تحكى لى عن بركاته وكراماته. ممسكة «سبحة كهرمان» بها تسع وتسعون حبة فى يديها، وعدد مقارب من التجاعيد يملأ وجهها، مع كل حكاية لجدتى اكتشف أن كرامات الشيخ الأهم والأقوى حدثت بعد موته، وفيما بعد قرأت أن اعظم كرامات الشيوخ تحدث بعد الرحيل، تتألق كراماتهم بعد الرحيل. شفاء المرضى أو اعادة حبل المودة بين الأحبة، ومنح الزوجة العاقر الولد فى خريف العمر. ولكن حوار رئيس الوزراء الأسبق الدكتور كمال الجنزوى أثبت لى بما لا يدع مجالا للشك أن بعض السياسيين أيضا لا تظهر كراماتهم ومواقفهم إلا بعد الرحيل، وبالطبع أقصد رحيل مبارك عن السلطة، وليس رحيل الجنزوى عن رئاسة الحكومة وأحضان السلطة.
فبعد صمت رهيب استمر نحو عقد من الزمان أعادت الثورة الروح والصوت للجنزوي، عاد يؤكد معارضته لسياسيات وقرارات، وينسج قصصًا وحكايات عن صموده فى وجه التيار رغم استجابة الآخرين وطاعتهم، ولكن هذه المعارضة القوية المستأسدة لم تؤد به إلى قطع الحبال مع السلطة لمدة خمسة عشر عامًا، وزيرا للتخطيط منذ عام 48.
بل إنه ترقى الى منصب رئيس حكومة فى عز بيع مصر دون أن تظهر كرامات معارضته فى هذه الفترة السوداء من تاريخ مصر.
الآن يتحدث الدكتور الجنزورى عن حرصه على المال العام: «كنت حريصا بشدة على المال العام ليس فقط على مستوى مكافحة الفساد بل على مستوى الحفاظ عليه ومنع اهداره»، ويضيف الجنزورى «وطبعا كان هذا يلقى معارضة».
بركاتك يادكتور جنزورى.
هل كان بيع عشرات الشركات العامة حفاظا على المال العام أم إهدار له؟
لقد بيعت المراجل البخارية ب17 مليون جنيه وسط تقديرات بانها كانت تساوى مليار جنيه. ولم يستقل الجنزورى من منصبه كنائب رئيس الوزراء اعتراضا على اهدار المال العام.
فاذا افترضنا أن الجنزورى رفض أن يركب الوزراء سيارات فارهة. ووفر للدولة كام مليون جنيه فهل يغفر له ترأسه للجنة الوزارية للخصخصة التى اهدرت المليارات من الجنيهات؟
وما قيمة أن يقول الجنزورى لا قوية لتخفيض عدد بعثات الحج الوزارية، ثم يقول فى سره لا للخصخصة وبيع القطاع العام ؟
بركاتك يا دكتور جنزورى.
ومن كرامات الجنزورى الأخرى رفضه زيادة الأموال المخصصة لتطوير رأس التين وخاصة جناح الأميرات. ويضيف السياسى الجنزوري: «وقد خرجت من رئاسة الوزارة بعد هذه الواقعة بشهر واحد فقط ولا اعنى بهذا أن هذه الواقعة كانت سببا لخروجي».
فى هذه الكرامة تحديدا من بركات المعارضة يشير الجنزورى الى رفضه الاستجابة لمطالب سوزان مبارك لتجديد جناح الأميرات.
بركاتك يا جنزورى.
إذا كنت معارضا لرغبات الزوجة، فلماذا لم تعارض الزوج مبارك أو حتى تطلب منه إخراج يوسف بطرس غالى من وزارتك؟
ولماذا تقبل بحكومة لا تستطيع أن تختار وزراءها بنفسك ؟
ولا الجنزورى اختار وارتضى بأن يعمل مع غالى ؟
من أهم كرامات الجنزورى التى ظهرت بعد رحيل مبارك هى حكاية أنه أرسل برسالتين لمبارك حول الفاسدين والفاسقين (لاحظ التعبير الديني) وتزوير الانتخابات.
أول رسالة بعد ظهور حركة «كفاية» فى 2004 كانت فى شكل سؤال (لماذا تتحمل وزر الفاسدين والفاسقين ولماذا تحملهم على ظهرك؟).
بركاتك ياجنزورى.
وهل خلت وزارتك من الفاسدين والفاسقين؟ ألم تحملهم على ظهر حكومتك راضيا أو معارضا فى سرك والبعض أصدقاؤك؟
وكيف رضيت لنفسك أن تستمر رئيس حكومة فى ظل حفنة من الفاسدين والفاسقين وبعضهم يحاكم الان فى قضايا فساد واهدار مال عام فى عهدك؟
أما الرسالة الثانية، فهى بحق فاكهة الحوار، او بالاحرى الكرامات والبركات.
الرسالة الثانية أرسلها عبر المحبوس زكريا عزمى بعد آخر انتخابات لمجلس الشعب. (لاحظ تطور المد الثورى للدكتور الجنزوري).
يقول الجنزورى (هاتفت زكريا عزمى وحملته رسالة للرئيس مفادها: أنه لا أحد يختلف على تزوير الانتخابات.. ومصلحة الأمة تستدعى مراجعة هذه الانتخابات).
بركاتك يادكتور جنزورى.
ألم تستمر فى وزارات وحكومات كان تزوير الانتخابات عندها عقيدة ومبدأ؟ وهل اكتفيت أيضا بالمعارضة فى سرك على افساد الحياة السياسية. حياة استمررت فى خوضها معذبا لمدة 15 عاما (نص حكم مبارك) بين تزوير إرادة الأمة، وإهدار مالها وثرواتها..
أم الدكتور الجنزورى كان معترضا على حجم التزوير وليس مبدأ التزوير؟
لا ياسيدى انتهى زمن الكرامات المتأخرة، وبركات مابعد الرحيل
لا ياشيخ
لن أقيم لك ضريحا سياسيا لكراماتك أحج إليه، وامسح بيدى على جدرانه الصدئة من رطوبة كرامات متأخرة، ولا تحتاجها مصر الثورة، كنا فى حاجة لمعارضة الفرعون فى العلن والأهم فى عهده وطغيانه وتفريطه فى حقوق مصر