تشهد مالي واحدة من أخطر مراحلها الأمنية والسياسية منذ عقود، مع تصاعد نفوذ تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين المرتبط بالقاعدة، والذي فرض حصارًا خانقًا على العاصمة باماكو ومناطق واسعة من البلاد، مما أدى إلى شلل اقتصادي وصحي وإنساني غير مسبوق. ويخشى مراقبون من أن تكون مالي على أعتاب تحول خطير نحو السيطرة الإرهابية الكاملة، بما يهدد أمن منطقة الساحل وغرب إفريقيا برمتها. حصار الوقود يشل العاصمة باماكو تفرض الجماعات المتطرفة منذ أسابيع حصارًا شاملًا على العاصمة، مستهدفة قوافل الوقود والمواد الغذائية، ما تسبب في نقص حاد في الطاقة والكهرباء، وإغلاق عدد كبير من المدارس والمستشفيات ومحطات النقل العام. توقفت خدمات النقل العام بنسبة تتجاوز 70%، وارتفعت أسعار الوقود إلى مستويات غير مسبوقة، ولجأت المستشفيات إلى شراء الوقود من السوق السوداء بأسعار مضاعفة أو تقليص خدماتها الأساسية. الأزمة طالت أيضًا القطاعات الصحية، حيث تعطلت أجهزة التنفس الصناعي وغسيل الكلى والحضانات، مما أدى إلى وفاة بعض المرضى في ظل عجز السلطات عن توفير بدائل. المواجهات الميدانية: الجيش المالي في مأزق أعلن الجيش المالي مقتل أكثر من عشرة عناصر من تنظيم القاعدة في عملية عسكرية محدودة قرب العاصمة، إلا أن التقارير تشير إلى أن قدرات الجيش تتراجع بفعل نقص الذخيرة والوقود وتزايد الهجمات على طرق الإمداد نحو باماكو. رغم الحصار الخانق، إلا أن الجماعة لا تمتلك بعد القدرة الكاملة على اقتحام العاصمة، لكنها تسعى إلى خنق الحكومة عسكريًا واقتصاديًا لفرض واقع جديد على الأرض. الأبعاد الأمنية والسياسية سيطرة القاعدة على مالي تعني توسعًا خطيرًا لنفوذ الإرهاب في منطقة الساحل وغرب إفريقيا. انهيار الحكومة أو ضعفها سيؤدي إلى إقامة دولة موازية تدار من قبل التنظيم. داخل المجلس العسكري الحاكم تتزايد الخلافات والضغوط، مع مخاوف من انقلاب جديد في ظل عجزه عن احتواء الأزمة. الانسحاب الفرنسي وتراجع الوجود الأمريكي فتحا الباب أمام فراغ أمني استغلته الجماعات الإرهابية لتوسيع نفوذها. اقتصاد الإرهاب: القاعدة وشبكات التهريب تعتمد الجماعة على شبكات تهريب المهاجرين والبضائع والسلاح كمصدر تمويل رئيسي. تجني أرباحًا ضخمة من ابتزاز المهاجرين وفرض رسوم عبور، وتمارس غسل الأموال عبر شركات صيرفة محلية وشبكات تجارية غير مشروعة، كما تتورط في عمليات اختطاف للحصول على فديات تدر عليها ملايين الدولارات سنويًا. هذه الأنشطة تعزز من قدرات التنظيم العسكرية وتمنحه استقلالًا ماليًا كاملًا عن أي دعم خارجي. التداعيات الإقليمية والدولية
يمتد خطر القاعدة إلى دول الجوار مثل النيجر وبوركينا فاسو وتشاد، مع احتمال تسلل المقاتلين والأسلحة عبر الحدود المفتوحة. ازدادت موجات النزوح الجماعي من باماكو والمناطق المحاصرة، وارتفعت مخاطر انهيار الخدمات العامة في المدن الكبرى، وتنامى القلق الدولي من تحول مالي إلى ملاذ آمن للجماعات الإرهابية. ويحذر خبراء أمنيون من أن سقوط مالي في يد القاعدة سيشكل سابقة خطيرة في التاريخ الحديث، كونها أول دولة إفريقية تدار فعليًا من قبل تنظيم إرهابي. السيناريوهات المستقبلية 1. تصعيد محدود: استمرار الهجمات دون انهيار الدولة، مع تحركات إقليمية لتنسيق أمني مشترك. 2. تصعيد شامل: اتساع رقعة المواجهات وتفاقم النزوح والانهيار الاقتصادي. 3. تدخل دولي: تدخل عسكري أو دعم خارجي مباشر للجيش المالي. 4. انهيار الدولة: فقدان الحكومة السيطرة على العاصمة وبروز دويلة إرهابية في الساحل.
آليات احتواء الأزمة تعزيز التعاون الأمني الإقليمي والدولي لمواجهة الجماعات الإرهابية. قطع شبكات التمويل عبر مراقبة التحويلات المالية وشبكات التهريب. تفعيل مبادرات سياسية وتنموية لمعالجة جذور التطرف والفقر. إطلاق خطة إنسانية عاجلة لإنقاذ السكان المحاصرين في باماكو والمناطق المحيطة. في النهاية تعيش مالي اليوم أخطر لحظاتها منذ عقود، حيث يهدد حصار القاعدة العاصمة باماكو بانهيار شامل لمؤسسات الدولة، في وقتٍ تتصاعد فيه التحذيرات من أن سقوط مالي سيُشعل سلسلة أزمات أمنية وإنسانية تمتد عبر الساحل الإفريقي بأكمله. ويبقى الحل رهين تحرك دولي وإقليمي عاجل يوازن بين القوة العسكرية والحلول السياسية والتنموية لإنقاذ مالي والمنطقة من الانهيار الكامل.