لاشك أن الصراحة هي قوام الحياة الزوجية السليمة وأنه لا غنى عنها بأي شكل من الأشكال كما أنها ضرورية لإيجاد التفاهم وحصول المودة ولكن اختلفت الأقاويل حول مدى الصراحة الواجب توافرها بين الزوجين وتعريفها ومدى علاقتها بالرجولة أو الأنوثة وهل هي مطلقة أم مقيدة، واجبة أم مستحبة، وكم هي نسبتها بين الزوجين هل هي على مستوى واحد أم متفاوتة؟ وكيف تتحول من نعمة إلى نقمة؟ ومما لا تختلف فيه الآراء هو أن الصراحة هي أساس الحياة الزوجية وهي العمود الفقري في إقامة دعائم حياة أسرية سليمة خالية من الشكوك والأمراض التي قد تهدد كيان الأسرة بالانهيار وأنه إذا ارتكزت الحياة الزوجية عليها كانت حياة هادئة هانئة أما إذا أقيمت على عدم المصارحة فإنها تكون حياة تعسة يفقد خلالها كلا الزوجين ثقته في الآخر. ولكن للصراحة حدود فهي بين الأزواج ليست كما يفسرها البعض بأنها صراحة مطلقة وبلا حدود لأنها وبهذا التعريف تعتبر نقمة وليست نعمة فقد تؤدي إلى تدمير الأسرة خاصة إذا كان الزوجان ليسا على درجة كافية من التفهم والوعي والثقة المتبادلة لذا فإن للصراحة حدوداً تتمثل في مصارحة كلا الزوجين للطرف الآخر بما لا يضره أو يجرح مشاعره أما فيما يتعلق بحياة كل منهما الخاصة البعيدة عن المنزل والأسرة والأبناء كعلاقتهما بأصدقائهما أو أهليهما فإنه لا يجب فيها المصارحة على الإطلاق. وذلك لأن للأهل والأصدقاء أسرارا خاصة لا يجب أن يفشيها أي طرف لاسيما وأن معرفتها لن تنفع بل ربما تضر بهما وبأهليهما فلذا على الزوجة التي تريد أن تحافظ على أسرتها أن تصون سرها ولا تبوح به لأحد وبذلك فهي تكسب ثقة زوجها واحترام أهلها في آن واحد. وليس من الحكمة أن يطلب الزوج الذكي من زوجته أن تقص له بداية حياتها وإن طلب منها ذلك فلا يجب عليها أن تستجيب ويظهر بطلبه ذلك أنه لا يعرف شيئاً عنها وعن عائلتها .. والسؤال: كيف يرتبط بفتاة لا يعرف عن أهلها وبيئتها شيئاً ؟؟! فيجب على الشاب أن يعرف ذلك كله قبل الزواج وليس بعده، وهذا من حقه قبل الزواج وليس من حقه بعد الزواج أن يطالبها بسرد قصة حياتها ويطرح عليها الأسئلة التي لن تزيد إلا في الفرقة ، كمن أحببت؟ ومن خطبك قبلي؟ ومع من خرجت؟ وغيرها من الأسئلة التي هي طريق وإنذار ببداية انتهاء هذه العلاقة. وهنا أؤكد على مسألة في غاية من الأهمية وهي لو كانت الزوجة على علاقة سابقة مع شاب سواء كانت العلاقة في الحدود الشرعية والأخلاقية أو حتى لو أنها وقعت فيما حرَّم الله أو كان الزوج قبل زواجه على علاقات سابقة مع فتيات .. فهل من المصلحة أن يخبر كل منهما الآخر بمثل هذا الماضي ؟؟ والجواب على مثل هذا التساؤل سأجيب عليه من جهتين : فقد يرى البعض بأن الإخبار بمثل هذه الأمور قد تكون مما تبني الثقة بين الزوجين وتؤدي بالسفينة لبر الأمان ، لكن الحقيقة مخالفة تماماً لما يعتقده هؤلاء وذلك من الناحية الواقعية المشاهدة .. فنحن لا ننكر أهمية الصراحة التي أستطيع أن أسميها ( الصراحة المقيدة ) بمعنى أن الزوجة قد تحتفظ ببعض الأمور لنفسها ولا تخبر به الزوج، ومن ذلك ما وقعت به قبل زواجها وخاصة بعد توبتها إن كانت وقعت فيما حرًم الله لأسباب عديدة ، فإن الزوجة المؤمنة الصالحة كما جاء في الأثر : ( إن المؤمن كيس فطن ) فترى أنه من الضرر عليها أن تخبر الزوج بمثل هذا الماضي لما قد يلازم الزوج في الغالب من شك بها مما يعني انعدام الثقة بينهما وبالتالي الوصول لمفترق الطرق وهذا ما أشاهده كثيراً ، فللأسف قد ترى بعض الزوجات بأن الإخبار بمثل هذه الأمور هي من باب المصداقية والمصارحة لكن أقول دائما أنه لا فائدة من ذكر ذلك للزوج بل هناك مضرة غالبة من شك وبقاء بعض الأمور بنفس الزوج مما يتطلب أحياناً كثيرة سنوات عديدة لمحو آثارها من نفسه. فالصراحة بين الزوجين هي باب للسعادة وباب للشقاء أحياناً ، فينبغي على الزوجة وكذلك الزوج أن يعرفا حدود هذه الصراحة وما هي الفوائد المرجوة من الأمر المراد المصارحة به . ومن جهة أخرى هناك أصل شرعي وللأسف الشديد قد غاب عن كثير من الأزواج والزوجات. وهو أن المؤمن مأمور بأن يستر على نفسه في كل ما وقع فيه مما يظن أنه قد خالف به جادة الحق والصواب، وذلك لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( كل أمتي معافى إلا المجاهرون ).. وعلى هذا فالعبرة في كل هذه الأمور هي التوبة فإنه كما جاء في الحديث الصحيح من قوله عليه الصلاة والسلام: ( التوبة تجب ما قبلها والإسلام يهدم ما قبله ) .. ( كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون )