لم يكن في أحدي الولايات الخمسين لأمريكا العظمي أو أحدي عواصم الحياة في أوروبا بل كان في إفريقيا، أدغال إفريقيا وبالتحديد العاصمة كنشاسا - زائير حيث الجميع يهتف بلغة لينغالا "Ali Bomaye - أقتله يا علي" ولأجل ذلك سُمي "نزال الغابة"، الحديث هنا عن أحد أفضل 5 نزالات عرفها الفن النبيل وربما يصفه البعض كأعظم حدث رياضي عرفه القرن العشرين. الطرف الأول كان الملاكم جورج فورمان بعمر ال 25 عامًا، بطل العالم للوزن الثقيل كان فتاكًا ولم يُهزم من قبل، لقد حقق لقبه بعدما ألحق بجو فريزر "قاهر محمد علي" الهزيمة الأولي في مسيرته، أما الطرف الثاني كان محمد علي كلاي الذي دخل النزال وهو أكبر من فورمان بسبع أعوام ولا أحد يراهن علي فوزه، فمحمد علي كلاي الأعظم لم يعد كما كان في السابق. الأحداث قبل النزال كانت درامية للغاية فكلاي نُزع منه لقب بطل العالم للوزن الثقيل بقرار من المحكمة بعدما رفض تأدية الخدمة العسكرية والتوجه إلي الحرب في فيتنام، الأمر الذي كاد أن يعرضه للسجن وربما الأفلاس بعدما سُحبت عنه رخصة ممارسة الملاكمة، أما لقب بطل العالم للوزن الثقيل فذهب إلي جو فريزر، وفي محاولة من كلاي لأستعادة لقبه بعد السماح له بممارسة الملاكمة من جديد دخل "نزال القرن" ضد فريزر وكان الثنائي لم يخسرا أي نزال من قبل لكن محمد علي خسر النزال بفارق النقاط وبإجماع الحكام، وبينما كان يحاول الأعداد لنزال جديد ضد فريزر لأستعادة اللقب، خسر فريزر اللقب ضد جورج فورمان ليصبح فورمان البطل الجديد للوزن الثقيل. نزال بهذا الحجم كان يحتاج إلي أعدادات خاصة لذلك بدء دون كنغ منظم المباراة في البحث عن راعي كبير للنزال وهنا تدخل موبوتي سيسي سوكو حاكم دولة زائير ليدفع عشرة ملايين دولار ليستضيف المباراة في ملعب 20 مايو في العاصمة كينشاسا وبرعاية بعض شركات الإنتاج السينمائي لتتخطي جوائز النزال الخمسة ملايين دولار وهو رقم قياسي حينها، الثنائي توجه إلي زائير "الكونغو الديموقراطية حاليًا" قبل النزال بفترة طويلة للتعود على الأجواء في البلد وقبل البداية بعدة أيام تآجل المزال بسبب تعرض فورمان بجرح قطعي أثناء التدريب. يقول فورمان عن النزال "كنت أستعد للفوز بواحدة من أسهل المباريات في حياتي، كل التوقعات كانت تصب في صالحي بل وبالضربة القاضية، دخلت حلبة الملاكمة لقنت ذلك الرجل درسًا، كنت أكيل له اللكمات لأكثر من ست جولات متتالية سأقضي عليه لا محالة كان الأمر سهلاً، في الجولة السادسة سددت له لكمة جانبية، ثم سمعته يهمس لي هل هذا كل ما لديك يا جورج؟ بعدها بدأ أسوأ كابوس في حياتي" فكل ذلك كان بمثابة خطة من محمد علي ليستنذف قوي فورمان ثم بدء يتمايل أمامه يطير كالفراشة ويلدغ كالنحلة وفي الجولة الثامنة قضي كلاي علي فورمان بالضربة القاضية وأستعاد لقبه من جديد. يحكي فورمان أنه عندما دخل مع كلاي الحلبة لم يكن كلاي الأفضل في قوة اللكمات أو الأقوي في أي شئ، لكن الأمر يتعلق بحضوره فمعه في الحلبة تعلم أن هذا شئ مختلف ولن تستطيع أن تهزمه، لقد كان يقول محمد علي أتيت إلي هنا جميلًا وسأغادر جميلًا، لم يكن أحد يستطيع التعامل معه وحضوره كان أعظم قوه لديه، فوصف محمد علي بالملاكم الأفضل هو تصغير من قيمته فمحمد علي كان أكبر من الملاكمة وأكبر من كل شئ، لقد كان الأعظم.