بعد خروجها منتصرة لكن بنتائج انتخابية مخيبة للآمال، وعدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الاثنين بالتوصل الى تشكيل اغلبية حكومية مستقرة، وباستمالة الناخبين الذين صوتوا لحزب البديل من اجل المانيا اليميني المتطرف والقومي. وقالت ميركل غداة حصول تحالفها المحافظ على نتيجة متدنية بشكل قياسي (33 بالمئة) مقارنة بالسابق "ان كافة الاحزاب التي نرى ان بامكانها ان تكون ضمن ائتلاف، تقع عليها مسؤولية اتاحة انبثاق حكومة مستقرة". واثر اجتماع لقيادة حزبها الاتحاد الديموقراطي المسيحي، اكدت ميركل انها تسعى للحوار مع الحزب الديموقراطي الحر (ليبرالي) والخضر والحزب الاشتراكي الديموقراطي. بيد ان هذه المباحثات المتوقعة تبدو بالغة التعقيد فقد اعلن الحزب الاشتراكي الديموقراطي الذي حصل على ادنى نتيجة له منذ 1945 (20,5 بالمئة من الاصوات) انه يريد ان يكون في المعارضة بعد اربع سنوات امضاها في الحكم مع ميركل. ولا يبقى نظريا الا حل تشكيل ائتلاف غير مسبوق بين حزب ميركل المحافظ والحزب الديمقراطي الحر العائد للبرلمان ب 10,7 بالمئة من الاصوات والخضر (8,9 بالمئة). وهذا الائتلاف الذي اطلق عليه "جمايكا" في اشارة الى تجمع الالوان السوداء والصفراء والخضراء للاحزاب الثلاثة، غير قائم الا في المستوى الاقليمي في ولاية شليزفيغ هولشتاين الصغيرة في شمال المانيا وفقط منذ ربيع 2017. والمشكلة هي ان مواقف الليبراليين والخضر متعارضة في العديد من المسائل الاستراتيجية على غرار الهجرة ومستقبل الديزل واصلاح اوروبا ومنع الفحم الحجري والضرائب. كما ان لكل منهما تناقضات جوهرية مع المحافظين. وقد تستمر المفاوضات لاشهر خصوصا وان الدستور لا ينص على اجل لتشكيل الحكومة. ومنذ اول انتخابات بعد الحرب العالمية الثانية في 1949 تمكن الحزب الفائز باستمرار في المانيا من تشكيل اغلبية. واستبعدت ميركل تشكيل حكومة اقلية. ولا يمكن اعلان ميركل مستشارة لولاية رابعة الا بعد تشكيل ائتلاف جديد بشكل رسمي والا فانه يمكن الدعوة الى انتخابات جديدة. والتحدي الكبير الآخر يتمثل في احتواء احتجاج داخل المحافظين انفسهم وخصوصا البافاريين في الحزب الاجتماعي المسيحي الذين يطالبون منذ عامين ميركل بمزيد من الانعطاف يمينا بشأن ملف الهجرة. وما يعزز حججهم انتقال قسم من الناخبين المحافظين (مليون ناخب بحسب استطلاعات الرأي) إلى حزب "البديل لألمانيا" اليميني الشعبوي الذي ركز حملته على رفض قرار المستشارة عام 2015 بفتح أبواب البلاد أمام أعداد كبيرة من المهاجرين. وحصل هذا الحزب المناهض للهجرة وللاسلام والنخب واليورو على 12,6 بالمئة من الاصوات ودخل لاول مرة الى البرلمان. وقال رئيس الاتحاد المسيحي الاجتماعي هورست سيهوفر "لقد أهملنا خاصرتنا اليمينية ويتحتم علينا الآن ردم الهوة بمواقف حازمة". وكتبت صحيفة "سودويتشه تسايتونغ" من يسار الوسط الاثنين "الذهول يخيم بين صفوف المحافظين والمسؤولة الرئيسية معروفة". وتحقق هذا الاختراق نتيجة تشديد الحركة خطابها والاستلهام من خطاب دونالد ترامب او انصار خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي. كما حصد هذا الحزب نجاحه بالاعتماد على خطاب متشدد ومنكر للمحرقة النازية بحق اليهود ومن خلال هجمات عنيفة على ميركل او ضد المسلمين. غير ان الخبر السار لميركل هو الانقسام الداخلي لحزب البديل من اجل المانيا والخلاف حول خط الحزب الذي برز للعلن الاثنين. فقد أثارت زعيمة في الحزب كانت حتى مطلع السنة أبرز وجوهه فرويكي بيتري مفاجأة كبرى بإعلانها الاثنين رفضها احتلال مقعد في مجلس النواب ضمن كتلة الحزب. وهاجمت الكسندر غاولاند أحد زعيمي الحزب، الذي أعلن بعيد الانتخابات أن الحزب سيباشر حملة "مطاردة" لميركل، كما أنه أثار مؤخرا سجالا كبيرا بدعوته إلى الاعتزاز بأداء الجنود الألمان في الحرب العالمية الثانية. ويشكل وصول مثل هذا الحزب إلى مجلس النواب صدمة حقيقية للعديد من الالمان، في بلد بنى هويته ما بعد الحرب العالمية الثانية على مكافحة التطرف والبحث عن تسوية والتوبة عن جرائم النازية. واعتبر المؤتمر اليهودي العالمي حزب البديل من اجل المانيا "حركة رجعية مشينة تذكر بمساوىء الماضي" النازي في المانيا.