 33 مادة معها باستفتاء 26 مارس سنة 2007 ونسب الإقبال بالتصويت على الاستفتاء لم تتجاوز 3 أو 4٪ فى أقصى تقرير – طبقاً لتقارير نادى القضاة – بما معناه أنها تعديلات تفتقر إلى أى تعاطف شعبى ذى مغزى، وربما لوضوح القصد العائلى فيها، فهى تحصر إمكانية الترشح الجدى للرئاسة فى الأب أو الابن، ولا تتيح الحق نفسه لأحد من خارج أحزاب الرخصة الرسمية، والمعروف أن غالب الحيوية السياسية للمصريين ظلت خارج الأحزاب المسموح بها بما فيها الحزب الوطنى، وكان القضاء المصرى قد لعب دوراً في دعم الحريات النسبية – وجاءت التعديلات إياها لتوجه ضربة مزدوجة للسياسة الحية ولدور القضاء معاً، فقد وضعت شروطاً مانعة لترشيح أى شخص من خارج الأحزاب الرسمية ومن جماعة الإخوان المحظورة بالذات، فهى تضع شرطاً لترشيح المستقلين يبدو أصعب فى ضمان توفيره من لبن العصفور، تشترط توقيع 250 عضواً برلمانياً لصحة الترشح (65 عضواً من مجلس الشعب، 45 عضواً من مجلس الشورى، 140 عضواً من مجالس المحليات موزعون على عشر محافظات، وقد كان ممكناً لمرشح إخوانى أو يدعمه الإخوان – أن يستحصل على النصاب المطلوب من مجلس الشعب فقط، فلدى الإخوان 88 نائباً نتيجة الإشراف القضائى الذى تكفل بردع التزوير جزئياً فى انتخابات سنة 2005، فجاءت تعديلات 26 مارس سنة 2007 لتقطع الطريق على فرص اكتمال هذا النصاب للإخوان أو لغيرهم، إذ جرى إحلال الإشراف العملى على الانتخابات لضباط الشرطة محل إشراف القضاة، وتحولت الانتخابات إلا تعيينات وأعلن فوز الحزب الحاكم بكافة مقاعد مجلس الشورى فى انتخابات جرت فى ابريل سنة 2007، وهكذا جرى قطع الطريق على أى منافس جدى لمبارك الأب أو الإبن فى انتخابات الرئاسة، وجرى إكمال غلق الدائرة فى مؤتمر الحزب الوطنى الأخير، إذ لم يكن ترشيح جمال مبارك للرئاسة وارداً بصفة رسمية قبل المؤتمر، فهو لم يكن عضواً بالمكتب السياسى، وكان المكتب السياسى بمثابة الهيئة العليا التى تشترط تعديلات الدستور عضوية المرشح فيها، وكأن أن جرى – فى المؤتمر – إلغاء المكتب السياسى وضمه إلى الأمانة العامة فى تشكيل أطلق عليه اسم "الهيئة العليا" ودخل جمال مبارك بصفته أميناً عاماً مساعداً إلى عضوية الهيئة العليا، فزالت آخر عقبة شكلية قد تعترض طريق ترشيحه للرئاسة فى أى وقت، ثم كان أن جرى الإيماء بتعجيل وارد فى الوقت الموعود، وتقرر أن يجرى الترشح للرئاسة فى مؤتمر استثنائى يستدعى بقرار من مبارك الأب الذى هو رئيس الحزب فى الوقت نفسه، والمعنى واضح هو أن منصب الرئاسة – فى الحال والاستقبال – قد حجز رسمياً لمبارك الأب أو الأبن، وكانت العلاقة بين المصالح والقرار السياسى قد بلغت أوج قوتها، وتحتاج إلى تحصينها بوليد التوريث، ولذلك لم يكن غريباً أن تجئ انتخابات آخر مجلس شعب وقع انتخابه قبل ثورة 25 يناير سنة 2011، وفيه عدد غير مسبوق من رجال الأعمال، لا تكفى لطمأنهم وعود وعهود، ولا سلطة تطوع من أجلهم القانون، لكنهم يريدون أن يكتبوا النصوص الان وفى مستقبل. وتزايد دور جماعة المصالح – وهى تلتصق بالسلطة – بتشكيل البعثات والوفود المتحركة بنشاط على الطريق إلى واشنطن تبذل أقصى الجهود فى أروقة الكونجرس أو دور الصحف بظن التأثير على مراكز القرار الأمريكى وإقناعه بأن النظام القائم على السلطة فى مصر، لابد من مساندته على الأمد الطويل، ومساندته فى المستقبل كما فى الحاضر، لأنه ضرورة أمريكية قبل أن يكون ضرورة مصرية، باعتبار أن الحاضر يحكمه الأب، والمستقبل يحتاج إلى الأبن.
2- وقف دستور الدولة وتعديل أحكامه دون أتباع القواعد والإجراءات التى قررها الدستور:
لقد اتبع المتهم وأعوانه طوال فترة حكمه أسلوب الافساد والغواية لتفريق الجماعات، وضمان تجميع السلطة الفعلية في يده، حين أصر على ضمان انفراده بالقرار رغم المظهر التعددي الذي يتخذه، وساعده على ذلك أعوانه من ترزية القوانين في المجلس التشريعي ووزراؤه وقادة القطاعات الادارية والاقتصادية المختارون من أجهزته الأمنية، فجعل سلطات الدولة لا تحمل من الاستقلال سوى اسمه، أما المحتوى والمضمون فهو له من الناحية الفعلية ومن أمثلة ذلك:
أولاً: أنه عمد إلى إفراغ الأحزاب الموجودة من فاعليتها السياسية بقدر الإمكان، فالأحزاب القائمة علنا صار بعضها موقوفًا أو مجمدًا رسميًا، وبعضها أضحى لافتة على مفر دون فاعلية، وبعضها ألحق بالدولة، وبعضها ضُيق عليه الخناق، وحُرم من الوجود الشرعي كل ماجدّ على المجتمع من حركات حزبية يتوقع لها وجود فعلي وجاد. وبات النظام هو نظام الجزب الواحد من الناحية الفعلية.
ثانياً: والمجلس النيابي الموجود على مدى أكثر من ثلاثين سنة، كان يتشكل دائمًا من حزب الحكومة بأغلبية لا تقل عن تسعين بالمائة إلا مرة واحدة قلَّت إلى 78%، وقد صُنع في انتخاباته كل أنواع التزوير بدءًا من تزوير كشوف الناخبين مرورًا ببطاقات التصويت وانتهاءً بنتيجة الفرز مما صار مجالاً لطعون انتخابية جاوزت المئات في كل مرة، ولم يطبق من أحكام القضاء وقراراته بشأنها إلا حالات فردية رآها حزب الحكومة محققة لصالح رجاله، فدومًا كانت السلطة التنفيذية تخوض بحزبها الانتخابات التي تشرف هي عليها، وتُسيرها بأدواتها الأمنية والاقتصادية والاعلامية بما يضمن سيطرتها على البرلمان، وقضت المحكمة الدستورية ببطلان تشكيل مجالس الشعب الأربعة التي شكلت في المدة من 84 حتى عام 2000(ستة عشرة سنة كاملة) ولم تطق الحكومة في أي منها معارضة لا تزيد في أحسن الأحوال على عشرين على بضعة عشر أوبضعة وعشرين عضوًا لايقابل مما يجاوز أربعمائة هم أعضاء المجلس، ولما جرت انتخابات عام 2005 بعد أن صُححته الإجراءات نفاذاً لحكم للمحكمة الدستورية العليا، وصار الإشراف القضائي كاملاً بضغط من الشعب المصري وقضائه، وتسلل إلى المجلس التشريعي مائة واثنا عشر عضوًا من جماعة الإخوان المسلمين و قوى المعارضة الأخرى، الذين ترشحوا كمستقلين. في المرحلة الأولى، استخدمت السلطة التنفيذية أدواتها الأمنية في منع دخول الناخبين من الإخوان المسلمين والمعارضين لجان الاقتراع، وتحقق بذلك للحزب الحاكم الأغلبية في البرلمان، ثم سرعان ما انقلب الرئيس المخلوع على الدستور وأجرى تعديلاً للمادة 88 أعاد به الإشراف الصوري المنقوص للقضاة على عملية الانتخابات إذ تم الاكتفاءبإشراف قاضٍ لكل لجنة عامة، ولم يعد هناك قاضٍ للإشراف على صناديق الاقتراع في اللجان الفرعية بالمخالفة لأحكام الدستور وحكم المحكمة الدستورية، حتى إذا ما جرت انتخابات 2010 بلغ فيها التزويرأقصى مداه فاقتصرت عضوية البرلمان على أعضاء الحزب الحاكم وحده، ورغم ما صاحب ذلك من غضب شعبي واضح دفع القوى السياسية المعارضة إلى تشكيل برلمان موازٍ، فقد التقت الرئيس المخلوع عن ذلك وواصل تهنئة نوابه في خطابه لدى بدء الدورة البرلمانية على فوزهم الكاسح واصفًا الانتخابات التي أتت بهم كعادة في كل مرة بأنها نزيهة ولم يسبق لها مثيل في نزاهتها وسخر من غضب الشعب المصري وبرلمانه الموازي قائلاً (خليهم يتسلوا) مما كان سببًا مباشرًا لحظيًا لثورة 25 يناير 2011.
ولقد استطاعت السلطة التنفيذية برئاسة المتهم: بسيطرتها على أجهزة التنفيذ والتشريع أن تصدر عددًا من التشريعات سميت شعبيًا بالتشريعات سيئة السمعة منعت التقاضي في المجالات التي رأت لنفسها فيها صالحًا سياسيًا مثل مسائل الجيش وقمع المتظاهرين وتقييد حرية الصحافة والحريات العامة وغيرها فضلا عن تشريعات اقتصادية تركت ثغرات تسلل منها الفساد المحمى من الدولة سيما في مجال الضرائب والجمارك وغيرها.
ثالثاً: وحتى السلطة القضائية المستقلة بنص الدستور لم تسلم من هيمنة السلطة التنفيذية ممثلة في رئيسها ووزراء العدل وفي ظل أحكام قانون السلطة القضائية المعمول بها الآن، فقد سلكت وزارة العدل في العقود الثلاثة الأخيرة في إدارة القضاء المصري مسالك فعلية تعتمد على الاختيارات الشخصية، وعلى تأليف قلوب من يجدي معهم هذا الصنيع، وبالوسائل المؤثرة ذات الفاعلية بالنسبة لمن يكون مهيأ لذلك، ومن المداخل ذات الأثر بالنسبة لكل صاحب مدخل، وكان هذا يراعى في كل من يشغل المواقع الوظيفية القضائية ذات الأهمية الخاصة بحكم ما يكون منوطًا به من صلاحيات تجعل لموقعه أهمية خاصة في نظر قضايا معينة أو استخدام سلطات ولائية ذات اعتبار مؤثر في أنشطة نقابية أو انتخابية
أو أمنية أوجنائية أو غير ذلك.
وقد ساعدت أحكام قانون السلطة القضائية الحالي وزارة العدل على مسلكها، فهذا القانون يجيز لوزير العدل التدخل في شئون العدالة من نواح كثيرة أهمها ندب رؤساء المحاكم الابتدائية وإنهاء ندبهم بإرادته بما يتيح له الهيمنة على المحاكم الابتدائية كلها، والندب يكون لمدة سنة قابلة للتجديد برغبة الوزير مما يشكل ضغطًا مستمرا على شاغل الوظيفة، ورئيس الجمهورية هو الذي يعين رئيس محكمة النقض، وهو رئيس مجلس القضاء الأعلى من بين نواب رئيس الحكمة وهم مئات، وإدارة التفتيش القضائي تتبع وزير العدل، وقد بلغ مكر وزير سابق للعدل أن سن سنة سيئة وهى ندب من يتوقع بحسب عمره أن يكون على رأس مجلس القضاء أو عضوًا فيه ليكون مساعدًا له لفترة طويلة، يحصل فيها على امتيازات مادية ومعنوية يصعب معها أن يرفض طلبا له، ويندر معها أن يكون مطالبًا قويًا باستقلال القضاء، إن لم يكن من والموالين للسلطة التنفيذية ورئيسها مثلما كان عليه حال رئيس مجلس القضاء السابق وآخرين سبقوه. وقد أمر المتهم الأول برفع سن تقاعد القضاة ليستمر هؤلاء في مواقعهم طالما أظهروا ولاءهم، وذلك ما دفع القضاة دومًا وطوال حكم المتهم الأول إلى إعلان مطلبهم في جمعيات محاكمهم ونواديهم العمومية في أن يخلى بين السلطة التنفيذية وبين شئون القضاء وأعدوا مشروعات قوانين لتعديل قانون السلطة القضائية، ولكن ذلك كله قوبل بالتسويف والمماطلة حينًا وبالرفض أحيانًا من قبل المتهم الأول ووزراء العدل وهو ما ألحق الضرر بالعدالة.
رابعاً: لقد استغل المتهم سيطرته على المجلس التشريعي حسبما سلف وسخَّره في الإبقاء على حالة الطوارئ معلنة في البلاد منذ تولية الحكم في أكتوبر عام 81 ولثلاثة عقود هي فترة حكمه، وبالرغم مما وعد به رئيس مجلس الوزراء عام 81 عند طلبه الموافقة على إعلانها لمدة سنة من مجلس الشعب من أنها لن تستمر أكثر من بضعة أشهر حتى تتبين أبعاد حادث /اغتيال الرئيس السادات، فقد استمر سريانها سنة بعد أخرى، بل لقد مده في عام 93 لثلاث سنوات دفعة واحدة بالرغم من تبين أبعاد الحاث الذي وقع وكان سببًا في إعلانها قبل أن تنتهي السنة الأولى لوقوعه، وهكذا أصبحت حالة الطوارئ المعلنة ليست حالة طارئة كما ينطق بذلك اسمها بل حالة مستديمة. وذلك بالمخالفة لأحكام القانون 162 لسنة 58 الذي أحالت إليه المادة 148 من الدستور، إذ حدد هذا القانون الظروف التي تجيز إعلان حالة الطوارئ واستمرارها بأن يكون الأمن أو النظام العام في البلاد معرضًا للخطر بسبب من الأسباب المحددة على سبيل الحصر وهي وقوع حرب أو قيام حالة تهدد بوقوعها أو حدوث اضطراب في الداخل أو كوارث عامة أو انتشار وباء. وما قيل عند كل لحالة الطوارئ من أن المقصود من استمرارها هو مواجهة الإرهاب المسلح وتجارة المخدرات مع وعد بعدم تجاوز سلطة الطوارئ إلى غير ذلك من الأفعال، فإنه لا يعتبر مبررا بقبولا لاستمرار الطوارئ أكثر من ثلاثين سنة، فهذه الأحداث والانحرافات موجودة في الكثير من دول العالم ومع ذلك لم تلجأ هذه الدول إلى فرض حالة الطوارئ لمواجهتها، نظرًا لأن إعلان حالة الطوارئ يعطي لجهاز الأمن من الصلاحيات الاستثنائية ما يمكن أن يهدد حريات المواطنين في الاجتماع والانتقال والاقامة والمرور والقبض على المشتبه فيهم واعتقالهم، وتفتيش الأشخاص والأماكن ومراقبة الخطابات والمراسلات أيا كان نوعها والصحف والمطبوعات وكافة وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها وضبطها ومصادرتها وإغلاق أماكن طبعها، وتحديدًا عبر فتح المحال العامة وقفلها، وإغلاق هذه المحال كلها أو بعضها، وتكليف أشخاص بتأدية أي عمل من الأعمال، والاستيلاء على أي عقار أو منقول، وسحب تراخيص الأسلحة ......إلخ ويعاقب كل من يخالف الأوامر العسكرية المذكورة من الحاكم العسكري بعقوبات تصل إلى السجن المشدد، من محاكم أمن الدولة في الجرائم التي تقع بالمخالفة لما تقضي به هذه الأوامر، ولا يجوز الطعن في أحكام هذه المحاكم. وبذلك جمع رئيس الدولة (المتهم) أيضًا بصفته الحاكم العسكري هذه المرة بين يديه سلطات الدولة الثلاث. وقد استخدم قانون حالة الطوارئ في اعتقال الآلاف من الخصوم السياسيين سيما جماعات التيار الاسلامي والإخوان المسلمين، وأصحاب الرأي بغير جريره، وهو ما هدد المواطن المصري في حريته وحياته وعمله، وعرَّض مستقبله ومستقبل أسرته للخطر، ولم يستجب المتهم ولو لمرة واحدة لطلبات إنهاء هذه الحالة حتى بعد إصدار قانون جديد للمخدرات وقانون آخر لمواجهة الإرهاب وتضمينها كل الوسائل والأساليب التي يتوجب الاكتفاء بها والاستغناء عن استمرار حالة الطوارئ المعلنة بقصد التصدي لها وفقًا لما كانت معلنة الحكومة عند كل تجديد لاستمرارها؛ بما مفاده أن إعلان حالة الطوارئ كان مقصودًا لذاته إمعانًا في إهدار حريات المصريين والتعدي على حرماتهم المصونة بحكم الدستور، وهو ما يعد إخلالا جسيمًا بالتزاماته ولاينال من ذلك الشكل الذي روعى في مدها طوال هذه المدة إذ كان وليد تحايل على أحكام الدستور للتحلل من قيد المدة المنصوص عليها في المادة 148 ومواد الباب الثالث من الدستور وهو ما يعد وفقاً وتعطيلاً لأحكام الدستور المؤثم بالمادة 6 رقم 2 من القانون رقم 247 لسنة 56.
خامساً: وزيادة في قهر المصريين حتى يضمن خلوده في الحكم فقد أهدر حقوقهم الإنسانية وحقوقهم العامة المكفولة في الدستور الذي أقسم على احترام أحكامه حسبما يلي: بالمخالفة لأحكام الباب الثالث من الدستور.
بالنسبة لحقوق الانسان في مصر:
1- لم يمارس المواطن حقه في إدارة شئون بلده، إذ كانت السلطة التنفيذية تتدخل بالضغط والترهيب في الانتخابات العامة، ويتم التلاعب في بطاقات التصويت، وطرد واعتقال مندوبي المرشحين من غير الموالين للنظام الحاكم، والتزوير في كشوف حضور الناخبين ومحاضر فرز الأصوات متسترة بإشراف صوري للقضاء تمثل في رئاسة اللجان العامة فقط، والتي يتم التصويت عليها بعيدًا عنها في اللجان الفرعية المنتشرة في أنحاء الدائرة الانتخابية، وقد تعمد النظام عدم الأخذ بالضمانات التي نادت بها كل القوى السياسية المعارضة ورجال القضاء في نواديهم وجمعياتهم العمومية ومؤتمر العدالة الأول والأخير.
2- أهدر حق المواطن في التعبير عن رأيه والحصول على المعلومات، فقد جعل قانون الأحزاب المفصل لصالح النظام الحاكم قيام الأحزاب رهنًا بموافقة لجنة إدارية غالبيتها من الحزب الحاكم الذي أضحى خصمًا وحكمًا، وهو ما أدى إلى منع قيام أحزاب تمثل قوى وطنية لها وزنها في الساحة المصرية مثل الأحزاب ذات المرجعية الدينية بينما قامت أحزاب لا تزال تسعى لتكوين قاعدة لها.
3- وفقد بعض المواطنين وسيلة التعبير عن رأيهم خاصة إذا ما أضيف إلى ما تقدم القيود المفروضة على الصحافة وغيرها من وسائل الإعلام .فالصحافة المسماة بالقومية هي في حقيقتها حكومية خاضعة لسلطانالسلطة الحاكمة من حيث تعيين رؤساء مجالس إدارات مؤسساتها ومجالس تحرير صحفها، ومن حيث الإشراف على شئونها. أما الصحافة الحزبية فهي معبرة عن آراء الأحزاب التي تنطق بلسانها.
وبالتالي لم يجد صاحب الرأي الذي لا ترضى عنه السلطة الحاكمة والأحزاب القائمة مجالاً للتعبير عن رأيه عن طريق الصحف الموجودة، وقد سُلب حق المواطن في إصدار صحيفة يعبر من خلالها عما يحيش في صدره ولتكون نافذة غير حكومية أو حزبية للتعبير عن مختلف الآراء والأفكار. أما الاذاعة والتلفاز فكانا دومًا حكرًا على النظام الحاكم .
4- ولا أهمية عند النظام لحق المواطن في المعرفة واستقاء الأنباء والأفكار. فكم من قرارات صدرت وأخرى ألغيت، وكم من وزير عُين وأعفى غيره وكم من تعديل في وزرات أو تشكيل بديل لها دون أن يدري المواطن شيئًا عن الدوافع والاسباب، وتنطلق الشائعات حول اتهامات خطيرة وتضبط جرائم وتقع حوادث وتثار قضايا سياسية كبيرة دون أن يصدر عنها في الوقت المناسب بيان من الحكومة.
5- وعن حق المواطن في عدم المساس بكرامته أو تعذيبه، فقد سجلت أحكام القضاء وتحقيقات النيابة بعض ما وقع من أعمال تعذيب بشعة للمتهمين والمقبوض عليهم داخل السجون حتى وصل الأمر إلى اعتراف بعض المتهمين على أنفسهم خلافًا للحقيقة بأنهم ارتكبوا جنايات قتل وشروع في قتل، منهم الثلاثة الذين اعترفوا بشروعهم في قتل اللواء حسن أبو باشا وزير الداخلية الأسبق، للتخلص من آلام التعذيب القاسية، ومن حسن الحظ أو سوئه أن يتم بعد ذلك ضبط الفاعلين الحقيقيين في هذه الجريمة، وكان قد سبق تكرار نفس الشيء في حادث اغتيال الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب الأسبق، وغير هؤلاء كثر لم يعلن عنهم لكون المجني عليهم من الناس العاديين، وهو أمر يدل على الاستهانة بكيان المواطن وكرامته.
6- كما أهدر حق المواطن في اللجوء إلى قاضيه الطبيعي، إذ ضمت محكمة الأحزاب السياسية التي تنظر الطعون في رفض تأسيس الأحزاب، وطلب حلها ووقف نشاطها عددًا من الشخصيات العامة مساوياً لعدد القضاه، وأحيل متهمون مدنيون إلى القضاء العسكري بما يضمه من نيابة عسكرية ومحاكم عسكرية تتبع وزير الدفاع وهو ما يفقد هذه المحاكم الحيدة ومن شأن ذلك حرمان المدنيين من بعض الضمانات.
7- وأهدر حق المواطن في الحد الأدنى من الحياة الكريمة ومستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته مع ارتفاع جنوني في مستوى الأسعار بما لا يتناسب مع مستوى الأجور والدخول وهو ما اضطر الآلاف للسكن في المقابر والخيام والعشش الصفيح، فضلاً عن تدهور الخدمات الطبية وارتفاع نفقات العلاج والتعليم والتقاضي وبالجملة تردى حالة الخدمات في المرافق العامة جميعها.
ويبين من كل ما تقدم أن الرئيس المخلوع عمد إلى وقف أو تعطيل أحكام الأبواب الأربعة الأولى فى دستور البلاد والتى تؤكد السيادة للشعب باعتباره مصدر السلطات، وحماية ممارسته لهذه السيادة، وقيام الاقتصاد على العدالة الاجتماعية، والحفاظ على حقوق العمال، وقيام النظام السياسى على تعدد الأحزاب وحق المواطنين فى تكوين الأحزاب السياسية، وكفالة الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين، ورعاية النشء والشباب وتوفير الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم، والخدمات الثقافية والاجتماعية والصحية، وتوفيرها بوجه خاص للقرية فى يسر وانتظام، وخدمات التأمين الاجتماعى والصحى ومعاشات العجز عن العمل والبطالة والشيخوخة للمواطنين جميعاً، واستغلال الجامعات ومراكز البحث العلمى، ومجانية التعليم فى مراحله المختلفة، ومحو الأمية، ووضع خطة تنمية شاملة تكفل زيادة الدخل القومى وعدالة التوزيع، ورفع مستوى المعيشة، والقضاء على البطالة وزيادة فرص العمل وربط الأجر بالإنتاج، وضمان حد أدنى وحد أعلى للأجور يكفل تقريب الفروق بين الدخول، وحماية الملكية العامة والتعاونية، والعدالة الاجتماعية للنظام الضريبى، فضلاً حماية الحريات الشخصية والعامة وحرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام، والبحث العلمى والإبداع الفنى والأدبى والثقافى وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لتحقيق ذلك وسيادة القانون واستقلال القضاء، وحق المواطن فى اللجوء إلى قاضيه الطبيعى...الخ. كما قام الرئيس المخلوع بتعديل لمواد الدستور يضمن انفراده بالحكم حيثما شاء بل وتوريث السلطة لابنه وقتما شاء كما سلف البيان، وهو فى ما تقدم لم يلتزم الإجراءات القانونية التى عناها المشرع الدستورى فى المادة 189 والتى تضمن مطابقة هذا التعديل لإرادة الشعب فى استفتاء حر ونزيه وشفاف بعيداً عن تدخل السلطة التنفيذية، وهو ما لم يتحقق، لاستخدام أساليب الغش والخداع والزيف والتزوير السالف إيرادها، فكانت نتيجة الاستفتاء غير معبرة تعبيراً حقيقياً وأميناً عن إرادة الشعب فيتخلف بذلك الشرط اللازم للتعديل الدستورى الذى أراده المشرع
ولا يغنى عن ذلك استفتاء شكلى لا يظهر الإرادة الحقيقية للشعب بدلالة مقاطعة الشعب لهذا الاستفتاء حتى أن نسبة المشاركين فيه لم تتجاوز 4٪ فى أحسن الأحول رغم ما شاب إجراءاته من تزييف.
ولا شك أن الرئيس المخلوع لم يكن فى مقدوره وحده أن يرتكب كل هذه الجرائم وغيرها مما عجزنا عن حصره، بل ساهم معه فى ارتكابها – بطبيعة الحال - أعوان حكمه، نائبه ووزراء حكوماته المتعاقبة منذ عام 81 وحتى خلعه فى 11 فبراير سنة 2011، إذ أبى كل هؤلاء أن يلتزموا بواجبهم الدستورى باعتبارهم شركاء فاعلين معه فى وضع السياسة العامة للدولة وفى تنفيذها، وارتضوا أن يكونوا مجرد سكرتارية له يؤمرون فيطيعون، وفى القليل يظهرون موافقتهم على سياساته الحكيمة دائماً باعتباره الحكيم والعبقرى والملهم، وتوجيهاته دائماً كانت أوامر حسبما بان فى الإعلام من تصريحاتهم ومواقفهم فى مواضع عدة، ولم نر أى منهم يعترض يوماً على إتيانه الأفعال والسياسات التى أدت إلى خراب مصر السياسى والاقتصادى والاجتماعى، وتقزيم دورها العالمى والاقليمى، وارتهان قرارها لدى أمريكا والغرب، بما أهدر أمنها القومى فى الداخل والخارج وعرّض استقلالها وسيادتها واقتصادها للخطر حينا، بل والضرر المحقق أحياناً، وهم فى القليل سكتوا على هذه السياسات، وأذل حرصُهم على مقاعدهم، والامتيازات التى يحصلون عليها بغير وجه حق أعناقهم فلم يجرؤ أحدهم على إعلان استقالته، رغم كل هذه الملمات والنوازل التى حاقت بالوطن من جراء هذه السياسات، وكان يتعين عليهم احتراماً للشعب وإرضاء للضمير – إن كان - أن يفعلوا ذلك اقتداء بوزراء أجلاء سبقوهم أدوا واجبهم بشرف وأمانة، وسجل لهم التاريخ موقفهم حين آثروا الاستقالة على الاشتراك فى مسرحية الحكم الهزلية التى أضرت بالعباد والبلاد على النحو آنف البيان مثل الأستاذ الدكتور محمد حلمى مراد وزير التعليم الأسبق فى وزارة الرئيس جمال عبد الناصر رحمهما الله، ووزيرا الخارجية المحترمان إسماعيل فهمى ومحمد إبراهيم كامل فى عهد الرئيس السادات.
ولا شك أيضاً أن جرائم الرئيس المخلوع لم تكن لتتم لولا مساهمة رئيس مجلسي الشعب والشورى "الدكتور فتحي سرور وصفوت الشريف" ودروهما الكبير المعروف فى خدمة النظام السابق وسياساته من مواقعهما الرسمية فضلاً عن قيادات الحزب الحاكم من الصف الأول على الأقل وهم أمين عام الحزب وأعضاء الأمانة العامة وأمناء المحافظات، ولجنة السياسات برئاسة جمال مبارك، ثم رئيس الديوان زكريا عزمى وسكرتيرى الرئيس للمعلومات الدكتور أسامة الباز والدكتور مصطى الفقى بالإضافة إلى رؤساء مجالس إدارات وتحرير الصحف المسماة بالقومية الذين روجوا لجرائم الرئيس المخلوع وساعدوه فى إتمامها باقلامهم ودعاياتهم حسبما يظهره أرشيف صحفهم المملوكة للشعب. ومن هؤلاء نذكر الصحفيين إبراهيم نافع، ومكرم محمد أحمد، وسمير رجب، وأسامة سرايا، وإبراهيم سعده، وصلاح منتصر ومجدى الدقاق وممتاز القط، ومحمد على إبراهيم ومن أعضاء السلطة التنفيذية نذكر:
أولاً: اللواء عمر سليمان والفريق أحمد شفيق، وكانا من أعمدة النظام وأقرب رجال مبارك إلى قلبه، فقد اختار أولهما لقيادة جهاز المخابرات العسكرية لعدة سنوات ثم لقيادة جهاز المخابرات العامة لما يقرب من عشرين عاماً، أما الثاني فهو رفيق السلاح وقد ولاه وزارة الطيران المدني، وكلاهما اللذان وقع عليهما الاختيار لمحالة إنقاذ نظامه من ثورة عارمة انفجرت فى وجهه حين عين الأول نائباً له وعين الثاني رئيساً للوزراء وذلك قبل أيام من خلعهم جميعاً. وأخيراً كشف النائب المحترم "عصام سلطان" عن فساد الثاني حين باع أكثر من أربعين ألف متر مربع من أراضي الدولة فى أجمل بقعة على البحيرات المره بقروش معدودة لكل من جمال وعلاء مبارك ولدى الرئيس المخلوع.
ثانياً: الدكتور كمال الجنزوري والدكتور عاطف عبيد والدكتور أحمد نظيف وكانوا رؤساء حكومات سابقين.
ثالثاً: الوزراء حبيب العدلي وعمرو موسى وأحمد أبو الغيط ويوسف بطرس غالى، ويوسف والى وأمين أباظة وأحمد المغربي وزهير جرانة، وممدوح مرعى، وعلى الدين هلال، وأنس الفقى، ومفيد شهاب وفايزة أبو النجا.
ولما كانت قواعد الاشتراك المنصوص عليها فى قانون العقوبات تسرى أيضاً - بناء على المادة الثامنة من القانون – على الجرائم التى تقع بالمخالفة لنصوص القوانين الجنائية الخاصة، ولما كان القانون 247 سنة 56 بشأن محاكمة رئيس الجمهورية لا تمنع نصوصه من معاقبة الشريك فى الجرائم الواردة فيه، وكان الشركاء المذكورون قد اشتركوا فى الجرائم المنسوبة للمتهم محمد حسنى مبارك بكل صور الاشتراك الواردة فى المادة 40 من قانون العقوبات وهى الاتفاق والتحريض والمساعدة فى الأعمال المجهزة والمسهلة والمتممة لارتكابها، وإذ كانت المادة 41 من قانون العقوبات قد نصت على أن من اشترك فى جريمة فعليه عقوبتها، وقد وقعت هذه الجرائم بناء على تحقق صور الاشتراك المشار إليها والمنسوبة للمتهمين الشركاء سالفى الذكر وهو ما يستوجب - وحال ثبوت صحة الاتهام ونسبته إليهم - معاقبتهم بمقتضى هذه المواد فضلاً عن مواد التأثيم.
ولا يفوتنا فى النهاية أن نبين أن الطريق الخاص فى تحريك الدعوى الجنائية ضد رئيس الجمهورية والوزراء لا يحول دون اتباع الطريق العادى فى الجرائم التى تقع منهم لأن القانون الخاص بمحاكمة رئيس الجمهورية رقم 247 لسنة 56 والقانون الخاص بمحاكمة الوزراء رقم 79 لسنة 58 أو أى قانون آخر قد جاءوا خلواً من أى نص بإفراد المحكمة الخاصة المبينة فى القانونين الأولين دون غيرها بالأختصاص ولائياً بنظر الجرائم التى يرتكبونها أثناء تأدية وظائفهم أو بسببها، ومن ثم فإن محاكمة هؤلاء عما يقع منهم من جرائم سواء تلك التى يجرمها القانون العام أو تلك المنصوص عليها فى هذين القانونين، تختص بها أصلاً المحاكم العادية بحسبانها صاحبة الولاية العامة، أما المحكمة الخاصة التى نص عليها فيهما، فإنها تشاركها اختصاصها دون أن تسلبها إياه "نقض
21 يونيه 79 مجموعة أحكام النقض س 30 ص 722 رقم 153، ومن ناحية أخرى، فإن تحريك الدعوى الجنائية بالطريق الخاص يقتصر على حالة شغل رئيس الجمهورية
أو الوزير منصبه وقت تحريك الدعوى ضده إذ العبرة بتوليه المنصب وقت تحريك الدعوى الجنائية. لما كان ذلك وكانت المحكمة الخاصة بمحاكمة رئيس الجمهورية والوزراء هى محكمة استثنائية من حيث الإجراءات والمحاكمة، فإن هذا الاستثناء – حده – أن يكون رئيس الجمهورية شاغلاً لمنصبه وكذلك الوزير أما إذا ترك منصبه سقط هذا الاستثناء وبات الأصل العام هو السارى على إجراءات التحقيق والمحاكمة على سند من التاصيل السابق بسطه لمحكمة النقض. بما مفاده أنه فى كل الأحوال فإن النيابة العامة
أو قاضى التحقيق والمحاكم العادية يختصون بإجراء التحقيق وتحريك الدعوى الجنائية ومحاكمة المتهمين فى هذا البلاغ سواء من ترك منهم منصبه أو مازال يشغل هذا المنصب طالما لم يتم تحريك الدعوى الجنائية قَبَلَه من قبل.
ولا شك أن محاكمة المتهمين أمام المحاكم العادية يضمن لهم محاكمة عادلة ومنصفة لأنها تتشكل بكاملها من قضاه مهنيين تتوافر فيهم ضمانات الكفاية والتخصص فى العمل القضائى والتفرغ له والانقطاع لفرائضه ومحصنين بعدم القابلية للعزل، ويتحقق لهم مقتضيات الحيدة والاستقلال – خلافاً لتشكيل المحكمة الخاصة الذى يضم سياسيين قد يكونوا حزبيين تترك انتماءاتهم الحزبية بصمات واضحة على عقائدهم وأفكارهم السياسية، فتتأثر أحكامهم بالنزاعات السياسية والصراعات الحزبية، والقضاء صرح أساسه الحيدة والتجرد والموضوعية.
بناء عليه
لما كانت النيابة العامة باعتبارها الأمين على الدعوى الجنائية تحقيقاً واتهاماً، فإن المبلغين يرفعون إليها هذا البلاغ لاتخاذ ما أوجبه القانون بشأن الجرائم محل البلاغ، آملين تأكيد ثقة الشعب من جديد فى منصب النائب العام الحامى للشرعية المتمثلة فى مبدأ المساواة، فجميع الناس أمام القانون والقضاء سواء، فلا فاضل ولا مفضول، لا فرق بين قوى وضعيف وغنى وفقير وشريف ومشروف وحاكم ومحكوم، وقد أعلن رسولنا الأمين هذه الحقيقة صلوات الله وسلامه عليه منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان، حين تدخل أشراف قريش ليمنعوا حدا عن شريفة سرقت قائلاً: "إنما أهلك الذين من قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".
وفى مرضه الأخير قال صلوات الله وسلامه عليه من على المنبر "أيها الناس، من كنت قد جلدت له ظهرا، فهذا ظهرى فاليستقد منه، ومن كنت قد شتمت له عرضا، فهذا عرضى فاليستقد منه، ومن أخذت له مالا فهذا مالى فاليأخذ منه، ولا يخشى الشحناء من قَبَلِى فإنها ليست من شأنى، إلا أن أحبكم إلى من أخذ منى حقا إن كان له أو حللنى، فلقيت ربى وأنا طيب النفس".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.