في دبي.. ابتكر رجال أعمال نوعا جديدا من الفنادق، تُعرَف باسم "الفنادق الإسلامية" أو "الشرعية"؛ وهي فنادق ترفع شعار "لا للخمور.. ولا للرقص أو الموسيقى"، وتخصص حمامات سباحة للنساء فقط، والعاملون فيها يلتزمون بأزياء طويلة ومحتشمة، ويستقبلون النزلاء بتحية الإسلام. وعاما تلو الآخر يتزايد عدد هذه الفنادق، وأصبحت المقصد الأول لآلاف السائحين الخليجيين والعرب، خصوصا السعوديين والكويتيين والمصريين القادمين إلى مدينة دبي السياحية؛ لأنها تراعي تقاليدهم وتحافظ على خصوصيتهم، وتمنع عنهم العادات الغربية التي لا تقبلها مجتمعاتهم؛ وذلك حسب وصفهم.
ومن يدخل فندق "إسلامي" يرى المضيفات وموظفات الاستقبال يرتدين العباءة والحجاب، ويوجّهن التحية للضيف بعبارة "السلام عليكم"، ولا يستعملن كلمات الترحيب الإنجليزية التقليدية.
وعند التجوّل في طرقات الفندق لن يسمع أحد أصوات الموسيقى المعتادة في الفنادق الأخرى، ويسمع بدلا منها أصوات العصافير وسقوط المياه والرياح في مكبّرات الصوت الموزّعة في صالة الاستقبال والغرف، ولن يرى صالات للديسكو، أو قاعات للحفلات، أو حمامات سباحة مشتركة.
وتتوزّع في هذه الفنادق لافتات تشير إلى مطاعم وغرف مخصصة للنساء فقط، وحمامات نسائية، وطوابق كاملة محظور على الرجال دخولها.
ومن سمات تلك الفنادق أن أجهزة التلفاز في الغرف لا تعرض سوى القنوات الفضائية "المحترمة والمحافظة" بحسب وصف مديروها، والمأكولات المقدّمة للنزلاء قادمة من شركات خاصة ترفع شعار "إسلامي".
وتنتشر هذه الفنادق في أحياء مختلفة من الإمارات؛ منها منطقة ديرة التي تشهد إقبالا كبيرا من السياحة الخليجية، وفي منطقة "دبي مارينا" التي تستقبل السياحة الأوروبية والأمريكية.
وأجرت شركة "الملا للضيافة" في دبي دراسة أظهرت أن الطلب على الإقامة في الفنادق المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية آخذ في الارتفاع، ويمثّل 10% من السوق العالمية للسياحة، مشيرة إلى أن هناك خططا لبناء سلسلة عالمية تضمّ 150 فندقا بالعالم متوافقا مع الشريعة الإسلامية بحلول عام 2015.
ومن بين الفنادق الشرعية في دبي، فندق "تماني" الذي اشْتُهر بأنه خصّص طوابق كاملة للنساء فقط، وهذه الطوابق لا يسمح بدخولها أي ضيف ذَكَر، ويتولّى إدارة هذه الطوابق وصيانتها نساء.
وتقول إدارة الفندق إن الهدف من هذه الطوابق هو استقبال النساء الخليجيات والعربيات وسيدات الأعمال اللاتي يأتين إلى دبي بمفردهن، ويحتجن إلى إقامة آمنة تضمن لهن الخصوصية.
ويعدّ هذا الفندق أضخم فندق إسلامي بالإمارات؛ لأنه يشغل برجا عالي الارتفاع في منطقة جميرا، مكوّن من 55 طابقا تضمّ 209 غرف وأجنحة.
وفي دبي أيضا تقف سلسلة فنادق الجوهرة التي تُوصف بأنها صاحبة ابتكار الفنادق الإسلامية في العالم.
وقد بدأت فكرة فنادق الجوهرة "الشرعية أو الإسلامية" بدبي عام 1976، وانطلقت بفندق واحد، ثم حقّقت التجربة نجاحا كبيرا، دفع إدارته لتكرار التجربة، وإنشاء فندقين آخرين في دبي، وهو ما جعلها تقرّر إنشاء فنادق تحمل الصفة نفسها في الكويت ومصر ومختلف الدول العربية.
ويقول هاني لاشين -مدير عام "الجوهرة"- إن نسبة الإقبال على الفنادق لا تقل عن 100% في أغلب فترات العام، وفي أوقات مهرجانات التسوّق والسياحة لا نجد غرف تستوعب النزلاء الذين يروْن في خدمات الفنادق الإسلامية الراحة الكاملة لهم.
ويعتبر لاشين أن أهم ما يُميّز الفنادق الإسلامية أنها فنادق عائلية، تحافظ على خصوصية الأسرة، موضّحا أنها تخلو من أي مشاهد غربية تحرج أو تجرح الزوجات والفتيات والأبناء، والنزلاء جميعهم يحافظون على التقاليد والعادات العربية، ويتمتّعون بالخصوصية الخليجية، ويُطبّقون مبادئ الإسلام في كل معاملاتهم.
ويضيف: "أكثر ما نحرص عليه أن تكون جميع المأكولات المقدَّمة للعملاء قادمة من شركة "الإسلامي" التي تُوفّر الذبائح الحلال، وليس فيها ما هو مستورد، أو غير معروف طريقة الذبح".
وهناك رقابة شرعية من قِبل إدارة الفندق على الشركات المورّدة لمعداته، ورقابة على إجراءات البنوك وشركات التأمين التي يتم التعامل معها؛ للتأكّد من مدى التزامها بأحكام الشريعة الإسلامية.
أضف إلى ذلك أنه غير مسموح على الإطلاق التدخين بمختلف صوره، وممنوع أيضا تناول الكحوليات في مطاعم الفندق وحتى داخل أي غرفة.
وأكثر عملاء تلك الفنادق من الجنسيات الخليجية والعربية، لكن المثير أنها تلقَى إقبالا كبيرا من الغربيين من السائحين الألمان والأستراليين والآسيويين الذين يسعدون بهذه التقاليد المحافظة.
وكثير من الوفود الأجنبية تسعد بالهدوء في الفنادق، ويُؤكّدون أن أهم ما يُميّز الفنادق الإسلامية خلوّها من صخب الفنادق التقليدية.
ويشير مدير عام مجموعة فنادق الجوهرة الإماراتية إلى أن أكثر الجنسيات التي يستقبلها الفندق هي السعودية والكويتية، تليها العمانية والمصرية، ونستقبل آلاف الإماراتيين القادمين من مختلف أنحاء الإمارات.
ويستقبل أيضا شخصيات بارزة في مجتمع الخليج؛ من بينهم كبار رجال الدين في الوطن العربي، وأئمة الحرم المكي، ورجال أعمال.. يجدون في الفنادق الإسلامية راحتهم وراحة أسرهم.
ويلفت لاشين النظر إلى أن كثيرا من العاملين في الفندق غير مسلمين، لكنهم خضعوا لدورات تدريبية مكثّفة، توضّح لهم طبيعة الإسلام، وتشرح لهم مبادئه وأصوله، حتى يتعاملوا مع النزلاء وهم على دراية كاملة بأصول الضيافة الإسلامية، ولا يُقدِمون على أي تصرّف يُخالف الشرع.
فهد العنزي -كويتي من نزلاء أحد الفنادق الإسلامية بدبي- اعتاد منذ سنوات طويلة أن يزور دبي للسياحة والعمل، وعندما سمع بوجود فنادق إسلامية أُصيب بالدهشة من المسمّى، لكنه عندما زارها أُعجب بها جدا.
ويقول: "أعجبتني جدا فكرتها، والخصوصية التي تتمتّع بها النساء والأُسر العربية أثناء إقامتها، إضافة إلى خلوّ تلك الفنادق من بعض مظاهر العادات الغربية التي لا تتفق مع الأُسر العربية".
ويشير إلى أنه لا يُقيم في أي فندق تقليدي عند وصوله لدبي، حتى لو كان في زيارة فردية دون أسرته.
ويرى خالد سويح -وهو سعودي يزور دبي أكثر من مرة سنويا- أن وجود الفنادق الإسلامية يجعله يصطحب أسرته لدبي، والإقامة فيها لأيام طويلة، وعندما يترك أسرته في الفندق يكون مطمئنا جدا عليها.
ويُوضّح: "ما يُعجبني جدا في هذه الفنادق أن أبنائي حين يُقيمون فيها لن يروْا مَشاهد مؤذية على شاشات التلفاز، ولن يروْا نساء بملابس البحر في حمامات السباحة، أو مَشاهد حفلات الرقص في صالات الديسكو، وهو أمر أحرص عليه جدا".
أما أمل الشالي -سيدة أعمال عمانية- فتجذبها فكرة طوابق النساء في الفنادق الإسلامية، موضّحة أنها دوما تحجز غرفة في تلك الطوابق؛ لأنه لا يدخلها رجال، وجميع الخدمات التي تحتاجها يُقدّمها لها نساء، وهو ما يشعرها بالاطمئنان، ويُوفّر لها الخصوصية الكاملة