عباس شراقي: فيضانات السودان غير المعتادة بسبب تعطل توربينات سد النهضة    البداية الرقمية للنقل الذكي في مصر.. تراخيص إنترنت الأشياء للمركبات تدخل حيز التنفيذ    وزير الإسكان: بدء تصنيف حالات الإيجار القديم وفق شرائح الدخل    لماذا كل هذه العداء السيساوي لغزة.. الأمن يحاصر مقر أسطول الصمود المصري واعتقال 3 نشطاء    مقتل شخص وإصابة 15 في هجوم روسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية    تشكيل منتخب مصر أمام نيوزيلندا في كأس العالم للشباب    سلوت عن جلوس صلاح على مقاعد البدلاء أمام جالاتا سراي: رفاهية الخيارات المتعددة    خطة إطاحة تتبلور.. مانشستر يونايتد يدرس رحيل أموريم وعودة كاريك مؤقتا    مصرع 7 عناصر إجرامية وضبط كميات ضخمة من المخدرات والأسلحة في مداهمة بؤرة خطرة بالبحيرة    الأرصاد: الخريف بدأ بطقس متقلب.. واستعدادات لموسم السيول والأمطار    مفتي الجمهورية يبحث مع وفد منظمة شنغهاي آليات التعاون ضد التطرف والإسلاموفوبيا    مواقيت الصلاة فى أسيوط غدا الأربعاء 1102025    ماجد الكدوانى ومحمد على رزق أول حضور العرض الخاص لفيلم "وفيها ايه يعنى".. صور    أمين الفتوى: احترام كبار السن أصل من أصول العقيدة وواجب شرعي    ولي العهد يتسلم أوراق اعتماد سفراء عدد من الدول الشقيقة والصديقة المعينين لدى المملكة    محافظ القاهرة يناقش ملف تطوير القاهرة التراثية مع مستشار رئيس الجمهورية    من القلب للقلب.. برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    بعد رصد 4 حالات فى مدرسة دولية.. تعرف علي أسباب نقل عدوى HFMD وطرق الوقاية منها    جارناتشو يقود هجوم تشيلسى ضد بنفيكا فى ليلة مئوية البلوز    البورصة المصرية.. أسهم التعليم والخدمات تحقق أعلى المكاسب بينما العقارات تواجه تراجعات ملحوظة    هل يجوز للمرأة اتباع الجنازة حتى المقابر؟ أمين الفتوى يجيب.. فيديو    "أنا حاربت إسرائيل".. الموسم الثالث على شاشة "الوثائقية"    أحمد موسى: حماس أمام قرار وطنى حاسم بشأن خطة ترامب    محافظ قنا يسلم عقود تعيين 733 معلمًا مساعدًا ضمن مسابقة 30 ألف معلم    داعية: تربية البنات طريق إلى الجنة ووقاية من النار(فيديو)    نقيب المحامين يتلقى دعوة للمشاركة بالجلسة العامة لمجلس النواب لمناقشة مشروع قانون "الإجراءات الجنائية"    بلاغ ضد فنانة شهيرة لجمعها تبرعات للراحل إبراهيم شيكا خارج الإطار القانوني    "الرعاية الصحية" تطلق 6 جلسات علمية لمناقشة مستقبل الرعاية القلبية والتحول الرقمي    البنك الزراعي المصري يحتفل بالحصول على شهادة الأيزو ISO-9001    محمود فؤاد صدقي يترك إدارة مسرح نهاد صليحة ويتجه للفن بسبب ظرف صحي    مصر تستضيف معسكر الاتحاد الدولي لكرة السلة للشباب بالتعاون مع الNBA    بدر محمد: تجربة فيلم "ضي" علمتنى أن النجاح يحتاج إلى وقت وجهد    «العمل» تجري اختبارات جديدة للمرشحين لوظائف بالأردن بمصنع طوب    بعد 5 أيام من الواقعة.. انتشال جثمان جديد من أسفل أنقاض مصنع المحلة    المبعوث الصينى بالأمم المتحدة يدعو لتسريع الجهود الرامية لحل القضية الفلسطينية    اليوم.. البابا تواضروس يبدأ زيارته الرعوية لمحافظة أسيوط    حسام هيبة: مصر تفتح ذراعيها للمستثمرين من جميع أنحاء العالم    موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 رسميًا.. قرار من مجلس الوزراء    الأمم المتحدة: لم نشارك في وضع خطة ترامب بشأن غزة    انتشال جثمان ضحية جديدة من أسفل أنقاض مصنع البشبيشي بالمحلة    وفاة غامضة لسفير جنوب أفريقيا في فرنسا.. هل انتحر أم اغتاله الموساد؟    برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    لطلاب الإعدادية والثانوية.. «التعليم» تعلن شروط وطريقة التقديم في مبادرة «أشبال مصر الرقمية» المجانية في البرمجة والذكاء الاصطناعي    تعليم مطروح تتفقد عدة مدارس لمتابعة انتظام الدراسة    التقديم مستمر حتى 27 أكتوبر.. وظائف قيادية شاغرة بمكتبة مصر العامة    كونتي: لن أقبل بشكوى ثانية من دي بروين    «مش عايش ومعندهوش تدخلات».. مدرب الزمالك السابق يفتح النار على فيريرا    «الداخلية»: تحرير 979 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة ورفع 34 سيارة متروكة بالشوارع    احذر من توقيع العقود.. توقعات برج الثور في شهر أكتوبر 2025    عرض «حصاد» و «صائد الدبابات» بمركز الثقافة السينمائية في ذكرى نصر أكتوبر    بيدري يعلق على مدح سكولز له.. ومركزه بالكرة الذهبية    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر يحدد ضوابط التعامل مع وسائل التواصل ويحذر من انتحال الشخصية ومخاطر "الترند"    قافلة طبية وتنموية شاملة من جامعة قناة السويس إلى حي الجناين تحت مظلة "حياة كريمة"    انكماش نشاط قناة السويس بنحو 52% خلال العام المالي 2024-2025 متأثرا بالتوترات الجيوسياسيّة في المنطقة    ضبط 5 ملايين جنيه في قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    التحقيق مع شخصين حاولا غسل 200 مليون جنيه حصيلة قرصنة القنوات الفضائية    السيسي يجدد التأكيد على ثوابت الموقف المصري تجاه الحرب في غزة    الأهلي يصرف مكافآت الفوز على الزمالك في القمة للاعبين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النص الكامل لخطاب العاهل المغربي بمناسبة ذكرى اعتلائه العرش
نشر في الفجر يوم 31 - 07 - 2011

فيما يلي النص الكامل للخطاب الذي وجهه العاهل المغربي الملك محمد السادس، يوم أمس السبت، إلى الأمة بمناسبة الذكرى الثانية عشرة لاعتلائه العرش: الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.

* شعبي العزيز، إنه لمن دواعي الاعتزاز أن نحتفل بالذكرى الثانية عشرة لاعتلائنا العرش، في ظل الدستور الجديد للمملكة، الذي ارتضيناه، ملكا وشعبا، باستفتاء الأمة، تعاقدا متجددا، مرسخا للعهد الوثيق بين العرش والشعب.

ونود، بداية، الإشادة بالمشاركة المكثفة، والانخراط القوي للشعب المغربي كافة، في المدن والبوادي، داخل الوطن وخارجه، أفرادا وجماعات، نساء ورجالا، شبابا وكهولا، أحزابا ونقابات وجمعيات، لجنة استشارية وآلية سياسية، ونخبا فكرية، في إنجاز هذا التحول الكبير، الذي تحقق بإرادة وطنية مستقلة. وهو ما يجعله مبعث اعتزاز لجميع المغاربة، وموضع تقدير دولي للنموذج المغربي المتميز.

كما نود التنويه بما بذلته جميع السلطات العمومية، والتمثيليات الدبلوماسية للمملكة، من جهود دؤوبة، لحسن تنظيم هذا الاستفتاء الدستوري، بما يقتضيه الأمر من التزام بالقانون، ونزاهة وشفافية وحياد.

والآن، وبعد أن قال الشعب كلمته الحاسمة، بالمصادقة على الدستور الجديد، بمضامينه المتقدمة، بما يجعله دستورا لجميع المغاربة، فقد ارتأينا أن يكون خطابنا لك اليوم، منصبا حول المرحلة الموالية للمصادقة عليه. إنها مرحلة تفعيله الأمثل، روحا ومنطوقا، والذي نحن به ملتزمون، وله ضامنون، وعلى حسن تطبيقه ساهرون.

بيد أن أي دستور، مهما بلغ من الكمال، فإنه ليس غاية في حد ذاته، ولا نهاية المطاف، وإنما هو أساس متين، لتعاقد سياسي جديد، على المضي قدما، في ترسيخ دولة القانون وحقوق الإنسان، والحكامة الجيدة والتنمية، وذلك بإرساء مؤسسات ناجعة وذات مصداقية.

ومهما كانت فعالية هذه المؤسسات، فستظل صورية، ما لم تنعكس نتائج عملها على الوطن: صيانة لسيادته وأمنه ووحدته، وتنميته وتقدمه، وعلى المواطنين: حرية، ومساواة، وكرامة، وعدالة اجتماعية.

وإذا كنا قد حققنا، شعبي العزيز، طموحنا الوطني الكبير، للدخول في عهد ديمقراطي جديد، فإن التحدي الأكبر هو تأهيل وتعبئة كل الفاعلين، ليصبح هذا الدستور واقعا ملموسا، وممارسة يومية، تجسد دمقرطة الدولة والمجتمع معا، وتفتح آفاقا مستقبلية، واعدة بالعيش الحر الكريم، وخاصة لشبابنا وللفئات الشعبية.

ويظل عمادنا لرفع تحديات المرحلة المقبلة، الإيمان القوي بثوابتنا الوطنية، والثقة الكاملة في ذاتنا وقدراتنا، وفي مصداقية مؤسساتنا، ووجاهة اختياراتنا، وفي دينامية مجتمعنا، والعمل الدؤوب، والاستثمار الأمثل لمناخ الثقة، الذي كرسه الإقرار الشعبي الجماعي للدستور.

شعبي العزيز، إن نهوضنا بأمانتنا الدستورية، في ضمان حسن سير المؤسسات الدستورية، يتجسد، قبل كل شيء، خلال هذه المرحلة الهامة، في حرصنا على حسن إقامتها، في أقرب الآجال، وفق المرتكزات الثلاثة التالية:

أولا: الالتزام بسمو الدستور روحا ومنطوقا، كنهج قويم ووحيد لتطبيقه. ومن ثم، نعتبر أن أي ممارسة أو تأويل، مناف لجوهره الديمقراطي يعد خرقا مرفوضا مخالفا لإرادتنا، ملكا وشعبا.

ثانيا: إيجاد مناخ سياسي سليم، جدير بما أفرزه هذا الدستور من مغرب جديد، مفعم بروح الثقة والعمل، والإقدام والتعبئة والأمل، والالتزام بتجسيد جوهره المتقدم على أرض الواقع.

ثالثا: العمل بروح التوافق الإيجابي، على تفعيل المؤسسات الدستورية، بالاعتماد الجيد للنصوص القانونية، اللازمة والإصلاحات السياسية الهادفة لانبثاق مشهد سياسي ومؤسسي جديد وسليم، جدير بدستورنا المتقدم، وكفيل بعدم إنتاج ما يشوب المشهد الحالي من سلبيات واختلالات.

فكل تباطؤ من شأنه رهن دينامية الثقة، وهدر ما يتيحه الإصلاح الجديد من فرص التنمية، وتوفير العيش الكريم لشعبنا الأبي، فضلا عن كون كل تأخير يتنافى مع الطابع المؤقت للأحكام الانتقالية للدستور.

وعلى هذا الأساس، ندعو كافة الفاعلين المعنيين، إلى اعتماد جدولة زمنية مضبوطة، تمكنهم وسائر المواطنين، من رؤية واضحة، لإقامة المؤسسات الدستورية، في الآماد القصيرة والمتوسطة.

فعلى المدى القريب، ينبغي إعطاء الأسبقية لإقرار القوانين الجديدة، المتعلقة بالمؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية.

وفي هذا الصدد، تجدر البداية بانتخاب مجلس النواب الجديد، لنتولى بناء على نتائج الاقتراع الخاص به، وطبقا لأحكام الدستور، تعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي سيتصدر نتائج انتخاباته، وليتأتى، بإذن الله، تشكيل حكومة جديدة، منبثقة من أغلبية برلمانية، متضامنة ومنسجمة.

أما بالنسبة لمجلس المستشارين، فإن إقامته رهينة بالمصادقة على القوانين التنظيمية والتشريعية، المتعلقة بالجهوية المتقدمة وبالجماعات الترابية الأخرى وبالغرفة الثانية، وكذا بإجراء الاستحقاقات الانتخابية الخاصة بها، وفق جدولة زمنية محددة، يتم إكمالها بتنصيب مجلس المستشارين، بتركيبته الجديدة، قبل متم سنة 2012.

وفي هذا الإطار، نحث جميع الفاعلين المعنيين، على العمل البناء لتوفير الظروف الملائمة، لجعل هذا المسار الانتخابي المتعدد والمتوالي يتم في التزام بقيم النزاهة والشفافية، والتحلي بالمسؤولية العالية، وجعل المصالح العليا للوطن والمواطنين فوق كل اعتبار.

وانطلاقا مما رسخه الدستور، من إقامة سلطة قضائية مستقلة، فإنه يتعين العمل، في الأمد المنظور، على إقرار التشريعات المتعلقة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وبالمحكمة الدستورية.

أما على المدى المتوسط، فيظل التأهيل التشريعي العام، من أهم الأوراش التي على الحكومة والبرلمان النهوض بها، قبل نهاية الولاية التشريعية المقبلة. وهو ما يقتضي بلورة خارطة طريق مضبوطة، لإعداد واعتماد مختلف القوانين التنظيمية، وإقامة المؤسسات المرتبطة بها، الحقوقية منها والتنموية.

وإذا كان من الطبيعي أن يعترض التطبيق السليم للدستور الجديد، كأي مسار تاريخي، بعض الصعوبات، وأن تقف أمامه بعض المعيقات، فإن على الجميع، كل من موقعه، التعبئة الشاملة، والمشاركة المواطنة والملتزمة، في بناء هذا الصرح الدستوري المتقدم، بروح الثقة والعمل الجماعي، بعيدا عن نزوعات التيئيس والعدمية، والممارسات التضليلية البالية.

شعبي العزيز، إن استكمال بناء الصرح المؤسساتي والتنموي للدستور الجديد، يظل رهينا بالعمل الجاد، من أجل التأهيل العميق والفعلي للمشهد السياسي، واستثمار مناخ الثقة لإعادة الاعتبار للعمل السياسي النبيل في بلادنا.

وفي هذا الصدد، فإن الأحزاب السياسية، التي كرس الدستور الجديد مكانتها، كفاعل محوري في العملية الديمقراطية، أغلبية ومعارضة، مدعوة لمضاعفة جهودها لتحقيق مصالحة المواطنين، وخاصة الشباب، مع العمل السياسي، بمفهومه الوطني النبيل، سواء في نطاق الأحزاب، التي أناط بها الدستور مهمة المساهمة في التعبير عن إرادة الناخبين، أو بالانخراط في المؤسسات الحكومية، الممارسة للسلطة التنفيذية، أو في المؤسسة البرلمانية، ذات السلطات التشريعية والرقابية الواسعة، أو في هيئات وآليات الديمقراطية المحلية، أو التشاركية، أو المواطنة.

وفي نفس السياق، فإن المنظومة الدستورية الجديدة، تتطلب من الفاعلين السياسيين التنافس الجاد، في بلورة مشاريع مجتمعية متميزة، وتجسيدها في برامج تنموية خلاقة وواقعية، وكذا في اختيار النخب المؤهلة لحسن تدبير الشأن العام، وطنيا وجهويا ومحليا.

بيد أن التكريس الدستوري لمبدأ ربط القرار السياسي بنتائج صناديق الاقتراع، يلقي على عاتق المواطنات والمواطنين النهوض بالأمانة الجسيمة، لحسن اختيار ممثليهم. فعلى الجميع أن يستشعروا أن الأحزاب والاختيارات التي يريدها الشعب، والمؤسسات المنبثقة عن إرادته، هي التي ستتولى الحكم نيابة عنه، وتتخذ القرارات المتعلقة بتدبير الشأن العام، طيلة مدة انتدابها، باختيار منه.

كما أن على المنتخبين استحضار أن تلازم المسؤولية بالمحاسبة قد صار قاعدة لها سموها الدستوري، وجزاؤها القانوني، وضوابطها الأخلاقية الملزمة.

وبموازاة ذلك، يجدر تفعيل التكريس الدستوري لكل من دور المجتمع المدني، ووسائل الإعلام والاتصال، في البناء السياسي والحقوقي والتنموي، بما يمكنهما من النهوض بمسؤوليتهما الفاعلة، كقوة اقتراحية، وكرافعة ناجعة، وشريك أساسي في توطيد هذا البناء.

شعبي العزيز، إن التعاقد الدستوري والسياسي الجديد، بما يكفله من منظومة متكاملة لحقوق الإنسان، وواجبات المواطنة، سيبقى صوريا ما لم يقترن بانبثاق تعاقد اجتماعي واقتصادي تضامني، يجعل كل مواطن ومواطنة يلمس الأثر الإيجابي لهذه الحقوق على معيشه اليومي، وعلى تقدم وطنه.

ومن هنا، فإن تفعيل آليات الدستور الجديد، لا يجوز أن يحجب عنا ضرورة مواصلة جهود التنمية، بل يتعين أن يكون، بحكامته الجيدة، رافعة قوية لتسريع وتيرتها، في حفاظ على التوازنات الماكرو - اقتصادية والمالية، التي صارت قاعدة دستورية.

كما أن توسيع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، التي جاء بها الدستور الجديد، يقتضي مواصلة رفع التحدي الأكبر، للتصدي للبطالة والفقر، والهشاشة والأمية، وذلك من خلال إطلاق جيل جديد من الإصلاحات العميقة لتيسير أسباب ولوج كل مواطن، لجوهر هذه الحقوق، من تعليم نافع، وعمل منتج، وتغطية صحية، وسكن لائق، وبيئة سليمة، وكذا من تنمية بشرية، ولا سيما من خلال مواصلة التفعيل الأمثل لبرامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.

وبنفس العزم، فإن التعاقد الاقتصادي الجديد، يقتضي الاهتمام بمنظومة الإنتاج الاقتصادي، وإذكاء روح المبادرة الحرة، خاصة من خلال تشجيع المقاولات الصغرى والمتوسطة، بما ينسجم مع روح الدستور الجديد، الذي يكرس دولة القانون في مجال الأعمال، ومجموعة من الحقوق والهيئات الاقتصادية، الضامنة لحرية المبادرة الخاصة، ولشروط المنافسة الشريفة، وآليات تخليق الحياة العامة، ولضوابط زجر الاحتكار والامتيازات غير المشروعة، واقتصاد الريع، والفساد والرشوة.

شعبي العزيز، إن القانون الأسمى الجديد للمملكة، بما يكرسه من تشبث بالمرجعيات والقيم الكونية المثلى، ومن سمو للمواثيق الدولية - كما صادقت عليها المملكة - على التشريعات الوطنية، يشكل رافعة قوية لعمل الدبلوماسية الوطنية، في خدمة المصالح العليا والقضايا العادلة للمغرب، وتعزيز إشعاعه الجهوي والدولي.

وإننا لواثقون من أن هذا التطور المؤسسي والتنموي المتميز، بإرسائه لدعائم الجهوية الموسعة، والحكامة الترابية، بكل مناطق المملكة، وفي صدارتها أقاليمنا الجنوبية، سيشكل دعما قويا لمبادرة الحكم الذاتي، كحل سياسي ونهائي للنزاع المفتعل حول صحرائنا، وذلك من خلال تفاوض جاد، مبني على روح التوافق والواقعية، وفي إطار المنظمة الأممية، وبالتعاون مع أمينها العام، ومبعوثه الشخصي.

وإذ نؤكد أن قضية وحدتنا الترابية ستظل أسبقية الأسبقيات، في سياستنا الداخلية والخارجية، فإننا ماضون في الدفاع عن سيادتنا ووحدتنا الترابية، التي لا مجال فيها للمساومة.

وانطلاقا من ثوابت سياستنا الخارجية التي عملنا، منذ اعتلائنا العرش، على ترسيخها، فإننا عازمون على المضي قدما في خدمة المصالح العليا للوطن، وتوطيد روابط انتمائه الإقليمي، وتنمية علاقاته الدولية، مهما كانت الإكراهات الناجمة عن السياقات الدولية المضطربة، والأوضاع الإقليمية الصعبة.

كما أن تعزيز انخراط المغرب في المنظومة الحقوقية الدولية، طبقا لما كرسه الدستور الجديد، من دسترة قواعد الحكامة الجيدة، كفيل بترسيخ مصداقية بلادنا كشريك اقتصادي ذي جاذبية قوية في ميدان الاستثمار، عماده في ذلك رصيده الهام في مجال الشراكات والتبادل الحر مع عدة دول ومجموعات، سواء في جوارنا المباشر، أو مع قوى اقتصادية أخرى وازنة.

أما بالنسبة لروابط انتمائنا الإقليمي، فإننا سنظل متشبثين ببناء الاتحاد المغاربي، كخيار استراتيجي ومشروع اندماجي لا محيد عنه، مع ما يقتضيه الأمر من تصميم ومثابرة، لتذليل العقبات، التي تعرقل، مع كامل الأسف، تفعيله ضمن مسار سليم ومتجانس.

وفي هذا الصدد، فإن المغرب لن يدخر جهدا لتنمية علاقاته الثنائية مع دول المنطقة، مسجلين الوتيرة الإيجابية للقاءات الوزارية والقطاعية الجارية، المتفق عليها مع الجزائر الشقيقة.

وإننا لملتزمون، وفاء لأواصر الأخوة العريقة بين شعبينا الشقيقين، ولتطلعات الأجيال الصاعدة، بإعطاء دينامية جديدة، منفتحة على تسوية كل المشكلات العالقة، من أجل تطبيع كامل للعلاقات الثنائية بين بلدينا الشقيقين، بما فيها فتح الحدود البرية، بعيدا عن كل جمود أو انغلاق، مناف لأواصر حسن الجوار، وللاندماج المغاربي، وانتظارات المجتمع الدولي، والفضاء الجهوي.

وعلى مستوى انتمائه العربي والإسلامي، فإن المغرب، الذي يتابع بانشغال ما يجري في بعض البلدان العربية الشقيقة من تحولات، يعتبر أنه لا مناص من التعاطي مع قضايانا وتحدياتنا، بروح جريئة واستشرافية، بالحوار التوافقي البناء، بعيدا عن كل أشكال التعامل التقليدي، الذي برهن عن محدوديته وعدم جدواه، وذلك لتطويق المخاطر المهددة لسلامة الدول ووحدتها الترابية.

وإن خدمة المصالح الحيوية للأمة العربية في هذا الاتجاه، لتقتضي، قبل كل شيء، الاعتماد على روح التعاون والتكامل، والشراكة المثلى بين كل مكونات الوطن العربي، وتكتلاته الإقليمية.

وتظل القضية الفلسطينية في صدارة اهتماماتنا، ولا سيما في هذه الظرفية التي تشهد انبثاق آمال عريضة، أفرزتها المواقف الإيجابية لبعض الأطراف الدولية الكبرى، والآثار المنشودة من المصالحة الفلسطينية.

وبصفتنا رئيسا للجنة القدس، فإننا نوجه نداء للرباعية الدولية، لتحمل مسؤولياتها في هذه المرحلة الدقيقة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مجددين التأكيد على أن السلام العادل والدائم والشامل في منطقة الشرق الأوسط، يمر عبر ضمان حقوق جميع شعوب المنطقة في الحرية والاستقرار والازدهار، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للاستمرار، عاصمتها القدس الشرقية.

أما علاقاتنا مع عمقنا الأفريقي، الذي يشكل مجالا لفرص واعدة، فإننا حريصون على نهج مقاربة متجددة، قائمة على التضامن، ومبنية على تعزيز الأمن والاستقرار، خاصة في منطقة الساحل والصحراء، فضلا عن خلق شروط تنمية بشرية، تسهم في النهوض بالإنسان الأفريقي، طبقا لأهداف الألفية للتنمية.

كما أن ما يجري من أحداث ومتغيرات في منطقة جنوب المتوسط، يؤكد ضرورة تحقيق نقلة نوعية في مسارات الشراكة بين الشمال والجنوب، من أجل خلق فضاء اقتصادي وإنساني متضامن ومنسجم، تتقاسم شعوبه قيم الديمقراطية والتنمية المشتركة.

ويمكن لشراكة المغرب مع الاتحاد الأوروبي، بمختلف أبعادها، أن تشكل مصدر إلهام لصياغة هذه المقاربة المتكافئة، ذات المنافع المتبادلة.

وسيواصل المغرب تعاونه مع باقي الشركاء، في القارتين الأميركية والآسيوية، في إطار شراكات استراتيجية مثمرة، بما يضفي المزيد من الحيوية على شراكاتنا عبر العالم.

شعبي العزيز، في هذا الظرف التاريخي المتميز بتدشين عهد دستوري جديد، نستحضر بكل خشوع وإكبار، الأرواح الطاهرة لجدنا المقدس، بطل الحرية والاستقلال، جلالة الملك محمد الخامس، ووالدنا المنعم، جلالة الملك الحسن الثاني، باني الدولة المغربية العصرية، وكافة شهداء الوطن الأبرار، أكرم الله مثواهم.

كما نتوجه بالإشادة إلى قواتنا المسلحة الملكية، والدرك الملكي، والأمن الوطني، والإدارة الترابية، والقوات المساعدة، والوقاية المدنية، على تفانيهم وتجندهم الدائم، تحت قيادتنا، للدفاع عن حوزة الوطن وسيادته، وصيانة أمنه واستقراره.

شعبي العزيز، كما أن لكل زمن رجاله ونساءه، ولكل عهد مؤسساته وهيئاته، فإن دستور 2011، بصفته دستورا متقدما من الجيل الجديد للدساتير، يستلزم بالمقابل جيلا جديدا من النخب المؤهلة، المتشبعة بثقافة وأخلاقيات سياسية جديدة، قوامها التحلي بروح الغيرة الوطنية، والمواطنة الملتزمة، والمسؤولية العالية، وخدمة الصالح العام.

كما يتطلب انتهاج السياسات المقدامة، الكفيلة بتحصين المكتسبات، وتقويم الاختلالات، والنهوض بالإصلاحات الشاملة.

وذلكم هو السبيل الأمثل لتحقيق طموحنا الجماعي لبناء مغرب جديد، موحد ومتقدم، يحقق المواطنة الكاملة لكل أبنائه، ويحفظ كرامتهم، ويصون وحدة الوطن وسيادته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.