تٌقيد الشياطين بأغلال فى رمضان، وتُفتح الأبواب على مصراعيها ل"رجال الدين"، فيُمطرون خلال ال30 يوماً بفتاوى وتصريحات وأسانيد وأقاويل عما هو حلال وحرام، المُباح والمُفطرات، ما يجوز فعله وما يُنهى عنه، وهو بالتأكيد أمر محمود إذا جاء فى صالح توعية الصائم بدينه وتعاليمه، وأمر مذموم إذا خرج عن سياقه، واعترته الفوضى، فأضحت بعض الفتاوى أشبه ب"الأحاديث المُضحكة" تثير الدهشة بأكثر مما تُفيد المسلم المٌقبل على صيام الشهر الكريم. مفتى أستراليا: الصيام ليس فرضاً لمن يقل دخله الشهرى عن 500 دولار.. ويحق لأصحاب المهن الشاقة الإفطار داعية يُحرم لمس النساء للموز والخيار خلال الصيام حفظاً لشهواتهن.. و«الإخوان» يجيزون إفطار المتظاهرين بدا واضحاً من رصد بعض الفتاوى المثيرة للجدل، بأن أجندة الصيام لم تعد سهلة كما ألفناها، فهى لا تتوقف، بحسب المشايخ، عند الأكل والشرب والعبادة والتمسك بفضائل الأخلاق، بل زادوا عليها وتوسعوا وتبحروا، ووصلت إلى حد تحريم ملامسة النساء لبعض ثمار الخضراوات والفاكهة أثناء الصيام، كالخيار والموز، خشية إثارة شهواتهن، وآخرون حرموا خروجها تماماً، والبعض أعطى للفقير رخصة دائمة بالإفطار، وغيرها من الفتاوى التى أصابت المسلم بالحيرة، فأى الفتاوى يلتزم وأيها يرفض.. "الفجر" ترصد فى هذا التقرير أبرز الفتاوى الرمضانية، وأكثرها غرابة. أثارت فتوى الشيخ مصطفى راشد، مفتى أستراليا ورئيس الاتحاد العالمى لعلماء الإسلام من أجل السلام، صخباً لدى قطاع عريض من المسلمين، لتعرضها إلى مدى جواز صيام الفقير والغنى.. يقول راشد فى فتواه إن الصيام فرض على الأغنياء فقط، وبالنسبة للفقراء فهو يقف عند حدود "التطوع"، وقد حدد الفقراء بمن يقل دخلهم الشهرى عن 500 دولار، أى ما يعادل 8500 جنيه. واستند "راشد" إلى الآية 184 من سورة "البقرة"، فى قوله تعالي: "من كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أُخر، وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيراً فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون"، وعلق مفتى استراليا على الآية، قائلاً: "استنتجت منها مثل كل الفقهاء أن المريض أو المسافر يحق له الإفطار، على أن يصوم أياما أخرى أو يطعم مسكيناً عن كل يوم أفطره". ويضيف: "أما الفقير فهو صائم بالطبع طوال الوقت، حتى إن كان لا يطيق الصيام لأنه غير قادر على إطعام المسكين، فهو بالكاد يطعم نفسه، ومن غير المعقول أن يُطالب الله المسكين الذى لا يطيق الصيام بإطعام مسكين آخر".. وخلص إلى أن الصيام أساسه الاستطاعة والشعور بالفقير المحروم، وبالتالى فهو يسقط لغياب الاستطاعة أو القدرة على إطعام الآخرين. ويعتبر المرء فقيراً فى مفهوم الشيخ راشد إذا عجز عن تدبير قوته هو وأسرته لمدة شهر، ومن لا يملك منزلاً، ويستكمل: "الفقير أيضاً بحسب الحديث النبوى، هو من لا يملك دابة، وهى تعادل سيارة فى عصرنا، وبإجراء الحسابات وفقاً للأوضاع الاقتصادية الحالية فى مصر، يعد الشخص فقيراً إذا قل دخله الشهرى عن 500 دولار". ومن ضمن رُخص إباحة الإفطار عند "راشد"، أصحاب الأعمال الشاقة كأعمال البناء والحدادة والنجارة والزراعة والمحاجر وغيرها، ويشترط أن يكون الصيام سبباً فى إصابتهم بأضرار بدنية ومادية حال توقفهم الجزئى أو الكلى عن العمل، وبالتالى الحرمان من كامل دخلهم، كما أفتى بجواز الإفطار لمن يعمل فى ظل درجة حرارة 30 درجة مئوية وما يزيد، وأضاف: "توجد خطورة على صحة الإنسان إذا امتنع عن شرب المياه مدة يوم كامل فى درجات الحرارة المرتفعة، وهو ما يتنافى مع القاعدة الشرعية بأنه لا ضر ولا ضرار". من جانبه، أصدرت دار الإفتاء المصرية، قبل أيام، بياناً أثار جدلاً واسعاً على مواقع الSocial Media، وما صاحبه من اعتقاد البعض بأن دار الإفتاء تُجيز للطلاب المقبلين على امتحانات نهاية العام، الإفطار خشية تعرضهم للإرهاق. وبادر بعض العلماء بإيضاح الفتوى بأنها لا تشمل كل الطلاب، وليس هدفها التعميم، فيقول الدكتور خالد عمران، أمين الفتوى، إن الدار لم تقصد جميع الطلاب، وإنما هؤلاء الذين يتعرضون للمشقة والإرهاق نتيجة الصيام، وما قد يتعرضون له من مضاعفات جسدية حال صيامهم، وهم يدخلون ضمن قائمة المرضى المبُاح لهم الإفطار. وبالعودة إلى تاريخ الفتاوى الخاصة فى رمضان، أطلق العالم الراحل جمال البنا فتوى فى عام 2006، مفادها أن التدخين لا يُفسد الصيام ووصفه بأنه أقرب إلى البخور، وبناء عليه يجوز للمدخنين غير القادرين على الإقلاع عن السجائر فى نهار رمضان، التدخين خلال الصيام وإكمال اليوم من دون طعام وشراب. لم تتوقف فتاوى رمضان عند الحدود المصرية، فأباح رجل دين إيرانى يُدعى آية الله العظمى أسد الله بيات زنجانى، شرب الماء فى نهار رمضان، وقال إن الماء لا يُفطر حال عطش الصائم بشكل استحال معه استكمال الفريضة. دخلت جماعة الإخوان على خط الفتاوى الرمضانية، وكان لها نصيب معقول منها، حيث أفتى أكرم كساب، عضو الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين، المحسوب على الجماعة، بجواز إفطار المشاركين فى تظاهرات الإخوان باعتبار أن التظاهر هدفه هو إثبات الحق، وهو عمل يُقرب إلى الله.. وهناك فتوى أخرى ذات نزعة سياسية، وهى خاصة بجواز إفطار سجناء الإخوان فى المعتقلات، وأحقيتهم فى الزكاة بدلاً من الفقراء. وأصدر عصام تليمة، المدير السابق لمكتب يوسف القرضاوى، فتوى بأحقية التبرع بزكاة الفطر لدفع الكفالة عن قيادات الإخوان فى السجون، بوصفهم على حد تشبيهه: خير الناس". وانسحبت فتاوى الإباحة والتحريم على مشاهدة الدراما والمسلسلات خلال الشهر الكريم، وأفتى الداعية السلفى محمود لطفى بحرمانية الفرجة على مسلسلات رمضان باعتبارها "مُفطرات"، مطالباً المسلم بالانشغال بقراءة القرآن الكريم وليس متابعة الدراما، والشيء نفسه أفتى به الداعية السعودى محمد العريفى، فحرمها مشاهدتها بشكل مُطلق، قائلاً: "كل هذه المسلسلات بدع لا يجوز مشاهدتها لأنها تفسد الجيل". وفى المقابل، هناك رجال دين قرروا تخصيص فتواهم على برامج بذاتها دون تعميم، فأطلق الداعية السلفى سامح عبد الحميد حمودة، فتوى جديدة بتحريم مشاهدة برنامج الفنان رامز جلال الجديد، وساق حجته بأن البرنامج يقوم على "إخافة الناس وترويع الآمنين، وغرضه تافه وهو إضحاك المتفرجين على رعب وهلع شخصيات الحلقات، لكسب المال وزيادة الإعلانات"، واعتبره يتعارض مع حديث الرسول الكريم: "لا يحل لمسلم أن يُرَوع مسلمًا". وبين الفتاوى المثيرة للدهشة، والتى انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعى، فتوى لأحد الدعاة فى أوروبا حرم فيها على المرأة ملامسة بعض الخضراوات والفاكهة خلال ساعات الصيام، وقال فى برهانه إن "بعض الثمار تُثير الشهوات مثل الموز والخيار، وأنها ذكورية لا يحق للأنثى الاقتراب منها".. ونالت الفتوى صدى فى الصومال على ما يبدو، حيث أصدرت الحكومة فتوى مشابهة بتحريم أكل "السمبوسة" لأن تكوينها يشبه "أضلاع مسيحية كأضلاع الثالوث". بالتأكيد، لا يخلو السباق المحموم للمشايخ من فتاوى "داعش"، والتى آثرت الاشتراك بفتاوى شاذة، ومنها منع خروج النساء الصائمات إلى الطريق أو خارج منزلهن خلال النهار، ولو ارتدين النقاب، لأن المسلم يبطل صيامه إذا رأى امرأةً، وفى حال اضطرار السيدات للخروج فيكون هذا عقب صلاة المغرب، وبرفقة مِحرم.. إلى جانب غلق جميع المحالّ التجارية والمطاعم بشكل كامل خلال الأيام العشر الأخيرة من الشهر. وفى السياق ذاته، كشف المرصد السورى لحقوق الإنسان عن فتوى أشد غرابة، أصدرها أحد شيوخ التنظيم الإرهابى فى مدينة "الباب" السورية، خاصة ببطلان صيام كل شخص لا يؤيد "داعش" أو يكرهه، كما نقل المرصد عن الشيخ المزعزم قوله: "من لا يصلى لا يقبل صيامه، ومن لا يحب التنظيم فى العراق والشام لا يُقبل صيامه، فمن لديه هذه الخصال فلا يكلفن نفسه عناء الصوم، فليس له من الصيام إلا الجوع والعطش".. ومنع التنظيم تقصير الشعر، كما أزال كل اللافتات والإعلانات التى توضع لمحال التزيين النسائى، استعداداً لشهر رمضان.