الفجر تحقق من مقابر الصحابة فى المنيا شيخ الأزهر يخلع حذاءه ويسير فى شوارع البهنسا تنفيذاً ل«رؤيا» تأمره بزيارة البهنسا تاجر أردنى يزور المدينة.. وبعد شهور تعلن إسرائيل اكتشاف تمثال لوالد رمسيس الثانى بفلسطين فى البهنسا، لا تندهش إذا لمست مشاعر إيمانية، وأجواء نورانية، لأنك فى مكان مقدس، روت ترابه دماء شهداء جيش عمرو بن العاص، الذين جاءوا لنشر السلام والمحبة، فى أرض هذه المدينة، فكانوا قرباناً مقدساً، وتجمعت أجسادهم تحت الأرض، فتحول المكان التابع لمحافظة المنيا، إلى بقيع ثان يضم جثامين صحابة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم،الذين بقوا فى الأرض الجديدة، حراسا من نوع مختلف. فى البهنسا، لست فى حاجة للحفر فى الأرض، بحثاً عن الآثار، يكفى أن تزيح بعض الرمال بقدمك لتكشف عن كنوز لا حصر لها، ولو أجهدت نفسك قليلاً وبحثت بين تلال القمامة التى تحتل مساحات لا حصر لها ستجد أثراً لشهيد أو مخطوطة أثرية، وربما تجد معبداً اختفت معالمه خلف جبال القُبح التى شُيدت بجدارة وعناء. الجميع كانوا هنا أو مروا من المكان، فراعنة، نوبيون، رومان، إغريق، بطالمة، فرس، أتراك ومماليك، وعاش أيضاً موسى والمسيح عليهما السلام، وفى البهنسا أيضاً استشُهد بعض من صحابة رسول الله، "صلى الله عليه وسلم"، وعلى بضع خطوات عاش ومات بعض من أبطال غزوة أحد،.. تاريخ حافل تجسده أطلال باتت أشبه بالخرائب، بطولات خالدة لم تقهرها سوى إرادة حديدية لنشر القُبح وتعميم الفوضى. ويُحكى عن الراحل الدكتور عبد الحليم محمود، شيخ الأزهر، أنه كان فى زيارة إلى الأراضى المقدسة وغلبه النوم وهو بجوار البقيع بالمدينةالمنورة، وهو المكان الذى يضم مقابر شهداء غزوة أحد، فغفت عيناه فرأى شخصاً فى ملابس نورانية قال له: أما وقد زرت البقيع الأول فعليك بزيارة البقيع الثانى، حيث يوجد بقية أصحاب رسول الله، فرد الشيخ عبد الحليم: وأين هو البقيع الثانى، فجاءه الرد بأنها فى مصر". وأفاق الشيخ وهو مندهش، فلم يكن يعرف بوجود مقابر لأصحاب الرسول فى مصر ولما عاد علم بوجود هذه الأضرحة فى مركز البهنسا التابع لمحافظة المنيا، فاتجه على الفور إلى هناك، وبمجرد دخولها قال: والله أنى لم أشم هذه الرائحة إلا فى بقيع المدينةالمنورة، وأصر على خلع نعليه واستمر فى السير حافياً لبضعة كيلومترات فى أرض وعرة وكلما طلب أحد مرافقيه منه ارتداء حذائه كان يصر على موقفه، ويقول: كيف لى أن أسير فوق أرض ارتوت بدماء أصحاب رسول الله. وتضم مقابر الشهداء، صحابة شاركوا فى غزوة بدر مع الرسول منهم عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق، حفيد الحارث عم الرسول، زياد بن أبى سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وسليمان بن خالد بن الوليد، ومحمد بن عبدالرحمن، حفيد الصحابى أبوبكر الصديق، حفيد الحسين بن على، الحسن بن صالح بن على زين العابدين، وابن الصحابى أبوذر، محمد بن أبى ذر الغفارى، ومحمد بن عقبة بن نافع، وغيرهم من المئات من كبار التابعين. تاريخ البهنسا، وحرمة دماء الشهداء فيها، لم يكن شفيعاً لها فى مواجهة سطوة المال وأصحاب النفوس الضعيفة، فالمدينة أصبحت تئن تحت وابل التعديات التى كادت أن تخفى معالمها، فبدلاً من تجهيز المساحات الخالية إلى جوار أضرحة وقبور الصحابة بالشكل اللائق وإعدادها كمزارات دينية مميزة، إذ قامت عصابات الترابية واللحادين بالاستيلاء على الأراضى الملاصقة لقبور الصحابة وتخصيصها كمدافن خاصة لمن يستطيعون دفع مبالغ طائلة نظير دفن ذويهم إلى جوار هذا الجمع المبارك. بالطبع لا يمكن دفن أحد فى سرية أو بعيداً عن العيون ولكنها تجرى جهاراً نهاراً أمام جميع الجهات المسئولة وأقصى ما استطاعته هيئة الآثار الإسلامية هو تحرير محاضر للترابية المعروفين بالاسم لدى كل الهيئات المسئولة، وتتراوح أعداد محاضر التعديات المحررة بواسطة الهيئة من 40 إلى 50 محضرا لكل تربى عامل بالمنطقة. الغريب فى الأمر أن هذه التعديات لا تقتصر على قبور لأهل البهنسا، فحسب، ولكن هناك مئات القبور لأشخاص من كل حدب وصوب فى الجمهورية وبالطبع جميعهم من ذوى الأموال القادرين على تقديم الرشاوى للترابية، للدفن بجوار صحابة الرسول، والأغرب أنه على مرمى حجر توجد مساحات شاسعة من الأراضى الخالية التى يمكن إقامة مدافن قانونية عليها ولكن نتيجة غياب الرقابة الفورية والمستمرة فى المنطقة فإن عمليات التعدى مستمرة حتى لم يعد هناك موطئ لقدم بجوار قبور الصحابة. ولا يقف الأمر على عصابات الترابية فحسب، ولكن منطقة البهنسا بأكملها تفتقد للصرف الصحى باستثناء عشرة منازل، وذلك بعدما فشل مشروع الصرف الصحى، لكن القباب والأسوار الأثرية التى كانت تشكل الدرع الواقى لهذه القبور ضد الأمطار والعواصف أصبحت متهدمة تماماً، ولم يعد باقياً منها سوى أطلال خربة لا تقى من حرارة صيف أو من أعاصير الشتاء وبالطبع نتيجة عدم وجود أسوار لهذه الأضرحة تغطى أغلبها بالرمال وأصبح مدخل كل مقام لا يتجاوز المتر وعلى من أراد الدخول الزحف عله يفلح فى مسعاه. المصيبة الكبرى تتمثل فى الأطنان اليومية من مخلفات الزراعة وروث البهائم، وتلال القمامة التى تشكل الجدار المحيط بالأضرحة، وهذه التلال ليست وليدة اليوم ولكن يبدو أن المنطقة قد تحولت إلى مقلب للنفايات، ليس لأهالى البهنسا فقط ولكن للقرى المجاورة وكأنهم لم يجدوا مكاناً آخر يصلح لإلقاء مخلفات أكثر من 20 ألف نسمة، ومن المفارقات المحزنة أن تلال القمامة تعج بالآثار من شتى العصور. وفى ثلاثينيات القرن الماضى سعى عالم الآثار أرثر وليام بترى، للتنقيب عن الآثار الفرعونية فى هذه المنطقة واختار أن يبدأ الحفر فى منطقة القمامة المحيطة بالأضرحة وأثناء سعيه لإزالة هذه التلال فوجئ بوجود العديد من البرديات النادرة بين أكوام القمامة والمخلفات فاستمر هو وبعثته فى البحث بين هذه الأكوام حتى بلغ عدد البرديات التى عثر عليها 50 ألف بردية و80 ألف قطعة أثرية تتراوح بين العملات النادرة وصولاً إلى تماثيل من الحجم المتوسط. ونجح بترى، فى تهريب هذا الكنز الثمين فى زمن الاحتلال البريطانى وتوجه به إلى لندن حيث كرمته الحكومة البريطانية وخصصت له قطعة أرض لإنشاء متحفه الشهير فى ضواحى العاصمة الإنجليزية "متحف بترى "، وهناك بعض الصور المعروضة فى المتحف تسجل عملية التنقيب بين أكوام القمامة وهى عمليات مستمرة إلى اليوم وكأن الأرض هناك يجرى من تحتها أنهار من الآثار والمخطوطات النادرة. وتمتلئ البهنسا كذلك بعصابات الآثار التى تنهب كنوزها ليلا ونهاراً، ولكن أخطر ما فى الأمر ما يردده الأهالى حول قيام جهاز الموساد الإسرائيلى باستخدام تجار آثار يحملون الجنسية الأردنية للحصول على كل ما هو غال ونفيس، من هذه الآثار، ويقول "ح . ا"، الأمين المساعد لإحدى الجمعيات التنموية بالبهنسا، إن إسرائيل أعلنت فى عام 2014 عن العثور على تابوت يعود تاريخه إلى 3300 عام، بداخله خاتم منقوش عليه اسم الفرعون المصرى سيتى الأول، والد رمسيس الثانى، فى شمال فلسطينالمحتلة وبه مومياء لأحد نبلاء هذا العصر، وهذا الخبر كما يؤكد غير صحيح تماماً وذلك لسببين الأول هو ادعاء إسرائيل عثورها على التابوت بشكل منفرد فى الصحراء، أثناء مد خط أنابيب الغاز وهو أمر لا يمكن تصديقه، طالما لم يتم اكتشاف المقبرة أو على الأقل أطلالها، والأمر الثانى هو تداول كثير من أهالى البهنسا خبر العثور على هذا التابوت فى 2012، حيث تم عرضه للبيع من جانب عصابات الآثار وبحسب الهمس الدائر هناك حينها فإن تاجرا من الأردن هو من اشتراه. ويضيف، "ح . ا"، إن تجارة الآثار فى البهنسا رائجة جداً فبضع مئات من الجنيهات يمكنها أن تشترى قطعة أثرية إسلامية أو قبطية أما الآثار الفرعونية فتبدأ من 10 آلاف جنيه إلى 50 ألف جنيه كحد أقصى، والبيع يتم من المنقب إلى التاجر مباشرة ودون وسطاء، ويقوم هؤلاء المنقبون بتكسير وتفتيت التماثيل الكبيرة حتى لا تنتشر أخبار العثور على المقابر وتأتى وزارة الآثار والشرطة وبقية الجهات المعنية ومن ثم يتم تضييق الخناق عليهم. وحتى تكتمل المأساة فإن للبهنسا رائحة خانقة لا تخطئها الأنوف بالإضافة إلى وجود كميات هائلة من الناموس والحشرات الزاحفة والطائرة ويعود الفضل فى ذلك إلى كوبرى البهنسا الأثرى، الذى يفصله عن المنطقة الأثرية وأضرحة الصحابة بضع مئات من الأمتار، فالكوبرى الذى تم تشُييده أوائل القرن الماضى والمشرف على فرع النيل المعروف بالبحر اليوسيفى، تم تصميمه على محورين "صنيتين" يتم التحكم فى فتحه أو إغلاقه حسب حركة المرور أسفله، ولكن عصا الإهمال ضربت هذا الكوبرى وأطاحت بأحد المحورين ما أدى لعدم إمكانية فتحه وتحول هذا المحور إلى حائط صد يجتمع فيه كل الحيوانات النافقة والجثث مجهولة الهوية التى يلقيها الأهالى من أسيوط حتى البهنسا وتظل هذه الحيوانات النافقة أسفل الكوبرى حتى تتحلل بالكامل ما ينتج كميات هائلة من الحشرات التى لا مثيل لها فى أى مكان بمصر. والغريب أنه وسط كل هذا الإهمال وغياب الدور الحكومى نجح أحد طلاب البعثات الماليزية، ويدعى "حافظ " فى تنظيم رحلات سنوية لمسلمى إندونيسيا وماليزيا لزيارة هذه الأضرحة وتعد هذه الرحلات هى النوع الوحيد من السياحة التى تحظى بها البهنسا، ويقوم حافظ بإحضار قرابة 5 آلاف سائح آسيوى سنوياً للمكان ولكن هذه الزيارات لا تستمر لأكثر من ساعتين بسبب عدم وجود أى بنية أساسية تمكن الزائرين من الاستراحة ولو ليوم واحد أو شراء التذكارات من هذا المكان المقدس. ويعتبر مقام "السبع بنات" شعاع الضوء فى هذا الظلام الدامس، والذى يقع قبل شجرة السيدة العذراء، حيث استراح السيد المسيح والعائلة المقدسة هناك، والسبع بنات هن 7 شهيدات يؤكد البعض أنهن كن ضمن نساء الجيش الإسلامى الذى بعثه عمرو بن العاص، لفتح البهنسا بناء على تعليمات أمير المؤمنين عمر الخطاب، وكن يرتدين اللثام والملابس السوداء وأثناء المعركة حدث وانكسر جيش الروم أمام المسلمين، فقمن بإطلاق الزغاريد فعلم الروم أنهن نسوة فقاموا بتوجيه السهام نحوهن ليسقطن على الفور غارقات فى دمائهن. ويؤكد آخرون أن السبع بنات كن من القبطيات اللاتى اندفعن لتأييد المسلمين فى حربهم ضد الروم، ولذلك من المعتاد أن ترى سيدات مسلمات وإلى جوارهن قبطيات وهن يصلين إلى جانب ضريح السبع بنات، كل حسب ديانته.