شهدت جامعة القاهرة فعاليات الملتقى المصري الفرنسي للتعليم العالي والبحث العلمي، بحضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي ألقى كلمة رسمية تناولت آفاق التعاون المشترك بين البلدين في هذا المجال الحيوي. الملتقى، الذي حضره أيضًا الدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي المصري، ووزير التعليم الفرنسي، بالإضافة إلى كبار الشخصيات الأكاديمية والإدارية من كلا البلدين، شهد الإعلان عن عدة مبادرات تهدف إلى تعزيز التعاون الأكاديمي والبحثي بين الجامعات والمؤسسات العلمية في مصر وفرنسا. في كلمته، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على أهمية التعاون الثنائي بين مصر وفرنسا في مجال التعليم العالي، مشيرًا إلى أن هذا التعاون يعكس العلاقات العميقة والمتجذرة بين البلدين في مختلف المجالات. وقال ماكرون: "مصر بلد شاب وحيوي، حيث أن نصف سكانها تحت سن ال25 عامًا، مما يجعلها من أهم الشركاء في بناء مستقبل مشترك قائم على المعرفة والابتكار. هذا التوجه هو ما يسهم في تعزيز الشراكة بين بلدينا في مجالات التعليم والبحث العلمي". وأضاف الرئيس الفرنسي أن فرنسا تعتبر مصر شريكًا استراتيجيًا في المنطقة، حيث تمثل مركزًا حيويًا للتعاون الأكاديمي والبحثي في المنطقة العربية وإفريقيا. وأشار إلى أن التعاون الفرنسي المصري في هذا المجال يعود إلى سنوات طويلة، حيث بدأ في البداية في مجال علم المصريات، لكنه اليوم يمتد ليشمل العديد من المجالات المتطورة مثل الهندسة، والطب، والعلوم الطبيعية. تطرق ماكرون في كلمته إلى الإنجازات التي تحققت على مدار السنوات الماضية في مجال التعاون الأكاديمي بين مصر وفرنسا، مشيرًا إلى أن هذا التعاون قد شهد تطورًا ملحوظًا، حيث تم إطلاق أكثر من 50 برنامجًا للحصول على شهادات مزدوجة (Double Diplômes) بين الجامعات المصرية والفرنسية. كما أشار إلى أن هناك 42 بروتوكول تعاون بين الجانبين، سمحت بإطلاق نحو 70 برنامجًا أكاديميًا مشتركًا. هذه البرامج تمثل مثالًا واضحًا على النجاح الذي تحقق في تبادل الخبرات والمعرفة بين البلدين. وذكر ماكرون أن فرنسا استقبلت ما يقرب من 3000 طالب مصري في مختلف التخصصات الأكاديمية، مؤكدًا على أن هناك زيادة كبيرة في عدد الطلاب المصريين الذين يختارون فرنسا كوجهة تعليمية، حيث شهدت أعداد الطلاب المصريين في الجامعات الفرنسية زيادة بنسبة 22% في السنوات الأخيرة. ويعتبر هذا التطور مؤشرًا قويًا على النجاح المتواصل للشراكة بين البلدين في هذا المجال. أحد المواضيع الرئيسية التي ركز عليها الرئيس ماكرون في كلمته كان مستقبل الجامعة الفرنسية في مصر، التي تمثل نموذجًا ناجحًا للتعاون الأكاديمي بين البلدين. وأشار إلى أن الجامعة الفرنسية في مصر كانت منذ إنشائها منذ 20 عامًا، رمزًا للتعاون المثمر بين مصر وفرنسا في مجال التعليم العالي. وتحدث ماكرون عن التوسع الكبير الذي تشهده الجامعة الفرنسية، حيث من المقرر أن تدخل مرحلة جديدة في المستقبل القريب، حيث سيتم افتتاح حرم جامعي جديد وفقًا لأحدث المعايير العالمية في الاستدامة البيئية. وقال ماكرون: "الجامعة الفرنسية في مصر تمثل قصة نجاح مستمرة على مدار السنوات العشرين الماضية، ونحن نعمل الآن على تطوير هذا المشروع الطموح. الحرم الجامعي الجديد سيستقبل نحو 7000 طالب، وسيكون بمثابة معلم معماري مميز يتوافق مع أعلى معايير الاستدامة البيئية. هذا المشروع لا يقتصر فقط على خدمة الطلاب المصريين، بل يهدف إلى جذب طلاب من مختلف أنحاء إفريقيا، ليكون بمثابة جسر معرفي وثقافي بين القارة الأوروبية والقارة الإفريقية". ركز ماكرون أيضًا على أهمية التعاون في مجالات البحث العلمي والابتكار بين مصر وفرنسا. وأكد أن التعاون بين البلدين في هذا المجال يتيح للجانبين تبادل المعرفة والخبرات العلمية، ويعزز من قدرتهما على مواجهة التحديات العالمية المعقدة، مثل قضايا الطاقة والتغير المناخي. وذكر أن فرنسا تمتلك مجموعة من المبادرات والمراكز البحثية التي تشجع على التعاون مع مصر، مثل "كامبوس فرانس" (Campus France) التي تهدف إلى دعم حركة الطلاب والباحثين بين البلدين. وأوضح الرئيس الفرنسي أن فرنسا تتطلع إلى تطوير مزيد من البرامج البحثية المشتركة بين الجامعات والمعاهد الفرنسية والمصرية، بهدف تعزيز الابتكار في العديد من المجالات العلمية والتقنية، مؤكدًا على أن مصر تلعب دورًا محوريًا في بناء المستقبل العلمي والتكنولوجي للمنطقة. أشار الرئيس الفرنسي أيضًا إلى الشبكة التعليمية الفرنسية الواسعة في مصر، التي تشمل العديد من المدارس الفرنسية المنتشرة في مختلف أنحاء البلاد. هذه المدارس تمثل جزءًا مهمًا من العلاقات الثقافية بين البلدين، حيث تساهم في نشر الثقافة الفرنسية وتعليم اللغة الفرنسية لأجيال جديدة من المصريين. كما أشار إلى أن هذه المدارس تعد بمثابة مدخل حيوي لتعريف المصريين بالقيم الفرنسية والتقاليد الثقافية، وهو ما يساهم في بناء علاقات ثقافية وتعليمية قوية بين البلدين. وأضاف ماكرون: "المدارس الفرنسية في مصر لا تقتصر على تعليم اللغة الفرنسية فقط، بل هي أيضًا جسر تواصل بين الثقافات، حيث تقدم للطلاب المصريين فرصة للاطلاع على الثقافة الفرنسية والانفتاح على العالم بشكل أوسع". أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التزام بلاده بتعميق التعاون الأكاديمي والبحثي مع مصر في المستقبل. وقال: "الاتفاقيات التي تم توقيعها اليوم، ودعمنا المستمر للطلاب والباحثين من خلال هيئات مثل كامبوس فرانس، إضافة إلى التطور الكبير الذي تشهده الجامعة الفرنسية في مصر، كلها خطوات تؤكد عزمنا على بناء مستقبل مشترك قائم على المعرفة والابتكار بين بلدينا". كما أشار إلى أن هذه الشراكة ستستمر في النمو والازدهار، وأن فرنسا ستظل ملتزمة بتوفير الدعم اللازم لتطوير التعليم العالي في مصر، من خلال برامج تبادل الطلاب، وتنظيم الندوات الأكاديمية، وتعزيز التعاون بين الجامعات الفرنسية والمصرية. أكد ماكرون على أن التعاون الأكاديمي بين مصر وفرنسا ليس مجرد علاقة تعليمية فحسب، بل هو أساس لبناء مستقبل مشترك يتسم بالابتكار والتقدم العلمي، وأن هذه الشراكة ستظل محورية في تعزيز الروابط بين البلدين على كافة الأصعدة.