طوال سنوات، استند هذا الوطن على عنصريه المشكلين له، المسلمين والأقباط سواءً بسواء، ورغم محاولات البعض نفث نيران الفرقة والخلاف والفتنة بينهما لم تزدهما تلك المحاولات البائسة سوى تلاحم، ولعب رجال الدين والمثقفون دورًا كبيرًا فى التصدى للهجمات التى استهدفت ذلك الترابط وانقسمت ما بين عقائدية وثقافية.. حتى باءت كلها بالفشل. ومؤخرًا أصدر الباحث والشاعر المصرى رمزى بشارة الذى أطلق عليه الأقباط لقب «بحر الكلام»، دراسة بحثية، أثبت فيها بالبراهين المسيحية أن بعض الآيات المذكورة فى القرآن الكريم، التى يتم تفسيرها بشكل خاطئ ويستغلها بعض المتأسلمين لتأجيج الفتن الطائفية، وتكفير بعض الأفراد بصفة عامة والمسيحيين خصوصًا تتفق مع تعاليم المسيح، والمسيحيون لا يتعارضون معها. وقال «بشارة» فى دراسته البحثية التى حصلت «الفجر» على نسخة منها، إن عدم فهم الفرد لطبيعة إيمان الآخر هو أكبر ما يعرقل طريق الوحدة الوطنية، والآيات المذكورة بالقرآن والتى يستخدمها بعض دعاة الفتنة تجاه الأقباط لا علاقة لها بهم، وبناءً عليه فالقرآن لا يُكفر الأقباط نهائيًا، وهذا هو الأمر الذى إذا استوعبه المسلمون والأقباط ساد بينهما الود والسلام. وأكد أن السبب الرئيسى فى الأزمات بين الطرفين هو عدم فهم المسلمين لطبيعة الإيمان المسيحى، الذى اتفق معهم فى أمور مهمة، مثل عدم وجود أكثر من إله، ورفض فكرة تأليه البشر، أى أنه من غير المقبول أن يحل إنسان محل الله، ومن ضمن الآيات المذكورة فى القرآن، ويستخدمها شيوخ الفتنة للإشارة بها إلى المسيحيين، الآية 72 من سورة المائدة: «لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ»، فإشارة دعاة الفتنة هنا للمسيحيين خاطئة. والدليل على ذلك يتلخص فى أن الأقباط لا يدعون أن الله هو المسيح، لأن ذلك يعنى أن المسيح كان شخصًا عاديًا وتحول إلى الله - تبارك اسمه، وهذا لم يحدث، ولم ينص عليه الإنجيل، فالإيمان المسيحى يكمن فى أن المسيح هو الله وليس العكس، فهناك فرق كبير بين الجملتين، فالجملة الأولى تعنى تحول إنسان عادى ذي طبيعة بشرية إلى إله، بينما تعنى الثانية أن الله -له كل القدرة- أخذ صورة إنسان ليتمم عمل ما، وهذا هو صُلب الإيمان المسيحى، بحسب ما جاء فى الآية «1 تى 3: 16» من الإنجيل: «وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِى الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِى الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِى الْعَالَمِ، رُفِعَ فِى الْمَجْدِ». وأضاف: التفسير المسيحى ورؤية الإنجيل للحدث قد يختلف معها المعتقد الإسلامى، إلا أنه من المؤكد أن المسيحيين والمسلمين على حد سواء لا يعتقدون أن هناك إنسانا قد تحول إلى إله، وقانون الإيمان المسيحى ينص فى بدايته على أن الكنيسة تؤمن بإله واحد، ولا يوجد مسيحى واحد على وجه الأرض يؤمن بأن هناك ثلاثة آلهة، ففكرة تعدد الآلهة فكرة وثنية بحتة ولاعلاقة للمسيحية بها، إذ تؤمن منذ مهدها بأن الله واحد لا شريك له، وذلك حسب تعاليم الإنجيل فى الآية «يع 2: 19»: «أَنْتَ تُؤْمِنُ أَنَّ اللهَ وَاحِدٌ. حَسَنًا تَفْعَلُ. وَالشَّيَاطِينُ يُؤْمِنُونَ وَيَقْشَعِرُّونَ»، وهذه الآية خصوصًا تؤكد أن فكرة وجود إله واحد هى من البديهيات، حتى الشياطين تؤمن بذلك، فكيف للمسيحيين ألا يؤمنوا بالتوحيد؟. وتطرق «بشارة» فى دراسته إلى أن عقيدة الثالوث المسيحى هى ما تثير اللغط عند البعض، والتى يفهمها عدد كبير من المصريين بشكل خاطئ، فمختصر تلك العقيدة هو أن الله واحد لاشريك له، وهذا الإله الواحد موجود بذاته ناطق بكلمته حى بروحه، وشرح هذه العقيدة يحتاج إلى دراسات كبيرة، ولكن إجمالا «الثالوث» لا يعنى مطلقًا أن هناك أكثر من إله واحد خلق جميع البشر. وكشف «بشارة» ل«الفجر» الهدف الرئيسى من ظهور دراسته العقائدية فى هذا التوقيت، فقال: إنه فهم كل فرد لطبيعة معتقد الآخر واحترامه، فلو فهم المصريون تفسير الآيات المسيحية والإسلامية، لأعادوا حساباتهم ووجهات نظرهم تجاه بعضهم البعض، والدراسة توضح بالأدلة أن القرآن لا يكفر المسيحيين مطلقًا، وكل الآيات التى كفر القرآن فيها عددا من البشر لم يكن المسيحيون هم المقصودين بها نهائيًا، لأنهم لا يؤمنون بأن هناك إنسانا تأله، ولا يؤمنون بأن هناك أكثر من إله.