وصول سفينة غاز مسال إلى ميناء دمياط لتفريغ 75 ألف طن    المشاط تبحث مع هواوي مصر التوسع في الاستثمارات وتعزيز التحول الرقمي    عاجل| ارتفاع مفاجئ في معدلات البطالة بمصر... ما الأسباب؟    "لن تُقام".. وزير الدفاع الإسرائيلي يرفض إقامة دولة فلسطينية    قافلة زاد العزة ال73 تدخل إلى الفلسطينيين في قطاع غزة    الأهلي يواصل استعداداته لمواجهة شبيبة القبائل بدوري أبطال إفريقيا    لفتة إنسانية.. أمن القاهرة يستجيب لسيدة وينقلها إلى المستشفى لتلقى العلاج    ضبط أجنبية تعدت على طفلتها بالضرب وتركتها بالشارع في كفر الشيخ    خالد النبوي يهدي شكرا خاصا ل إيناس الدغيدي بسبب فيلم المهاجر    متحدث الصحة: الاستراتيجية الوطنية للصحة الرقمية تساهم في تقديم خدمات عالية الجودة    مستشفيات جامعة قناة السويس تُطلق مؤتمر الجودة العالمي تحت شعار «اتحضّر للأخضر»    تجدد الاشتباكات بين الجيش السودانى والدعم السريع فى بابنوسة    "القومي للأشخاص ذوي الإعاقة" يواصل تنظيم فعاليات المبادرة القومية "أسرتي قوتي" في الإسكندرية    الصندوق السيادي السعودي يخفض استثماراته الأمريكية إلى 19.4 مليار دولار    حقه يكمل مشواره| شوبير يدافع عن حسام حسن قبل مباراة مصر وكاب فيردي    يسجل 59.96 جنيه، سعر الفرنك السويسري بالبنوك المصرية (تحديث لحظي)    إعتماد المخطط العام لأرض مشروع «عربية للتنمية والتطوير العمراني» بالشيخ زايد    الهلال الأحمر المصرى يقدم خدمات الدعم النفسى للمصابين بحادث طريق أسنا    "الداخلية" تصدر 3 قرارات بإبعاد أجانب خارج البلاد لدواعٍ تتعلق بالصالح العام    مصر وتشاد يبحثان خارطة طريق لتعزيز الاستثمار المشترك في الثروة الحيوانية    عظيم ومبهر.. الفنانة التشيكية كارينا كوتوفا تشيد بالمتحف المصري الكبير    اقتراح برلماني بتعديل اللائحة الداخلية لمجلس الشيوخ    وزيرة التضامن: 31.5% معدل التحاق الأطفال بالحضانات    برنامج بطب قصر العينى يجمع بين المستجدات الجراحية الحديثة والتطبيقات العملية    حالة الطقس في السعودية اليوم الأحد.. أمطار رعدية غزيرة وتحذيرات من السيول    تعليم الإسماعيلية: يعلن جداول امتحانات شهر نوفمبر للعام الدراسي 2025/2026    «البيئة» تشن حملة موسعة لحصر وجمع طيور البجع بطريق السخنة    البورصة تستهل تعاملات جلسة اليوم الأحد 16 نوفمبر 2025 بارتفاع جماعي    الأوقاف تعلن عن المقابلات الشفوية للراغبين في الحصول على تصريح خطابة بنظام المكافأة    لإضافة بُعد روحي وتربوي، الجندي يوضح سبب وجود مصطفى حسني في لجنة تحكيم "دولة التلاوة"    الليلة على DMC .. ياسمينا العبد تكشف أسرار مشوارها الفني في صاحبة السعادة    الإفتاء تواصل مجالسها الإفتائية الأسبوعية وتجيب عن أسئلة الجمهور الشرعية    تقارير: زين الدين زيدان يقود منتخب فرنسا بعد انتهاء كأس العالم 2026    تقرير: أرسنال قلق بسبب إصابتي جابريال وكالافيوري قبل مواجهة توتنام    إخماد حريق نشب داخل شقة سكنية دون إصابات في الهرم    الرعاية الصحية تبحث تطوير خدمات القساطر القلبية المتقدمة لمرضى التأمين الصحي الشامل    فيديو.. عمرو أديب يحتفي بتلال الفسطاط: من أعظم المشروعات في السنوات الأخيرة    كيف نظم قانون الإجراءات الجنائية الجديد تفتيش المنازل والأشخاص؟    مصر ترحب باتفاق الدوحة الإطاري للسلام بين جمهورية الكونجو الديموقراطية وحركة M23    الرياضية: أهلي جدة يفتح ملف تجديد عقد حارس الفريق إدوارد ميندي    ما هي عقوبة مروجي الشائعات عبر السوشيال ميديا؟.. «خبير» يجيب    سؤال برلمانى بشأن ظاهرة العجز الصارخ فى المعلمين    كبير الأثريين يكشف تفاصيل تطوير المتحف المصري بالتحرير    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للمشروع التكتيكي بالذخيرة الحية في المنطقة الغربية    وزير الخارجية يجري اتصالات مكثفة بشأن الملف النووي الإيراني    استقرار أسعار الذهب الأحد 16 نوفمبر.. وعيار 21 يسجل 5455 جنيهًا    إصابة العشرات بعد اندلاع اشتباكات في المكسيك وسط احتجاجات الجيل زد    اليوم.. وزيرالثقافة ومحافظ الإسكندرية ورئيس أكاديمية الفنون يفتتحون فرع ألاكاديمية بالإسكندرية    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 16نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا..... اعرف مواقيت صلاتك    بريطانيا تجرى أكبر تغيير فى سياستها المتعلقة بطالبى اللجوء فى العصر الحديث    فيلم شكوى 713317 معالجة درامية هادئة حول تعقيدات العلاقات الإنسانية    كمال درويش يروي قصة مؤثرة عن محمد صبري قبل رحيله بساعات    حامد حمدان يفضل الأهلي على الزمالك والراتب يحسم وجهته    خالد عبد الغفار: مصر تحقق نجاحات كبيرة جدًا على المستوى الدولي    محمود حسن تريزيجيه: الانضباط والاحترام أساس تكوين شخصية لاعب الأهلي    هل تشفي سورة الفاتحة من الأمراض؟.. داعية توضح| فيديو    مواقيت الصلاه اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى المنيا    الإفتاء: لا يجوز العدول عن الوعد بالبيع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تفسير الشعراوي للآية 24 من سورة النساء
نشر في الفجر يوم 24 - 12 - 2016

{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24)}
وقول الحق: {والمحصنات مِنَ النسآء} هو قول معطوف على ما جاء في الآية السابقة من المحرمات، أي سيضم إلى المحرمات السابقات المحصنات من النساء، ومن هن المحصنات من النساء؟ الأصل في الاشتقاق عادة يوجد معنى مشتركا. فهذه مأخوذة من (الحصن)، وهو مكان يتحصن فيه القوم من عدوهم، فإذا تحصنوا فيه امتنعوا على عدوهم.. أما إذا لم يكونوا محصنين فهم عرضة أن يُغير عليهم عدوهم ويأخذهم، هذا هو أصل الحصن، والاشتقاقات التي أخذت من هذه كثيرة: منها ما جاء في قوله تعالى: {وَمَرْيَمَ ابنت عِمْرَانَ التي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} [التحريم: 12].
و{أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} يعني أنها عفت ومنعت أي إنسان أن يقترب منها، وهنا قوله: {والمحصنات} في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها، المقصود بها المتزوجات، فما دامت المرأة متزوجة، فيكون بضعها مشغولاً بالغير، فيمتنع أن يأخذه أحد، وهي تمتنع عن أي طارئ جديد يفد على عقدها مع زوجها. هذا معنى {والمحصنات مِنَ النسآء}، فالمحصنات هنا هن العفيفات بالزواج، والحق يقول: {فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات مِنَ العذاب} [النساء: 25].
فما دامت الإماء قد أحصن بالزواج، هل يكن من المحصنات كالحرائر؟ لا، فهذه غير تلك، فهن لا يدخلن في المحصنات من الحرائر، وإلا لو دخلن في المحصنات يكون الحكم واحداً، فهو سبحانه يقول: {فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات مِنَ العذاب}، وأصل الإحصان وهو العفة.. توصف به الحرة؛ لأن الحرة عادة لا يقربها أحد. وهذه امرأة أبي سفيان في بيعة النساء قالت: وهل تزني الحرة؟ كأن الزنا كان خاصا بالإماء؛ لأنهن المهينات وليس لهن أب أو أم أو عرض، قد يجترئ عليها أي واحد، وليس لها شوكة ولا أهل، ولذلك جاء عقابها نصف عقاب الحرة؛ لأن الأمة يحوم حولها من الناس من تسوّل له نفسه فعل الفاحشة.
إذن فالإحصان يُطلق ويراد به العفة، ويطلق الإحصان ويراد به أن تكون حرة، ويطلق الإحصان ويقصد به أن تكون متزوجة، وتُطلق المحصنات على الحرائر. فالوضع العام للحرة هو الذي يجعل لها أهلاً ولا يجترئ عليها أحد، لكن هَبْ أن امرأة متزوجة ثم حدث خلاف أو حرب بين قومها وبين المؤمنين وصارت أسيرة لدى المسلمين مع أنها متزوجة بطريقتهم في بلادها، وهي بالأسر قد انتقلت من هذا الزواج وجاءت في البيئة الإسلامية وصارت مملوكة، ومملوكيتها وأَسْرُها أسقطت عنها الإحصان، فقال: {إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ}.
إذن فهي بملك اليمين يسقط عنها الإحصان، وللمسلم أن يتزوجها أو أن يستمتع بها إذا دخلت في ملكه وإن كانت متزوجة لأن هناك اختلافاً في الدارين، هي في دار الإسلام، وخرجت من دار حرب فصارت ملك يمين، ولا يكون هذا إلاَّ بعد استبرائها والاستيثاق من خلو رحمها من جنين يكون قد جاءت به من قومها لقوله صلى الله عليه وسلم في سبايا أوْطاس: «لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض» وهذا تكريم لها لأنها عندما بعدت عن زوجها وصارت مملوكة ملك يمين فلم يرد الحق أن يعضلها بل جعلها تتمتع بسيدها وتعيش في كنفه كي لا تكون محرومة من التواصل العاطفي والجسدي، بدلاً من أن يلغ سيدها في أعراض الناس.
{والمحصنات مِنَ النسآء إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ الله عَلَيْكُمْ} و{كِتَابَ الله} يعني: كَتَبَ الله ذلك كتاباً عليكم، وهو أمر مسجل موثق، وكما هو كتاب عليكم فهو لكم أيضاً، ويقول الحق: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}. إذن فالمحرمات هن: محرمات نسب، ومحرمات رضاع، ومحرمات إحصان بزواج.
{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} أي أحل لكم أن تتزوجوهن، ولذلك قال: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ} أي تطلبوا {بِأَمْوَالِكُمْ مُّحْصِنِينَ} والمال نعلم أنه ثمرة الحركة. والحركة تقتضي التعب والمشقة، وكل إنسان يحب ثمرة عمله، وقد يدافع عنها إلى أن يموت دون ماله؛ لأن المال ما جاء إلا ثمرة جدّ، وحتى إذا ما جاء المال عن ميراث؛ فالذي وّرثك أيضاً ما ورَّثك إلا نتيجة كدّ وتعب، وعرفنا أن الذي يتعب مدّة من الزمن تساوي عشر سنوات قد يرزقه الله ما يكفيه أن يعيش بعدها مرتاحاً، والذي يتعب عشرين سنة قد يرزقه الله ما يكفيه أن يعيش ولده مرتاحاً، والذي يتعب ثلاثين سنة يعيش حفيده مرتاحا.
إذن فكل ما تراه من مال موروث كان نتيجة جدّ وكدّ ومشقة من الآباء، وإذا ما قال الحق: {أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُمْ} دلّ على أن مقابل البضع يكون من جهة الرجل.. {أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُمْ} التي قال عنها سيدنا رسول الله: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء).
وما دام المال عزيزاً على الإنسان وأخذه من طريق الحركة وطريق الجدّ وطريق العرق فيجب ألا ينفقه إلا فيما يعود عليه بالخير العاجل ولا ينسى الخير الآجل، فإن هو حقق به خيراً عاجلاً ثم سها وغفل عن شرّ آجل فهو لم يضع المال في موضعه. {أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُمْ مُّحْصِنِينَ} و(محصنين) كما عرفنا لها معان متعددة.. (محصنين) أي متعففين أن تَلِغُوا وتقعوا في أعراض الناس. بأموالكم، أي ضع مالك الذي كسبته بكدّ فيما يعود عليك بالخير العاجل والآجل، فلا تلغوا به في أعراض الناس؛ لأنه من الممكن أن يبتغي إنسان لقاء امرأة بأمواله لكنه غير محصن، ونقول له: أنت حققت لذة ونفعاً عاجلاً ولكنك ذهلت عن شرّ آجل، يقول فيها ربنا: {مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} ومنه أخذ السِفاح.
فإياك أن تدفع أموالك لكي تأخذ واحدة تقضي معها وطراً. فكلمة (محصنين) تعني التزام العفة، وشرح الحق كلمة محصنين بمقابلها وهو: مسافحين، من السفح وهو: الصب، والصب هطول ونزول الماء بقوة، فالماء قد ينزل نقطة نقطة، إنما السفح صبّ، ولذلك سمي سفح الجبل بذلك لأن الماء ينزل من كل الجبل مصبوبًا.
هنا يلاحظ أن الحق حين يتكلم عن الرجال يقول: (محصنين) بكسر الصاد، وحين يتكلم عن النساء يقول: (محصَنات) بالفتحة. لم يقل (محصِنات) بالكسرة، لأن العادة أن الذكورة هي الطالبة دائماً للأنوثة، والأنوثة مطلوبة دائما.
{غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} والاستمتاع هو إدراك متعة للنفس، والمتعة توجد أولا في الخطبة، فساعة يخطب رجل امرأة فهذا استمتاع، وساعة يعقد عليها وساعة تزف له، هذه كلها مقدمات طويلة في الاستمتاع، لكن الاستمتاع ليس هو الغرض فقط، يقول لك: إذا استمتعت بهن فلابد أن تعطيهن مهورهن، ولذلك إذا تزوج رجل بامرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها نقول له: ادفع نصف المهر؛ لأنك أخذت نصف المتعة، فلو أن المتعة هي العملية الجنسية فقط لم يكن قد أخذ شيئا وبالتالي فلا شيء عليه من المهر، لكن نقول: إن المتعة في أنه تقدم إلى بنت فلان وخطب وعقد، كل هذه مقدمات متعة، فعندما يكون ذلك فإنه يكون قد استمتع بعض الشيء.
الحق سبحانه وتعالى يريد منا أن نبني حياة الأسرة على طهر، وعلى أمن ملكات، فأنت تجد الرجل حين يكون بين أهله لا يجد غضاضة في أن يغلق عليها الباب، لكن تصور وجوده مع امرأة دون زواج، فالملكات النفسية تتصارع فيه، ويتربص، ويمكننا أن ننظر رجفته إذا سمع أي شيء، لأن ملكاته ليست منسجمة، هو سيمتع ملكة واحدة. لكن الملكات النفسية الباقية ملكات مفزعة، مما يدل على أن ما يفعله ليس أمرا طبيعيا، وما دام ليس أمرا طبيعيا فالملكات النفسية تناقضه، الحق سبحانه وتعالى يريد أن تُبِنى الأسرة على طهر وعلى أمن، وهذا الأمن النفسي يعطي لكل ملكات النفس متعة.
وقلنا من قبل إن الإنسان إذا كان له بنت ثم رأى شابا يمر كثيرا على البيت ويلتفت كثيرا إلى الشرفة، ثم يقع بصر والد البنت عليه، ماذا يكون موقفه؟ تهيج كل جوارحه، فإذا ما جاء الولد أو أبوه وطرق الباب وقال: يا فلان أنا أريد أن أخطب ابنتك لنفسي، أو أريد ابنتك لابني. ماذا يكون موقف والد الفتاة؟ إنه السرور والانشراح وتصبح الملكات راضية والنفس مطمئنة، ويتم اعلان البهجة وهو الذي يدعو الناس ويقيم فرحا؛ لأن الذي خلق الزوجين الذكر والأنثى حينما شرع الالتقاء، أعطى في النفس البشرية وفي ذراتها رضا بهذا الحكم بالالتقاء.
ولذلك رُوى: (جَدَعَ الحلال أنف الغيْرة).
أي أن من يغار على ابنته هو الذي يوجه الدعوات لزواجها، فكأن الغيرة فيها حمية، وإن طُلِبَ عرض عن غير طريق خالق الأعراض فلابد أن تهيج النفس، فإن طلبها على وفق ما شرع خالق الأعراض تطمئن النفس. وهذه عملية قد يكون من الصعب تصورها، فما الذي يسبب الرضا، ومن الذي يدفع في القلب الحمية والغضب والثورة؟ إنه سبحانه هو الذي يفعل ذلك.
والإنسان عليه أن يلتفت إلى أن كلاً منا مكون من ملكات متعددة، فعقد الزواج وقول: (زوجني) و(زوجتك) وحضور الشهود، ماذا يعمل في ذرات تكوين النفس لكي تُسر؟ إنها إرادة الحق. وهذا شيء معروف وأنت حين يكون لك إنسان تعرفه فقط، والإلف السيال بينك وبينه مالز في أوله ما يكفي عندما تقابله أن تلقي عليه السلام وينتهي الأمر، لكنْ هناك إنسان آخر لا يكفي هذا السيال الودي بينك وبينه، بل لابد أن تسلم عليه بيدك؛ لأن هناك جاذبية ومودة ولكل منهما تأثير.
إذن فعملية الود والولاء أمر يصنع تغييرا كيماويا في النفس، ويكون التنافر إذا ما جاء اللقاء عن طريق ما حرم الله، والذي يأتي عن طريق ما شرع الله يحقق التجاذب. والشاعر عندما خاطب من يحبه قال:
بأبي من وددته فافترقنا *** وقضي الله بعد ذاك اجتماعا
وتمنيته فلما التقينا *** كان تسليمه عليَّ وداعا
كأن الشاعر يريد تطويل أمد التسليم ومسافته كي يغذي ما عنده من الود، وكأنه يريد أن يقول: أنا التقيت مع من أوده فاختفى في واختفيت فيه، وهذا ناشيء من الامتزاج.
إذن فالتكوين العاطفي أو السيال أوجده الله كسيال التقاء. هذا إذا ما كان على شرع الله، أما في الحالة الأخرى فهو سيال كراهية. وما الذي يسبب ذلك؟ إنه عطاء من الله وهو خالق الرجل وخالق المرأة، فساعة يجيء اللقاء على وفق ما شرع الله فلا تستبعد أن يعدل الخالق الذرات، فعندما يحدث الامتزاج فلابد أن الوفاء يأتي كنتيجة طبيعية وكذلك الولاء، ويتحقق الانسجام هذا إيجاب، أما إذا كان اللقاء على غير طريق الله فلا انسجام فيه وهذا سلب.
إذن فالحق سبحانه وتعالى يبني الأسرة على هذا المعنى. وأنتم تعلمون أن الالتقاءات التي تحدث عن غير طريق الله إنما تحدث في الخفاء، ومنكورة الثمرة، فإن جاء منها أثر وحمل فسيلقى الوليد في الشارع ويكون لقيطا وقد يميتونه، إنما الثمرة التي تأتي بالحل فالكل يفرح بها.
فالحق سبحانه وتعالى يقول: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذلكم أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُمْ مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} والاستمتاع أشياء كثيرة، وجاء الشيعة في قوله: {فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}.
وقالوا: هذا نكاح المتعة بدليل أنه سبحانه سمى ما أخذ في نظير ذلك أجراً ونقول: كلمة (أجر) هذه واردة في الزواج، فسيدنا شعيب عندما جاءه سيدنا موسى عليه السلام قال له: أعطني أجر ثماني حجج. وسيأتي في الآية نفسها التي يتقولون بها ويقول: (وآتوهن أجورهن بالمعروف). فسمى المهر (أجراً) أيضا، فلماذا تأخذون هذا المعنى؟ هم يقولون: نكاح المتعة حدث، ونقول لهم: نكاح المتعة حدث ولننظر إلى أسبابه.
إن هذا النكاح قد حصل على يد مشرع وله حكمة، ولكن ماذا بعد أن أنهى المشرع هذا الحكم وانتقل إلى الرفيق الأعلى؟ لقد أنهى الحكم، إن الرسول صلى الله عليه وسلم أحل زواج المتعة في فترة وجيزة حينما كانوا في غزوة من الغزوات، وذهب قوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم يريدون أن يبنوا حركة حياتهم على الإيمان الناصع. كان من الممكن أن يواروا هذه المسألة عن الرسول، إنهم قالوا له: يا رسول الله أنستخصي؟ أي نخصي أنفسنا؟ فما دام الجهاد يَطلب منا أن نكون في هذا الموقع بعيدا عن أهلنا فلنستخص حتى لا يكون عندنا رغبة. فأباح لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم زواج المتعة؛ ولكنه أنهاه، والدليل على أنه أنهاه، أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-، وأنتم تعلمون منزلته- رضي الله عنه- من التشريع في أحكام الله، إنه كان يقترح الاقتراح فينزل القرآن موافقا له، يقول عمر: ما يجيء واحد ليستمتع إلى أجل إلا رجمته.
إذن فانتهت المسألة، وسيدنا علي- كرم الله وجهه- أقر نَهْي سيدنا عمر، وقالوا: إن ابن عباس قال به: لكنه قال: إنني كنت قد أخطأت فيه، ونعلم أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجلسوا في فصول تعليمية لسماع الوحي، بل كان كل منهم يذهب إلى رسول الله بعد أن يفرغ من عمله، فهذا سمع وذلك لم يسمع. وهذا هو السبب في أن هذا يروى وذاك لم يرو، فسيدنا ابن عباس قال: إنني كنت أعرف مسألة المتعة، ولم يصح عندي خبر منعها إلا في آخر حياتي.
إذن فقول الشيعة: إن المتعة موجودة هو نتيجة استدلال خاطئ، فقوله سبحانه: {فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} علينا أن نقرنه بقوله أيضاً في المهور في الآية التالية: {فانكحوهن بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} لأن هناك فرقاً بين الثمن وبين الأجر، فالثمن للعين، والأجر للمنفعة من العين، ولم يملك الرجل بمهره المرأة. إنما ملك الانتفاع بالمرأة، وما دام هو ملْكَ انتفاع فيقال له أجر أيضًا.
{فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} أي أن الذي فرض ذلك هو ربنا. {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ الفريضة} ونلحظ هنا أن هناك فرقاً بين أن يشرع الحق لحق، وأن يترك باب الفضل مفتوحا، فمن حقها أنها تأخذ المهر. لكن ماذا إن تراضت المرأة مع الرجل في ألا تأخذ المهر وتتنازل له عنه؟ أو أن يعطيها أكثر من المهر؟ هذا ما يدخل في قوله تعالى: {وَلاَ تَنسَوُاْ الفضل بَيْنَكُمْ}، فلا لوم ولا تثريب فيما يتراضى به الزوجان من بعد الفريضة، وكلمة (تراضيتم) تدخل في قوله سبحانه: {فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً} [النساء: 4].
وفي عصرنا نجد أن المرأة تأخذ مهرها من الرجل وتجهز منه أثاث البيت، مع أن المفروض أن يجهز الرجل لزوجته البيت وأن يبقى المهر كاملاً لها، ولكن التعاون هو الذي يعطي العطف والتكاتف.
ويذيل الحق الآية: {إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} إذن فكل أحكام الله مبنية على العلم بما يصلح خلقه، ولا يغيب عنه أمر كي يؤخر تشريعه، فتأخير التشريع يعني: أن الذي شرع غاب عن ذهنه جزئيات ما كانت في باله ساعة شرع، وحين يأتي الواقع يأتي له بجزئيات لم تكن موجودة، فيضطر إلى إصدار تشريع جديد يستدرك به ما لم يكن في باله. والذين يقولون: إن التشريع الإلهي لا يغطي حاجة البشر نقول لهم: من الذي سيغطيه؟ أنتم يا مفكرون أتعدلون على الله؟ إن الله يكشفكم أنكم تأتون بتقنينات، وبعد ذلك يظهر عيبها وعوارها وأخطاؤها فتضطرون أن تعدلوا، فسبحانه عليم حكيم. فإن أخر حكما عن ميعاده فقد اقتضت الحكمة أن يكون كذلك.
ومثال ذلك تحريم الخمر، لم يجيء به مرة واحدة، لأن الشيء الذي تحكمه العادة والإلف، لابد فيه من التريث، وأن يصدر التشريع على مراحل، وكل مرحلة تسهل المسألة بالنسبة لما سبقها، ويكون الأمر صعبا إذا كان التشريع دفعة واحدة لأن ترك العادة دون تدرج يكون عسيرا شاقا؛ لأن أهم شيء في الخمر أنها تقود إلى الاعتياد، بدليل أن مدمن الخمر عندما يمر عليه الوقت يضطرب فيأخذ كأسا ليستريح، وأول مرحلة في التحريم أن الحق كسر الاعتياد، وما دامت هي عادة متغلغلة فمن الصعب جدا أن ينزعها صاحبها من نفسه مرة واحدة. فأولا جاء الأمر كعظة، وبعد ذلك يقول: {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصلاة وَأَنْتُمْ سكارى حتى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ}. وما دامت لا تشربها وأنت تصلي فكم مرة تصلي؟ خمس مرات في النهار، إذن فعودك أن تترك وقتا من الأوقات غير ملتبس بالخمر، وتكون قد تعودت على ترك الخمر طوال النهار، وبعد ذلك يتدرج فيقول: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخمر والميسر قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة: 219].
لكن الأحمق عادة يرجح الإثم ويفعله، وما دام سبحانه قال: {فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} إذن فالإثم يترجح. وبعد ذلك جعلها بعلمه سبحانه أمراً نهائيا، والحكمة شاءت أن يكون التحريم بالتدريج. ويطمئننا الحق على أن علمه وحكمته منوط بها إخراج الأحكام، ولذلك قال: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 106].
وسبحانه عليم لا يخفى عليه شيء، ويعلم أن امرأة أحبت زوجها لدرجة أن هذا الأجر ليس له قيمة، أو رجل أحب زوجته أيضاً لدرجة أن النقود ليس لها قيمة عنده، وما دام سبحانه حكيم. فهو قد يجري الأمور لا بحتمية ما افترض، ولكن بإبقاءٍ على فضل المتعاملين.
ويقول الحق بعد ذلك: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً...}.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.