تضع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية نظامًا روحيًا متدرجًا للأصوام، يراعى فيه البعد الروحى دون إهمال احتياجات الجسد. ولأجل هذا سمحت بتناول السمك فى أصوام الدرجة الثانية، كنوع من التخفيف على المؤمنين، خاصة المرضى وكبار السن والأطفال والحوامل والمرضعات، نظرًا لكثرة الأصوام التى يعيشها المؤمن الأرثوذكسى، والتى تبلغ حوالى سبعة أشهر سنويًا. -قسمت الكنيسة الأصوام إلى: أصوام من الدرجة الأولى: لا يُسمح فيها بتناول السمك. أصوام من الدرجة الثانية: تسمح الكنيسة فيها بتناول السمك فقط، دون سائر أنواع اللحوم. والأصل الروحى فى الصوم القبطى هو الانقطاع ثم تناول الأطعمة النباتية، لكن يُسمح بالسمك كاستثناء رعوى. - لماذا اختارت الكنيسة السمك دون غيره من اللحوم؟ 1- لأن السمك من ذوات الدم البارد خصوصًا سمك الأنهار والبحيرات (المعروف فى علم الأحياء بأنه من الفصيلة الأقل شهوة فى التكاثر). فالأنثى تضع البيض، ثم يقوم الذكر بتلقيحه خارجيًا دون علاقة جسدية، ولهذا اعتُبر لحم السمك أبعد الأنواع عن إثارة الشهوات. 2- لكونه طعامًا خفيفًا يتميز لحم السمك بأنه سهل الهضم وغنى بالبروتين الحيوانى الخفيف، كما أنه يحتوى على نسبة عالية من الفوسفور المفيد للجهاز العصبى والمخ والبصر. - دلالات روحية لتناول السمك 1- السمك طعام البركة ارتبطت معجزات إشباع الجموع بالخبز والسمك (مت 14، لو 9)، فصار رمزًا لعطاياه المملوءة نعمة. 2- السمك طعام القيامة عند ظهور الرب لتلاميذه بعد القيامة، تناول أمامهم جزءًا من سمك مشوى ليؤكد لهم حقيقة قيامته بالجسد نفسه (لو 24: 41–43). كما أكل معهم عند بحر طبرية خبزًا وسمكًا مشويًا (يو 21). 3- الرب يسوع لم يُذكر عنه أنه أكل لحومًا أخرى بينما ورد ذكر أكله للسمك أكثر من مرة. 4- السمك رمز للحياة فالسمكة تعيش وسط لجج البحر دون أن تتأثر بمياهه، وتأخذ فقط ما تحتاجه من الأكسجين... وهكذا يجب أن يكون المؤمن: «أن يعيش فى العالم، ولكن لا يدع العالم يعيش فيه» (1يو 2: 15–17). 5- رمز الملكوت شَبَّه الرب ملكوت السموات بشبكة مطروحة فى البحر تجمع من كل نوع (مت 13: 47)، فى إشارة إلى تنوع البشر داخل الكنيسة كما تتنوع أنواع الأسماك. 6- علامة السر لدى المسيحيين الأوائل خلال عصور الاضطهاد، استخدم المسيحيون رمز السمكة كإشارة سرية بينهم، تمامًا كعلامة الصليب، خاصة فى سراديب روما تحت الأرض. ولا تزال رمزية السمكة موجودة على حوامل الأيقونات فى الكنائس الأثرية حتى اليوم. 7- اسم السمكة يحمل إعلان الإيمان كلمة سمكة باليونانية ἰχθύς – إخسوس، وهى اختصار لعبارة عقائدية: Ἰησοῦς Χριστός Θεοῦ Υἱός Σωτήρ أى: يسوع المسيح ابن الله المخلص. وهكذا صار السمك طعامًا مسموحًا به فى أصوام الدرجة الثانية، ليس فقط لاعتبارات صحية ورعوية، بل لأنه يحمل فى طياته عمقًا روحيًا ورمزيًا ربطته الكنيسة بتاريخها وإيمانها وطقسها الحى.