" لقاء عنان مع الأحزاب اتبع لعبة الشريف الشهيرة " فرق تسد دعوة عدد محدود من الأحزاب للقاء كان هدفها الوقيعة مع بقية القوى السياسية رؤساء ثلاثة أحزاب تنصلوا من الاتفاق لاسترضاء الأعضاء المشهد كان صامتا، لكنه موحٍ، كل برامج الفضائيات والتليفزيون المصرى تعرض عشرات المرات لقاء الفريق سامى عنان مع عدد من الاحزاب والقوى السياسية، تتجول الكاميرا بين الوجوه لتضبطها فى لحظة ابتسامة أو ضحكة تعبيرا عن الرضا، وجه الفريق سامى عنان مشرق ومضىء، فالجميع فى لحظة اتفاق تاريخي.
لا يهم ما حدث بعد ذلك.. من تحفظ؟ من اعترض؟ من رفض التوقيع؟.. فالطلقة خرجت ساخنة لتصيب القوى السياسية فى مقتل، حدث الانشقاق والانقسام، لم تعد كل القوى السياسية تحاور أو تناقش المجلس العسكرى فى قضايا الانتخابات.. البعض خرج من اللعبة بعدم دعوتهم وآخرون تورطوا بحسن نية أو سوء قصد فى اجتماع خلا من رفاق الجهاد.. فى الحقيقة ما جرى يعيد للأذهان طريقة تعامل رجال مبارك أو أركان نظامه مع القوى السياسية. أهم هذه الأركان كان صفوت الشريف، رجل المخابرات السابق الذى كان يحمل اسما حركيا «موافى» الآن موافى أو صفوت فى السجن.. يتحرك بصعوبة فى مساحة ضيقة، ولكن سياساته وطريقته الشهيرة فى لعبة السياسة لا تزال طليقة تلعب فى الفضاء الأوسع للسياسة. الشريك الأهم فى لعبة الشريف كان السياسى الراحل كمال الشاذلي، رجل داهية يجيد اصطياد المعارضة على انفراد، فى دعوة عشاء على مائدة صديق مشترك، فى واجب عزاء فى وفاة سياسى شهير.. لم يعدم الشريف ولا الشاذلى مائة طريقة لبناء صلة أو ترتيب لقاء.قد يكون غرض اللقاء هو مجرد «التعليم» على المعارض. و«التعليم» مصطلح سياسى مصرى وطنى (نسبة للحزب الوطنى المنحل). ويقصد بهذا المصطلح تشويه صورة المعارض أو على الاقل القاء ظلال من الشبهات عليه، يكفى ان تكون له علاقة خاصة أو لقاء بعيدا عن المعارضين مع حزب السلطة. ولذلك كان من البديهى أن يتم «التعليم» على عدد من القيادات النزيهة والمحترمة التى حضرت لقاء الفريق عنان، ففى اللحظة التى قرر فيها هؤلاء السياسيون استكمال اللقاء مع الفريق عنان، فى هذه اللحظة تورطوا فى مشاكل داخل وخارج أحزابهم. فى حزب المصري.. تمت الدعوة على الفور لاجتماع لقيادات الحزب يوم الاحد واستمر الاجتماع نحو خمس ساعات، وانتهى بعد الساعة الواحدة من فجر الاثنين. وكان أول وأهم الاسئلة لرئيس الحزب الدكتور محمد ابو الغار يتعلق بحضوره اجتماعاً لبعض القوى السياسية، فى شرحه لملابسات الواقعة، أكد أبوالغار أنه لم يعرف قبل اللقاء بنية المجلس اللقاء مع عدد محدود. من القوى السياسية، واستشهد أبوالغار بان الاجتماع السابق مع عنان كان بحضور 47 من ممثلى الاحزاب والقوى السياسية..وأكد أبو الغار أنه قرر مواصلة الاجتماع لعرض وجهة نظر الحزب، ولكن بعض قيادات الحزب أصروا على أن استكمال أبوالغار لحضور الاجتماع يضر بسمعة الحزب، ويفسد علاقته ببقية القوى السياسية التى تجاهل المجلس دعوتهم، لم ينج حزب أبو الغار من طلقة الانقسام سوى بالثقة الكبيرة فى شخصه والاهم بالمناقشات الديمقراطية، والتصويت على كل بند من بنود اتفاق النوايا بين المجلس والاحزاب الموقعة على الوثيقة، وبصعوبة بالغة استطاع أبو الغار أن يحصل على توافق حزبى على التوقيع على الوثيقة مقابل التحفظ على بند التأييد الكامل للمجلس العسكري. كانت قصة التأييد الكامل للمجلس العسكرى قد أثيرت فى كواليس أكثر من حزب قديم أو جديد. سياسى مخضرم فى الهيئة العليا للوفد أجرى اتصالا هاتفيا برئيس حزب الوفد الدكتور السيد البدوي، وكان الاتصال غاضبا، وأكد القيادى ان رئيس حزب الوفد وقع «شيك على بياض» للمجلس العسكري، ولم يحصل على مقابل مهم.. تحدث الرجل بعد فوات الأوان عن شكل الحزب أمام الجماهير لو لم يف المجلس بوعوده.. لكن هذا السياسى كان يعلم ان العجلة قد دارت وأن الاختلاف سيكون دوما على تفاصيل يمكن التفاهم عليها.لكن طلقة اللقاء المنفرد مع المجلس العسكرى أصابت رئيس حزب العدالة الدكتور مصطفى النجار فى مقتل أو على الاقل إصابة بالغة، ففى كواليس الحزب وقبل عقد اجتماع الهيئة العليا للحزب بدأت حركة جمع توقيعات لسحب الثقة من مصطفى النجار.. التهم الموجهة للنجار تبدأ من استكمال اللقاء انتهاء بالتوقيع على وثيقة بنود دون الرجوع لحزبه مرورا برفض بعض نتائج الحوار مع الفريق عنان، وحتى لو نجا النجار من سحب الثقة فإن حزب العدل نفسه لم ينج الى حد كبير من شبح الانقسامات والأخطر التخوينات، حزب العدل حزب جديد وحديث العهد بأساليب السياسة، ويصعب على بعض أعضائه من الثوار قبول الاتفاق المنفرد او بيع إخوة 25 يناير تحت أى مقابل. من الاحزاب المدنية للاحزاب الدينية سرت توابع لقاء عنان مع نخبة مختارة من القوى السياسية، بدا لبعض شباب حزب النور السلفى أن ما حدث خيانة لأصدقاء الجهاد لدم الشهداء، وأن التفاوض على صفقة الانتخابات كان ملطخا بالعار، عار التفاوض المنفرد، بعض الشباب ممن حملوا أجساد الشهداء فى ايام الثورة لم يرضوا بأى تبريرات عن الاستمرار فى لقاء لم يضم كل شركاء العمل الثوري. تاريخيا فإن الانتخابات كانت الموسم المناسب لإحداث الانقسام بين القوى السياسية، وشق صفوف المعارضة، وكان الثمن «كام» مقعد فى مجلس الشعب بالتزوير أو الإخلاء، أو التعيين فى مجلس الشوري، وفى اخر انتخابات للشورى كان قبول بعض قيادات أحزاب المعارضة للتعيين فى مجلس الشورى المزور بداية نهاية لتفجير بعض الاحزاب من الداخل. ظل الحزب الناصرى يعانى انقسامات داخلية حادة، وأدى عدم قبول قيادة احمد حسن للحزب إلى ابتعاد قيادات وكوادر عديدة عن الحزب، وأصيب الحزب بشبه شلل فى الشارع السياسي، ورغم تدهور احوال الحزب إلا أن الجميع اتفقوا على عدم الذهاب إلى لجنة الاحزاب، خوفا من تجميد الحزب، فقد كان عار التجميد اكبر مما يتحمله أى ناصرى مخلص، ولكن قبل أحمد حسن عرض صفوت الشريف بالتعيين فى الشوري، وتحول الامر الى اول مسمار فى نعش وحدة الحزب الناصري، وانتهى الامر بوجود جبهتين للحزب، جبهة الرئيس الشرعى للحزب (بحكم اللائحة) سامح عاشور، وجبهة أحمد حسن. فى اجتماع عنان لاحظ الخبراء والخبثاء معا أن الدعوة وجهت لجبهة احمد حسن، فهل كان هذا الاختيار من قبيل المصادفة أم من باب الاستعجال؟ أم أننا عدنا مرة اخرى للعب على انقسامات أحزاب المعارضة؟!.. لعبة صفوت الشريف الاثيرة، تفجير أحزاب من الداخل ثم التلاعب بكل جبهة على حدة، واختيار الجبهة الأسهل فى التعامل مع الحزب الوطنى المنحل. ذهب الحزب الوطنى وسنينه السوداء، ولم تذهب أساليبه التى أفسدت الحياة السياسية.. من المثير للدهشة أن الذين وافقوا على دراسة حرمان قيادات الوطنى من الانتخابات، هم انفسهم من استخدموا أساليب الحزب المنحل فى الترتيب للانتخابات ورسم خريطة الأحزاب المؤثرة واختيار المفاوضين واستبعاد المشاغبين ومنح الوعود العائمة الغامضة. فى لقائه ببعض الاحزاب اكتفى الفريق عنان بالتعهد بدراسة المطالب والموافقة المبدئية، واستخدم عبارات من نوع الرجوع للمجلس مرة، وترك التفاصيل للخبراء مرات اخري، لكن الفريق عنان لم يمنح مفاوضيه نفس الحقوق، وخاصة الحق فى الرجوع لهيئاتهم العليا ورفقاء الكفاح.الثوري، أو الحق فى استشارة الخبراء. فى مقابل تعديل المادة الخامسة من قانون الانتخابات حصل الفريق على تأييد كامل «شيك على بياض» من هذه القوى للمجلس العسكري. بعض قيادات الاحزاب التى حضرت حاولت تحسين صورتها، فى حزب الحرية والعدالة الاخوانى وحزب الوفد يتحدثون عن أن هذه الموافقة مشروطة بتحقيق المطالب أو الانتهاء من دراستها، والرد الذى قابله هؤلاء القيادات كان قاطعا ومقنعا. الرد كان ببساطة و«على بلاطة»، كان يجب ان ينتظر الاثنان بالتوقيع حتى ينتهى المجلس العسكرى من دراسة المطالب. لكن يبدو أن التاريخ يعيد نفسه، بعض الاحزاب ممن تدعى الثورية لم تصدق نفسها أن الفريق عنان وقع اختياره عليها للقاء منتقي، وما إن وجدت نفسها فى حضرة الفريق مع بضعة أحزاب أخرى حتى أخذتها النشوة السياسية