قالت الأديبة سارة السهيل أن تقنيات عصرنا أسهمت بشكل كبير في تغيير اهتمامات الأطفال وألعابهم ووسائل تعليمهم أيضا، بل ان التقنية الرقمية قد أتاحت فرصًا أكبر في الوصول إلى المعلومة واللعب والتسلية وتنمية الهوايات والمهارات. وفي محاضرة لها أقيمت في اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين حضرها النائب علي الخلايلة ورئيس الاتحاد محمود رحال وعدد من التربويين والمختصين وجمهور من المهتمين وأدارها الإعلامي والكاتب محمود الداوود أضافت السهيل أن التكنولوجيا الحديثة أثرت سلبا على أدب الطفل؛ وهو ما يوجب على كاتب الأطفال أن يطور نفسه، وأدواته الفنية بصفة مستمرة ليواكب هذه المغيرات، ومراقبة الميديا الحديثة والمواد التي تقدم للأطفال وتؤثر فيهم. فالأطفال يقضون وقتًا طويلًا أمام وسائل التواصل وصل إلى حد الإدمان، الأمر الذي يجعل أدب كتاب الطفل ومجلته الورقية في منافسة صعبة مع الميديا الإلكترونية والمواقع التفاعلية للأطفال.
وأكدت أن التجارب الحياتية لهذا الفضاء الالكتروني وتفاعل الأطفال معه، كشفت عن العديد من المخاطر التي تعرض لها الاطفال من صور عنصرية أو إباحية أو خطاب الكراهية، والحث علي الانتحار كما شاهدنا في العديد من الألعاب الالكترونية وضحاياها في العالم.
وأضافت أن هذا كله يصب في صالح الكتاب، الذي أثبت حتي اليوم أنه السبيل الآمن للمعرفة والترقي والتثقيف، وأنه أكثر أمانا للأطفال من وسائل التواصل الاجتماعي ومنتديات الألعاب المشبوهة.
وقالت أنه رغم أن أدب الطفل يعد ركيزة أساسية من أساسيات بناء شخصية الطفل، وأحد الوسائل المهمة في عمليات تنشئة وتربية الطفل، إلا أنه كما هو واضح للعيان وفي العالم كله، فإنه يواجه تحديات خطيرة قد تتهدد بمستقبله أمام السيطرة الكبيرة لأفلام الكرتون والألعاب الالكترونية، وحتي شخصية الطفل نفسها تغيرت وهو يمسك بالموبايل يلهو به وهو في السنة الاولي من عمره.
مؤكدة بأن الاهالي يسهمون في تعلق الطفل بالموبايل ليكون هو أداة المعرفة بالعالم المحيط به ويشاهد ما به من صور وألوان جاذبة، دون قصد منهم من خلال ارتباطهم النفسي بهذا الجهاز الفتاك، وطول استخدامهم له تحت أية ذريعة علمية أو ترفيهية أو تواصل اجتماعي وما شابه.
وأضافت أنه يمكن إجمال التحدي العصري لأدب الطفل في عنصرين هما: تحد ثقافي، والآخر معرفي، وقد يهدد مستقبل وجود أدب الطفل من الأساس. مبينة أن التحدي الثقافي يتمثل في فرض تحويل المعرفة وطلب العلم إلى إنتاج، في حين أن ما يمكن أن نقدمه للأطفال من علوم ومعارف تتغير وتتطور بسرعة وخلال فترة زمنية قصيرة، مثل المعارف الخاصة بالكمبيوتر والهاتف المحمول ووسائل الاتصال، ثم طباعته وتسويقه، قد تتغير العديد من المعارف المعاصرة وتتطور، كما سمعنا عن إلغاء الفيس بوك واستبداله بما يعرف بالميتافيرس.
إن خيال الكاتب لا بد وأن يتوافق مع خيال طفل هذا العصر، وهو يشاهد أبطال حكايات مختلفة في العالم تتفق مع مستجدات عصره، وهو ما يفرض على الكاتب تحديات جمة في طريقة الكتابة والمضمون معا وتطوير عناصر الاقناع الفني لديه ليكون مقاربا نوعا ما للواقع المعاش.
أما التحدي الثاني فيتمثل في تحول مسعى شعوب العالم من المعرفة التي تعني امتلاك المعلومات، إلى المعلوماتية التي نعيش زمانها، وهي تقوم علي إنتاج المعلومات بطرق رمزية ورقمية مثل لغات البرمجة، فالثلاجة والتكييف وعداد الكهرباء والغاز وعمل البنوك وكل مناحي حياتنا تحولت إلى الرقمنة.
وهذا يعني أن أية معارف مستقبلية لم تتحول إلى الرقمنة المعلوماتية لن يكون لها أثر في حياتنا حسبما يؤكد المتخصصون.
ووفقا هذا المضمون فإن المعرفة الانسانية ستندمج مع بعضها بفعل علوم البرمجة الصناعية ومنها البرمجة العصبية والبرمجة المخية وغيرها.
وقالت السهيل أنه يجب علينا البحث بعمق عن تراثنا واستخلاق قصص خيالية نابعة منه تعبر عن قيمنا وتناسب أطفال جيل الانترنت، والابتعاد قدر استطاعتنا عن نقل أفكار الغرب في أدب الطفل. مؤكدة أن هذا الجهد لن يكتب له النجاح دون دعم من الناشرين والمؤسسات الثقافية المسؤولة عن ثقافة الطفل في بلادنا العربية، بحيث تحفز على انتاج أدب للأطفال تتحقق فيه مواصفات احتياجات طفل الانترنت مع قيمنا الاخلاقية، وأن توقف أو تقلل دور النشر العربية من استيراد قصص الأطفال من الخارج.
وأضافت أنه علينا أن نقر بحقيقة أن الطفل يبحث عن مفهوم البطولة من خلال مشاهدته أو قراءته للقصص، ولذلك فإننا يمكننا صنع العديد من القصص التي تجعل من الطفل بطلا داخل هذه النصوص حتى نجذبه إلى القراءة مجددا.
وهنا يأتي أيضا دور الأسرة في عملية التنشئة الأولي بتحفيز الأطفال منذ المهد على مطالعة الصور الجذابة داخل الكتب وتعويد الأطفال في مرحلة رياض الأطفال على القراءة لتصبح كالماء والهواء، وكأي عادة، مثلما اعتاد الأطفال استخدام الانترنت.
من ناحية أخري فإن مهمة كاتب الأطفال نفسه، باتت أكثر صعوبة، ولكن لا بد وأن يتجاوزها بالقدرة على تطوير أدواته، وحفز طاقات الخيال ليده للدخول في عالم العجائب والغرائب المدهشة والمبنية على حقائق عليمة مثلما فعلت مؤلفة "هارى بوتر" حين استلهمت قصصها من غرائب ألف ليلة وليلة، أو وظفته لخدمة مضمون قصصها، وأظن أننا الآن اولي بهذا الاستلهام.
وخلصت إلى أن الحفاظ علي أدب الطفل مرهون أولا بإحياء القراءة في عالمنا العربي، وإعادة قيمة القراءة الورقية لدى الأطفال، وللمؤسسات التعليمية والثقافية دور رئيسي في عمليات الإحياء، فيجب على المؤسسات التعليمية أن تخصص ركنا للقراءة الحرة داخل المدارس، وأن تقيم مسابقات بين الطلاب عل هذه القراءات، وقبل هذا الجهد لا بد للمدرسة أن تقوم بشكل رئيسي في تحبيب القراءة للأطفال.