قبل قرن من الزمان اعتلي عبده الحامولي، أشهر مطربي هذا العصر مأذنة مسجد سيدناالحسين، لينقذ بصوته الرحيم حي الجمالية من كارثة محققة. كان الحامولي جالسا علي قهوة الخان، يدندن لمجموعة من أصدقائه في ضيافة الخواجة إسكندر عبدالله، أشهر تاجر منيفاتورة بالمغربلين، وما إن علم رواد المقاهي المجاورة بوجوده حتي تدافعوا داخل القهوة وخارجها. ومن شدة الزحام والاختناق نشبت معركة كبيرة بين أصحاب المقاهي والرواد والفتوات في هذا الشهر الكريم، نصح أحد المقربين للحامولي بحل لانهاء الفتنة ويرضي كل الأطراف، خاصة جمهوره، الذي لا يملك المال لسماع صوته في الحفلات، وتمثل هذا الحل في اعتلائه مئذنة المسجد لينشد بعض التسابيح. بدأ الحامولي إنشاده بصوته الجميل إلي المسامع، حتي اكتظت ساحة الميدان وأسطح المنازل بالناس، وإثر كل وقفة من وقفاته كان الجو يمتلئ تهليلًا وتكبيرًا، وترتفع الآهات من الصدور كدوي البحر الزاخر، الله الله ،وظل الحامولي ينشد تواشيحه ثلاث ساعات دون انقطاع. مقالة عن تسابيح الحامولي: كتب الشاعر خليل مطران مقالًا عن عبده الحامولي بجريدة الأهرام يصف فيها اجتماع القاهريين لسماع عبده الحامولي تحت مئذنة الحسين قبيل صلاة الفجر في شهر رمضان قال فيها: " كانت المقاهي وشرفات المنازل المجاورة والساحة الممتدة أمام مسجد الحسين تحوي من الخلق ما لا يدرك البصر آخره، وبدأ عبده الحامولي إنشاده بصوت ينحدر إلى المسامع فيه كل الوقار من خشية الله وكل الرجاء من فضل الله، وفي مغفرة الله وكان يغالب العاطفة المتدفقة من قلبه ليتدرج في إبرازها شيئًا فشيئًا والجمهور في أثر كل وقفة من وقفاته يملأ الجو تهليلًا وتكبيرًا". والجدير بالذكر ولد عبده بقريه الحامول التابعة لمركز منوف بمحافظه المنوفية ثم انتقل للقاهره حيث التقى مصادفة شاكر الحلبي أحد حفظة الأدوار والموشحات، فتلقى على يديه أصول الغناء، فحقق شهرة واسعة في عالم الغناء، وتمكن من تكوين تختا موسيقيا خاصا به. غنى عبده الحامولى أمام الخديوي إسماعيل فأعجب به وبصوته فألحقه بحاشيته، كما اصطحبه إلي الآستانة، فتهيأت له فرصة الاستماع إلي الموسيقي التركية، مما مكنه من أن يقدم ألحانا تجمع بين المزاج المصري والمزاج التركي وتحمل الطابع الشرقي.