قامات الإذاعة اليوم عن قامة كبيرة التي لقبت بأم الإذاعيين، وأول امرأة تتولى هذا المنصب، هي الإذاعية الكبيرة صفية المهندس. "هنا القاهرة.. إلى ربات البيوت.. سيداتي آنساتي صباح الخير" بتلك العبارة اعتادت الإعلامية القديرة صفية المهندس، إفتتاح برنامجها اليومي "ربات البيوت" كانت تتابعه السيدات والفتيات المصريات بشكل يومي منتظم على امتداد سنوات عدة ومن خلاله تعرفت ورصدت معالم عالم المرأة ومشكلات المجتمع المصري وقضاياه. صفية المهندس، من مواليد حي العباسية بالقاهرة في 12 ديسمبر عام 1922، ووالدها هو زكي بك المهندس، عميد كلية دار العلوم ونائب رئيس مجمع اللغة العربية. نشأت هي وشقيقها الفنان الكبير فؤاد المهندس، على تميز واضح في كتابة ونطق اللغة العربية، مما شجعها للالتحاق بجماعة الخطابة المدرسية. حصلت صفية المهندس، على ليسانس الآداب قسم اللغة الإنجليزية والتحقت بالإذاعة المصرية عام 1947، وأصبحت من مؤسسي الإذاعة ومن أوائل الأصوات النسائية ليس في مصر فقط بل وفي بلاد المشرق العربي، وقد شاركت في "ركن المرأة" والذي تحول فيما بعد إلى برنامج "ربات البيوت". تعددت فقرات برنامج "ربات البيوت" حيث ضمت إلى جانب فقرة "خالتي بمبة" التي قدمتها الفنانة ملك الجمل، فقرة "عائلة مرزوق" ذلك العمل الدرامي اليومي الممتد على مدي سنوات طويلة ويتضمن مجموعة من الحلقات المنفصلة، تطرح كل حلقة مشكلة من مشكلات المجتمع المصري مثل: "الإدمان، الهجرة الغير شرعية، والمشكلات الأسرية المختلفة" وتهدف حلقات المسلسل لتقديم إرشادات وحلول متنوعة لمشكلات المجتمع، وتوجيه وإرشاد الزوجات والأزواج داخل الأسرة لطبيعة حقوقهم وواجباتهم. شارك في تمثيل "عائلة مرزوق" على مدى تاريخه الممتد عدد كبير من ألمع الفنانات والفنانين كان منهم: "عزيزة حلمي، جمالات زايد، آمال زايد، إحسان القلعاوي، أمينة نور الدين، سميرة عبد العزيز، أحمد الجزيري، توفيق الدقن، فؤاد المهندس عدلي كاسب، فريد شوقي، أشرف عبد الغفور" وغيرهم الكثير. وفقرة خاصة برسائل المستمعات، كانت صفية المهندس، تستقبل رسائل السيدات والآنسات المصريات على عنوان بريد الإذاعة، ومن ثم تطرح المشكلة المتضمنة بالرسالة وتقوم بتقديم حل مناسب لها من وجهة نظرها. بدأت صفية المهندسK رحلتها بالعمل بالإذاعة عام 1947 كمذيعة ربط، وتعد أولى النساء اللاتي التحقن بالعمل بالإذاعة المصرية، حتى أنها كانت تروي عن نفسها أحد المشاهد الفكاهية التي تعرضت لها حين طُلِب منها تقديم أحد المشايخ قبل بداية تلاوته للقرآن الكريم، وحين طرقت باب الأستوديو الذي كان يجلس فيه الشيخ، سألها: "ماذا تريدي؟"، رددت عليه بأنها المذيعة الجديدة التي سوف تقوم بتقديمه، فقام الشيخ من مقعده وجرى خلفها ممسكًا بحذائه بيديه في أرجاء المبنى وهو يلعنها ويلعن الإذاعة والقائمين عليها ومستمعيها. قدمت برنامج "ركن المرأة" وهو أول برنامج خاص بالمرأة تمت إذاعته بالإذاعة المصرية، اعتمدت فيه صفية المهندس على تجميع أحاديث الرائدات الشهيرات مثل: "أمينة سعيد، بنت الشاطىء، والدكتورة سهير القلماوي" وغيرهن من نساء ذلك الجيل. أصبحت صفية المهندس، المسئولة عن ركن المرأة فى الإذاعة المصرية ومديرة لبرامج المنوعات، ثم مديرة البرنامج العام، فوكيلة للإذاعة للبرامج المحلية التي كان يتبعها إذاعات البرنامج العام والشعب والبرنامج الثاني "الثقافي حاليًا" والأوروبي والموسيقي في عام 1975 وتدرجت فى العديد من المناصب القيادية بالإذاعة قبل أن تتولى رئاسة الإذاعة، كأول سيدة تتولى هذا المنصب المهم عام 1975 حتى عام 1982 تزوجت صفية المهندس، من الإذاعي الشهير محمد محمود شعبان، الشهير ب"بابا شارو" ليتوجا معًا رحلة إبداع ممتدة في عالم الإذاعة المصرية. حين أراد موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، أن يعبر عن مدى إعجابه بعذوبة صوت الإذاعية القديرة صفية المهندس، الذي تربت عليه أجيال متتالية من أبناء مصر فأشار عليها: "أستاذة صفية.. نفسي أسالك.. مين إللي بيلحن لك كلامك؟". بلغت الإذاعية القديرة صفية المهندس، في 12 ديسمبر عام 1982 سن المعاش وهى رئيسة للإذاعة، فتولت رئاسة الإنتاج الإعلامي المسموع بمجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتليفزيون بالإضافة إلى عضوية مجلس الشورى والمجلس القومي للفنون وعرض عليها العمل بالتليفزيون غير أنها رفضت نظرًا لعشقها للإذاعة، الأمر الذي دعاها للإستمرار في تقديم برنامجها "إلى ربات البيوت" حتى عام 2007. حصلت صفية المهندس، على العديد من الجوائز منها درع محافظة القاهرة عام 1966 في مؤتمر تقويم المرأة المصرية ووسام العلوم والفنون من وزارة الثقافة عام 1976 وجائزة الكوكب الذهبي عام 1979. كما حصلت على شهادة تقدير من نقابة الأطباء عام 1980 ووسام الإستحقاق من الطبقة الأولي تكريمًا لها من الدولة عام 1982والجائزة التقديرية في عيد المرأة المصرية في الاحتفال الذي أقامته كلية الإعلام بجامعة القاهرة في 12 مارس عام 1997م. عرض الشاعر المبدع فاروق شوشة، من صفية المهندس، عند تقديم برنامجه الشهير "لغتنا الجميلة" أن تقدم بصوتها العذب تتر البرنامج مقدمته وهي تشدو ببيت شاعر النيل حافظ إبراهيم، "أنا البحر في احشائه الدر كامن.. فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي"، وذلك بسبب عذوبة صوتها وتمكنها من مخارج الألفاظ في اللغة العربية. وعن كواليس زواجها من بابا شارو، كان موعدهما الأول حول الميكروفون، هي مذيعة رقيقة متمكنة من عملها، وهو رئيسها وشخصية لا تتسامح مع مرؤسيها حتى ولو كان المخطئ شابة حسناء. كان اللقاء بينهما عاصف انتهى بالمذيعة عند مدير الإذاعة تشكو قسوة رئيسها، لكن انتهى الأمر بالمشكو منه في عش الزوجية. كرمت صفية المهندس، في مناسبات عديدة وحصلت علي عدة جوائز من بينها:- "درع محافظة القاهرة عام 1966 في مؤتمر تقويم المرأة المصرية، وسام العلوم والفنون من وزارة الثقافة عام 1976، جائزة الكوكب الذهبي عام 1979، شهادة تقدير من نقابة الأطباء عام 1980، وسام الاستحقاق من الطبقة الأولي تكريمًا لها من الدولة عام 1982، الجائزة التقديرية في عيد المرأة المصرية في الاحتفال الذي اقامته كلية الإعلام بجامعة القاهرة في 1997. رحلت عن عالمنا الإذاعية القدير صفية المهندس، 13 يونيو 2007، بعد رحلة عامرة بالإبداع والتألق داخل عالم الإذاعة المصرية.