أمنيته أن يموت في "كردستان مستقلة".. واعتبر أنه ولد "من أجل كردستان مستقلة".. وأعلن أنه سوف يترك الحياة السياسية بعد "استقلال كردستان". هذه عبارات كان يرددها مسعود بارزاني قبل استفتاء انفصال إقليم كردستان عن العراق، لسوق الفضاء الكردي نحو الاستفتاء وبالنهاية الاستقلال. الأجواء العاطفية التي صنعها بارزاني في إقليم كردستان عبرت حدود الإقليم لتغمر جميع أكراد المنطقة في إيران وتركيا وسوريا، حيث اعتبروا أن تحقق "حلم الدولة المستقلة" أصبح أقرب من أي وقت مضى. هذه الأجواء صعَّبت أي معارضة كردية لخطوة بارزاني، حيث كان الحديث عكس هذا التيار يُعتبر "خيانة" في الأجواء الكردية الراهنة. صعد نجم بارزاني بين الأكراد واعتُبر "بطلاً قومياً" لأيام. واليوم ينتظر بارزاني مستقبل غامض وربما يبقى "بطلاً قومياً" لم يصل إلى مبتغاه، مثلما حصل للكثير من أسلاف بارزاني. الهدف هو الاستقلال في مقابلته مع تركي الدخيل على قناة "العربية" قبل استفتاء الاستقلال الذي أجراه الإقليم يوم 25 سبتمبر، برر بارزاني إصراره على هذه الخطوة ب"السياسات العراقية"، وأكد أن الأكراد سعوا كثيرا "لبناء عراق موحد ديمقراطي" ولكن "التجربة فشلت"، حسب قوله. وأوضح في حواره قائلاً: "فشلنا في بناء الشراكة مع بغداد لذلك اضطررنا لهذه الخطوة، ولو نجحنا في بناء شراكة مع بغداد لما كان قرار الاستفتاء". وتحدث بارزاني عن ما تلقاه الأكراد من الحكومات العراقية المتتالية، وأشار إلى دستور العراق الجديد بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003 الذي شارك الأكراد في وضعه، وقال إنه "تم خرق 55 مادة دستورية في الدستور العراقي من قبل بغداد. إن أساس الدستور العراقي الشراكة وبغداد لم تلتزم بهذا المبدأ". ولكن في مقطع آخر من المقابلة قال بارزاني: "منذ أن رفعت السلاح سنة 1962 كان هدفي تحقيق الاستقلال لشعبي، وعندما يتحقق ذلك أو يكاد يتحقق، تنتهي مهمتي". التوقيت غير المناسب وفي حديثه ل"العربية"، أشار بارزاني أيضا إلى موقف الأطراف الدولية من الاستفتاء وقال: "الأطراف الدولية تنصحنا بتأجيل الاستفتاء، وليس الإلغاء". ربما "التوقيت غير المناسب" هي كلمة السر التي تُفسر كل ما جرى لإقليم كردستان بعد الاستفتاء مما وضعه على شفير خسارة مكتسباته الكبيرة خلال الأعوام الماضية. قبل الاستفتاء، تحدث الكثيرون عن "التوقيت غير المناسب" حتى داخل البيت الكردي. "عطا سراوي" من قادة "حزب الاتحاد الوطني الكردستاني" كان من الذين تحدثوا عن "التوقيت غير المناسب" حينها، وعزى إصرار بارزاني على إجراء الاستفتاء في ذلك التوقيت لأغراضٍ شخصيةٍ. دول غربية وإقليمية كثيرة طالبت بارزاني بتأجيل الاستفتاء ومنها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الغربية. ولكن بارزاني أصر على الخطوة. هل كان لبارزاني مصالح شخصية؟ أعيد انتخاب بارزاني لولاية ثانية عبر اقتراع مباشر في يوليو/تموز 2009، وفاز بنسبة 70% من أصوات الناخبين. ورغم أن ولايته انتهت في 2013، فإن اضطرابات التي حدثت إثر الثورات العربية والتي حاولت قوى كردية محاكاتها في كردستان العراق، ثم موجات اللاجئين الأكراد السوريين الذين تدفقوا على الإقليم وغيرها من الأزمات، لم تسمح بإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في موعدها المحدد. لذلك صوت برلمان الإقليم، في يوليو 2013، على مشروع قانون لتمديد ولاية بارزاني سنتين، بعد ما تعذر اتفاق القوى الكردية حول إجراء الاستفتاء على مشروع دستور للإقليم. لكن قرار التمديد نص أيضاً على تنظيم انتخابات برلمانية خلال تلك الفترة، وشدد على أن التمديد غير قابل للتجديد مرة أخرى. ثم انتهت فترة التمديد لرئاسة بارزاني يوم 19 أغسطس 2015، وسط أزمة سياسية حادة وخلافات متشعبة بين الأطراف الكردية. وبدلاً من إجراء انتخابات رئاسية مباشرة (حيث رأى بارزاني وحزبه أن الأجواء غير مناسبة لتنظيمها) أو العودة إلى برلمان الإقليم (الذي منع التمديد مجدداً)، واستباقاً لدخول الإقليم في فراغ سياسي قانوني، لجأ بارزاني إلى مجلس شورى كردستان، وهو هيئة قضائية استشارية تابعة لوزارة العدل وتتكون من 11 عضواً، فقرر المجلس تمديد ولاية رئيس الإقليم إلى حين إجراء انتخابات رئاسية بعد نحو عامي. وهو ما كان يطالب به حزب الرئيس وترفضه القوى الأخرى. وقد أكد المجلس أن قراره ملزم لجميع الأطراف.