ألقى أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط، اليوم الجمعة، مُحاضرة بالمعهد الدبلوماسي العراقي بحضور الدكتور ابراهيم الجعفري وزير خارجية العراق ولفيف من الدبلوماسيين العراقيين واساتذة الجامعات من متابعي الشؤون السياسية والعربية بالاضافة إلى دفعات الدبلوماسيين العراقيين من الشباب تحت عنوان "تجديد العروبة"، وحملت نقداً ذاتياً لممارسات نسبت الي الفكرة العروبية منذ نشأتها وعلي مدار القرن العشرين. كما تناول الأمين العام في المحاضرة رؤية مُستقبلية لكيفية تجديد العروبة كفلسفة ورؤية ما زالت صالحة للخروج بالمنطقة من أتون الحروب الطائفية والمذهبية التي تعتصرها. وتحدث أبو الغيط عن أن العروبة ظُلمت، في الفكر والممارسة، على أيدي أبنائها حتى وصلنا إلى ما نحن فيه اليوم من تفككٍ للأوطان وتفتتٍ للدول، وتشتتٍ للهويات، كما أن العروبة كانت في زمن قريب هي المناط الأعلى للانتماء، ثم كان أن فجعنا بما جرى في 1967، ولا يمكن لمن لم يشهدْ هذه المأساة أن يُقدِر مدى عمق الجُرح الذي حفرته في نفوسنا. ولا شك أن العروبة، كفكرة وفلسفة ومبدأ سياسي، وكانت احدى ضحايا هذه الهزيمة التي زعزعت ثقة العرب بأنفسهم، وقوضت يقينهم بثوابتهم". وتابع أبوالغيط، "تعرضت القومية العربية إلى تشويه من خلال نظم سياسية قامت بتوظيف العروبة لتؤسس منظومات للقمع والقهر، وإذا بالعروبة، على أيدي هذه النظم، تصير سبيلاً لتبرير الاستبداد، ومرادفاً للهيمنة على المجتمعات قمع المختلفين في الرأي، بل وإلغاء الآخر المختلف في العرق أو الطائفة، وأشار إلى هذا النهج في فهم العروبة وتطبيقها أدى إلى انكشاف الأوطان، وتمزيق الأمة فصارت العروبة سلاحاً للمزايدة وساحة للمُكايدة، وكأنها سلاحٌ نطعن به بعضنا البعض، وليست جسراً نعبر عليه فوق خلافاتنا"، كما أن هناك حاجة إلى مُراجعة مفهوم العروبة نفسه في تجلياته النظرية وتطبيقاته العملية على حد سواء، فالأفكار الجامدة تندثر وتموت والأفكار الحية هي التي تدخل في حوار مستمر مع العصر ومُستجداته. وقال : "أزعم أن العروبة فكرة مُتجددة، بل وأزعم أن زمانها أمامها وليس وراءها، وأن مجدها آت وليس غابراً"، مُضيفاً أنه لا يقول ذلك بدافع العاطفة والحماس، ولكن لكون العروبة تُمثل العلاج الناجع لحالة التعصب المذهبي والعرقي والقبلي التي أدت إلى تفكيك الدولة الوطنية. 6- هناك أربع أفكار رئيسية نحتاج للالتفات لها من أجل تجديد مفهوم العروبة، في الممارسة والتطبيق: أولا أن العروبة ليست رابطة دم، وإنما وجدان وثقافة وأنها بالتالي "فكرة منفتحة وحاضنة وليست إقصائية أو طاردة"، فكل من ينتمي للثقافة العربية ويتحدث لغتها هو قومي عربي بالضرورة. وثانياً، أهمية التوافق على أن فلسفة العمل العربي المشترك تقوم على التعاون ما بين دول كاملة السيادة مستقلة الإرادة، وأن الجامعة لا تمثل إرادة عليا فوق الدول وإنما جسر للتنسيق بينها. وثالثا: ضرورة تنقية العروبة مما علق بها من ممارسات الاستبداد، لأن "عروبتنا المنشودة تؤسس لحكم رشيد ودولة مؤسسات تقوم على حكم القانون". ورابعا ان العروبة "ليست أيديولوجية تُفرض من أعلى جبراً وقسراً، وإنما هي اختيارٌ حر للشعوب، وهي كأي فكرة حية ..تبدأ من الناس وتنتهي بهم".