والده كان يتزوج فى الظهيرة ويطلق بالمساء «كان يحبنى كثيرًا».. هكذا وبتلقائية شديدة أخبرت السورية علياء غانم والدة زعيم القاعدة الراحل، أسامة بن لادن، صحيفة الجارديان البريطانية، فى تعليقها على سر عدم إقدام نجلها على إخبارها بأنشطته الإرهابية التى كان يقودها متنقلًا بين دول عدة كالسودان وأفغانستان وباكستان. ابنة اللاذقية، والمنحدرة من أسرة علوية، قبل أن تنتقل إلى المملكة العربية السعودية، فى منتصف الخمسينيات من القرن الماضى، لتقترن من والد بن لادن، رجل الأعمال السعودى البارز آنذاك، ومؤسس إمبراطورية بن لادن الاستثمارية، محمد بن عوض بن لادن، تعتقد بإيمان مطلق أن ابنها المدلل «كان طفلاً جيدا إلى أن التقى ببعض الأشخاص الذين غسلوا دماغه فى أوائل العشرينات من عمره».. تصف نجلها الذى غير وجه العالم والسياسة الدولية، وأشعل حربًا غربية ضد الإسلام لا هوادة فيها، وتحديدًا بعد الهجمات المجنونة التى طالت برجى التجارة العالميين بنيويورك فى 11 سبتمبر 2001، بأنه كان «طفلا خجولا ومتفوقا فى دراسته»، وبأنه امتلك فى سنوات شبابه الأولى «شخصية قوية».. ومع ذلك، لم تنس علياء فى غمرة حديثها المفاجئ للجارديان، أن تبرئ ذمتها من تحولات نجلها المتشددة، وقالت نصًا: «كنت أقول له دائما أن يبتعد عنهم»، وتقصد الأشخاص المتطرفين ممن دفعوه إلى طريق العنف والدم، وذكرت منهم على وجه التحديد الإخوانى العتيد، عراب ظاهرة الأفغان العرب، عبدالله عزام. قالت بأسى: «لقد غيره الناس فى الجامعة (درس الاقتصاد فى جامعة الملك عبدالعزيز بجدة).. أصبح رجلا مختلفا».. أشقاء بن لادن أضافوا للجارديان بعدًا آخر تقليديًا عن علياء غانم كأم، مفاده أنها تعيش حالة إنكار لجرائم أسامة بن لادن، هى لا تعتقد مطلقًا أنه ارتكبها، حتى وإن أقرت أنه قد انحرف عن المسار.. ربما أن مبررها فى ذلك أن نجلها لم يخبرها بشىء مما يفعله. حتى حينما رأته آخر مرة فى أفغانستان فى العام 1999، لم يخبرها بشيء وكان ودودًا للغاية، واحتفى بها، واصطاد لها حيوانًا بريًا وأقام لها حفلة شواء. هى تعتقد أنه كان متهورًا إلى حد يثير الضيق والغضب من جانبها تجاهه، ولكن فقط بمشاعر أم، فتشير بوضوح قائلة «»صرف كل أمواله فى أفغانستان حيث كان يتخفّى تحت ستار أعمال العائلة، ولم يخطر ببالى أبداً أن يصبح فى هذا الطريق المخالف، وكنا مستائين للغاية، لم أكن أريد أن يحدث أى شيء من هذا». لم تفسر علياء ما الذى كانت تود ألا يحدث على وجه الدقة، هل كانت تقصد أنه أضاع أمواله، أم ما جرى من هرولته إلى طريق الإرهاب والتطرف؟ّ.. إن علياء تعى تمامًا فضل الحياة الناعمة الهادئة المرهفة، ولما وقد اقترنت لمدة 3 سنوات كاملة من إمبراطور الاقتصاد السعودى الحديث فيما بعد طفرة النفط، والذى بلغت قوته المالية أن أمن رواتب موظفى الدولة السعودية بالكامل لفترة لا تقل عن 6 أشهر من جيبه الخاص، فى أعقاب تخلى الملك سعود عن الحكم لصالح شقيقه فيصل مطلع الستينيات. حينما توفى إثر اصطدام طائرته بجبل بالطائف منتصف الستينيات وكان بن لادن الصغير فى التاسعة من عمره، قدرت ثروته بعدة مليارات من الدولارات، كان نصيب أسامة منها وفق مراجع غربية على الأقل 300 مليون دولار. وبمقدار المليارات التى كان يملكها والد بن لادن، كان مغرمًا بالزواج، حيث تزوج أكثر من 22 مرة، وأنجب نحو 55 طفلًا وطفلة، ولم يكن أحيانًا وأثناء اجتماعات الأسرة يعرف بعض أولاده من كثرتهم. وترتبط بوالد بن لادن دعاية شهيرة، نقلها الكاتب الأمريكى لورانس رايت فى كتابه «البروج المشيدة.. القاعدة والطريق إلى 11 سبتمبر»، الحائز على جائزة البوليتزر، بأنه كان يتزوج بعد الظهيرة ويطلق فى المساء!!.. بخلاف عدد من المحظيات كان يبقى عليهن فى بيته إذا أنجبن منه.. أسامة كان ترتيبه ال43 بين أشقائه، والذكر رقم 21 من أصل 29 من الأشقاء الذكور. لكنه كان محظوظًا أن تزوجت والدته بعد أن طلقها والدها من رجل نافذ داخل أسرة بن لادن وإمبراطوريته المالية الضخمة، وهو محمد العطاس. يُروى عن والد بن لادن أنه كان يحتفظ بزوجاته السعوديات الثلاث، فيما يطلق الرابعة دومًا ليتزوج من غيرها، على أن يقوم بتزويج المطلقة من أحد العاملين معه. وكل واحدة من المطلقات هى وحظها، فمنهن من تزوجن سائقين، ومنهن من اقترن بعمال، ومنهن من دفعهن النصيب إلى كبار الموظفين، وهو ما جرى مع والدة بن لادن علياء غانم، التى منحها زوجها بعد تطليقها وأسامة فى الثالثة من عمره لأحد أهم المديرين التنفيذيين لشركاته وهو محمد العطاس لتستمر حياتها الرغدة، وهو ما كان يغضبها من نجلها بن لادن لأنه تمرد على تلك الحياة ليسلك طريق الشقاء على حد وعيها. على هذا النحو عاش بن لادن ليس لدى أم واحدة ولكن مجموعة أمهات، حيث ارتبط بهن عبر أشقائه وشقيقاته من الأب، ناهيك بأن بعضهن كن صغيرات السن للغاية، وبالتالى لم يكن هناك فروق عمرية ضخمة بينه وبينهن. ويبدو أن ارتباط زوجات محمد بن عطية بن لادن بأسامة امتد من النسب والعائلة الكبيرة إلى تمائم القدر، حيث إن بعض أشقائه وأمهاتهم ذاقوا من فاجعة الموت جوًا، على غرار الطريقة التى ابتكرها زعيم القاعدة فى ترويع العالم فى أحداث 11 سبتمبر. فبعد الأب والشقيق الأكبر سالم، كان آخر ضحايا الموت الطائر فى أسرة بن لادن، كان من نصيب كل من سناء محمد بن لادن، الأخت غير الشقيقة لزعيم القاعدة الراحل، وزوجها زهير هاشم، ووالدتها السورية رجاء بشير هاشم، حيث تحطمت طائرتهم الخاصة فوق ساحة لمزادات السيارات، بالعاصمة البريطانية لندن، قبل نحو 3 سنوات، فى نهاية رحلة مأساوية قادمة من ميلانو الإيطالية. وأقرت التحقيقات الرسمية البريطانية، أن الطائرة تحولت إلى «كرة من اللهب والانفجارات» عقب اصطدامها العنيف بالأرض أثناء هبوط خاطئ على ما يبدو من قائدها.