حينما تختلط الاتجاهات من شدة الزحام، فلا تجد القدم موطئا لها، وتتعالى الأصوات فتمتزج لدرجة يصعب تمييز مصدرها، تدرك أنك داخل إحدى محطات المترو، التي لم تعد مجرد أرصفة انتظار يتكدس المواطنون فوقها لترقب عربات المترو التي يستقلونها لقضاء أشغالهم. فبالرغم من أن ظاهرة تأجير المحال والأكشاك داخل محطات المترو بدأت منذ عدة سنوات، إلا أن تزايدها بات ملحوظًا منذ العام الماضي، خاصة بعد التعاقد الذي أبرمته هيئة المترو مع مجمع البحوث الإسلامية، لإنشاء كشك للفتوى بمحطة الشهداء، لتشعل هذه الأكشاك جدلًا واسعًا بين رواد المترو بعد تجربتها داخل المحطة، فتخمد الفكرة بعد بضعة أشهر قليلة ويغلق الكشك بصورة رسمية. "كشك الفتوى" لم يكن الأخير داخل محطات المترو، فيومًا بعد الآخر، بدأ الشباب من أصحاب المشروعات الصغيرة، في استغلال الإقبال الكبير على محطات المترو، التي أصبحت ملاذهم الذي يتهافتون عليه لتوسيع نشاطهم وجذب أكبر قدر من الزبائن نحو مساحاتهم الصغيرة في زوايا وأركان المحطات المختلفة. ومع نجاح الفكرة؛ بدأ التجار المستأجرين في ابتكار نشاطات جديدة تدفع الزبون للإقبال على بضاعتهم، حيث انتشرت أكشاك الحلوى، والعصائر، ووجبات الإفطار، والكعك، إلى جانب محلات الهواتف والإلكترونيات، والمكتبات، حتى وصل الأمر إلى حد افتتاح محلًا لعصير "القصب" الذي يحتشد رواد المحطات حوله بعد يوم شاق تحت أشعة الشمس الحارقة، فيستنجدون بأكواب العصير التقليدي التي تثلج صدورهم. ازدحام المحطات بهذه المحال والأكشاك التي تزداد بصورة كبيرة، جعلها بمثابة "سوق" يتجول بداخله المواطنون، فبين المتر والآخر داخل المحطة، لا تكاد تخلو مساحة من محل صغير أو كشك يروج لبضاعته التي يقتطع ركاب المترو دقائق من وقتهم للتجول بينها، لتحظى هذه المساحة بتكدس لا يقل عما تشهده أرصفة انتظار عربات المترو، وبالرغم من ذلك لم تكن الفكرة محل اعتراض من قبل المواطنين، لكونها تساهم في قضاء احتياجاتهم اليومية بشكل معتاد. ولكن ما خلق حالة واسعة من الجدل؛ هو تقدُّم الفنانة سما المصري، مؤخرًا بطلب للشركة المصرية لإدارة وتشغيل مترو الأنفاق، لإنشاء أكشاك تحمل مسمى "الحياة حلوة" على نفقتها الخاصة، لوضع معالجين نفسيين بها، لمساعدة المقبلين على الانتحار، خاصة مع تزايد حالات الانتحار داخل محطات المترو في الآونة الأخيرة، ويأتي هذا المقترح على غرار أكشاك الفتوى التي طرحتها وزارة الأوقاف مسبقًا، وهو الأمر الذي أثار الجدل حول مدى إمكانية نجاح الفكرة من فشلها في التأثير على رواد المترو من المواطنين.