تشهد الكاميرون واحدة من أكثر الانتخابات الرئاسية إثارة منذ عقود، بعد أن أعلن الوزير السابق عيسى شرومة بكاري نفسه فائزًا قبل إعلان النتائج الرسمية، في خطوة أربكت المشهد السياسي وأثارت توترًا واسع النطاق في مدينة غاروا، مسقط رأسه ومعقله الشعبي، وسط مخاوف متصاعدة من اندلاع احتجاجات أو مواجهات مع قوات الأمن. ورغم أن اللجنة الانتخابية لم تصدر بعد نتائجها النهائية، فإن المؤشرات الأولية — حسب مراقبين ومصادر ميدانية — تُظهر تقدم تيشروما في عدد من المناطق الشمالية والغربية، ما شكل صدمة في أروقة الحزب الحاكم الذي يقوده الرئيس بول بيا منذ أكثر من أربعة عقود. خصم من داخل النظام يمثل صعود عيسى شرومة بكاري مفارقة لافتة، إذ شغل الرجل مناصب وزارية رفيعة في حكومات بيا المتعاقبة، وكان يُنظر إليه كأحد المقربين من الدائرة الضيقة حول الرئيس. إلا أن خلافات داخلية وتباينات في الرؤى السياسية دفعت به تدريجيًا إلى المعارضة، قبل أن يتحول إلى رمز للتيار الإصلاحي داخل الحزب الحاكم نفسه. ويقول مراقبون إن بكاري استثمر حالة السأم الشعبي من استمرار نظام بيا، مستندًا إلى خطاب يدعو للتغيير السلمي والإصلاح المؤسسي، ما أكسبه تعاطفًا واسعًا بين الشباب والطبقة الوسطى. قلق داخل القصر الرئاسي في المقابل، يعيش جناح الرئيس بيا حالة من القلق والترقب، وسط تقارير عن اجتماعات مغلقة في ياوندي لبحث السيناريوهات المحتملة، بما في ذلك خيار استخدام القوة لضبط الشارع، أو محاولة امتصاص الغضب عبر الدعوة إلى "مراجعة النتائج" أو "تدقيق الأصوات" في المناطق المتنازع عليها. ويرى محللون أن النظام يواجه معضلة حقيقية: القمع قد يشعل الشارع، والانتظار قد يمنح تيشروما شرعية شعبية أكبر. نظام يشيخ ومجتمع يتغير يُعد بول بيا، البالغ من العمر 92 عامًا، أحد أقدم الزعماء في إفريقيا والعالم، حيث تولى الحكم عام 1982. وعلى مدى أكثر من أربعين عامًا، حافظ على قبضته عبر مزيج من التحالفات الإقليمية والولاءات داخل المؤسسة العسكرية، غير أن طول فترة حكمه وتدهور الأوضاع الاقتصادية عمّقا حالة التململ الشعبي. الشارع على صفيح ساخن في مدينة غاروا، انتشرت قوات الأمن بكثافة حول المقرات الحكومية ومراكز التصويت السابقة، بينما أفادت تقارير محلية بوقوع احتجاجات محدودة سرعان ما تم تفريقها. وفي المقابل، تواصل المعارضة الدعوة إلى ضبط النفس بانتظار ما ستسفر عنه الساعات المقبلة. ورغم محاولات الإعلام الرسمي التقليل من تأثير بكاري، فإن المزاج العام يشير إلى أن الانتخابات الأخيرة قد تكون نقطة تحول في تاريخ الكاميرون السياسي، سواء عبر انتقال سلس للسلطة أو عبر أزمة جديدة تهدد استقرار البلاد.