هبوط كبير في أسعار الذهب الفورية اليوم الجمعة    سيناتور ديمقراطي يشكك بتصريحات ترامب عن حجم الضرر بالمنشآت النووية الإيرانية    نائب أوكراني: ترامب أكد لزيلينسكي أنه لن يساعد أوكرانيا بعد الآن    الهلال يضرب بالهدف الأول أمام باتشوكا في المونديال    مدحت شلبي يكشف قرارًا صادمًا من وسام أبو علي.. وتخوف الأهلي    لوكاتيلي: ارتكبنا الكثير من الأخطاء أمام السيتي.. وسنقاتل في الأدوار الإقصائية    حنان مطاوع تروي كواليس «Happy Birthday»: صورنا 8 ساعات في النيل وتناولنا أقراص بلهارسيا    إعلام عبري: ترامب و نتنياهو اتفقا على إنهاء الحرب في غزة خلال أسبوعين    ماكرون يحذر من سيناريو أسوأ بعد الهجمات الأمريكي على إيران    متحدث البترول: عودة تدريجية للغاز إلى المصانع.. وأولويتنا القصوى منع انقطاع الكهرباء    نقيب الأطباء: لا يجب أن نُخاطب بقانون الإيجار القديم.. وضعنا مختلف عن السكني    سعر السمك والكابوريا والجمبري بالأسواق اليوم الجمعة 27 يونيو 2025    كاكو بعد فوز العين على الوداد: أتطلع للعودة مجددًا إلى المونديال    «الأرصاد» تكشف عن حالة الطقس المتوقعة إلى الأربعاء    توفي قبل الوصول | أزمة صحية تنهي حياة الطيار السعودي محسن الزهراني خلال رحلة دولية    رئيس موازنة النواب: نستهدف زيادة الإيرادات الضريبية 600 مليار جنيه العام المالي الجديد    دعاء أول جمعة فى العام الهجرى الجديد 1447 ه لحياة طيبة ورزق واسع    قوات الاحتلال تداهم عدد من المنازل خلال اقتحام قرية تل غرب نابلس    تعرض منزل النجم الأمريكي براد بيت للسطو وشرطة لوس أنجلوس تكشف التفاصيل    تفوق متجدد للقارة الصفراء.. العين يُدون الانتصار رقم 14 لأندية آسيا على نظيرتها الإفريقية في مونديال الأندية    «فرصتكم صعبة».. رضا عبدالعال ينصح ثنائي الأهلي بالرحيل    ملف يلا كورة.. جلسة الخطيب وريبييرو.. فوز مرموش وربيعة.. وتجديد عقد رونالدو    مروحيات تنقل جرحى من خان يونس وسط تكتم إسرائيلي    ليوناردو وسافيتش يقودان الهلال ضد باتشوكا فى كأس العالم للأندية    بالصور.. نقيب المحامين يفتتح قاعة أفراح نادي المحامين بالفيوم    وزير قطاع الأعمال يعقد لقاءات مع مؤسسات تمويل وشركات أمريكية كبرى على هامش قمة الأعمال الأمريكية الأفريقية بأنجولا    الورداني: النبي لم يهاجر هروبًا بل خرج لحماية قومه وحفظ السلم المجتمعي    من مصر إلى فرانكفورت.. مستشفى الناس يقدّم للعالم مستقبل علاج العيوب القلبية للأطفال    عطلة الجمعة.. قيام 80 قطارًا من محطة بنها إلى محافظات قبلي وبحري اليوم    الأوقاف تفتتح اليوم الجمعة 9 مساجد في 8 محافظات    السيطرة علي حريق مصنع زيوت بالقناطر    إصابة سيدتين ونفوق 15 رأس ماشية وأغنام في حريق بقنا    "القومي للمرأة" يهنئ الدكتورة سلافة جويلى بتعيينها مديرًا تنفيذيًا للأكاديمية الوطنية للتدريب    بحضور مي فاروق وزوجها.. مصطفى قمر يتألق في حفلة الهرم بأجمل أغنياته    الشارع بقى ترعة، كسر مفاجئ بخط مياه الشرب يغرق منطقة البرج الجديد في المحلة (صور)    لجان السيسي تدعي إهداء "الرياض" ل"القاهرة" جزيرة "فرسان" مدى الحياة وحق استغلالها عسكريًا!    هل التهنئة بالعام الهجري الجديد بدعة؟.. الإفتاء توضح    وزير الأوقاف يشهد احتفال الطرق الصوفية بالعام الهجري الجديد بمسجد الحسين    نقيب الأشراف يشارك في احتفالات مشيخة الطرق الصوفية بالعام الهجري    صحة دمياط تقدم خدمات طبية ل 1112 مواطنًا بعزبة جابر مركز الزرقا    موجودة في كل بيت.. أنواع توابل شهيرة تفعل العجائب في جسمك    طريقة عمل كفتة الأرز في المنزل بمكونات بسيطة    صلاح دياب يكشف سر تشاؤمه من رقم 17: «بحاول مخرجش من البيت» (فيديو)    رجل يفاجأ بزواجه دون علمه.. هدية وثغرة قانونية كشفتا الأمر    البحوث الإسلامية: الهجرة النبوية لحظة فارقة في مسار الرسالة المحمدية    حسام الغمري: الإخوان خططوا للتضحية ب50 ألف في رابعة للبقاء في السلطة    بمشاركة مرموش.. مانشستر سيتي يهزم يوفنتوس بخماسية في مونديال الأندية    مصرية من أوائل ثانوية الكويت ل«المصري اليوم»: توقعت هذه النتيجة وحلمي طب بشري    المفتي: التطرف ليس دينيا فقط.. من يُبدد ويُدلس في الدين باسم التنوير متطرف أيضا    مصرع سيدة وإصابة آخر في تصادم سيارة ملاكي مع نصف نقل بالجيزة    ترامب: خفض الفائدة بنقطة واحدة سيوفر لنا 300 مليار دولار سنويا    «30 يونيو».. نبض الشعب ومرآة الوعي المصري    حجاج عبد العظيم وضياء عبد الخالق في عزاء والد تامر عبد المنعم.. صور    فيديو متداول لفتاة تُظهر حركات هستيرية.. أعراض وطرق الوقاية من «داء الكلب»    مفتى الجمهورية: الشعب المصرى متدين فى أقواله وأفعاله وسلوكه    قصور ثقافة أسوان تقدم "عروس الرمل" ضمن عروض الموسم المسرحى    إصابة 12 شخصا إثر سقوط سيارة ميكروباص فى أحد المصارف بدمياط    وزير السياحة والآثار الفلسطينى: نُعدّ لليوم التالي في غزة رغم استمرار القصف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب أمريكى صادم للمجلس العسكرى: براءة ثورة التحرير من العمالة الأجنبية
نشر في الفجر يوم 21 - 11 - 2011

عندما تغيب الحقائق.. لا يكون هناك أسهل من الاتهامات المرسلة.. والإدعاءات الجاهزة.. والمبالغة فى استخدام كلمات تثير الرعب مثل العمالة والخيانة وتلقى التمويل الأجنبي.. وعندما تغيب الحقائق أيضا، لا يكون هناك ما هو أسوأ من الرد على تلك الاتهامات بالتجاهل.. أو التعالي.. أو الإنكار.

قفز اسم صربيا فى قائمة الاتهامات التى تم توجيهها لحركة 6 أبريل.. تعرضوا لاتهامات بأنهم تلقوا تدريبات فى صربيا لقلب نظام الحكم.. وهو اتهام مطاط لم يفهم منه أحد شيئا.. فما طبيعة التدريبات التى تؤدى لقلب نظام حكم؟ ومن الذى يقوم بها؟ ولماذا؟ ومن الذى يقوم بتمويلها؟ ولأى هدف؟.. والأسوأ أن حركة 6 ابريل انشغلت بنفى التهمة-التى لا يفهم أحد طبيعتها أصلا- عنها.. مما زاد من ارتباك كل من يسمع عن الموضوع.. فلا يعرف هل المطلوب منه مثلا هو التسليم بأن الثورة المصرية صناعة أجنبية؟.. أم أن حركة 6 أبريل كانت هى العامل الوحيد الذى أدى لقلب نظام الحكم؟..

كانت الصحفية الأمريكية تينا روزنبرج، - الصحفية فى مجلة فورين بوليسى الأمريكية - جاهزة بالرد فى الكتاب الذى شاركت فى تأليفه وحمل عنوان «ثورة فى العالم العربي».. لكنها لم تكن جاهزة بلائحة اتهامات.. بل بمعلومات.. والمعلومات، بكل حيادية، لم تكن تصب فى صالح الاتهامات.. كانت قراءة ما كتبته الصحفية الأمريكية التى التزمت بالموضوعية التامة فى عملها، تضع دور صربيا فى الثورة المصرية فى حجمه الحقيقي.. وهو حجم لا يكاد يذكر.. ولا يمكن التعامل معه حتى على أنه «مؤامرة» نسجت خصيصا من أجل قلب نظام مبارك الذى كان ينقلب من تلقاء نفسه، ولم يكن ينتظر إلا الدفعة الأخيرة للسقوط.

تحقيق الصحفية الأمريكية كان يتحدث عن منظمة صربية.. غير حكومية.. وغير ممولة من أمريكا ولا من غيرها.. تتعامل مع كل دول العالم.. وتعادى الديكتاتورية أيا ما كان لونها وجنسها.. إن كل علاقة صربيا بالثورة المصرية كما كشفها الكتاب الأمريكي.. تنحصر فى مدون مصرى واحد، أتجه وهو فى العشرين من عمره فى صيف 9002 إلى بلجراد عاصمة صربيا.. فالعاصمة الصربية هى مقر «مركز استراتيجيات حركة الكفاح السلمي، أو ما يعرف اختصارا باسم canvas.. وهى منظمة تديرها مجموعة من الشباب الصرب الذين تعلموا تجربتهم السياسية الأولى فى الاحتجاجات الطلابية ضد الرئيس الصربى السابق سلوبودان ميلوسوفيتش فى أواخر التسعينيات.. وبعد أن نجحوا فى الإطاحة به، انكبوا على مشروع طموح يهدف إلى اكتشاف أساليب ترجمة ونقل نجاحهم إلى دول أخري.

تقول الصحفية الأمريكية: «صار هؤلاء الشباب من الد أعداء الديكتاتوريين فى العالم.. وأدانهم صراحة رؤساء مثل هوجو شافيز رئيس فنزويلا والكساندر لوكاشينكو رئيس بيلاروسيا.. قال أحد قادة كانفاس: «إنهم يظنون أننا نحمل ثورة فى حقائبنا!».. لكن، بالنسبة لجيل جديد من نشطاء الديمقراطية من هرارى فى زيمبابوى إلى رانجون فى بورما.. ومن مينسك فى بيلاروسيا إلى طهران فى إيران.. تحول هؤلاء الشباب الصرب إلى أبطال..عمل الشباب الصرب مع المدافعين عن الديمقراطية فى أكثر من 05 دولة.. قدموا مشورتهم لمجموعات من الشباب عن طرق الإطاحة ببعض أسوأ الحكومات فى العالم.. والواقع يقول إن هؤلاء الشباب ربحوا فعلا.. فى جورجيا.. وأوكرانيا.. ولبنان التى كانت محتلة من سوريا.. وفى جزر المالديف.. والآن فى مصر.

وقال سيرجا بوبوفيك، أحد قادة كانفاس: « لقد شعرنا بالانبهار لقدرتهم على تحقيق أقصى ما يمكن بأقل ما يمكن».

كانت الثورات السلمية التى أطاحت بأنظمة استمرت فى السلطة لوقت طويل فى تونس ومصر.. وألقت بظلال التهديد على حكام الجزائر والبحرين واليمن.. سببا فى أن يتحول اهتمام العالم إلى الأسباب التى حركت هذه الموجة من الثورات.. أى إلى وجود أجيال كاملة تعانى من الحكم القمعي.. وكذلك إلى الوسائل التى حركتها: شبكات التواصل الاجتماعى مثل الفيس بوك وتويتر.

لكن تلك الوسائل وحدها لا تكفى لإطلاق ثورة.. فماذا إذن؟.

الإجابة.. بالنسبة لنشطاء الديمقراطية فى دول يزداد عددها يوما بعد يوم.. هو اللجوء إلى كانفاس.. إن كانفاس تتميز عن غيرها من الجماعات الديمقراطية فى أنها نجحت فى بناء إطار ونسق دائم للثورات السلمية.. كيف تتحول من مجرد حشد من الناس إلى حركة جماهيرية.. ثم تستخدم هذه الحركة فيما بعد للإطاحة بحاكم ديكتاتور.. عرفت كانفاس الطريقة التى يتم بها تحويل جمهور خائف.. سلبي.. لا مبال.. إلى نشطاء فاعلين.. وتركز على قيم مثل الاتحاد.. والنظام.. والتخطيط.. وهى أساليب أساسية فى أى حملة عسكرية.. بينما يتجاهلها الثوار السلميون.

إن الواقع يقول إن هناك أوقاتًا عديدة فى أى حكم ديكتاتوري.. يتم فيها شحن غضب الجماهير إلى الحد الأقصي: قفزة فى أسعار البنزين.. اغتيال زعيم معارضة.. الفساد الذى يؤدى إلى تجاهل كارثة طبيعية.. أو حتى مصادرة الشرطة لعربة بائع متجول.. لكن فى معظم الحالات.. لا يكون الغضب وحده كافيا.. لأنه ببساطة.. يخبو.

وحده المعارض المؤهل.. والمستعد.. يكون قادرا على اغتنام مثل تلك اللحظات.. واستخدامها لإسقاط حكومة.

قال لى إيفان ماروفيك، أحد المدربين السابقين فى حركة كانفاس: «إن الثورات تبدو دائما عفوية وتلقائية.. يبدو الأمر وكأن الشعب قد خرج فقط إلى الشارع.. لكن الواقع أن ذلك يكون نتاج شهور أو حتى أعوام من التحضير.. المسألة تكون فى غاية الملل.. فقط حتى تأتى تلك اللحظة التى يمكن فيها تنظيم مظاهرات أو إضرابات حاشدة.. لو تم التخطيط لهذه المظاهرات تخطيطا دقيقا.. فإن كل شيء ينتهى فى غضون أسابيع من بدايتها.»

إن المنظمات التقليدية الدولية التى تسعى لنشر الديمقراطية فى العالم.. تميل إلى التعاون مع أحزاب المعارضة وجماعات المجتمع المدنى الموثوق فيها.. أما كانفاس.. فهى تفضل التعامل مع «المستجدين».. ومنطقهم هنا هو أن أحزاب المعارضة وغيرها من المنظمات التى تعمل تحت حكم ديكتاتورى تكون فى العادة أحزابا شديدة الإجهاد.. وأضعف كثيرا من القدرة على الإطاحة به.. لذلك فإن الأمل يكمن هنا فى الأفراد الذين يحملون تصورات مثالية.. ويكونون عادة من الطلاب.

لذلك، فإن الصرب لا يبدون بهيئة كبار المستشارين الذين يأتون من الدول الغنية.. ويرتدون البدلات الفاخرة.. هم يبدون مثل.. الطلبة البسطاء.. العاديين.. يتحركون بطريقة مندفعة.. لا تخلو من الثقة.. ويشع منهم النجاح.. كل من يتلقى تعليمه على أيديهم يرغب فى أن يحقق ما حققه الصرب.

لقد نجحت كانفاس فى تمزيق كتاب القواعد القديم للعبة نشر الديمقراطية.. ونجح قادة الحركة فى وضع كتاب جديد.. يستند على تجربتهم الأولي.. والشخصية.. والمميزة.

ترجع جذور حركة كانفاس إلى اكتوبر 8991. كان بوبفيك، فى الخامسة والعشرين من عمره وقتها، ويدرس الأحياء البحرية فى جامعة بلجراد.. شاب طويل القامة.. حاد القسمات.. دعا إلى اجتماع فى أحد مقاهى العاصمة الصربية.. وجمع فيه عددا من زملائه الطلبة.. فى ذلك الوقت كان سلوبودان ميلوسوفيتش فى السلطة منذ تسعة أعوام ويبدو تشبثه بالسلطة جليا.. عنيدا.. أما بوبفيك وزملاؤه فكانوا من الناشطين فى الاحتجاجات الطلابية لسنوات.

قرر الطلاب تعميد أنفسهم بأنفسهم.. وأطلقوا على جماعتهم اسم «اوتبور».. أو «مقاومة» باللغة الصربية.. وبدأوا إعادة التفكير فى الثورة.. كان العائق الأشد.. والأصعب الذى يواجههم هو موقف مواطنيهم أنفسهم.. كانت استطلاعات الرأى التى تجريها المعارضة تشير إلى أن معظم الصربيين يريدون رحيل ميلوسوفيتش.. لكنهم كانوا يظنون أيضا، أن رحيله مستحيل.. أو أن تداعياته شديدة الخطورة إلى الحد الذى لا يغرى بتجربته.. وعلى الجانب الآخر.. لم تكن المعارضة السياسية فى صربيا على اتساعها.. تسر القلب.. فحتى الأحزاب السياسية المعارضة لميلوسوفيتش كانت مجرد أدوات لتحقيق الطموحات الشخصية لرؤسائها.. لكن.. أدرك مؤسسو أوتبور أن الشباب سيرغبون فى المشاركة السياسية لو أن السياسة منحتهم الإحساس بالبطولة.. وبالجاذبية.. ومنحتهم شعورًا بأنهم جزء من كل مهم.. وكبير.. لم يحاول أفراد أوتبور تجنب الاعتقالات.. بل قرروا إثارتها واستغلالها لصالح الحركة.. وبعد أشهر قليلة.. صار من المؤكد أن الشرطة تتعامل بخشونة مع أعضاء أوتبور.. لكنها تكاد لا تلجأ للتعذيب.. ولا يستمر اعتقال الواحد منهم حتى ليل يوم إلقاء القبض عليه إلا فيما ندر.. وعندما كان يتم اعتقال أى عضو فى الحركة.. كانت المنظمة ترسل حشدًا صاخبا من الناس يملأون الشارع أمام قسم الشرطة.. فيخرج المعتقل من قسم الشرطة ليجد أمامه كتلة من صحفيى المعارضة وحشد من الأصدقاء يهللون ويحتفلون بإطلاق سراحه.. وكانت النتيجة أن تسابق الشباب فيما بينهم للحصول على أكبر عدد من الاعتقالات.. كان ارتداء «تى شيرت» أسود يحمل شعار أوتبور الذى تمثله القبضة المضمومة فى قلب أى ثورة يجعلك واحدا من أبنائها.. بينما كان اعتقالك يحولك فى لحظة إلى نجم.

بذلك.. تعلم أشخاص اعتادوا النظر لأنفسهم كضحايا.. أن ينظروا لأنفسهم على أنهم أبطال.

وهكذا، فى اللحظة التى قرر فيها ميلوسوفيتش إعادة ترشيح نفسه رئيسا ليوجوسلافيا فى سبتمبر عام 0002. كانت حملة أوتبور المعارضة الممتدة.. ومحاولات ميلوسوفيتش لقمعها.. قد أضعفت من شعبية الرئيس.. وزادت من صلابة ووحدة المعارضة.. وعندما رفض ميلوسوفيتش إعلان الهزيمة أمام مرشح المعارضة فوجيسلاف كوشتونيكا.. ضربت أوتبور مثالا فى الكفاح السلمى المنظم.. الذى لعب، إضافة إلى حشود الناشطين فيها، دورا محوريا فى إقناع قوات الأمن الصربية بعصيان أوامر ميلوسوفيتش.. ورفض إطلاق النار على المتظاهرين.

ويوم 7 أكتوبر.. استقال الرئيس المحاصر.. والمهزوم.

والواقع أن حركة أوتبور كانت قد حققت نجاحا لا بأس به مع اثنين من أهم دعائم ميلوسوفيتش.. الأولى هى كبار السن: كانوا هؤلاء هم دائما القاعدة الشعبية التى يستند عليها ميلوسوفيتش.. لكن.. كانت الاعتقالات المتواصلة لشباب حركة أوتبور الذين لا يتجاوز سنهم أحيانا 61 عاما.. و الاتهامات الهستيرية التى توجهها الحكومة للطلبة بأنهم إرهابيون.. سببا فى إثارة غضب أجدادهم.

الدعامة الثانية التى كان يستند عليها حكم ميلوسوفيتش كانت الشرطة.. فتعاملت حركة أوتبور منذ اللحظة الأولى مع قوات الشرطة على أنهم حلفاء فى الانتظار.. قدم أفراد الحركة بسكويتًا وزهورًا إلى مراكز الشرطة (تصاحبهم كاميرا تليفزيونية أحيانا لتسجيل ذلك).. وبدلا من الصراخ الغاضب فى وجه قوات الشرطة خلال المواجهات.. كان أفراد حركة أوتبور يستقبلونهم بالتهليل والترحاب.

حدث ما لم يكن أحد يتوقعه.. أو يتخيل حدوثه.. وبالنسبة للشباب الصرب.. كانت الخطوة التالية هى التفكير فى الطريقة التى يمكن تصدير ذلك بها.. بعد أشهر قليلة من الإطاحة بميلوسوفيتش.. بدأ قادة أوتبور يتلقون اتصالات من نشطاء الديمقراطية فى دول أخري.. يتحرقون شوقا لتكرار ما نجحت فيه الحركة الصربية.. وبدأ سلوبودان ديجنوفيتش، أحد القادة المؤسسين للحركة، يسافر إلى بيلاروسيا، ليعقد اجتماعات سرية مع حركة طلابية هناك.. لكن سرعان ما تم اختراق هذه الحركة.. وتفكيكها.

لاقى ديجنوفيتش نجاحا أفضل فى جورجيا.. حيث أسس مجموعة من الشباب حركة أطلقوا عليها اسم «كمارا!».. أى «كفاية!».. وعام 2002. بدأ ديجنوفيتش ورفاقه من قادة أوتبور، يزورون ويستضيفون طلبة «كمارا» فى صربيا.. وعندما سلب إدوارد شيفانادزه.. المسئول السوفيتى السابق الذى شغل منصب رئيس جورجيا، انتخابات البلاد التى جرت فى نوفمبر 3002.. أجبرته حركة بقيادة كمارا على ترك منصبه فيما عرف وقتها باسم «ثورة الورود».. وجاءت بعدها «الثورة البرتقالية» فى أوكرانيا.. حيث أمضى نشطاء أوتبور شهورا.. يقدمون فيها استشاراتهم لحركة شباب هناك تدعى «بورا».. أو «حان الوقت.»

وبينما كانا فى رحلة متجهة إلى جنوب إفريقيا لتدريب نشطاء زيمبابوى فى 3002. قرر دجينوفيتش وبوبفيتش تأسيس حركة كانفاس.

فى ذلك الوقت، كان بوبفيتش قد صار عضوا فى البرلمان.. لكنه استقال من منصبه فى 4002. مفضلا العمل كمنظم.. وثائر.. أما ديجنوفيتش، فأسس أول شبكة إنترنت لاسلكية فى صربيا عام 0002. وكان فى طريقه ليصبح أحد أساطين الصناعة فى البلاد.. واليوم.. يرأس ديجنوفيتش أكبر شركة اتصالات وإنترنت خاصة فى صربيا.. ويتولى تمويل نصف نفقات عمليات كانفاس.. ودوراتها التدريبية من جيبه الخاص.. يعمل فى كانفاس 4 آلاف موظف ونصف الألف.. والمدربون هم من النشطاء البارزين فى حركات المعارضة الديمقراطية فى خمس دول.. وشاركت كانفاس فى بعض ورش العمل التى عقدتها منظمة الأمن والتعاون فى أوروبا.. وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية.. ومنظمة دولية غير حكومية تدعى « الإنسانية فى حالة حركة».. وكذلك «فريدوم هاوس».. وهى جمعية أمريكية تتلقى تمويلها من الحكومة الأمريكية.. لكن.. تفضل كانفاس أن تبعد نفسها قدر المستطاع عن واشنطن.. بسبب خبرة أوتبور السابقة معها.. لقد تلقت أوتبور - مثلها مثل كل الحركات المعارضة لميلوسوفيتش - تمويلا من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية.. لكنها كذبت فى هذا الصدد.. وعندما خرجت الحقيقة إلى النور بعد سقوط ميلوسوفيتش.. انسحب العديد من أعضاء أوتبور من الحركة.. بعد شعورهم بالخيانة.. والغدر.

تتركز معظم أنشطة كانفاس حول العمل مع نشطاء الديمقراطية فى الدول التى تعانى من الحكم القمعي.. والتى تشكل غالبية ديكتاتوريات العالم.. وفى كل مكان نجح فيه الصرب.. كانوا يساهمون فقط فى إسقاط ثمرة الديكتاتورية التى حان قطافها.. قال بوبفيتش لبعض النشطاء فى إحدى الورش التدريبية لكانفاس: «اجتذب الناس.. دربهم.. واجعلهم فى حالة نشاط مستمر.. اضرب ضربتك.. أعلن انتصارك.. ثم ابتعد فورا.. لو كانت ضربتك ناجحة.. فسيأتى مزيد من الناس إليك.. ولو شاركك الناس فى نجاحات صغيرة.. إذن فقد بدأت تزرع فيهم الثقة بالنفس.. إن الكفاح السلمى يغير الطريقة التى ينظر بها الناس لأنفسهم.»

عملت «كانفاس» مع نشطاء من 05 دولة.. وإن لم تكن قادرة على الإشارة إلى 05 ثورة مماثلة.. السبب الظاهرى هنا هو أن الأشخاص الذين يتلقون تدريبهم فى كانفاس ليسوا هم الذين يقودون الحركة.. بعض المجموعات.. مثل مجموعات المعارضين فى جورجيا وأوكرانيا اختارت أن تشكل نفسها على نسق حركة أوتبور.. لكن.. حدث العكس فى إيران.. قامت مجموعات صغيرة من متدربى كانفاس ببعض التحركات الناجحة.. لكن قادة «الثورة الخضراء» الإيرانية لم يتبنوا أساليب حركة أوتبور.

فمعظم الدول التى تقع تحت حكم سلطوي، هى دول تشبه صربيا تحت حكم ميلوسوفيتش.. أو مصر تحت حكم مبارك.. بمعنى أنها دول ذات حكومات سلطوية.. تسمح بوجود بعض وسائل الإعلام المعارضة.. وبعض النشاط السياسي.. مثلها مثل الجزائر وأنجولا وكمبوديا وإثيوبيا وكازاخستان ونيكاراجوا وروسيا وفنزويلا.. صحيح أن الصرب لا يمكن أن يحملوا الثورة فى حقائبهم.. لكن يمكن لاستراتيجياتهم أن تضاعف من فرص المعارضة فى الاستفادة من أى لحظة يمكن أن تهز الحكم الديكتاتوري.

وما أن اندلعت احتجاجات 52 يناير حتى ظهر كتيب من 62 صفحة.. حمل عنوان: «كيف تثور بحداءة».. أى بذكاء.. كان المؤلف مجهولا.. وبدأ تداول هذا الكتيب فى القاهرة.. كان ذلك الكتيب يظهر أهداف المظاهرات: السيطرة على المنشآت الحكومية.. اكتساب الشرطة والجيش.. وحماية باقى المتظاهرين.. وقدم للناس نصائح بأن يحملوا ورودا وأن يرددوا شعارات إيجابية.. وأن يتجمعوا فى أحيائهم السكنية.. ويقنعوا رجال الأمن بتغيير موقفهم وتذكيرهم بأن أفراد أسرهم وعائلاتهم قد يكونوا من بين المتظاهرين.. وقدم الكتيب كذلك إرشادات عملية حول ما ينبغى على المتظاهرين حمله وإرتداؤه لحماية أنفسهم من القنابل المسيلة للدموع وعصى الأمن.. واقترح الكتيب عليهم أن يرفعوا لافتات كتب عليها: «الشرطة والشعب معا ضد النظام».

لقد ضرب المتظاهرون مثالا فى الوحدة.. والتسامح.. والنظام السلمي.. وضعت الجماعات المختلفة شعاراتها الخاصة جانبا وحملت فقط علم مصر.. لكى يكون لكل تلك الجموع.. قدر المستطاع.. صوت واحد.. نظف المتظاهرون الميدان.. ودافعوا عن المحال التجارية.. ألقوا القبض على من قاموا بأعمال السلب والنهب ودفعوهم لإعادة ما سرقوه.. شكل الأقباط صفوفا لتأمين المتظاهرين المسلمين وهم يؤدون الصلاة.. بينما صنع المسلمون دائرة لحماية الأقباط وهم يقيمون القداس.. كلاهما استقبل الجنود بالأحضان.. وواجهوا الشرطة بالورود.. غنوا.. وارتدوا قبعات مضحكة.. كان للثورة نكهة أصالة مصرية.. خاصة.. ومتفردة.. لكنها كانت تحمل فى داخلها أيضا.. دليل إرشادات «كانفاس».

لقد عملت كانفاس مع معارضين من كل دولة فى الشرق الأوسط تقريبا.. شهدت المنطقة واحدة من أروع نجاحاتها: لبنان.. وواحدة من أسوأ إخفاقاتها: إيران.. ويتساءل بوبفيتش ما إذا كان من الممكن أن تأخذ الأمور فى إيران منحى مختلفا فى المرة التالية؟.. ماذا سيحدث لو قررت الحركة الخضراء فى إيران ألا تنظم تحركها القادم حول الانتخابات.. وإنما أن تجهز «لمسيرة ملح» على الطريقة الإيرانية؟.. تركز على البطالة.. وانخفاض الأجور.. والفساد؟.

إن حالة إيران تتشابه مع حالة مصر وتونس فى أنها: تضم أغلبية من الشباب الذى تلقى تعليما جيدا نسبيا.. فى مواجهة حكومة سلطوية فاسدة تعتمد على الخوف لإبقاء الناس تحت السيطرة.. يقول بوبفيتش: «إن الحكومات التى تستند على عقود طويلة من الخوف.. تصبح حكومات متصلبة.. دعائم النظام تسانده بدافع الخوف.. لكن.. فى اللحظة التى ينكسر فيها حاجز الخوف.. ويصبح الناس غير خائفين أمام قوات الأمن.. بينما يعانقون جنود الجيش.. إذن.. فقد انهارت أهم دعائم النظام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.