على مدى السنوات الماضية، شكّلت الحرب في اليمن واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية عالميًا، لكنّ فصلًا مظلمًا ظلّ الأقل تناولًا إعلاميًا رغم عمقه الإنساني وهي معاناة ذوي الإعاقة. ومع اشتداد الصراع، تحوّل هذا الملف من أزمة منسيّة إلى عبء كارثي تتسع دوائره مع الوقت، خصوصًا في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، حيث تتداخل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة مع القيود السياسية والأمنية، لتجعل حياة ذوي الإعاقة أصعب من أي وقت مضى. كيف تواجه الحكومة اليمنية محاولات الالتفاف على أنظمة الواردات وسط ضغوط الحوثيين؟ ما دلالات تجديد العقوبات الأممية على الحوثيين؟... جرائم وانتهاكات ترقى إلى مستوى «جرائم حرب» في بلد يعيش أكثر من 4 ملايين شخص من ذوي الإعاقة وفق تقديرات منظمات دولية، تتحدث الوقائع المحلية عن أرقام أكبر نتجت بسبب القصف، الألغام، سوء التغذية، وتراجع الخدمات الصحية لكن في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، وصلت المشكلة إلى مستويات أشد تعقيدًا، بسبب تغيّر طبيعة السلطة، وتضييق المجتمع المدني، وغياب منظومة الدعم. الألغام... مصدر إعاقة يعمّق الكارثة من أخطر المظاهر التي فاقمت الإعاقة في اليمن انتشارُ الألغام الأرضية بشكل غير مسبوق، فبحسب تقارير أممية، تُعد المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين من أكثر المناطق الملوّثة بالألغام، إذ زرعت الجماعة مساحات واسعة بأنواع متعددة من العبوات الناسفة والألغام الفردية. هذه الألغام تسبّبت في آلاف الإصابات التي أدّت إلى بتر أطراف، فقدان بصر، إصابات عصبية، وإعاقات دائمة، معظمها بين أطفال ومزارعين ونساء يسيرون في طرق كانت آمنة سابقًا. ويؤكد ناشطون أن العديد من ضحايا الألغام لم يحظوا بأي علاج فعّال أو تأهيل لاحق، وأن المستشفيات القليلة التي تعمل تفتقر للأجهزة اللازمة لتركيب الأطراف أو إعادة التأهيل. انعدام الأدوية الأدوية الأساسية، خاصة أدوية الأعصاب والتشنجات، أصبحت نادرة وباهظة الثمن، ما يؤدي إلى مضاعفات خطيرة، مثل شلل جزئي، نوبات صرع متكررة، أو تدهور حركي دائم. غياب برامج الأطراف الصناعية المراكز التي كانت تعمل بدعم من المنظمات الدولية أُغلقت أو خفّضت نشاطها بشكل كبير، بينما يحتاج آلاف الجرحى أطرافًا صناعية عاجلة. بعض المرضى ينتظرون منذ سنوات دون مجهود فعلي من قبل السلطات الحوثية لتأمين هذا الاحتياج. القيود على المنظمات الإنسانية كانت منظمات الإغاثة الدولية والمنظمات المحلية المتخصصة في الإعاقة تمثّل متنفسًا حقيقيًا للآلاف، لكن مع تصاعد الحرب، فرض الحوثيون قيودًا مشدّدة على نشاطها. أبرز القيود يشمل منع إدخال مساعدات متعلقة بالإعاقة إلا بتصاريح معقدة وتوقيف مشاريع تدريبات وتأهيل كانت تُعنى بالنساء وذوي الإعاقات الحركية ومطالبة بعض المنظمات بدعم مالي "إجباري" للمجهود الحربي. هذه الممارسات دفعت عددًا من المنظمات إلى تقليص عملها أو الانسحاب تمامًا، الأمر الذي ترك ذوي الإعاقة في مواجهة مصير صحي صعب. كارثة اقتصادية تضاعف المعاناة لعل العامل الاقتصادي هو الأكثر تأثيرًا، إذ يعيش غالبية ذوي الإعاقة اليوم تحت خط الفقر، ومع توقف الرواتب الحكومية وانعدام فرص العمل، أصبحت الأسر غير قادرة على توفير أبسط الاحتياجات. التعليم... فرصة ضائعة التعليم هو الخط الفاصل بين الإعاقة والقدرة على الاندماج، لكن مدارس ذوي الاحتياجات الخاصة أُغلقت أو قلّصت خدماتها، ومعظمها يعاني من نقص المدرسين المتخصصين وغياب المناهج المناسبة للإعاقات السمعية والبصرية وعدم توفر وسائل نقل آمنة وتحويل بعض المدارس إلى مقرات عسكرية أو مخازن للجهات المسيطرة ونتيجة لذلك، توقّف آلاف الطلاب ذوي الإعاقة عن الدراسة، ما يعني خسارة جيل كامل للفرصة الوحيدة في الحياة الكريمة. الاستغلال السياسي والرمزي في بعض المناسبات، تُظهر سلطات الحوثيين اهتمامًا شكليًا بذوي الإعاقة عبر فعاليات واحتفالات إعلامية، لكنها لا تقدّم دعمًا حقيقيًا. ويؤكد ناشطون أن الجماعة تستغلّ ضحايا الحرب في حملات تعبئة سياسية أو في صور دعائية تُظهر "رعاية المقاتلين الجرحى"، بينما المدنيون الذين هم أغلبية المتضررين بلا أي حماية. كما تحدثت تقارير عن محاولات تجنيد شباب من ذوي الإعاقات البسيطة في وظائف "أمنية" مقابل رواتب زهيدة، في استغلال للوضع الاقتصادي وحاجة الأسر. غياب التشريعات الحديثة قبل الحرب، كان اليمن يمتلك قانونًا لرعاية المعاقين مع بعض ملامح القصور، لكن اليوم تجمّدت كل التشريعات، ولم تُحدّث القوانين لتتوافق مع الكارثة الإنسانية. في ظل هذا الفراغ التشريعي، يُمارس التمييز بشكل واسع، ولا توجد أي جهة رقابية مستقلة تلزم المؤسسات بتوفير بيئة مناسبة لذوي الإعاقة، سواء في العمل أو المدارس أو المستشفيات. وتتعرّض المرأة اليمنية عمومًا لأوضاع شديدة القسوة، لكن النساء ذوات الإعاقة يواجهن ظروفًا أكثر تعقيدًا تشمل صعوبة الوصول إلى المستشفيات في ظل العادات الاجتماعية والقيود الأمنية وارتفاع معدلات العنف الأسري والانتهاكات وحرمانهن من التعليم أكثر من الذكور ومحدودية البرامج المخصصة لتمكين المرأة وفي مناطق الحرب، تصبح المرأة ذات الإعاقة هدفًا سهلًا للانتهاكات بسبب ضعف الرقابة وغياب القانون. a href="/5252171" title="" جرائم="" حرب"="" بامتياز..="" كيف="" يستغل="" الحوثي="" المنشآت="" الدينية="" لتعميق="" الصراع؟"="" "جرائم حرب" بامتياز.. كيف يستغل الحوثي المنشآت الدينية لتعميق الصراع؟ هل تنجح جهود اليمن في محاصرة فوضى الدواء التي صنعتها مليشيات الحوثي؟