دقّ تقرير أممي حديث ناقوس الخطر بشأن اتساع رقعة الجوع وانعدام الأمن الغذائي في المناطق الواقعة تحت سيطرة مليشيات الحوثي شمالي اليمن، في ظل تراجع مصادر الدخل، واستمرار تعليق المساعدات الغذائية، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، ما ينذر بتداعيات إنسانية خطيرة تهدد ملايين السكان. وكشف التقرير الشهري الصادر عن برنامج الغذاء العالمي (WFP) حول حالة الأمن الغذائي في اليمن، أن ما يقرب من ثلث الأسر في مناطق سيطرة الحوثيين تعاني من الجوع المتوسط والحاد، وهي نسبة تفوق بكثير المعدلات المسجلة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا. ثلث الأسر تحت وطأة الجوع وبحسب التقرير، فإن 32% من الأسر في المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيات الحوثي المدعومة من إيران عانت من جوع متوسط (معتدل) إلى شديد (حاد) خلال نوفمبر 2025، وهو مؤشر خطير يعكس عمق الأزمة الغذائية التي تشهدها تلك المناطق. وأوضح برنامج الغذاء العالمي أن هذه الأسر واجهت تدهورًا غذائيًا وصل إلى مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة) أو ما هو أسوأ وفق التصنيف المرحلي المتكامل لانعدام الأمن الغذائي (IPC)، مشيرًا إلى أن أسرة واحدة على الأقل من بين كل خمس أسر تعاني من فجوات كبيرة في استهلاك الغذاء، تترافق مع ارتفاع معدلات سوء التغذية الحاد بشكل يفوق المستويات المعتادة. فجوة واضحة مقارنة بمناطق الشرعية وأكد التقرير الأممي أن حدة الجوع في مناطق سيطرة الحوثيين لا تزال أشد مقارنة بالمناطق الواقعة ضمن نفوذ الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، حيث أفادت 25% فقط من الأسر في تلك المناطق بمعاناتها من الجوع، ما يعكس تفاوتًا كبيرًا في مستويات الأمن الغذائي بين شطري البلاد. كيف تواجه الحكومة اليمنية محاولات الالتفاف على أنظمة الواردات وسط ضغوط الحوثيين؟ ما دلالات تجديد العقوبات الأممية على الحوثيين؟... جرائم وانتهاكات ترقى إلى مستوى «جرائم حرب» ويرى مراقبون أن هذا الفارق يعود إلى مجموعة من العوامل، أبرزها استمرار القيود المفروضة على المساعدات الإنسانية في مناطق الحوثيين، إلى جانب تدهور فرص العمل والدخل، وفرض الجبايات، وتراجع النشاط الاقتصادي، وهو ما فاقم من هشاشة الأوضاع المعيشية للسكان. استراتيجيات قاسية للبقاء على قيد الحياة وأشار التقرير إلى أن استخدام استراتيجيات التكيف القاسية للتعامل مع الأزمات المعيشية كان أكثر انتشارًا في مناطق سيطرة الحوثيين مقارنة بمناطق الحكومة الشرعية، حيث بلغت النسبة 66% في مناطق الحوثيين مقابل 58% في مناطق الشرعية. وتشمل هذه الاستراتيجيات، وفق التقرير، الاستغناء عن بعض الوجبات اليومية، وتقليل كميات الطعام، والاعتماد على أغذية أقل قيمة غذائية، إضافة إلى اللجوء للاقتراض أو بيع الأصول الأساسية، وهي ممارسات تُنذر بتدهور طويل الأمد في صحة الأسر، خصوصًا الأطفال والنساء. الأطفال يدفعون الثمن وفي مؤشر بالغ الخطورة، أفاد 49% من الأسر في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي بأنها اضطرت إلى تقييد استهلاك البالغين للغذاء لصالح الأطفال، مقارنة ب 44% في مناطق الحكومة اليمنية، وهو ما يعكس حجم الضغوط التي تواجهها العائلات لتأمين الحد الأدنى من الغذاء للأطفال. ويحذر خبراء تغذية من أن هذه الظاهرة، رغم بعدها الإنساني، قد تُخفي وراءها معدلات مرتفعة من سوء التغذية لدى البالغين، وتؤدي إلى تراجع القدرة على العمل والإنتاج، ما يكرّس حلقة الفقر والجوع على المدى المتوسط والبعيد. تعليق المساعدات وتراجع سبل العيش وأكد برنامج الغذاء العالمي أن تفاقم أزمة الجوع في مناطق سيطرة الحوثيين يعود بشكل رئيسي إلى استمرار تعليق المساعدات الغذائية لفترات طويلة، إلى جانب محدودية فرص كسب العيش، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أعداد المحتاجين للمساعدات مقارنة بمناطق الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا. وأوضح التقرير أن توقف أو تقليص المساعدات أسهم بشكل مباشر في تآكل قدرة الأسر على الصمود، خاصة في ظل الارتفاع المستمر في أسعار المواد الغذائية، وانخفاض القوة الشرائية، وتدهور العملة في فترات سابقة، ما جعل ملايين اليمنيين غير قادرين على تأمين احتياجاتهم الأساسية. 2025.. عام الذروة في انعدام الأمن الغذائي وفي خلاصة قاتمة، أكد برنامج الغذاء العالمي أن مستوى نقص الغذاء بلغ ذروته التاريخية في اليمن خلال عام 2025، حيث صنّفت جميع المصادر الموثوقة – بما في ذلك التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، وشبكة الإنذار المبكر بالمجاعة (FEWS NET)، ومؤشر بؤر الجوع، ومؤشر الجوع العالمي – اليمن ضمن أكثر دول العالم معاناة من انعدام الأمن الغذائي. ويحذر التقرير من أن استمرار الأوضاع الحالية دون تدخل عاجل وفعّال قد يدفع البلاد نحو سيناريوهات أكثر خطورة، تشمل اتساع رقعة المجاعة، وارتفاع معدلات سوء التغذية الحاد، خاصة بين الأطفال دون سن الخامسة. دعوات لتحرك دولي عاجل وفي ظل هذه المعطيات، جدد برنامج الغذاء العالمي دعوته للمجتمع الدولي إلى زيادة التمويل الإنساني، وضمان وصول المساعدات دون عوائق إلى جميع المحتاجين، محذرًا من أن أي تأخير إضافي قد تكون كلفته الإنسانية باهظة. كما شدد خبراء على ضرورة تحييد الملف الإنساني عن الصراع السياسي والعسكري، والعمل على دعم سبل العيش، وتحسين الوصول إلى الغذاء، باعتبار ذلك خطوة أساسية للحد من تفاقم الأزمة الإنسانية التي يعيشها اليمن منذ سنوات. حرب مالية جديدة.. هل ينجو النظام المصرفي اليمني من قبضة الحوثيين؟ الانشقاقات في صفوف الحوثيين تكشف عن أزمة ثقة عميقة: صلاح الصلاحي نموذجًا