وزير الري يتفقد أعمال الصيانة الدورية لرفع كفاءة خزان أسوان.. صور    قفزة كبيرة في سعر الطماطم.. اعرف السبب وموعد الانخفاض    وزير الإسكان: إزالة التعديات الواقعة على مساحة 507 أفدنة بمدينتي بنى سويف والفشن الجديدتين    عاجل- الداخلية السعودية تحذر من مخالفي تعليمات الحج وتفرض غرامات تصل إلى 100 ألف ريال    مصر أم الدنيا أبرزها.. رسائل رئيس لبنان من قلب القاهرة    في أجواء روحانية.. توافد الحجاج على المسجد النبوي ووصول أول أفواج بعثة القرعة إلى مكة المكرمة    البابا تواضروس يهنئ بابا الفاتيكان.. ووفد كنسي يحضر التنصيب    «الشيوخ» يستعرض تقرير لجنة الشئون الاقتصادية والاستثمار    المركزي يتوقع نموا اقتصاديا أعلى من توقعات الحكومة العامين الحالي والمقبل    وزيرة البيئة: نسير في طريق خلق مناخ داعم لتوفير تمويل المناخ والتنمية    ثروة للبترول تعلن زيادة الاحتياطات المؤكدة بمنطقة غرب كلابشة 3.5 مليون برميل    وزير التعليم العالي: القاهرة الكبرى تستحوذ على 41% من موازنة التعليم.. و20% للصعيد    «مشاكل فنية وتراجع كبير في مخزون المياه».. سبب إغلاق بوابات مفيض سد النهضة    غزة تطالب بإدخال 500 شاحنة مساعدات و50 شاحنة وقود يوميًا    إعلام روسي: روسيا تصنّف "العفو الدولية" منظمة غير مرغوب فيها    بعد إصابة بايدن بالسرطان.. تفاصيل حالته الصحية ورد فعل ترامب (تقرير)    مستوطنون يقتحمون باحات المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال    تزوجى من غيرى ولا تحرمى نفسك من شىء .. آخر كلمات إيلى كوهين لزوجته فى وصيته    الزمالك يُنفق أكثر من 100 مليون جنيه مصري خلال 3 أيام    تقارير: مانشستر يونايتد يقترب من إتمام صفقة ماتيوس كونيا    مودريتش على رأس قائمة كرواتيا لمباراتي جبل طارق والتشيك في تصفيات كأس العالم 2026    وزير الرياضة يُشيد بتنظيم البطولة الأفريقية للشطرنج ويعد بحضور حفل الختام    تنطلق الخميس المقبل.. امتحانات الصف السادس الابتدائي نهاية العام 2025 بالقليوبية    "سرقة القرن".. اقتحام منزل رائدة التعليم نوال الدجوي والاستيلاء على ثروة طائلة.. من الجاني؟    ضبط 5 أطنان أرز وسكر مجهول المصدر فى الشرقية    ننشر مواصفات امتحان مادة الرياضيات للصف الثالث الابتدائي الترم الثاني 2025    ضبط 5 أطنان أرز وسكر مجهول المصدر في حملات تفتيشية بالعاشر من رمضان    «كتم أنفاسه ب كوفية».. تأجيل محاكمة المتهم بقتل زميله في القليوبية    تنطلق يوليو المقبل.. بدء التسجيل في دورة الدراسات السينمائية الحرة بقصر السينما    أسعار تذاكر المتحف المصري الكبير قبل الافتتاح الرسمي.. ومواعيد الزيارات    وزير الثقافة يجتمع بلجنة اختيار الرئيس الجديد لأكاديمية الفنون    إلهام شاهين تشيد بفيلم المشروع X: «أكشن بمستوى عالمي» (صور)    ركن نجيب محفوظ بمكتبة الإسكندرية.. ذاكرة حيّة لأديب نوبل    متى وقفة عيد الأضحى 2025 في مصر؟.. فضل صيامها والأعمال المستحبة في اليوم المبارك    جامعة سوهاج تطلق قافلة طبية بقرية الكوامل بحري -صور    مجلس الوزراء : لا وجود لأي متحورات أو فيروسات وبائية منتشرة بين الدواجن    بعد تشخيص بايدن به.. ما هو سرطان البروستاتا «العدواني» وأعراضه    محافظ الدقهلية يتفقد عيادة العباسي للتأمين الصحي    باستعدادات استثنائية.. صور من امتحانات نهاية العام بجامعة حلوان التكنولوجية    كشف ملابسات مشاجرة 5 أشخاص في المطرية    مسابقة الأئمة.. كيفية التظلم على نتيجة الاختبارات التحريرية    إعلام عبري: نائب ترامب قرر عدم زيادة إسرائيل بسبب توسيع عملية غزة    إطلاق مبادرة لخدمة كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة بالإسماعيلية    تعرف على حالة الطقس اليوم الإثنين 19-5-2025 فى الإسماعيلية.. فيديو    صندوق النقد يبدأ المراجعة الخامسة لبرنامج مصر الاقتصادي تمهيدًا لصرف 1.3 مليار دولار    "أونروا": تضرر وتدمير 92% من المنازل فى قطاع غزة    صدامات نارية في إياب ربع نهائي كأس عاصمة مصر مساء اليوم    أسطورة مانشستر يونايتد: سأشجع الأهلي في كأس العالم للأندية 2025    باكستان والهند تردان على "انتهاء وقف إطلاق النار"    "الإدارة المركزية" ومديرية العمل ينظمان احتفالية بمناسبة اليوم العالمي للسلامة والصحة المهنية    متحف الحضارة يحتفل باليوم العالمي للمتاحف 2025    هل هناك فرق بين سجود وصلاة الشكر .. دار الإفتاء توضح    قبل أيام من مواجهة الأهلي.. ميسي يثير الجدل حول رحيله عن إنتر ميامي بتصرف مفاجئ    نجم بيراميدز يرحب بالانتقال إلى الزمالك.. مدحت شلبي يكشف التفاصيل    على فخر: لا مانع شرعًا من أن تؤدي المرأة فريضة الحج دون محرم    أحكام الحج والعمرة (2).. علي جمعة يوضح أركان العمرة الخمسة    نجل عبد الرحمن أبو زهرة لليوم السابع: مكالمة الرئيس السيسي لوالدي ليست الأولى وشكلت فارقا كبيرا في حالته النفسية.. ويؤكد: لفتة إنسانية جعلت والدي يشعر بالامتنان.. والرئيس وصفه بالأيقونة    هل يجوز أداء المرأة الحج بمال موهوب؟.. عضوة الأزهر للفتوى توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بطرس دانيال يكتب: لا أصدقك!
نشر في الفجر يوم 17 - 08 - 2018

يقول الكاتب الساخر برناردشو: «إن قصاص الكذوب ليس فى ارتياب الناس بصحة كلامه، بل فى عدم استطاعته تصديق كلام الناس». لماذا يكذب الناس؟ لماذا يتسلّح كثيرٌ من الأشخاص بسلاح الكذب وعدم قول الصدق؟ نستطيع أن نُجيب على هذا بما نختبره فى معاملتنا اليومية مع الآخرين، يكذب الإنسان بسبب خوفه أحياناً، أو يكذب استحياء من الآخرين، وهنا يُفضّل اعتبار الناس على رضى الله، كما أنه يوجد مَنْ يكذب للزهو والمباهاة خاصةً بما لا يملكه من قدرات ومواهب وإمكانيات؛ ويوجد مَن يكذب ليغش البسطاء والضعفاء ويخدعهم، وهذا أسوأ أنواع الكذب. يُصرّح ميكافيللى لأحد أصدقائه قائلاً: «منذ فترةٍ وأنا لا أقول ما أعتقد به، كما أنى لا أصدّق ما أقوله، وإذا قيل لى الصدق، أنا أُخفيه بين طيّات أكاذيبٍ كثيرة ليصعب الوصول إليه»، هذا هو حال الكثيرين الذين يخدعون الناس بأساليبٍ ملتوية ومعوجّة، هنا يفتخر ميكافيللى بأنه كاذباً فى قرارة نفسه، وتنتج هذه الآفة من التشاؤم الجذرى فى مواجهته الآخرين، وهذه التجربة القوية تدفع الكثيرين إلى الكذب فى لحظات الخوف، ونحن نعيش الآن ثقافة وفلسفة الصورة والمظاهر التى تدفعنا إلى الخداع الذى يصل بنا إلى الكذب حتى على أنفسنا. كما أن هناك أشخاصاً مقتنعين تماماً بالكذب إلى درجة أنهم يسقونه للآخرين، حتى يخرج بأناقةٍ، وفى هذا الصدد يعلّمنا السيد المسيح أن نكون صادقين قائلاً: «ليكن كلامكم نعم نعم، ولا لا؛ ومازاد على ذلك فهو من الشرير» (مت 37:5). لذلك يجب أن نلتزم الصدق ونُخلص له لا سيما فى عمل الخير، ويقوم هذا الإخلاص على أن نَصْدق فى القول والفعل، وأن لا نأتى فى السر ما نستحى منه علانية: أى لا نكذب ولا ننافق ولا نخادع، حتى لاندعْ الفرصة للناس أن يشكّوا فى إخلاصنا ويفقدوا الثقة فينا، لأنه إن فُقدت الثقة، ضاعت الشخصية، وفسدت طرق التعاون، وحظيت الحياة بالفشل بين الناس. وللأسف كما يقول الفيلسوف الفرنسى Denis Diderot: «نحن نصب أنهاراً من الكذب لخداع الناس، لكننا نتجرّع قطرة قطرة من الحقيقة لأنها تبدو لنا مُرّة»، لأننا إذا قمنا بمراجعة أنفسنا، سنكتشف بأن الغالبية العظمى تفضّل مديح الناس وكلامهم المعسول، عن قول الحقيقة المُرّة أو النقد البنّاء الذى يساعد على التغيير للأفضل. نجد أُناساً فى مجالات عدّة يلعبون بالآخرين عن طريق الكذب والخداع، ونكتشف أن الإنسان الذى فقد الشهامة والإنسانية، لا يتسنّى له الاحتفاظ بمركزه ووظيفته فى المجتمع، ما لم يلجأ إلى الكذب والرياء، ولكن عندما يُكتشف كذبه للجميع، يموت ذلك الشخص دينياً وأخلاقياً واجتماعياً، والكذّاب لا يهمّه الخُلُق والتهذيب وثقة الناس، لأنه بكذبه يبرهن على أنه لا يحترم ذاته، فكيف ينتظر الاحترام والتقدير من الناس؟ ويقول المفكّر Joseph de Maistre: «الأكاذيب تُشبه العملات المزيّفة، قام بسكّها شخص غير أمين، ويقوم بصرفها أُمناء ومخلصون، وهم يثبّتون الجريمة دون أن يدركوا هذا»، ومن الطبيعى أن يحدث معنا ما يشابه هذا عندما نتبنّى بعض الآراء أو الأخبار دون تمحيص، ونقوم بترويجها بين الآخرين، كما يتم مثل هذا مع بعض الأشخاص الذين يستخدمون عملات مزيّفة ويتداولونها دون دراية بذلك ليسيّروا بها أعمالهم، لذا إذا كانت الأكاذيب ظاهرة ستصبح واضحة على الملأ ومن الممكن ضحدها ورفضها ومقاومتها، لكن هناك أكاذيب مغلّفة بالصدق دون أن يشعر بها الناس، ومن ثَمَّ تُقنع الغالبية العظمى بتصديقها والأخذ بها. لذلك نحن بحاجة إلى اللقاح الدائم ليوقظ العقل والضمير أمام كل رأى أو خبر. ما أجمل هذا القول: «علمتنى الحياة ألا أسال الكاذب لما كذبت، لأنه حتماً سيُجيبُنى بكذبةٍ أخرى»، ويوجد ثلاثة أنواع من الكاذبين: مَنْ يجرى الكذب فى دمهم ويكذبون ليجمّلوا صورتهم؛ المراؤون الذين يكذبون ليتجنّبوا مواجهة الآخر؛ أخيراً هؤلاء الكاذبون الذين يبررون ذلك قائلين: «فهمونا خطأ»، وللأسف الأكاذيب ولاّدة بطبيعتها، واحدة تلد مائة، ونحن نجد كل يوم الأنواع الثلاثة من هؤلاء. لكن الإنسان الصادق لا يخاف من الآخرين أو ما يقولونه عنه ولا يجامل أحداً، وكما يقول شكسبير: «إذا كنتَ صادقاً، فلماذا تحلف؟» فالصدق شجاعة، أما الكذب فجبانة، لأنه نتيجة خوف الناس وتحدّى الله الذى حرّمه، وكما يقول المَثَل: «الصدق ينجّيك وإن خِفته؛ أما الكذب يُرديك وإن أمِنته»، لأن من أضرار الكذب على صاحبه، أنه متهم به وإن تحرّى الصدق، فإذا حاول تجنب الكذب، كذّبه الناس بحيث لا يبقى له فى اعتبارهم حديث ذى مصداقية. والكذب لا يستر الهفوة، ولا يخفف من السقطة، بل يزيدهما وضوحاً وثقلاً، ويقول أرسطو: «الكذابون خاسرون دائماً ولاسيما أن أحداً لا يصدّقهم حتى ولو صدقوا»، لأن الكذّاب لا تقبل شهادته لا فى نفسه ولا فى أصدقائه. إذاً، ماذا يجب أن نفعل؟ أن نتحلّى بالصدق فى معاملاتنا وحواراتنا ونتحصّن بالحقيقة التى تنبع من أُناس صادقين، لأن خلاف ذلك، سنصل إلى العزلة التامة الناتجة عن خوفنا من الآخرين أو الغش والاحتقار، وللأسف هذا الطريق يسلكه الكثيرون فى أيامنا هذه لأنه الطريق الأسهل والمريح، وكما يقول الكاتب الفرنسى Albert Camus (ألبرت كامي): «لن أُجرّب أبداً تعديل وتكييف ما أفكّر فيه، أو ما تفكّرون فيه أنتم لأصل إلى المصالحة المقبولة من الجميع، كل ما أبتغى قوله لكم اليوم هو أن العالم بحاجةٍ إلى الحوار الصادق، لأن عكس هذا الحوار سيكون الكذب، ولن يكون هناك إمكانية هذا الحوار إلا فى وجود أُناس تظل كما هى وتتكلم بصدق».
ونختتم بكلمات الفيلسوف أفلاطون: «من ضرر الكذب أن صاحبه ينسى الصورة الحقيقية المحسوسة، ويثبّت فى نفسه الصورة الوهمية الكاذبة، فيبنى عليها أمره، فيكون غشّه قد بدأ بنفسه».

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.