اعد الباحث محمد علي سالم رؤية لمركز ابن خلدون حول الدستور قال فيها تزايد الجدل حول مشروع الدستور المصري الجديد، في الوقت الذي طرح فيه للاستفتاء يوم السبت 15/12/2012، بعد شهور من التعثر بسبب النزاع بين أعضاء اللجنة ذوي الاتجاهات الليبرالية وبين الإسلاميين. ومن مُنطلق أن الشعب المصري لن يسمح بأي مساس بمُكتسبات ثورته في الحُرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، أو بوجود دستور ينال من هذه المُكتسبات، ولا يُعبّر بشكل مُتوازن عن مصالح جميع طوائف المجتمع وفئاته وشرائحه وأحلامها للمُستقبل. فإن ما طرحته الجمعية التأسيسية للدستور من مشروع للدستور، لم يزد المشهد السياسي ارتباكاً وضبابية فحسب، ولكنها تصطدم فى الأساس بأهداف ومبادئ الثورة، لما تعكسه بوضوح من تراجع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والحُريات العامة والخاصة، وتكريس لاستحواذ الرئيس على السُلطات، بما لا يشكل فصلا حقيقيا للسلطات، فضلا عن غياب العدالة الاجتماعية. وبغض النظر عن موقفنا الرافض للجمعية التأسيسية التي انبثق عنها هذا المشروع، وبمعزل عن تنازع القوى السياسية بشأن مصير الدستور وموقفها منه، لا نملك كمجتمع مدني ترف تجاهل مشروع الدستور الذي أعدته التأسيسية، بل أن واجبنا هو طرح ما به من أوجه قصور، بشكل يُسهم فى توعية المصريات والمصريين، ويهيئهم للتناول الدقيق للقضايا الأساسية التي يتضمنها مشروع الدستور قبيل التصويت القادم. ومن هنا فإن هدفنا هو الإشارة إلي مجموعة من الأمور التي نراها بصورة واضحة بها نواقص أو سلبيات، ويمكن استعراض أهم الإشكاليات التي تعتري النصوص الدستورية الحالية علي النحو التالي: الإشكالية الأولي: الحقوق والحريات تتعلق الإشكالية الأولي بتقييد الحقوق والحُريات، وهي واضحة بكل تأكيد في باب الحقوق والحُريات علي مستويات مختلفة وفي أبواب أخرى. وفي الحقيقة فإن الانتقاص من الحقوق والحريات يبدو جليا في أكثر من جانب:الجانب الأول: تدخل الدولة في التفاصيل الحياتية للمواطنين: ثمة خلط داخل بعض نصوص الدستور بين مكونات، هي مكونات دينية وحضارية وروحية وأخلاقية للمجتمع المصري، وبين وظيفة نظام الحكم. ففي الباب الأول مواد تتناول مقومات المجتمع وواجبات الدولة، وجميعها للأسف تتسم بالصياغة الفضفاضة والاستعراضية وتقحم على النص الدستوري الكثير من اللغة الأخلاقية ذات المضامين المطاطية التي تغير طبيعته، وتُهدد تماسكه. مما يسمح يتهديد الحريات بشكل واضح، ومن أبرز الأمثلة على ذلك:المادة 10: «الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية. وتحرص الدولة والمجتمع على الالتزام بالطابع الأصيل للأسرة المصرية، وعلى تماسكها واستقرارها، وترسيخ قيمها الأخلاقية وحمايتها؛ وذلك على النحو الذى ينظمه القانون. وتكفل الدولة خدمات الأمومة والطفولة بالمجان، والتوفيق بين واجبات المرأة نحو أسرتها وعملها العام. وتولى الدولة عناية وحماية خاصة للمرأة المُعيلة والمطلقة والأرملة». يبدو جليا أن هذه المادة تحتوي على عبارات غير محددة، كما أنها تثير مخاوف من تدخل الدولة في التفاصيل الحياتية للمواطنين، وهو ما يمكن الإشارة إليه كالتالي: يستند النص على حماية الدولة للطابع الأصيل للأسرة المصرية إلى نظرة شديدة التسطيح لتنوع المجتمع المصري المُعاصر، والأخطر من هذا إلى رغبة لإقحام الدولة فى قضايا أخلاقية وقيمية لا دور لها بشأنها. بموجب هذه المادة، فإن المرأة المصرية لن تتمتع بالمواطنة الكاملة، لأن أدوارها الأسرية ستكون خاضعة لتدخل الدولة، وهذا النص في الواقع يتنافي مع ما ذكر في مبادئ الخصوصية وحرمة الأسرة وتسمح للدولة بالتدخل في شئون الأسرة، وأيضا تجبر المرأة على التوفيق وكان الأولى أن يقال الأبوين لأن لكلاهما واجبات أسرية وواجبات عامة، لأن النص يجب ألا يقتصر على حماية دور الأم وإنما أيضا دور الأب الذى لا يقل أهمية ويتكامل مع دور الأم فى الحفاظ على الأسرة المصرية، والجدير بالملاحظة هنا أن المرأة لم تذكر في الدستور كله سوى في هذه المادة. صعوبة التحديد الدقيق للطابع الأصيل للأسرة المصرية وما يشمله وما لايشمله. المادة 11: «ترعى الدولة الأخلاق والآداب والنظام العام، والمستوى الرفيع للتربية والقيم الدينية والوطنية، والحقائق العلمية، والثقافة العربية، والتراث التاريخى والحضارى للشعب؛ وذلك وفقا لما ينظمه القانون في الواقع، ليست هذه وظيفة الدولة وهذا مدخل لتشريعات تمس بحرية الناس، فالدولة لا تربي الناس دينيا ولا أخلاقيا ولا هذه وظيفتها، وكانت هذه دائما مداخل الدول الشمولية. وهو ما قد ينتج عنه نزوع الدولة وحُكامها، للتدخل لتقييد وقمع الحُريات الشخصية والعامة، متذرعين برعاية الآداب العامة والتقاليد. المادة 12: «تحمى الدولة المقومات الثقافية والحضارية واللغوية للمجتمع، وتعمل على تعريب التعليم والعلوم والمعارف».إن تعريب التعليم والعلوم يمكن أن يؤدى الى العزلة والتخلف عن التقدم العلمى العالمى الذى يتطور بسرعة مذهلة، كما أن تعريب التعليم يمكن أن يفسر على أنه معاد لتعليم اللغات الأجنبية فى وقت يعلم فيه الجميع أن لغة العلم والاقتصاد العالمى هى الانجليزية. الجانب الثاني: حرية الصحافة:علي الرغم من التأكيد علي حرية الصحافة، بيد أن ثمة ألغاما في المواد الخاصة بالصحافة ولعل أهمها المادة 48 التي تنص علي «حرية الصحافة والطباعة والنشر وسائر وسائل الإعلام مكفولة. وتؤدى رسالتها بحرية واستقلال لخدمة المجتمع والتعبير عن اتجاهات الرأي العام والإسهام فى تكوينه وتوجيهه فى إطار المقومات الأساسية للدولة والمجتمع والحفاظ على الحقوق والحريات والواجبات العامة، واحترام حرمة الحياة الخاصة للمواطنين ومقتضيات الأمن القومى؛ ويحظر وقفها أو غلقها أو مصادرتها إلا بحكم قضائى. والرقابة على ما تنشره وسائل الإعلام محظورة، ويجوز استثناء أن تفرض عليها رقابة محددة فى زمن الحرب أو التعبئة العامة». وفي الحقيقة إنه رغم إعطاء حق إصدار الصحف بالإخطار؛ إلا أن المسودة تحدثت عن نصوص مطاطة لما يجب على الصحافة أن تقوم به؛ مما قد يؤدي لغلق الصحف التي لا تقوم بهذا الدور المطلوب منها مثل التعارض مع "مقتضيات الأمن القومي" أو مع "المبادئ الأساسية للدولة"، وتعطي النظام القضائي الحق في إغلاق أو مصادرة أي قناة تلفزيونية أو نشر. ولاشك أن هذه العبارت الغير محددة تحد من حرية الرأي وتسمح بالتعسف وتفتح الباب للاعتداء على الحريات تحت هذه الحجج. وبالإضافة إلي ذلك فإن المادة 45 لاتنص علي منع الحبس بسبب الفكر أو الرأي، إذ تنص علي «حرية الفكر والرأي مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن أ ريه بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل النشر والتعبيروتجدر الإشارة هنا إلي عدم وضع نص واضح بخصوص حرية استخدام الانترنت كأحد وسائل التعبير أو وسائل الإعلام، ما قد يفتح الباب لحجب المواقع، بشكل يخل بحرية استخدام المواطنين لوسية مهمة كانت عاملا مهما في قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير. الجانب الثالث: محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري:لاشك أن المادة 198 التي تنص علي «القضاء العسكرى جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل فى كافة الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحة وضباطها وأفرادها. ولا يجوز محاكمة مدنى أمام القضاء العسكرى إلا فى الجرائم التى تضر بالقوات المسلحة؛ ويحدد القانون تلك الجرائم، ويبين اختصاصات القضاء العسكرى الأخرى. وأعضاء القضاء العسكرى مستقلون، غير قابلين للعزل، ويكون لهم كافة الضمانات والحقوق والواجبات المقررة لأعضاء الجهات القضائية"، تفتح الباب الى عودة محاكمة المدنيين عسكرياً، وفق سبب فضفاض يسمى "الضرر بالقوات المسلحة"، ويترك تحديد مدى هذا الضرر أو تعيينه للقضاء العسكري ذاته. كما أن الاصل هو ألا يحاكم المدني إلا أمام قاضيه الطبيعي « ولا يحاكم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعى» (المادة 75). ومن جانب آخر، هناك ملاحظة عامة تفرض نفسها بشأن الحقوق والحريات وهى وجود مواد أخرى عديدة تعكس صياغتها، كما وردت فى مشروع الدستور، موقفاً سياسياً ورؤية أيديولوجية محددة، من شأنهما إثارة خلافات أكثر حدة، فهناك على سبيل المثال لا الحصر، نص المادة 43 الذى جاء على النحو التالى: «حرية الاعتقاد مصونة. وتكفل الدولة حرية ممارسة الشعائر الدينية واقامة دور العبادة للأديان السماوية؛