هل يمكن لتنظيم القاعدة أن يستفيد من الأوضاع التى تمر بها مصر حاليا؟ يبدو السؤال ملحا فى هذا الوقت، خاصة مع استمرار حالة الارتباك التى تعانى منها المرحلة الانتقالية، وهو ما دفع مدير قسم الأبحاث بمؤسسة بروكينجز الأمريكية للأبحاث، دانيال آل بايمان، إلى إعداد تقرير حول فرص توسيع تنظيم القاعدة لأنشطته فى مصر. وأشار بايمان فى بداية التقرير إلى أن النظام القمعى السابق فى مصر، نجح فى محاصرة تنظيم القاعدة، وجاء مقتل زعيم التنظيم أسامة بن لادن فى ظل ثورات الربيع العربي، ليساهم فى إضعاف التنظيم، وقدرته على العمل، إلا أن تدهور الأوضاع الأمنية فى مصر، بحسب التقرير، وزيادة الصراع بين الأطراف السياسية المختلفة، وحالة عدم الاستقرار التى تعيشها سوريا، كانت عوامل تصب فى صالح «القاعدة»، بما يمنحه فرصة لإعادة ترتيب أوراقه من جديد.
وكان بايمان قد أشار فى كتاب سابق له، بعنوان «الصحوة العربية.. الولاياتالمتحدة والتحول فى الشرق الأوسط»، إلى أن كيفية تطور المشهد السياسى فى العالم العربي، هو الذى سيحدد مستقبل «القاعدة»، وأن الأمر يتوقف على تحول البلدان العربية التى شهدت ثورات، إلى دول ديمقراطية حقيقية، ويتوقف أيضا على دور التيارات الإسلامية فى تلك البلدان، فى ظل المنظومة الجديدة.
ويوضح الكاتب أن «الكثير من رموز الجهاد الإسلامي، عادوا إلى الشارع المصري، بعد سقوط مبارك، ورغم أن العديد منهم أعلن رفضه للعنف أثناء وجوده فى السجن، فيما أعاد البعض الآخر تنظيم نفسه سياسيا، إلا أن معظمهم من المعادين للولايات المتحدة، ولكن بالتأكيد هذا العداء يختلف عن دعوتهم لوقف العنف، خاصة أنه من بين المفرج عنهم، متطرفون مستعدون للوصول إلى أقصى مدى فى مواجهة من يعتبرونهم أعداءهم، والذين قد يتحركون قبل أن تنتظم الأوضاع فى الدول العربية، وتستعيد تلك الدول النظام، لتتمكن بالتالى من مراقبتهم مجددا».
وبحسب بايمان، يزداد الوضع خطورة فى دولة مثل مصر، فى ظل العديد من التساؤلات المتعلقة بدور التيارات الإسلامية فى مستقبلها السياسي، موضحا أنه «لا يخفى على المتابعين لتاريخ تنظيم القاعدة أن الكثير من رموزه خرجوا من رحم جماعة الإخوان المسلمين، ولكن هل يعنى هذا أن الحرب على الإرهاب تستدعى بقاء النظام العسكري، واستبعاد الإخوان من المشهد السياسي»، ويرى الكاتب أن الإقدام على هذه الخطوة من شأنه إحداث تأثير سلبى فى الحرب العالمية على الإرهاب وتنظيم القاعدة.
ويستشهد الكاتب بما حدث فى الجزائر فى عام 1992، عندما قامت الحكومة الجزائرية بإلغاء الانتخابات التى فاز فيها التيار الإسلامي، وهو ما دفع البلاد إلى جحيم حرب دموية، فما حدث فى الجزائر فى ذلك الوقت، دفع بن لادن إلى العمل مع فصيل الجهاديين الجزائريين، لتأسيس جماعة خاصة بهم لمواجهة الحكومة الجزائرية هناك، وكان هذا التعاون هو بداية تأسيس الجماعة السلفية للدعوة والقتال، ويستبعد الكاتب الأمريكى أن يتكرر السيناريو الجزائرى فى مصر، مضيفا أن استبعاد الإخوان من المشهد السياسي، قد يدفع بعض أعضاء الجماعة، خاصة صغار السن، إلى اللجوء للعنف فى التعامل مع النظام، باعتبار أن النظام الجديد هو نظام معادٍ للإسلام، وهؤلاء الشباب قد يجدون فى رسائل أيمن الظواهرى الكثير من الجاذبية، التى تدفعهم لمزيد من التطرف.
ويرى بايمان أن وجود تيار مثل الإخوان المسلمين فى المشهد السياسى المصرى بشكل رسمي، أو غيره من التيارات الإسلامية، سيكون له تأثير سلبى فى الحرب على الإرهاب، فهذه التيارات لا تخفى كراهيتها للولايات المتحدةالأمريكية، ولا ترحب بالتدخل الأمريكى فى الشرق الأوسط أو تتقبل فكرة تعاون النظام المصرى مع المخابرات الأمريكية المركزية، ولكن فى المقابل، إذا اختارت مصر إقصاء هذه التيارات، فإن ذلك الأمر قد يأتى بنتائج أشد سلبية، فوجود الإخوان أو غيرهم من الإسلاميين فى الحياة السياسية، قد ينتج عنه نظام غير صديق للولايات المتحدة وحربها على الإرهاب، ولكن إقصاءهم قد يدفع أعضاء هذه التيارات لمزيد من التطرف، ويدفع البعض للانضمام إلى القاعدة.
ويشير بايمان فى تقريره إلى أن فرص «القاعدة» فى مصر سوف تنمو، فى حالة غياب الاستقرار الأمني، وزيادة المواجهات الدامية، كما هو الحال فى سوريا وأفغانستان والشيشان والعراق والصومال واليمن، حيث بدأت الحروب الأهلية لأسباب داخلية، ولم يكن للجهاديين سوى دور صغير فى البداية، ولكن بمرور الوقت تبدأ القاعدة فى التحرك، وتستغل الجماعات التى ترفع شعارات معتدلة، لتلعب دورا أكبر فى تلك المواجهة، وفى البداية تعلن هذه الجماعات مساندتها للمعارضة، وبعد فترة تبدأ فى جذب المجندين الجدد لها، فى الوقت الذى يساهم فيه العنف فى إكساب المعارضة المزيد من التطرف، ويضيف بايمان أن «فشل التحول الديمقراطى فى مصر، هو فى الحقيقة بمثابة فرصة جديدة للقاعدة لتتواجد فيها