ذكرت صحيفة "لوبوان" الفرنسية أن مراسلها فى القاهرة ألقى القبض عليه فى ميدان التحرير وخضع لاستجواب على يد أتباع النظام. ويروى المراسل تفاصيل الساعة المطولة التى قضاها هناك ويقول: كنت أنوى الاقتراب من المظاهرات فى جنوب شارع القصر العينى، المسرح الرئيسى للمواجهات التى حدثت أمس. ففى القاهرة، كل شئ يتغير على بعد أمتار ولحظات. لذلك يجب التحرك بحذرز فالسلطات فى بعض الأحيان حلفاء وأحيانا أخرى أعداء، والمدنيين أحيانا أعداء وأحيانا حلفاء.
فى الرابعة وخمسة وأربعين دقيقة، اصطدمت بحاجز منيع: أسلاك شائكة والعشرات من الجنود يغلقون الطريق، فالعبور من هذا الطريق مستحيلا. استدرت يمينا ومشيت خمسين مترا عندما أمسك بى رجل من المخابرات. وبالنسبة لكثرين، يشكل رجال المخابرات شرطة سياسية وحشية. فيكفيهم أن يظهروا بطاقتهم من أجل إسكات أى مصرى.
ولأول مرة أرى أن الوضع عكس ما كان عليه فى فبراير الماضى فى القاهرة. فقد قام رجال المخابرات - بعد أن ألقوا القبض على أيضا - بمرافقتى خارج وسط المدينة. وأوقفتنا لجنة شعبية وهم مجرد أشخاص يحمون أحيائهم من المجرمين الذين أخرجهم مبارك من السجون. وهؤلاء الأشخاص قاموا باعطاء الأوامر لأسيادهم. وقام رجال المخابرات باظهار بطاقاتهم - والتى تعد صيغة سحرية لاتجدى الآن - وصاحوا عاليا ولكنهم كانوا لايسيطرون على شئ. فكان عليهم الفرار أمام غضب الشعب. وفجأة اختفت قوتهم الهائلة. وكانوا يخافون. وربما يتذكرون تلك اللحظة حتى الآن وربما يظهروا قوتهم فى محاولة أخيرة لانقاذ سلطتهم.
أمسك الضابط فى ملابس مدنية بذراعى ولكن لم يكن هناك داع لذلك لأننى لم أكن أنوى الهرب. فمشكلة المخابرات تكمن فى أنهم يتصفون بالوحشية أكثر من الخبرة. ودون أن يقل أى كلمة، قام باقتيادى إلى الحاجز وعبرناه. ويقع المكان الذى أتواجد به الآن بين حاجزين بشارع القصر العينى ويعد اعادة احياء النظام السابق. فهو عبارة عن منطقة شرطية يتزعمها مئات من رجال الشرطة والمخابرات والجنود.
اتهمنى قائلا: "لقد رأيتك أمس فى المظاهرة وكنت أمام البرلمان وتلتقط صورا". "بالطبع كنت أقوم بالتقاط صور! فأنا صحفى وهذا هو عملى". وطلب منى أوراقى، فاظهرت له جواز سفرى والتأشيرة المصرية. وكل ما كنت أفعله على مدار ثلاثة أرباع الساعة هو الاجابة على الاسئلة واظهار أوراقى والانتظار. فهذه هى الحياة فى منطقة شرطية. وألقيت نظرة عميقة فى الطريق على الفوضى التى خلفتها اشتباكات يوم الجمعة. فيبدو الطريق كما لو كان قد تعرض لزلزال.
وتتناثر الحجارة على الأرض وقطع الزجاج لاتزال مشتعلة وحرائق على الاسفلت. ويقوم بعض الكناسيين الصغار بعملهم. وصلت أمام مجلس الشورى. وتركنى رجال المخابرات انتظر أمام البوابة. ووجهوا لى أسئلة غامضة وأجبت عليهم بغموض. ونحن على بعد مئتى متر من ميدان التحرير. ونسمع صدى هتافات المتظاهرين. فهم قريبون جدا ! فيهتفون سويا: "الشعب يريد اسقاط المشير". وتقترب حافلة أمامنا مليئة بالأعمدة الخرسانية. فسيقومون باغلاق شارع القصر العينى.
طلب منى أن أعبر البوابة. وتم تفتيشى ذاتيا وتفتيش حقيبتى بصورة دقيقة. وتفاجأ المخبرون بعدم العثور على الكاميرا. فقد ألقى عليها أمس حجرة من أعلى البرلمان. ودخلت مقر مجلس الشورى بعد سلسلة أخرى من الاسئلة. وقد حول سكان تلك المنطقة الشرطية مجلس الشورى إلى مقر عصابة. فنتبع آثار الدم فى الممر. وفى مفترق الطرق ، تنقسم آثار الدم وتأخذ الاتجاه الأيمن.
وفجأة أصبح التحرير بعيدا. وأصبحت الهتفات صرخات. وأسمع الآن صوت ضربات. وفى نهاية الممر، تعرض شخصان أو ثلاثة للضرب العنيف. وجاء خلفى شخص آخر وكان مصابا بضربات وكان يرجف وكان خائفا. وكانوا يدفعونه إلى نهاية الممر. وانضم إلى الصرخات الأخرى.
وحضر الضابط المسؤول. كان يدخن و وجه لى اسئلة باللغة الانجليزية وهى الاسئلة المعتادة ثم أخرى جديدة. "ما هذه البطاقات الخاصة بزيارة حزب النور؟ حزب الاخوان؟ الوسط؟" "أنا صحفى وأقوم بتغطية الانتخابات المصرية وأتحدث إلى الجميع". فرفع صوته وبدا كأنه يريد أن يقول : "تلك الصرخات! أليست مزعجة؟" كما سألنى: أين أسكن؟ ومن أعرف؟ ومن أين أئتى؟ وأنا أجاوب على ذلك.
واستمر الصراخ فى الممر. فابتسم الضابط وحذرنى: "أنصحك بتجنب المناطق مشتعلة الأحداث. فمن الممكن أن يكون الناس خطيرين..." فابتسمت وقلت له: "أفهمك ولكن ماذا تريدنى أن أفعل فهذا هو عملى". وأعطانى الضابط أوراقى وقال: "أشكرك، وأهلا بك فى مصر!"
وخرجت من مجلس الشورى. وكان لايزال الجو جميلا. وأرسلنى المخبر الى المخرج وعبرت الأسلاك الشائكة بمرافقة جندى.