في ظل الطفرة التكنولوجية العالمية المتسارعة، يشهد قطاع التمريض تحولًا جذريًا في أساليب الرعاية الصحية، بفضل توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية في دعم القرار وتحسين جودة الخدمات. وفي هذا السياق، نظمت كلية التمريض بجامعة القاهرة مؤتمرها العلمي الدولي تحت عنوان "تحويل الرعاية نحو التميز التمريضي في عصر الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية"، وذلك تحت رعاية الدكتور محمد سامي عبدالصادق رئيس جامعة القاهرة، والدكتور محمود السعيد نائب رئيس الجامعة لشؤون الدراسات العليا والبحوث، والدكتور محمد رفعت نائب رئيس الجامعة لشؤون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، الدكتورة فاطمة عابد عميدة الكلية الدكتورة حنان فهمي وكلية الكلية لشؤون الدراسات العليا والبحوث ويُعقد المؤتمر على مدار يومي 5 و6 نوفمبر الجاري بمشاركة نخبة من أساتذة التمريض والخبراء في الرعاية الصحية من مصر والدول العربية والأجنبية، إضافة إلى ممثلين عن الهيئات الصحية والمراكز البحثية. ولإلقاء الضوء على أهداف المؤتمر ورؤية الكلية تجاه توظيف الذكاء الاصطناعي في تطوير التعليم التمريضي والرعاية الصحية، أجرى موقع الفجر هذا الحوار مع الدكتورة فاطمة عابد، عميدة كلية التمريض بجامعة القاهرة، التي أكدت أن الذكاء الاصطناعي أصبح أداة لا غنى عنها في دعم الممارسة التمريضية، شرط استخدامه بأخلاقيات ومسؤولية تضمن الحفاظ على جوهر المهنة الإنساني. س: في البداية، نود معرفة الهدف الرئيسي من تنظيم هذا المؤتمر العلمي الدولي؟ الهدف الأساسي من تنظيم المؤتمر هو رفع الوعي المجتمعي والمهني بدور الذكاء الاصطناعي في الرعاية التمريضية. نحن لا نخاطب فقط المجتمع الخارجي، بل نسعى أيضًا إلى زيادة وعي مجتمع التمريض نفسه، سواء من الطلاب أو أعضاء هيئة التدريس أو الممارسين. فالعالم يتجه بسرعة نحو توظيف الذكاء الاصطناعي في كل المجالات، وعلى رأسها المجال الصحي، ومن الضروري أن نكون جزءًا من هذا التطور. الكلية نفذت خلال السنوات الأخيرة عددًا كبيرًا من الأبحاث التطبيقية في مجال الذكاء الاصطناعي والرعاية التمريضية، وأثمرت هذه الدراسات عن نتائج مهمة، مثل القدرة على التنبؤ المبكر بالمضاعفات الصحية كقرح الفراش والمشكلات الناتجة عن الأمراض المزمنة، ما يمنح الممرضين فرصة للتدخل الاستباقي وتحسين جودة الرعاية المقدمة للمرضى. س: كيف تساهم كلية التمريض في دعم وتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي داخل العملية التعليمية والتدريبية؟ الكلية تقوم بدور محوري في هذا المجال، بدعم مباشر من جامعة القاهرة التي تولي اهتمامًا خاصًا بتطوير البنية التحتية التكنولوجية في مختلف الكليات. كلية التمريض كانت من بين الكليات التي استفادت من هذا الدعم، ما مكّنها من إدخال أدوات وتقنيات الذكاء الاصطناعي في التدريس، والتدريب العملي، والبحث العلمي. فقد أصبحنا نستخدم تقنيات تحليل البيانات، والمحاكاة الافتراضية، والواقع المعزز في تدريب الطلاب على مهارات الرعاية السريرية، مما يرفع من كفاءتهم ويؤهلهم للتعامل مع بيئة العمل الحديثة. لكن الأهم من ذلك أننا نحرص دائمًا على غرس ثقافة الاستخدام الأخلاقي والمسؤول للذكاء الاصطناعي، فالتقنيات مهما بلغت من تطور لا يمكن أن تحل محل الجانب الإنساني في المهنة. س: ذكرتِ أهمية الجانب الأخلاقي، كيف يمكن تحقيق التوازن بين التكنولوجيا والإنسانية في التمريض؟ هذا سؤال في غاية الأهمية. نحن نؤمن أن الذكاء الاصطناعي أداة مساعدة وليست بديلًا عن الممرض أو الممرضة. فمهما تطورت التكنولوجيا، لن تستطيع أن تمنح المريض الإحساس بالدفء الإنساني، أو التعاطف، أو التواصل غير اللفظي الذي يميز الممرض المحترف. في مجتمعنا الشرقي، نولي أهمية كبيرة للمشاعر الإنسانية والعلاقات الشخصية في الرعاية الصحية. لذلك نؤكد دائمًا لطلابنا أن الذكاء الاصطناعي هو وسيلة لتعزيز جودة الخدمة، وليس لاستبدال العنصر البشري. س: كيف يمكن للطلاب الاستفادة من الذكاء الاصطناعي خلال دراستهم وبعد تخرجهم؟ نحن نُعد طلابنا ليكونوا جزءًا من مستقبل المهنة، حيث أصبح الذكاء الاصطناعي عنصرًا أساسيًا في النظام الصحي الحديث. من لا يتقن التعامل مع هذه التقنيات سيتخلف عن الركب، تمامًا كما كان محو الأمية سابقًا مرتبطًا بالقراءة والكتابة، فإننا اليوم أمام مرحلة جديدة من محو أمية الذكاء الاصطناعي. الذكاء الاصطناعي يساعد الطالب على تطوير مهاراته في تحليل الحالات المرضية واتخاذ القرارات السريرية المدروسة. فهو يوفر قواعد بيانات ضخمة يمكن استخدامها في الأبحاث والدراسات، كما يمكن للطلاب استخدام بيئات تدريب افتراضية تحاكي الواقع لتطوير مهاراتهم العملية. لكنني أؤكد مجددًا أن هذه الأدوات لا تغني عن التدريب الميداني الحقيقي، بل تعد مكملًا له، وداعمًا لجودة التعليم التمريضي. س: ما أبرز النصائح التي تقدمينها للطلاب والخريجين في التعامل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي؟ أول نصيحة هي الالتزام بأخلاقيات المهنة في كل ما يتعلق باستخدام الذكاء الاصطناعي، سواء في التعامل مع المريض أو في التعليم والتدريب. يجب أن يكون الممرض أمينًا في استخدام هذه الأدوات وألا يعتمد عليها اعتمادًا كليًا دون تفكير نقدي. ثانيًا، أن يسعى الطالب والخريج دائمًا إلى تطوير الذات والتعلم المستمر، لأن الذكاء الاصطناعي مجال سريع التغير. كما ينبغي أن يتعلموا كيف يستخدمونه لتعزيز مهاراتهم، وتحسين قدرتهم على اتخاذ القرار، والتنبؤ بالمضاعفات الصحية. هذه التقنيات يمكن أن تساعد الممرض على اكتشاف مشكلات المريض مبكرًا، وتحليل البيانات بسرعة، مما يسهم في تحسين جودة الرعاية وتقليل الأخطاء الطبية. س: ما هي أهم الورش التي يتضمنها المؤتمر وأهدافها؟ المؤتمر يشمل مجموعة من الورش العلمية المتخصصة، أبرزها ورشة حول استخدامات الذكاء الاصطناعي في الرعاية التمريضية والتحديات المرتبطة بها، وأخرى حول الابتكار والتطورات الحديثة في توظيف الذكاء الاصطناعي في التمريض. تهدف هذه الورش إلى تدريب المشاركين على الاستخدام العملي والأخلاقي للتقنيات الحديثة، مع التركيز على تعزيز الوعي العام بفرص وتحديات الذكاء الاصطناعي في الممارسة التمريضية. ومن أهم التوصيات التي نأمل الخروج بها من المؤتمر: ضرورة رفع الوعي المجتمعي والمهني بأهمية الذكاء الاصطناعي، وتوفير دورات تدريبية وورش عمل متخصصة لطلاب وخريجي التمريض، إلى جانب تشجيع البحث العلمي التطبيقي في هذا المجال الحيوي. اختتمت الدكتورة فاطمة عابد حديثها بالتأكيد على أن مستقبل التمريض لن ينفصل عن الذكاء الاصطناعي، بل سيزداد ارتباطًا به مع مرور الوقت، مشددة في الوقت نفسه على ضرورة الحفاظ على جوهر المهنة الإنساني الذي يقوم على الرحمة والتعاطف والعناية. وأضافت أن كلية التمريض بجامعة القاهرة تسعى من خلال هذا المؤتمر إلى أن تكون نموذجًا يحتذى في دمج التكنولوجيا الحديثة بالتعليم الصحي، وبناء جيل من الممرضين قادر على التعامل مع أدوات الذكاء الاصطناعي بوعي وكفاءة. وأكدت أن الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة ذهبية لتطوير منظومة الرعاية الصحية في مصر والمنطقة العربية، إذا ما تم توظيفه بمسؤولية وأخلاقية تحترم خصوصية الإنسان وكرامته. واختتمت قائلة: "الذكاء الاصطناعي لن يُلغي دور الممرض، بل سيعزز قدراته، وسيسهم في بناء منظومة تمريض أكثر دقة وجودة وإنسانية."