تشهد الساحة السودانية تصعيدًا إنسانيًا وعسكريًا غير مسبوق عقب سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، وسط تقارير عن مجازر وانتهاكات واسعة ضد المدنيين، واستنفار دبلوماسي دولي وإقليمي لاحتواء الأزمة. مأساة إنسانية في الفاشر أفادت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان بمقتل نحو 2000 مدني خلال الساعات الأولى من دخول قوات الدعم السريع إلى الفاشر، بينهم عشرات تم حرقهم أحياء، بينما ما يزال أكثر من 177 ألف مدني محاصرين وسط أوضاع مأساوية، مع نزوح نحو 28 ألف شخص خلال 48 ساعة فقط. وأكدت اللجنة أن شوارع المدينة امتلأت بالجثث، وأن طرق الهروب تتعرض لهجمات تمنع المدنيين من الوصول إلى مناطق آمنة. مجلس الأمن يدين ويطالب بالمحاسبة في بيان قوي، دان مجلس الأمن الدولي الهجوم الذي شنّته قوات الدعم السريع على الفاشر، مشيرًا إلى أنه خلف آثارًا مدمرة على السكان المدنيين، ومذكرًا بقراريه رقم (2736) و(2791)، اللذين يدعوان إلى وقف فوري لإطلاق النار، ورفع الحصار عن المدينة. وأكد المجلس أن الانتهاكات الموثقة ضد المدنيين، بما في ذلك الإعدامات الميدانية والفظائع ذات الدوافع العرقية، لن تمر دون مساءلة، مطالبًا جميع الأطراف باحترام القانون الدولي الإنساني، وضمان ممرات آمنة للمساعدات الإنسانية.
مصر ترفض مخططات تقسيم السودان من جانبها، دعت وزارة الخارجية المصرية إلى هدنة إنسانية فورية في كافة أنحاء السودان، مؤكدة دعمها لوحدة البلاد وسلامة أراضيها. وشددت على رفضها القاطع لأي محاولات لتقسيم السودان أو إقامة سلطات موازية خارجة عن الدولة، مؤكدة أن حل الأزمة لا يكون إلا بالحوار بين السودانيين أنفسهم. واشنطن والرباعية تتحرك للسلام قالت وزارة الخارجية الأميركية إنها تنسق مع مجموعة "الرباعية" — التي تضم الولاياتالمتحدة، السعودية، الإمارات، ومصر — من أجل الوصول إلى سلام دائم في السودان. وفي السياق ذاته، وصف مسعد بولس، كبير مستشاري الرئيس الأميركي للشؤون العربية والأفريقية، ما يجري في دارفور بأنه "تصعيد مروع"، داعيًا الدعم السريع إلى وقف الهجمات فورًا وحماية المدنيين. موقف الإيغاد: السودان على شفا التفكك حذّر وركنه جيبيهو، الأمين العام للهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)، من أن السودان بات على شفا التفكك، محملًا التدخلات الخارجية مسؤولية تعقيد الأزمة. وأكد في مقابلة متلفزة أن ما يحدث في الفاشر "إحدى أكبر المآسي العالمية"، مشددًا على ضرورة فتح ممرات إنسانية عاجلة، ودعم مبادرة الرباعية لإنهاء الحرب. مواقف داخلية.. رفض للحرب ودعوات للوحدة أعلن خالد عمر يوسف، القيادي في تحالف "صمود"، أن الحرب لن تُحسم بالقوة العسكرية، مؤكدًا أن "السلام هو الطريق الوحيد لإنهائها". كما دعا الكاتب والمحلل السياسي عماد أونسة إلى استخلاص الدروس من مأساة الفاشر، محذرًا من خطورة التحشيد المضاد والدعوات الانتقامية التي قد تؤدي إلى تمزيق النسيج الاجتماعي وفتح الباب للتدخلات الأجنبية. مواقف متناقضة بين الجيش والدعم السريع نفى الجيش السوداني استهدافه أي دور عبادة أو تجمعات مدنية، مؤكدًا أن مزاعم قصف "زريبة الشيخ البرعي" محاولة لتضليل الرأي العام والتغطية على "جرائم ميليشيا آل دقلو الإرهابية". وفي المقابل، أصدر قائد ثاني قوات الدعم السريع أمرًا عسكريًا رقم (7) لسنة 2025 يلزم قواته باحترام القانون الدولي وحماية المدنيين، في وقت تتصاعد فيه الاتهامات ضد قواته بارتكاب مجازر مروعة في الفاشر وبارا. السودانيون في الخارج يتحركون دعا جهاز تنظيم شؤون السودانيين بالخارج جميع الجاليات السودانية إلى تنظيم وقفات احتجاجية يوم السبت 1 نوفمبر في مختلف العواصم العالمية، تنديدًا بجرائم الحرب في دارفور، ومطالبة المجتمع الدولي بتصنيف قوات الدعم السريع كمنظمة إرهابية. الفاشر جرس إنذار للسودان والعالم تجمع مأساة الفاشر كل معاني الكارثة الإنسانية والسياسية التي يعيشها السودان اليوم، بين الانقسام الداخلي، والتدخلات الخارجية، والتقاعس الدولي. ويبقى وقف الحرب وإطلاق عملية سلام سودانية خالصة هو الطريق الوحيد لإنقاذ الوطن من التفكك، وإعادة الأمل لملايين المدنيين المحاصرين بين النار والجوع.