كما عودتنا الحكومة على اتخاذ القرارات الصادمة ليلة الخميس، تدعيماً منها لبرنامج تنظيم النسل من خلال سياسية التنكيد على الرجالة والستات في هذه الليلة المباركة، جاء قرارها اليوم وفي بداية الليلة مباشرتاً بزيادة سعر تذكرة مترو الأنفاق. ورغم أن قرار رفع أسعار تذاكر المترو، لم يكن مفاجئ حيث يتم تهيئة الرأي العام لتقبله منذ شهور، إلا أنه أثار ذهول الكثيرين من الذين تشككوا للحظات في اتخاذ الحكومة لهذا القرار الصعب الذي يؤثر على حياة الملايين من المواطنين في مصر.
فلم يتوقع الرأي العام هذه الزيادة الكبيرة في سعر التذكرة في وقت هم في أمس الحاجة لكل قرش لامتصاص أثر قرارات الإصلاح الاقتصادي التي اتخذت على مدار العامين الماضيين، والتي أدت إلى ارتفاع مطرد في معدلات التضخم حتى وإن انخفضت بعض الشئ إلا أن المواطنين مازالو يعانون من أعباء تلك القرارات التي أنهكتهم لأقصى درجة ممكنة.
المشكلة الأكبر أن هذه الزيادة في الأسعار لا تقابلها زيادة موازية في الأجور، حيث أن كافة الزيادات التي أقرتها الحكومة بجانب برامج الحماية الاجتماعية التي اعتمدتها خلال العام الماضي لا توازي 50% من الزيادات المترتبة على قرارات الإصلاح الذي يتضمن أقلها زيادات في الأسعار تتخطى نسبة 100%.
وبالنظر لارتفاع أسعار تذكرة المترو، نجد أنه أمر مبالغ فيه يصل لدرجة اللامعقولية بحيث ترتفع ميزانية المواصلات للمواطن البسيط الذي لا يجد وسيلة موصلات تقله بسعر مناسب سوى المترو بين ليلة وضحاها من 4 جنيه إلى 14 جنيه يومياً، أي بنسبة زيادة بلغت 250%، وهو أمر عند التفكير فيه يدعوا للاختلال النفسي وليس المادي فقط!
فمع الزيادة المؤكدة لأسعار الوقود خلال يوليو المقبل لتقليل الدعم الموجه للطاقة، وفق برنامج الإصلاح الاقتصادي المعتمد من صندوق النقد الدولي، كان المترو هو الملاذ الآمن الذي يحمي المواطن البسيط ويدعو لتقبل القرار، أما الآن فالأمر ينذر بكارثة محققة، فهذا يعني ارتفاع محقق في أسعار وسائل النقل استغلالاً لارتفاع أسعار تذاكر المترو التي أصبحت أغلى من وسائل النقل العادية وبالتالي يتيح الفرصة لجشع السائقين في رفع الأجرة على المواطن وهو ما سيثير بلبلة في المجتمع المصري خلال الأيام المقبلة بجانب الارتفاع الرسمي الذي سيصاحب ارتفاع أسعار الوقود في يوليو لتتضاعف الأجرة للمواصلات العادية ما يؤدي حتمًا لارتفاع كبير في أسعار السلع والخدمات، وبالتالي ارتفاع معدلات التضخم لنعود لنقطة الصفر من جديد وهو الوضع في نوفمبر 2016، بعد اتخاذ قرار تحرير سعر الصرف، ويعود المواطن لحالة الصدمة من جديد والتي ستؤثر بشكل كبير على قدرته الشرائية ويشيع حالة من الركود بالسوق المصري ويقضي على أحلام الانتعاشة التي كانت يتوقعها الجميع أفراد ومؤسسات ومستثمرين خلال 2018.
قرار جديد سيدفع ثمنه المواطن وحده، ومهما بالغنا في تقدير المردود الاقتصادي على المدى البعيد لن تستطيع الحكومة سد الفجوة التضخمية التي سيخلفها القرار على المدى القصير، بجانب أنها لن تستطيع تعويض المواطن عما سيصيبه من أضرار مادية متعددة، ما سيؤدى لاتساع الفجوة بينها وبين المواطن، حيث أصبحت تعيش في واد والمواطن البسيط في وادِ أخر، كما سيعطي الفرصة للكثير من المغرضين لاستغلال القرار بقوة في شحن الطاقة السلبية لدى المواطنين بما لا يصب في مصلحة البلد.
فرغم تقديرنا لجهود الكثير من الوزراء داخل الحكومة التي ظهرت قدرتهم على إدارة العديد من الأزمات، وتوجيه دفة الاقتصاد في البلاد إلى المسار الصحيح، لكن هناك بعض القرارات الغير محسوبة، في توقيتها أو أثرها قد تهد كل ما تم بنائه مهما بلغ حجم التوافق عليها من متخذي القرار، نتيجة لأن قراراتنا في مصر تؤخذ بسرعة دون إجراءات قبلية تخفف من حدة القرار أو بعدية تدعم تنفيذه بما يعوض بعض الأضرار التي قد تترتب على التنفيذ، هذا هو الحال في مصر.