■ «داعش» ينذر قبائل سيناء من التعاون مع الدولة.. ويستعرض قوته فى مواجهة القاعدة.. ويستهدف جذب التمويل والمقاتلين الفارين من سوريا والعراق ■ «الوحشية» وإسقاط أكبر عدد من القتلى «أولوية» لتحقيق الهدف «الدعائى» من العملية.. ولتدعيم الجبهة الداخلية للتنظيم بمجزرة هى الأكبر فى تاريخ الهجمات الإرهابية التى شهدتها مصر، وبحصيلة من الشهداء والجرحى، وصلت إلى 305 شهداء، من بينهم 27 طفلاً، و128 من المصابين، يحاول تنظيم داعش فى سيناء أن يضع نفسه على خريطة الإرهاب العالمى، وأن يحقق كما هو واضح مجموعة من الأهداف فى اتجاهات عدة. بعملية هى الأولى من نوعها استهدفت - الجمعة الماضي - مسجد قرية الروضة التابعة لمدينة بئر العبد شمال سيناء، وظهر أنها تحمل بصمات «أنصار بيت المقدس/ولاية سيناء» وفق ترجيحات الخبراء، وإن لم يعلن التنظيم مسئوليته رسمياً عنها حتى اللحظة. اختيار المكان والهدف والتوقيت أيضاً له الكثير من الدلالات، كما أن للحرب على داعش فى سوريا والعراق وليبيا كذلك ارتداداتها فى سيناء، وفقاً للتحليلات، حيث يسعى داعش لإثبات نفوذه فى ساحات أخرى بعد خسارة معاقله المركزية مؤخراً. 1- الوحشية «ضرورة» فى الذكرى الثالثة للبيعة من وقائع وملابسات الهجوم الدامى يتضح أن إظهار أكبر قدر من الوحشية فى التنفيذ وإسقاط أكبر عدد من الضحايا كان مقصوداً تماماً، بل كان فى مقدمة أهداف تلك العملية، لإثارة الذعر والترهيب وتحقيق أكبر صدى دعائى ممكن، بحسب محمد جمعة الباحث فى مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية. ووفقاً لشهود العيان فإن التصويب كان على الرأس مباشرة، وأن الإرهابيين كانوا يرددون أثناء التنفيذ «لا تتركوا أحدا حياً»، وذلك بخلاف إصرارهم على الإجهاز على الجرحى، ومطاردة الفارين من المسجد حتى بيوتهم، ثم وصولاً إلى استهداف سيارات الإسعاف. كما يتزامن تنفيذ العملية، فى شهر نوفمبر، مع الذكرى الثالثة لإعلان بيعة تنظيم «أنصار بيت المقدس» لأبوبكر البغدادى، خليفة داعش، وتحوله إلى «ولاية سيناء»، حيث تحاول ذراع التنظيم فى سيناء باستماتة عبر تلك العملية، أن يعلن أنه لا يزال موجوداً على الأرض، قادراً على الصمود والاستمرار رغم ما نفذته الدولة من ضربات أمنية استهدفت بؤر تمركزه فى سيناء، ونجحت فى تصفية عدد من قياداته العسكرية كان آخرهم أبو أنس الأنصارى، وابن عمه القائد العسكرى للتنظيم عواد سلامة الحمادين. 2- مواجهة مع «القبائل» وهو تحول نوعى حقيقى تجسد هذه المرة بجلاء فى اختيار تنظيم «ولاية سيناء» للهدف ونوعيته، فلم يكن هذه المرة هدفاً عسكرياً أو أمنياً، وإنما اختار التنظيم أن يعلن فى مذبحة دموية، ارتكبها فى «الروضة» أنه قادر على إنزال عقابه على من يمتنعون عن التعاون معه أو يوالون الدولة فى حربها ضده فى سيناء، وأن يرسل رسالة رعب شديدة اللهجة إلى القبائل فى سيناء تمنعهم من التحالف ضده مع الأمن. فيما تؤكد شهادات الناجين من المذبحة أن أحد المنفذين كان يهتف أثناء تنفيذ العملية «هذا جزاء من يهين المجاهدين»، كما أن بيان القبائل كشف ما حدث لأهل قرية الروضة لأنهم سبق أن «قاطعوهم وطردوهم انتقاماً لأبنائهم ممن قتل على أيدى الغدر والخيانة». ما حدث يوحى إذن بأن حرب التنظيم فى سيناء قد انتقلت من مواجهة الدولة والأمن فقط إلى مواجهة حاضنته الشعبية ذاتها من المدنيين والقبائل السيناوية، وذلك بعد فترة طويلة حاول التنظيم خلالها مغازلة تلك الحاضنة، والتترس بها، والحفاظ على مصالحه معها . ما يدل بالتبعية على أن الهدف من المغامرة التى أقدم عليها التنظيم، بتنفيذ عمليته ضد أهالى سيناء، يتجاوز مجرد تحقيق مكسب وقتى ضد الدولة فقط، إلى أهداف تحقق له مكاسب أبعد من ذلك. 3- «شبح القاعدة» من الواحات إلى سيناء كان تنظيم داعش فى سيناء فى أمس الحاجة، إلى عملية بحجم هجوم «الروضة» يثبت من خلالها أنه التنظيم الإرهابى صاحب اليد العليا فى سيناء، فى مواجهة تحركات قاعدية واضحة تحاول المساس بهيبته هناك. وعلى أمل أن تكفل له تلك العملية أيضاً تدعيم جبهته الداخلية وتجميع عناصره، خوفاً من الانشقاقات، أو انتقال مقاتليه من الدواعش المحترفين، إلى معسكر «القاعدة» سعياً لتوفير الأمان والدعم والإمكانيات، على وقع ضعف «الخلافة» المركزية. وذلك فى ظل المد القاعدى المتصاعد داخل المشهد الإرهابى فى مصر عامة، مستهدفاً مزاحمة «داعش» وسحب البساط منه، وفى توقيت نجح فيه تنظيم محسوب على القاعدة هو «أنصار الإسلام» فى تنفيذ هجوم الواحات، بل ونجح قائده، الضابط المفصول عماد الدين عبد الحميد «الشيخ حاتم»، بتجنيد مجموعة من دواعش الصعيد ممن نفذوا عملية الاعتداء على حافلة أقباط دير الأنبا صموئيل بالمنيا، ودفعهم إلى الارتداد عن بيعة أبو بكر البغدادى، وإعلان البيعة لتنظيم القاعدة وزعيمها أيمن الظواهرى. وذلك بالتزامن مع ضربة «معنوية» و«إعلامية» موازية، وجهها ذراع آخر موال للظواهرى هو تنظيم «جند الإسلام»، ضد تنظيم «أنصار بيت المقدس/ولاية سيناء» على الحدود الشرقية، فقام «جند الإسلام» مؤخراً ببث تسجيل صوتي أعلن فيه عن بدء عملياته الميدانية هناك، ضد ذراع داعش «ولاية سيناء»، على نمط العمليات المتبادلة بين فروع داعش والقاعدة فى سوريا، وليبيا وغيرها. وأكد التنظيم القاعدى فى سيناء خلال التسجيل أن عناصره قد نفذت عملية فى 11 أكتوبر الماضى، بهدف أسر عناصر من دواعش سيناء والتحقيق معهم بشأن انتهاكاتهم بحقه، إلا أن العملية قد أسفرت عن مقتل كل العناصر المستهدفة، وإعطاب سيارتهم واغتنام مافيها من عتاد، إضافة إلى مقتل عنصرين من المنفذين. 4- مطاردة «الصوفية» وقع اختيار فرع داعش فى سيناء على «مسجد الروضة»، وهو مسجد تلتحق به زاوية تعد نافذة جماعة صوفية كبيرة تمثل الطريقة الجريرية فى سيناء، فصدر العملية بأنها موجهة ضد الصوفية «الشركية» فى سيناء، وممارساتها المارقة عن العقيدة التى تشذ عن تعاليم الدين القويم، قبيل أسبوع واحد من ذكرى المولد النبوى الشريف، وفيما كان أهل قرية الروضة يستعدون لإحياء الذكرى الأولى لرحيل الشيخ الصوفى، سليمان أبوحراز، الذى كان التنظيم قد قام بإعدامه وقد قارب على المائة عام من عمره، بقطع رأسه ونشر ذلك فى فيديو مصور مروع. وسبق أن تبنى داعش سيناء تفجير ضريح «الشيخ سليم أبوجرير» بقرية مزار، وكذلك بتفجير ضريح الشيخ حميد أبوجرير بمنطقة المغارة وسط سيناء، فى 2013، وهما من مشايخ الصوفية هناك. وفى أكتوبر2016 اقتحم الدواعش فى سيناء حضرة إحدى الزوايا الصوفية جنوب الشيخ زويد وقاموا بخطف سبعة من الموجودين كرهائن ثم أطلقوا سراحهم بعد ذلك بدعوى أنهم نجحوا فى استتابتهم. وفى يناير الماضى، هدد من يطلق عليه أمير الحسبة فى «ولاية سيناء»، وهو بحسب معلومات متداولة مؤخراً محمد مجدى الضلعى من محافظة كفر الشيخ، وكنيته «أبو مصعب المصري»، فى حواره لصحيفة «النبأ» الناطقة باسم التنظيم بأنه: «ما زالت هناك بعض الزوايا الشركية فى سيناء، وأنها ستكون من أهداف جنود الخلافة متى ما تمكنوا منها بالحسبة والجهاد»، واصفاً الصوفيين بأنهم «أحد الأمراض التى ابتليت بها الديار المصرية، وتنشر الشرك والبدع بين الناس» وأنهم «أشد كفرا، لأنهم معروفون بتقديس الأضرحة، والذبح لها، والطواف حولها»، مضيفا: «لهذه الطريقة علاقة بدين الرافضة». وتوعد أمير الحسبة المزعوم الصوفيين «اعلموا أنكم عندنا مشركون كفار، وأن دماءكم عندنا مهدورة نجسة، ولكننا ندعوكم، ونستتيبكم، ونرجو لكم الإسلام والهداية». إضافة إلى حوار أجراه قيادى آخر فى «ولاية سيناء» ونشرته مجلة «رومية» الصادرة عن التنظيم أيضاً بالإنجليزية، يناير الماضى، وكشف فيه عن كراهية الجماعة للصوفية وممارساتهم، بما فى ذلك «تمجيد المقابر، وذبح الحيوانات وممارسة «السحر والسكينة». وحددت المقابلة مدينة الروضة، باعتبارها واحدة من المناطق الثلاث التى يعيش فيها الصوفيون فى سيناء، ويعتزم التنظيم القضاء عليها. فى كل الأحوال، تظل عملية «مسجد الروضة» ببئر العبد، هى العملية الأولى من نوعها التى يقدم خلالها التنظيم الذى يسعى على مايبدو إلى نقلة نوعية جديدة له فى سيناء، على مهاجمة عموم الصوفية، بعد أن صدر انحراف طقوسهم من وجهة نظره، كتخريجة شرعية تسمح له بالهجوم على المسجد وإهدار دماء المصلين به. فى محاولة لاستحضار الحالة العراقية، التى سبق أن تفشت فيها مهاجمة داعش لمساجد الشيعة وتفجيرها أيضاً، بحيث قرر تنظيم» أنصار بيت المقدس/ولاية سيناء» استغلال سلاح الطائفية فى عمليته الأخيرة، لجذب مزيد من التمويل، والمقاتلين المتفلتين من سقوط معاقل داعش فى سوريا والعراق، وطرح سيناء كحاضنة بديلة لهم، يمكن الاستثمار فيها. كما اختار التنظيم الصوفية لكى تكون الضحية فى تلك المعركة، بديلاً عن الشيعة الذين استهدفهم التنظيم الأم، علماً بأن عددا كبيرا من المقالات المنشورة لداعش تساوى بين الشيعة والصوفية، فى تكفيرهم وإهدار دمائهم ووجوب قتالهم ووصفهم بالروافض، وذلك باعتبار أن سلاح الطائفية هو عامل جذب لا يستهان به فى استدعاء العائدين والمقاتلين الأجانب. 5- الإرهاب على الطريقة العراقية ويرى الباحث هشام النجار أن «الإرهاب الطائفى يتم التعاطى معه من جهة ارتباطاته الخارجية أكثر من التعامل معه من منطلق الأوضاع والدوافع المحلية، لما يمنحه من محفّزات للقوى الإقليمية للتدخل بقصد تعزيز الطموحات التوسعية» . ويؤكد أن العديد من الخبراء يرجعون اختلاق معركة عقائدية مع الطرق الصوفية فى هذا التوقيت تحديداً بمصر، سببه وجود مقاتلين عادوا من سوريا والعراق ونجحوا فى التمركز بسيناء، وكان من مهام وممارسات التنظيم فى هذين البلدين استهداف الطائفة الشيعية ومساجدها. ناهيك عن أن الوحشية التى تم رصدها فى تنفيذ عملية «الروضة»، هى سمة أصيلة لدى الدواعش المقاتلين وتنفيذهم للعمليات فى سوريا والعراق، والذين يرجح خبراء أمنيون مثل العميد خالد عكاشة مشاركتهم فى تنفيذها بالفعل، وتدلل على ذلك شهادات تؤكد أن عددا من المنفذين كانوا يتحدثون بلكنة «شامية». لم يعد هناك مجال للشك إذن فى أن القنبلة التى ألقتها قوات التحالف لضرب داعش فى سوريا والعراق، قد وصلت شظاياها إلى مصر وحدودها الشرقية، فى سيناء . وأن تنظيم «ولاية سيناء» كذلك يسعى إلى استدراج المنطقة هناك إلى حالة «الفوضى المسلحة» بين أطرافها القبلية، بوصفها منطقة توحش مثالية فى عرف التنظيم، يحاول الاستثمار فيها، ويسعى إلى تطبيق نظرية أبوبكر ناجى الشهيرة فى «إدارة التوحش» على أراضيها. خاصة بعد أن أقدم التنظيم على تنفيذ جريمة قتل جماعية فى قرية، غالبية سكانها من قبيلة السواركة السيناوية، هى قرية الروضة التابعة لبئر العبد.