■ عمل الكيان الجديد يتطلب تقليص صلاحيات شيخ الأزهر ومواجهة الكيانات السلفية «أنا زهقت من الكلام فى موضوع تجديد الخطاب الدينى،.. خلاص مليون مرة قلت الكلام ده و مفيش جديد" بتلك الكلمات الصارمة والحازمة التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى بيان رسمى للأمة عقب حادثى تفجير الكنيسة فى طنطاوالإسكندرية، أعلن الرئيس عن إنشاء المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لهذه الخطوة. لم تكن هذه هى المرة الأولى التى تعلن فيه مؤسسة الرئاسة عدم رضاها بشكل كامل عن التحرك فى ملف تجديد الخطاب الدينى، وكرر الرئيس اللوم والعتاب لشيخ الأزهر بشكل مباشر وغير مباشر، سواء بالتصريح أو التلميح، وفى كل مرة تنتظر الرئاسة تحركاً ولكن النتيجة أنه لا جديد بالمرة، حتى وصل الأمر لإحالة ملف مكافحة الإرهاب بالكامل وما يتطلبه من تجديد للخطاب الدينى إلى المجلس الجديد. 1- المجلس الجديد وتجميد الطيب المجلس الأعلى لمواجهة التطرف والإرهاب والذى سيصدر وفقاً لقانون سيكون له صلاحيات واسعة خصوصاً أن تشكيلة سيتضمن من مجموعة من خبراء وممثلى جهات عديدة بالدولة سواء كانت جهات سيادية أو جهات تعليمية مثل وزارتى التعليم العالى والبحث العلمى والأزهر الشريف بهيئاته، والجامعات وسيكون للمجلس صلاحيات واسعة، لمواجهة الإرهاب والتطرف. ووفقاً لتقييم الخبراء فإن من مهام المجلس التى لم تتضح بعد، ستكون وضع الحلول ومتابعة الأجهزة التنفيذية بالدولة خلال تطبيقها، إذ إن القضاء على الإرهاب يحتاج لتضافر جميع الجهود فى البداية وتحسين جودة التعليم والثقافة وتصحيح المفاهيم الدينية والسلوك المجتمعى، ثم يأتى الحل الأمنى فى المرتبة الأخيرة بعد كل هذه العناصر. وسيترتب على وجود مجلس مكافحة الإرهاب، تصنيف جميع التنظيمات المتشددة الموجودة فى مصر، باعتبارها تنظيمات إرهابية، ما سيترتب عليه محاكمة أفرادها، وحرمانهم من الملاذ الآمن لهم فى جميع دول العالم، ومصادرة أموالهم، وكذلك إمداد مصر بالأجهزة الحديثة لمكافحة الإرهاب دون مقابل، واعتبار من يتصل بهم إرهابياً ما سيقطع صلتهم مع الآخرين. على أرض الواقع فإن تشكيل المجلس يعنى سحب كل صلاحيات الملف الدينى وتجديد الخطاب الدينى من تحت يد الأزهر وتجميد شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، وسحب كثير من صلاحياته التى حصل عليها بموجب قانون الأزهر، الذى صدر فى عهد المجلس العسكرى برئاسة المشير محمد حسين طنطاوى، خصوصاً أن المجلس ستكون له صلاحيات واسعة على الأزهر نفسه وعلى المؤسسة الدينية تنفيذ كل توصياته الواجبة خاصة فى ما يتعلق بملف مواجهة التطرف والإرهاب وتجديد الخطاب الدينى. 2- الصدام القادم بين المجلس والأزهر من المتوقع حدوث صدام لا محالة بين المجلس الجديد المدعوم مباشرة من الرئاسة وبين مؤسسة الأزهر وعلى رأسها الطيب خصوصاً فى مسألة تجديد الخطاب الدينى ومراجعة مناهج الأزهر وتكفير الدواعش والإرهابيين، خصوصا أن المجلس الجديد لن يستطيع فرض توصية على الأزهر إلا بعد تعديل القانون المنظم له وتقليص صلاحيات شيخه الطيب، بالإضافة لهيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية الهيئتين الأكبر فى العالم الإسلامى وفى مصر والمنوط بها مسألة تجديد الخطاب الدينى بالكامل. ما يجعل الصدام قادم لامحالة، أن شيخ الأزهر وعلماءه ومشايخه وأساتذة جامعته، لن يستطيعوا تكفير الجماعات الإرهابية خصوصاً أن منهج الأزهر الذى تربى عليه الملايين فى مصر والعالم الإسلامى وهو منهج الأشعرى، يرفض فكرة التكفير جملة وتفصيلا. وتبقى نقطة أخرى وهى المناهج الأزهرية التى تعتبر نقطة محورية ومهمة خصوصاً أن الراحل شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوى، عمل على تخفيفها قبيل رحيله وأصبحت تلك المعضلة الحقيقة خصوصا أن مناهج الفقه الميسر والتوحيد الميسر والمسجل عليها اسم طنطاوى، لم تكن الخطوة المطلوبة إذ إن المناهج أصبحت ضعيفة وبات على طالب الأزهر اللجوء إلى كتب التراث دون وعى، أما الطيب فلم يقم بتجديد وتحديث كتب التراث التى أعلن عنها فور توليه مشيخة الأزهر فى مارس عام 2010 حتى الآن ولم يخرج علينا بجديد فيما يخص هذا الملف من وقتها، سوى قيامه بتزويد مكتبة الأزهر بالتقنيات التكنولوجية الحديثة. ولا أحد يعرف فى هذه الحالة ما هى صلاحيات المجلس فى تنقية وتطوير كتب التراث فى الأزهر وكيفية تعامله مع علماء ومشايخ المؤسسة الدينية التى قد ترفض كل ما يتعارض مع منهجها ومذهبها الذى تربوا عليه وعليه عاش الأزهر عقوداً وسنين، من يتحمل تلك التبعات هل المجلس أم الأزهر. 3- ماذا عن الهيئات الأخرى والكيانات الموازية تبقى معضلة أخرى بعيدًا عن الصراع أو الصدام أو تجميد الأزهر الذى يتحمل كل تبعات الملف وحيداً وتناسى الجميع على مدار السنوات الماضية ماذا حل بالأزهر وماذا عن الكيانات الموازية والجماعات والهيئات التى اخترقت الأزهر وخربته، فحسب الدكتور سعد الدين الهلالى، استطاعت الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية، وجمعية أنصار السنة المحمدية اختراق الأزهر والتمكن منه بشكل كبير خصوصاً أنها لعبت على وتر حساس بالنسبة لطلاب وخريجى الأزهر بتوفير الاحتياجات المادية والدراسية لهم، واستطاعت السيطرة على عقولهم بالمناهج المتطرفة العقيمة والمذهبية التى تؤمن بفكر واحد لا يوجد غيره، بالإضافة للسماح لهذه الجمعيات بإنشاء مساجد خاصة لهم وصلت لما يقرب من 20 ألف مسجد يدسون فيها السم فى العسل ليس لطالب الأزهر فقط ولكن لجميع المواطنين أيضاً. وإن كانت تلك الكيانات التى تعتبر شرعية وتعمل تحت مسمع ومرأى من الدولة، وحاصلة على ترخيص بموجب قانون الجمعيات الأهلية تحت إشراف وزارة التضامن الاجتماعى، إلا أنها أقل خطورة من جماعة الإخوان الإرهابية التى توسعت وكونت قاعدة كبيرة وأصبحت فى وقت ما كيانًا موازيًا للدولة ووصلت لسدة الحكم فى مصر ، ونجح الشعب فى الإطاحة بها، ولكن أفكار الجماعة ومعتقداتها التى يؤمن بها قاعدة ليست صغيرة وإن كان قيادات هؤلاء فى السجون لقضاء العقوبة على ما اقترفت أيديهم من قتل وإرهاب، ولكن الفكرة لا تموت فما الحل مع الجيل الثالث والرابع من أطفال الإخوان وأسرهم أليست تلك معضلة تجتاح لحل، خصوصاً أن أفكار الجماعة تحارب الدولة. السؤال الآخر عن الكائن المستنسخ من الإخوان وهو الكيانات السلفية التى تعمل فى هدوء ودون مضايقة، إذ يجب على المجلس الجديد، التعامل مع أبناء الدعوة السلفية فى الإسكندرية هذا الكيان القائم بالفعل ويعمل فى الحياة العامة والسياسية، ويملك قاعدة كبيرة لا يستهان بها فى مصر، ماذا عن المدارس الأخرى مثل فى القاهرة وباقى المحافظات والدعوة السلفية التى تسيطر على مناحى الحياة فى محافظة مثل مطروح، وماذا عن المشايخ الكبار الذى يدين لهم بالولاء و البراء آلاف الشباب من أمثال أبو إسحق الحوينى ومحمد حسان ومحمد حسين يعقوب وغيرهم وهى القنبلة المؤقتة ولا يفرق بينهم وبين داعش، سوى خط وهمى واختلاف فى الأسماء إذ إنهم على نفس الطريق والمنهج الذى يفكر به أتباع تنظيم داعش الإرهابى وفى لحظة بعينها سيخلع السلفى تلك العباءة ليحمل القنبلة ويزرع العبوة الناسفة ويفخخ نفسه لأنه يعتبر المجتمع كافرًا يستحق الموت. 4- الإفتاء النقطة المضيئة لا أحد ينكر محاولات دار الإفتاء فى تجديد وتصحيح مفاهيم الخطاب الدينى والعمل على تنقية الفتاوى ولها سبق وانفراد فى المرصد الذى تم إنشاؤه للرد على داعش وكشفها وفضحها على رءوس الأشهاد وهى الجهة الوحيدة التى تصدت للرد على التنظيم الإرهابى إعلامياً وفى عالم السوشيال ميديا وفى القنوات الإعلامية العالمية والدولية التى تنشر ردود المرصد على كل الفتاوى وكل حملات داعش. يجب أن يستعين المجلس بالدار ويتوقف عند تلك التجربة الفريدة، خصوصاً أن نجاح الدار يقابله فشل لوزارة الأوقاف المؤسسة التى تبذل مجهودًا فى مواجهة التطرف والسيطرة على المساجد إلا أنها لم تنجح فى الملف بالكامل ولا تزال أعداد كبيرة من المساجد خارج سيطرتهم، بجانب آلاف الزوايا والتى لم يتم ضمها لولاية الوزارة بسب إجراءات روتينية.