أبرزهم أحمد حاتم وحسين فهمي.. نجوم الفن في العرض الخاص لفيلم الملحد    فصل التيار الكهربائى عن 3 مناطق بمدينة بيلا فى كفر الشيخ.. اليوم    منظمة أمريكية تطالب بالكشف عن اتصالات الخدمة السرية بعد ثغرات أمنية في حماية ترامب    حزب "المصريين": بيان الخارجية الرافض للاعتراف بما يسمى "أرض الصومال" جرس إنذار لمحاولات العبث بجغرافيا المنطقة    أمطار ورياح قوية... «الأرصاد» تدعو المواطنين للحذر في هذه المحافظات    بحضور وزير الثقافة.. أداء متميز من أوركسترا براعم الكونسرفتوار خلال مشاركتها في مهرجان «كريسماس بالعربي»    قرار جديد من النيابة ضد شخص استولى على أموال المواطنين ببطاقات الدفع الإلكتروني    لجنة بالشيوخ تفتح اليوم ملف مشكلات الإسكان الاجتماعي والمتوسط    عمر فاروق الفيشاوي عن أنفعال شقيقه أثناء العزاء: تطفل بسبب التريندات والكل عاوز اللقطة    محمد معيط: الدعم في الموازنة 16 %.. ووصول خدمة الدين 49% يقلقني ويقلق المواطن أكثر من العجز    أسبوع حافل بالإنجازات| السياحة والآثار تواصل تعزيز الحضور المصري عالميًا    انتخابات النواب| محافظ أسيوط: انتهاء اليوم الأول من جولة الإعادة بالدائرة الثالثة    فيديو جراف| تسعة أفلام صنعت «فيلسوف السينما».. وداعًا «داود عبد السيد»    «الداخلية» تكشف مفاجأة مدوية بشأن الادعاء باختطاف «أفريقي»    يوفنتوس يقترب خطوة من قمة الدوري الإيطالي بثنائية ضد بيزا    ما بين طموح الفرعون ورغبة العميد، موقف محمد صلاح من مباراة منتخب مصر أمام أنجولا    واتكينز بعدما سجل ثنائية في تشيلسي: لم ألعب بأفضل شكل    أمم إفريقيا - لوكمان: تونس لا تستحق ركلة الجزاء.. ومساهماتي بفضل الفريق    نوفوستي تفيد بتأخير أكثر من 270 رحلة جوية في مطاري فنوكوفو وشيريميتيفو بموسكو    ناقد رياضي: الروح القتالية سر فوز مصر على جنوب أفريقيا    أحمد سامى: كان هيجيلى القلب لو استمريت فى تدريب الاتحاد    لافروف: نظام زيلينسكي لا يبدي أي استعداد لمفاوضات بناءة    تفاصيل إصابة محمد على بن رمضان فى مباراة تونس ونيجيريا    هل فرط جمال عبد الناصر في السودان؟.. عبد الحليم قنديل يُجيب    حادثان متتاليان بالجيزة والصحراوي.. مصرع شخص وإصابة 7 آخرين وتعطّل مؤقت للحركة المرورية    2025 عام السقوط الكبير.. كيف تفككت "إمبراطورية الظل" للإخوان المسلمين؟    لافروف: أوروبا تستعد بشكل علني للحرب مع روسيا    داليا عبد الرحيم تهنيء الزميل روبير الفارس لحصوله علي جائزة التفوق الصحفي فرع الصحافة الثقافية    نيلي كريم تكشف لأول مرة عن دورها في «جنازة ولا جوازة»    مها الصغير تتصدر التريند بعد حكم حبسها شهرًا وتغريمها 10 آلاف جنيهًا    آسر ياسين ودينا الشربيني على موعد مع مفاجآت رمضان في "اتنين غيرنا"    «زاهي حواس» يحسم الجدل حول وجود «وادي الملوك الثاني»    بعد القلب، اكتشاف مذهل لتأثير القهوة والشاي على الجهاز التنفسي    المحامي ياسر حسن يكشف تطورات جديدة في قضية سرقة نوال الدجوي    حمو بيكا خارج محبسه.. أول صور بعد الإفراج عنه ونهاية أزمة السلاح الأبيض    خبير اقتصادي يكشف توقعاته لأسعار الدولار والذهب والفائدة في 2026    «إسرائيل: السحر الدين الدم».. كتاب جديد يكشف الأسرار الخفية للدولة العبرية    عمرو أديب يتحدث عن حياته الشخصية بعد انفصاله عن لميس ويسأل خبيرة تاروت: أنا معمولي سحر ولا لأ (فيديو)    محمد معيط: المواطن سيشعر بفروق حقيقية في دخله عندما يصل التضخم ل 5% وتزيد الأجور 13%    كيف يؤثر التمر على الهضم والسكر ؟    وزير الصحة يكرم مسئولة الملف الصحي ب"فيتو" خلال احتفالية يوم الوفاء بأبطال الصحة    رابطة تجار السيارات عن إغلاق معارض بمدينة نصر: رئيس الحي خد دور البطولة وشمّع المرخص وغير المرخص    اليوم.. أولى جلسات محاكمة المتهم في واقعة أطفال اللبيني    أخبار × 24 ساعة.. التموين: تخفيض زمن أداء الخدمة بالمكاتب بعد التحول الرقمى    محافظ قنا يوقف تنفيذ قرار إزالة ويُحيل المتورطين للنيابة الإدارية    الإفتاء توضح حكم التعويض عند الخطأ الطبي    القوات الروسية ترفع العلم الروسي فوق دميتروف في دونيتسك الشعبية    سيف زاهر: هناك عقوبات مالية كبيرة على لاعبى الأهلى عقب توديع كأس مصر    طه إسماعيل: هناك لاعبون انتهت صلاحيتهم فى الأهلى وعفا عليهم الزمن    المكسرات.. كنز غذائي لصحة أفضل    أخبار مصر اليوم: انتظام التصويت باليوم الأول لجولة الإعادة دون مخالفات مؤثرة، تطوير 1255 مشروعًا خلال 10 سنوات، الذهب مرشح لتجاوز 5 آلاف دولار للأوقية في 2026    محافظ الجيزة يتابع أعمال غلق لجان انتخابات مجلس النواب في اليوم الأول لجولة الإعادة    آية عبدالرحمن: كلية القرآن الكريم بطنطا محراب علم ونور    كواليس الاجتماعات السرية قبل النكسة.. قنديل: عبد الناصر حدد موعد الضربة وعامر رد بهو كان نبي؟    هل يجوز المسح على الخُفِّ خشية برد الشتاء؟ وما كيفية ذلك ومدته؟.. الإفتاء تجيب    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المطلوب " انابة " بحكم " المنتهى " !?    المستشفيات الجامعية تقدم خدمات طبية ل 32 مليون مواطن خلال 2025    أخبار × 24 ساعة.. موعد استطلاع هلال شعبان 1447 هجريا وأول أيامه فلكيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. يحيى الجمل يكشف سر بقاء مبارك في مصر وعدم هروبة بعد الثورة
نشر في الفجر يوم 10 - 09 - 2011

عندما تقف في شرفة منزله المطلة على ليل القاهرة، تلمح صورة حائرة لمصر 2011 بعد أن خطفها الربيع العربي من استقرارها المزعوم، مصر التي غيرها يناير ومن بعده سقطت كل التواريخ وبات أبناؤها يحاولون كتابة تاريخ جديد. وبحماسة تقف خلفها حكمة سنوات طويلة، يشير المفكر السياسي الدكتور يحيى الجمل إلى النهر الخالد، وكأنه يؤكد أن «النيل ما زال يجري» وسيظل، معربا عن رفضه للصورة المتشائمة لمصر بعد الثورة، مبشرا بمستقبل مختلف. من هذه الشرفة القاهرية يأخذنا نائب رئيس الوزراء المصري السابق يحيى الجمل، في قراءة متعمقة لمصر بعد 25 يناير يفصح خلالها عن بعض الأسرار ويتحرج من ذكر الكثير، كما يبحر بنا في عصر الرئيس المصري السابق حسني مبارك، الذي عرفه الجمل عن قرب خلال فترة ولايته الأولى مطلع الثمانينات من القرن الماضي وكان من الدائرة المحيطة به، ويروي الجمل كيف كان مرشحا لتولى منصب رئيس البرلمان المصري، قبل أن تفضحه كراهيته للحزب الوطني الحاكم وتقف حائلا بينه وبين هذا المنصب الرفيع.

ويصف أستاذ القانون بجامعة القاهرة يحيى الجمل، الرئيس المصري السابق مبارك بأنه كان يتمتع بعناد شديد وبأفق ضيق، وفي الفترة الأخيرة من رئاسته كان الفاعلان الأساسيان في حياته هما زوجته وابنه جمال، وهما من أهم أسباب تصاعد الأحداث، ويحكي الجمل عن الخطاب الذي وجهه للرئيس المصري قبل تنحيه بعامين يحذره فيه من فكرة التوريث واصفا نجله بأنه شخص غير مقبول شعبيا.

وللدكتور يحيى الجمل تاريخ سياسي حافل، بدأه في عهد الرئيس عبد الناصر عضوا في التنظيم الطليعي قبل أن يعينه الرئيس السادات وزيرا لشؤون مجلس الوزراء عام 1974، إلا أنه يتحول إلى صفوف المعارضة في نهاية عهده كنائب لرئيس حزب التجمع. ورغم أن الجمل بدا قريبا من مبارك في بداية حكمه حتى ترشحه لأن يكون على قمة المؤسسة التشريعية رئيسا للبرلمان المصري، فإنه اختلف معه في النهاية وأسس قبل سنوات من رحيل مبارك أو تنحيه عن الحكم، حزب الجبهة الديمقراطية المعارض وكان أول رئيس له، وهو الحزب الذي خرجت من صفوفه قيادات شابة مؤثرة في ثورة يناير 2011.

ويكشف الجمل في الحلقة الأولى من حواره المطول الذي تنشره «الشرق الأوسط» على عدة حلقات عن سر بقاء مبارك في مصر بعد تنحيه ورفضه لعروض عربية كثيرة قدمت له كي يخرج إليها بصورة مشرفة تتناسب مع تاريخه السياسي والعسكري، في وقت كان الموقف يسمح بذلك قبل 11 فبراير (شباط) 2011، كما يؤكد نائب رئيس الوزراء السابق أن المجلس العسكري رفض صراحة خروج مبارك بعد التنحي، معتبرا الحديث في هذا الأمر تدخلا يمس السيادة الوطنية، وهو ما تفهمه الطالبون. وإلى نص الحوار.

* عما حدث في الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني) الماضي، وبعد مضي أكثر من 8 شهور تسمح لنا بأن نقيم ونحلل، في رأيك ما هو الاسم العلمي الدقيق للفعل السياسي الذي حدث في هذا اليوم وما أعقبه من أيام تالية وحتى تنحي مبارك عن الحكم؟

- استأذنك في أن نبدأ من قبل 25 يناير، آخر عشر سنوات من عمر حكم مبارك كانت حافلة بالعديد من صور التوتر والاحتقان الذي كان متصاعدا يوما وراء يوم، وسنجد ازدراء النظام لإرادة الناس وازدراءه كذلك لإرادة القانون، وهناك أناس قالوا (لا) وكنت من أوائل الناس الذين قالوا (لا) وتحديدا منذ عام 2005 مع إعلان التعديلات الدستورية التي قلت عنها وقتها إنها (خطيئة) دستورية، ولقد وجهت كذلك خطابا مفتوحا لمبارك في بداية رمضان 2008، قلت له فيه بكل وضوح: «ابنك لا قبول له عند أحد ولا تحاول العمل على فكرة التوريث، ابنك يمشي في الأرض مرحا ويصعر خده للناس وخير لك أن تدعو للجنة تأسيسية تدعو إلى دستور جديد وتعلن أنك باق في فترة محدودة في الحكم وبعدها ستتركه». وبطبيعة الحال لم يلتفت مبارك إلى هذا الخطاب وأنا أعرفه جيدا فهذه طبيعته.

* في رأيك ما هي العوامل الأخرى التي ساعدت على تفجر الوضع وصولا إلى يناير 2011 وما أعقبه من أحداث؟

- الثورة في مصر لم تكن نبتا شيطانيا ظهر على الساحة فجأة، بل عوامل عدة وتراكمات كبيرة على مدار سنوات فجرت الثورة وممن أسهم في اندلاع الثورة الدكتور محمد البرادعي وحركات التغيير مثل كفاية والجمعية الوطنية وغيرها من القوى السياسية العديدة ومن ضمنها الإخوان المسلمون، على الرغم من أنهم كانوا يعملون (من تحت الترابيزة) ولهم طرقهم في الكر والفر ولكنها كانت قوة سياسية معارضة، واذكر أن الإخوان عندما حصلوا على 85 مقعدا في البرلمان، جمعني لقاء بصفوت الشريف وحبيب العادلي وبعض رجال السياسة وقلت وقتها لحبيب العادلي: «حينما تمت الانتخابات البرلمانية تحت إشراف القضاء حصل الإخوان على 85 مقعدا، لكن عندما قمتم بإلغاء الإشراف القضائي في المرحلتين الثانية والثالثة وقمتم بتزوير الانتخابات، الإخوان لم يحصلوا على مقعد واحد»، فقال لي مستنكرا: «وهل أترك البلد تحترق يا دكتور يحيى؟»، فرددت عليه: «أرجوك لا تقل لي ذلك، أنا رجل عملت على بناء هذا الوطن منذ ستين عاما وحتى اليوم، بل انتم من ستحرقون البلد، والمعالجة الأمنية فقط هي التي ستحرق البلد». وهذا ما حدث فعلا في يناير 2011.

* لكن هل وصل هذا الانفجار أو الحريق إلى مرتبة ال«ثورة»؟

- ثورة 25 يناير وصفها الحقيقي أنها «بداية ثورة» استطاعت أن تقتلع رأس النظام وهذا عمل عظيم ولكنها لم تهدم نظاما كاملا ولم تستطع أيضا أن تبني نظاما جديدا حتى هذه اللحظة، وهي بداية ثورة عظيمة مما لا شك فيه، ولكن مع نهاية شهر فبراير وبداية شهر مارس (آذار) الماضيين بدأ يدخل فيها عناصر كثيرة ليست منها وشباب الثورة الذين قاموا بالثورة لم يعودوا يتصدرون المشهد الآن بل عناصر كثيرة بعضهم دخلاء على الثورة وبعضهم يحاول أن يختطفها أيضا.

* هل أنت قلق من الوضع الحالي في مصر؟

- المسلمون قبل المسيحيين قلقون.. ومنزعجون.. خائفون، فعجلة الإنتاج تكاد تتوقف، عجلة السياحة معطلة وتغلق شريان الاقتصاد في البلد وهذا يعني مزيدا من الاختناق.

* كيف كانت علاقتك بالرئيس السابق مبارك؟

- كنت على صلة به منذ أن كان نائبا وفي المرحلة الأولى من رئاسته وبعد ذلك بدأ يتغير وبدأت أنا في الانسحاب من الدائرة المحيطة به، ثم انقطعت علاقتي به تماما منذ عام 1988 وحتى خروجه من المنصب، وهو يتميز للأسف بعناد شديد وبأفق ضيق، وفي الفترة الأخيرة من رئاسته كان الفاعلان الأساسيان في حياته هما زوجته وابنه جمال، وهما من أهم أسباب تصاعد الأحداث.

* فسر البعض تنحي مبارك وتكليفه للمجلس العسكري بإدارة شؤون البلاد، بأنه أشبه بمن يقلب الطاولة أو يهدم المعبد على رأس الجميع، لأنه وفق آراء متعددة حول 25 يناير من ثورة شباب إلى انقلاب عسكري؟ ما تعليقك؟

- هذا غير صحيح وتفكيرك أعمق كثيرا من تفكير مبارك!! ومستوى مبارك في التفكير لا يصل إلى هذا المستوى، ولي أن أدلل على ذلك بحكاية بسيطة عشتها معه ولها شاهدان أحدهما على قيد الحياة والآخر رحل، وهما: أسامة الباز ورفعت المحجوب، وتعود وقائعها إلى عهد الرئيس السادات الذي أصفه بالحنكة السياسية الكبيرة، وهي أنه عندما قام بتعيين مبارك نائبا لرئيس الجمهورية جمعتنا جلسة مشتركة تضم كلا من السادات ومبارك والباز والمحجوب، وأثناء الجلسة وجه السادات كلامه لكل من المحجوب والباز قائلا: «حسني أهو، ما يعرفش حاجة (واصل)، وعليكو إنكم تعلموه وتفهموه». ثم قال لمبارك: «وأنت يا حسني اللي يقولك عليه الباز والمحجوب تعمله، فاهم؟؟؟».. والمدهش أن مبارك لم ينطق بكلمة واحدة.

* لكن الكاتب الصحافي المصري حسنين هيكل أشار إلى لقاء جمعه مع مبارك عام 1982، وحكى أن مبارك قال إنه إذا ما شعر بأي قلاقل شعبية من أي نوع اعتراضا على شخصه فإنه سيقوم بتسليم البلد للجيش (قالها وكأنه سيعاقب الشعب وفق هيكل)، فما تعليقك؟

- كلام مبارك في بداية الثمانينات يختلف تماما عن أفعاله في 2011، فالأمر تبدل كليا، فلقد كان ما زال (ساذجا) وليس متعلقا بالسلطة، وفي أغلب المدة الأولى من توليه الرئاسة كان خائفا، ولا يعرف شيئا، لدرجة أنه في إحدى المرات قال لي: «أنا أمتلك مبلغ 250 ألف جنيه وأريد أن أشتري شقتين لعلاء وجمال في عمارة جديدة في المعادي (جنوب القاهرة) على النيل ولكن المبلغ هو ثمن شقة واحدة فقط». (هذا المبلغ نتاج مكافأة نهاية خدمة عن خدمته في الحبانية في العراق خلال عمله في الطيران، بالإضافة إلى مكافأة نهاية الخدمة من الجيش عندما عين نائبا)، فقلت له: هل تعرف الحزب الوطني الذي أنت ترأسه، من يملك فيه 10 ملايين جنيه يقال عنه فقير «وهذا ليس حزبك ولا أنت منهم ولا هم منك، فصمت قليلا وقال لي عندك حق»!

* هل فكر مبارك في هذه الفترة أن يبتعد عن الحزب الوطني؟

- أعلن هذا الأمر لأول مرة، وهي أن مبارك فكر جديا عقب توليه الحكم في أوائل الثمانينات، تقريبا عام 84 في تأسيس حزب جديد خاص به خلاف الحزب الوطني، فقد كان خائفا وقتها من منصب رئيس الجمهورية، وطلب مني ترشيح 50 اسما لكي يكونوا أعضاء في اللجنة التأسيسية للحزب، وحينما قرأ الأسماء كان الاسم الوحيد الذي اعترض عليه هو دكتور مراد غالب، حيث كان يتصور أنه ماركسي، ثم أردف قائلا لي: «أنا عندي اقتراح آخر، وهو أن تأتي برجالك من العروبيين والناصريين وندخلهم الحزب الوطني لكي نسيطر عليه من خلال رجالك!». فاندهشت وغضبت منه بشدة وقلت له «هل تريد أن تحرقني»، وغضبت ثم حدثت بيننا قطيعة كبيرة وبالطبع لم ينشأ الحزب المزعوم.

* كنت مرشحا لتولي منصب رئيس مجلس الشعب (البرلمان المصري) قبل أن يذهب المنصب إلى الدكتور فتحي سرور، احك لنا ملابسات استبعادك من هذا الترشيح؟

- لقد رشحت لرئاسة مجلس الشعب بعد وفاة الدكتور رفعت المحجوب وقد كلمني في هذا الأمر وزير الداخلية بشكل صريح، ولكن حدث في ذات التوقيت أن أجرى معي صحافي من «الأهرام» حوارا صحافيا وكان من ضمن الأسئلة التي وجهت لي، ما رأيك في الحزب الوطني؟، فقلت له: إن الحزب الوطني ما خير ما بين أمرين إلا اختار أسوأهما، فنزل هذا التصريح ثاني يوم مانشيت رئيسي وعنوانا للحوار، وفوجئت أن مبارك يهاتفني ويقول لي: ماذا أقول لهم الآن وأنت تقول عليهم ذلك، فقلت له أنا لم أطلب شيئا يا سيادة الرئيس ولم أسع للمنصب، وأغلق الموضوع بعد ذلك.

وهناك واقعة طريفة حدثت بعد ذلك بسنوات، حيث قابلت صدفة في الشانزليزيه الصحافي سيد علي وهو من أجرى معي الحوار الذي أشرت إليه، ولاحظ محرر صحيفة «الأهرام» أن الكثير من المصريين والعرب يقومون بتحيتي بحرارة، فقال لي: بذمتك لو كنت أصبحت رئيسا لمجلس الشعب بدلا من فتحي سرور، هل كان الناس سيحتفون بك هكذا!!

* ما الدور الذي لعبه رئيس مجلس الشعب الأسبق الدكتور رفعت المحجوب في حياتك السياسية، وما صحة ما تردد عن دور لعبه مبارك وصفوت الشريف في اغتياله؟

- فيما يخص الجزء الثاني من السؤال فلا علم لي بذلك، ولكن يمكن القول إن اغتيال رفعت المحجوب ما زال علامة استفهام، أما علاقتي به شخصيا فكانت طيبة جدا في البداية، وهو الذي دعاني إلى التنظيم الطليعي بالتزامن مع الدكتور عبد العزيز حجازي، لكن عندما أصبح رئيسا لمجلس الشعب وأصبحت أنا عضوا فيه بدأ يتحسس الخطر مني، خاصة بعد أن تردد كثيرا ترشيحي لرئاسة مجلس الشعب بدلا منه وكتب البعض ذلك في الجرائد، فأصبح يحرص على عدم إعطائي الكلمة داخل المجلس، وفهمت من الدكتور مصطفى الفقي بعد ذلك أنه كان يشعر أني أمثل له نوعا من الخطر.

* بحكم قربك الشديد من الأحداث خلال الشهور الستة الماضية، لماذا تنحى مبارك يوم 11 فبراير؟

- بكل صراحة وشهادة للتاريخ أقول إن مبارك طلب من الجيش ضرب المتظاهرين والجيش رفض، وقتها أدرك أن النهاية اقتربت فلم يكن هناك مفر من التنحي.

* رفض مبارك أن يدخل التاريخ، فخرج من حكم مصر خروجا مهينا لا يليق بقائد عسكري قال عنه السادات يوما ما «الجماعة في إسرائيل بيعملوا له حساب كبير» قاصدا دوره وسلاح الطيران في حرب أكتوبر (تشرين الثاني) عام 1973.. عن الخروج نسأل ألم يكن هناك سيناريو أفضل يليق بمصر وبقائد عسكري كبير في حجم مبارك؟

- قطعا كان هناك أكثر من سيناريو أفضل للخروج لو كان يتمتع ببعد نظر أو مرونة في التفكير ولكن هو لا يتمتع بهذا أو بذلك! فقد كان هناك العديد من الدول العربية التي قدمت عروضا باستضافته هو وعائلته، والناس وقتها قبل التنحي كانت «تريد أن تخلص منه» فكان مقبولا أن يرحل خارج مصر.

* وبعد تنحيه هل تكرر طلب استضافته خارج مصر؟

- نعم تكرر طلب بعض الدول العربية أن يسافر مبارك وعائلته لديها وتم ذلك بقدر شديد من اللباقة والكياسة والاحترام، ولكن قيل لهم بوضوح وحسم «إن الأمر يتعلق بالسيادة الداخلية لمصر ولا مجال للكلام في هذا الأمر»، وبالفعل لم يطلب منا هذا الأمر مرة أخرى.

* قال مبارك بحسب روايتك: «أنا واخد دكتوراه في العند»، بماذا تفسر إصراره على المباهاة بإعلان ذلك في أكثر من مناسبة، وهل كان هذا العناد وراء إصراره على البقاء في مصر بعد تنحيه رغم ما قيل عن عروض خارجية كثيرة لاستضافته وأسرته؟

- سمعتها بنفسي وأنا الذي قلتها لهيكل! وأذكر في إحدى المرات أثناء افتتاحه لمعرض الكتاب أن حضر لقاء مصغرا لمجموعة من المثقفين والإعلاميين عقب الافتتاح لإجراء حوارا معهم كعادته، فسأله الصحافي الراحل محمد السيد سعيد قائلا: «يا ريس إذا كنت عايز تدخل تاريخ هذا البلد..»، وقبل أن يكمل الجملة، قال له مبارك مقاطعا: «يا سيدي أنا مش عايز أدخل التاريخ بتاعكم»، وهو كان لا يعرف تاريخ ولا يهتم به. والدكتوراه في العند قالها لي أنا شخصيا.. لدرجة أنه في واقعة أخرى، قال له أحد الصحافيين: يا ريس، يوسف إدريس لم يأخذ حقه الأدبي والمعنوي، فقال له مبارك: «يا سلام.. والله العظيم كنت ناوي أكرمه ولكن هذه الجملة ممكن ما تخلنيش أكرمه».

لقد كان عناد الصغار وليس عنادا في حق، ولقد كان هذا العناد أحد الأسباب في بقائه في مصر حتى بعد قرار التنحي، أما الأسباب الأخرى التي جعلته يبقى في مصر بعد تنحيه أنه كان معتقدا أن الثورة يمكن أن تفشل أو أن ينقسم الجيش نفسه من الداخل، والناس تنقلب على الثورة وتقول له «ارجع وتعال للحكم مرة أخرى».

* كنت عضوا في لجنة أطلق عليها اسم «الحكماء»، قدمت هذه اللجنة تصورا بأن يتنازل مبارك عن صلاحيته لنائبه ويكمل مدة رئاسته حتى سبتمبر (أيلول)، لتكن الفترة الانتقالية تحت قيادة النائب عمر سليمان، ألا ترى أن هذا الحل كان أفضل لمصر من الوضع الحالي، خاصة أننا وصلنا تقريبا لنفس النتائج؟

- رغم ما وصلنا له الآن، فما تم هو الأفضل ونحن بلد ذو حضارة 7 آلاف سنة ولا يمكن أن تقيس حضارته بشهر أو اثنين أو سنة أو اثنتين، وما نحن فيه الآن ليس النهاية، وعمر الثورات لا يبنى بهذا الشكل والعديد من دول العالم التي قامت فيها الثورات مثل بولندا وبلغاريا، بعضهم أخذ ثلاث وأربع سنوات لكي تستقر أوضاعهم، نحن متعجلون ومن حقنا أن نتعجل حتى نخرج من هذه المرحلة الحرجة التي نعيشها وأكاد أجزم أنه ما اجتمع مصريان اليوم إلا وكان ثالثهما القلق والحيرة! ولكن سنخرج منها على سلام إن شاء الله، وستبدأ مصر في مرحلة جديدة بعد أن يتسلم البلد سلطة مدنية ومجلس شعب ورئيس جديد، وستواجه مشاكل أيضا ولكنها من نوع آخر وفقا لتطور الثورة مرحلة مرحلة.

* كنت على قمة السلطة التنفيذية في مصر حتى أيام قليلة مضت، هل لك أن تقدم لنا خارطة طريق بالمواعيد لسيناريو انتقال السلطة في مصر؟

- رغم أن رأيي الشخصي هو أن نضع الدستور أولا لأن الدستور هو الذي ينشئ السلطات، فإنه يحكمنا الآن الإعلان الدستوري ولا بد أن نعمل وفق أحكامه، لهذا ستتم الدعوة لإجراء انتخابات البرلمان هذا الشهر، ثم تجرى بعد ذلك الانتخابات على مراحل بحيث تنتهي في أكتوبر أو بداية نوفمبر (تشرين الثاني)، بنصف قائمة ونصف فردي و50 في المائة فلاحين وعمالا، وأتوقع أن يكون هذا المجلس «مجلسا ائتلافيا» لن يسيطر عليه تيار بعينه، قد تكون هناك أغلبية نسبية وليست مطلقة للإخوان المسلمين من 25 إلى 30 في المائة وباقي الأفراد والمستقلين والأحزاب يأخذون 30 في المائة وبعض التيارات الراديكالية 5 في المائة وليس أكثر؛ لأن مصر بلد وسطي ويكره التطرف، وتركيبة المجلس بهذا الشكل ستجعله ليس له القدرة على المجازفة ويتحسب لكل قراراته، والمواءمات فيه ستكون أكبر من الحسم. بعد انتخابات البرلمان تشكل لجنة وضع الدستور، نصفها من المجلس ونصفها من الفقهاء الدستوريين وينتخب خلال هذه الفترة أيضا رئيس الجمهورية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.