خالد جلال: على الأهلي اللعب بتشكيله الأساسي أمام بلدية المحلة    عاجل.. موقف الأهلي من التعاقد مع نجم صن دارونز    الآن رسميا.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم السبت 11 مايو 2024 بعد آخر انخفاض    موازنة النواب عن جدل الحساب الختامي: المستحقات الحكومية عند الأفراد والجهات 570 مليار جنيه    عز ينخفض لأقل سعر.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 11 مايو بالمصانع والأسواق    الزراعة: زيادة الطاقة الاستيعابية للصوامع لأكثر من 5 ملايين طن    نشرة التوك شو| أزمة قطع الكهرباء عن المعابد الأثرية وانخفاض أسعار الدواجن والبيض    الحصيلة 520 شهيدا .. مقبرة جماعية ثالثة في مجمع الشفاء الطبي والسابعة في مستشفيات غزة    حزب الله اللبناني يعلن استهدف مبنى لجنود إسرائيليين في مستعمرة المطلّة    طائرات الاحتلال الإسرائيلي تقصف منزلًا في شارع القصاصيب بجباليا شمال قطاع غزة    الإمارات تحرج نتنياهو وترفض دعوته بشأن غزة: لا صفة له    الهلال ضد الحزم.. أكثر 5 أندية تتويجا بلقب الدوري السعودي    خبير دستوري: اتحاد القبائل من حقه إنشاء فروع في كل ربوع الدولة    الشعبة تكشف تفاصيل تراجع أسعار الدواجن والبيض مؤخرًا    حكام مباراة بلدية المحلة والأهلي.. ناصف حكم ساحة.. وطارق مجدي للVAR    ملف يلا كورة.. استمرار غياب الشناوي.. الأهلي لنهائي دوري السلة.. وجائزة تنتظر صلاح    زى النهارده.. الأهلى يحقق رقم تاريخى خارج ملعبه أمام هازيلاند بطل سوازيلاند    أبرزها الأهلي أمام بلدية المحلة، حكام مباريات اليوم بالدوري الممتاز    مأمورية من قسم الطالبية لإلقاء القبض على عصام صاصا    وفاة شاب في حادث تصادم دراجة نارية وتروسيكل بالفيوم    بقلم ميري، معلمة تصفع طفلا من ذوي الهمم يهز ضمير الإنسانية في الأردن    ننشر درجات الحرارة المتوقعة اليوم السبت فى مصر    آبل تخطط لاستخدام شرائح M2 Ultra فى السحابة للذكاء الاصطناعى    السياحة عن قطع الكهرباء عن المعابد الأثرية ضمن خطة تخفيف الأحمال: منتهى السخافة    حظك اليوم وتوقعات الأبراج السبت 11 مايو على الصعيد المهنى والعاطفى والصحى    برج العذراء.. حظك اليوم السبت 11 مايو: انصت لشريك حياتك    عمرو دياب يحيى حفلا غنائيا فى بيروت 15 يونيو    أبناء السيدة خديجة.. من هم أولاد أم المؤمنين وكم عددهم؟    تناول أدوية دون إشراف طبي النسبة الأعلى، إحصائية صادمة عن حالات استقبلها قسم سموم بنها خلال أبريل    القوافل العلاجية تبدأ أعمالها فى مدينة حلايب اليوم ضمن "حياة كريمة"    المواطنون في مصر يبحثون عن عطلة عيد الأضحى 2024.. هي فعلًا 9 أيام؟    مصرع شاب غرقًا في بحيرة وادي الريان بالفيوم    نتائج اليوم الثاني من بطولة «CIB» العالمية للإسكواش المقامة بنادي بالم هيلز    محمد بركات يشيد بمستوى أكرم توفيق مع الأهلي    «أنصفه على حساب الأجهزة».. الأنبا بولا يكشف علاقة الرئيس الراحل مبارك ب البابا شنودة    القانون يحمى الحجاج.. بوابة مصرية لشئون الحج تختص بتنظيم شئونه.. كود تعريفى لكل حاج لحمايته.. وبعثه رسمية لتقييم أداء الجهات المنظمة ورفع توصياتها للرئيس.. وغرفه عمليات بالداخل والخارج للأحداث الطارئة    رسائل تهنئة عيد الأضحى مكتوبة 2024 للحبيب والصديق والمدير    حظك اليوم برج الأسد السبت 11-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    حظك اليوم برج الميزان السبت 11-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    حظك اليوم برج العقرب السبت 11-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    زيادات متدرجة في الإيجار.. تحرك جديد بشأن أزمة الإيجارات القديمة    هل يجوز للمرأة وضع المكياج عند خروجها من المنزل؟ أمين الفتوى بجيب    الإفتاء تكشف فضل عظيم لقراءة سورة الملك قبل النوم: أوصى بها النبي    النائب شمس الدين: تجربة واعظات مصر تاريخية وتدرس عالميًّا وإقليميًّا    الحكومة اليابانية تقدم منح دراسية للطلاب الذين يرغبون في استكمال دراستهم    5 علامات تدل على إصابتك بتكيسات المبيض    لأول مرة.. المغرب يعوض سيدة ماليا بعد تضررها من لقاح فيروس كورونا    الجرعة الأخيرة.. دفن جثة شاب عُثر عليه داخل شقته بمنشأة القناطر    هشام إبراهيم لبرنامج الشاهد: تعداد سكان مصر زاد 8 ملايين نسمة أخر 5 سنوات فقط    على طريقة القذافي.. مندوب إسرائيل يمزق ميثاق الأمم المتحدة (فيديو)    حكومة لم تشكل وبرلمان لم ينعقد.. القصة الكاملة لحل البرلمان الكويتي    رؤساء الكنائس الأرثوذكسية الشرقية: العدالة الكاملة القادرة على ضمان استعادة السلام الشامل    هل يشترط وقوع لفظ الطلاق في الزواج العرفي؟.. محام يوضح    جلطة المخ.. صعوبات النطق أهم الأعراض وهذه طرق العلاج    زيارة ميدانية لطلبة «كلية الآداب» بجامعة القاهرة لمحطة الضبعة النووية    5 نصائح مهمة للمقبلين على أداء الحج.. يتحدث عنها المفتي    نائب رئيس جامعة الزقازيق يشهد فعاليات المؤتمر الطلابي السنوي الثالثة    بالصور.. الشرقية تحتفي بذكرى الدكتور عبد الحليم محمود    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلم فريضة شريعة وضرورة عصرية
نشر في الفجر يوم 02 - 11 - 2016

العلم من أجل نعم الله علينا ؛ منحه الله ومدحه وكرم أهله وأجزل لهم العطاء ، ورفع لهم الدرجات ، فهو هداية ورحمة ونور وعصمة ، وسمو ورفعة .
قال تعالى في سورة المجادلة { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {11 } وقال تعالى في سورة الزمر (( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ {9} ))
ومن البراهين القاطعة والحجج الساطعة على فضل العلم وأدواته ووسائله افتتاح الله عز وجل كتابه الكريم بصدر سورة العلق (( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ {1} خَلَقَ الإنسان مِنْ عَلَقٍ {2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ {3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ {4} عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ {5} اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ {1} خَلَقَ الإنسان مِنْ عَلَقٍ {2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ {3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ {4} عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ }{5}

فكما أنعم الله عز وجل على الإنسانية بنقلها من ظلمة العدم إلى نور الوجود كذلك أنعم عليها بنعمة العلم الذي يُخرج الناس به من ظلمات الجهل إلى نور المعرفة .
ومن شرف العلم وفضله : أن الله عز وجل حثنا على الاستزادة منه وأمر بذلك نبيه صلى الله عليه وسلم فقال تعالى (وقل ربِّ زِدني عِلمَاً )[1] وفي هذا ما يدل على شرف العلم وفضيلة الاستزادة منه قال قتادة : لو كان أحد يكتفي من العلم بشئ لاكتفي موسى عليه السلام ، ولكنه قال للخضر عليه السلام : (هل أتبعُكَ على أن تعلمَني مما عُلِّمتَ رُشداً ) [2]. [3]
وفي السنة أحاديث كثيرة في فضل العلم ومكانة العلماء : نذكر منها :
ما رواه البخاري ومسلم عن معاوية رضي الله عنه قال : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من يُرِدِ اللهُ به خيراً يفقهه في الدين ) [4].
وما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده. ... ". ) [5] .
وروى الترمذي في السنن عن أنس رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم ( من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع )[6] .
ومن الحكم المأثورة عن السلف في فضل العلم ما أخرجه ابن عبد البر في كتابه جامع بيان العلم وفضله من حديث معاذ بن جبل رضى الله عنه أنه قال:" تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة ، وبذله لأهله قربة ؛ وهو الأنس في الوحشة، والصاحب في الغربة، والمحدث في الخلوة، والدليل على السراء والضراء، والسلاح على الأعداء، والزين عند الأخلاء، ومنار سبيل أهل الجنة ، يرفع الله به أقواما فيجعلهم في الخير قادة وأئمة يقتصّ آثارهم، ويحتذى بأفعالهم، وينتهى إلى رأيهم، ترغب الملائكة في ظلهم، وبأجنحتها تمسحهم، يستغفر لهم كل رطب ويابس، وحيتان البحر وهوامه، وسباع البر وأنعامه، لأن العلم حياة القلوب من الجهل، ومصابيح الأبصار من الظلم، يبلغ العبد بالعلم منازل الأخيار والدرجات العلى في الدنيا والآخرة، والتفكر فيه يعدل الصيام، ومداومته تعدل القيام، به توصل الأرحام، وبه يعرف الحلال من الحرام، هو إمام العمل، والعمل تابعه، يلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء " . [7]
العلم أساس نهضتنا :
وفي ظل تعاليم الإسلام السمحة وحضارته الوارفة وترغيبه في طلب العلم وتكريمه للعلماء نبغ المسلمون في العلوم كلها والتمسوا المعرفة من الشرق والغرب فترجموا كتب العلوم الفارسية واليونانية وغيرها وشجع الخلفاء على هذه الحركة العلمية ، حتى كان الخليفة المتوكل يعطي حنين بن إسحاق أشهر المترجمين وزن ما يترجمه ذهباً.
ولم يقتصر المسلمون على الترجمة، بل تابعوا البحث والدراسة، والتعديل والتطوير ، حتى ابتكروا وطوروا وسبقوا غيرهم .
ففي ظل إدراك المسلمين لحقيقة العلم وقيمته : برز أبو بكر الرازي أول من عمل عملية إزالة الماء من العين ، وظهر ابن سينا الذي كان كتابه الطبي (القانون) يدرس في جامعتي (كمبردج، وأكسفورد) وغيرهما من مشاهير الأطباء كثيرون ، وبرع جابر بن حيان في علم الجبر، واكتشف كثيرا من أسرار الكيمياء، وسبر العرب علم الفلك ، فكانوا أول بناة للمراصد الفلكية في العالم، وأول صانعي المناظير [التليسكوبات] فضلا عن تقدمهم في فنون الهندسة المختلفة، ومحاولة الطيران في السماء التي كان أول من فكر فيها عباس بن فرناس.
إن العلم الذي تنهض به أمتنا هو كل علم نافع ، سواء كان من علوم الشريعة أو من علوم الطبيعة أقصد كل العلوم التي يحتاجها الناس في حياتهم كالطب والهندسة والزراعة والكيمياء وعلم الأحياء وعلم الفيزياء وعلم الإحصاء وسائر العلوم التي تعد من المقومات الأساسية للنهضة الحضارية ، العلوم التي توجَّه الإنسان وتأخذ بيده وتيسر له القيام بمهمته في الوجود.

منزلة العلم من الدين
ولقد تحدث العلماء عن فروض الكفاية التي إذا قام بها البعض سقط الإثم عن الباقين ، وإذا لم يقم بها أحد أثم كل قادر على القيام بها ، ومن هذه الفروض تعلم العلوم التي تستغني بها الأمة عن أعدائها وتدافع بها عن كيانها ، والله سبحانه وتعالى يقول في سورة الأنفال { وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ }{60} .
فكل قوة يستطيع المسلمون إعدادها ثم يقصّرون فإنهم آثمون ، والعلوم الحديثة بكل جوانبها واجبة على الأمة ، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، وكل ما يحتاج إليه المسلمون من العلوم ليحقق لهم التفوق على غيرهم ولتكون لهم القوة على عدوهم ، فهو فرض كفائي عليهم ، تأثم الأمة إذا فرطت فيه [8].

بين العلم والإيمان :
وحين نتأمل في موقف الإسلام من العلم نجد ترابطاً وثيقاً بين العلم والإيمان فكلما ازداد الإنسان علماً كلما ازداد يقينًا ومعرفة وخشية لله عز وجل ،قال تعالى مبيان أن العلماء هم أشد الناس خشية له ومعرفة بمقامه {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ {27} وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ {28} }سورة فاطر ، فالعلم يهدى إلى الإيمان ويقوي دعائمه ، والإيمان يدعو إلى العلم ويرغّب فيه ، هذه العلاقة الوثيقة لا نجدها في غير الإسلام يقول روجيه جارودي ( ولم يفصل الإسلام الحكمة عن العلم ولم يقبل معالجة أي فرع من فروع العلم بمعزل عن العقيدة التي هي هدف في ذاتها ) [9].

ولكي ترقى الأمم وتتقدم فلا بد لها من الإيمان والعلم معاً ؛ أما العلم وحده : " فقد يرفع أمة حتى تعانق السماء رفاهية ورغداً ، ولكنها سرعان ما تتداعى مثلما تتساقط أوراق الخريف التي تعصف بها الرياح [10] " وكم من أمة غنية قوية ولكنها تعيش على شقوة مهددة في أمتها مقطعة الأواصر بينها يسود الناس فيها القلق ويظهر الانحلال ، قوة بلا أمن ومتاع بلا رضا وحاضر زاهٍ يترقبه مستقبل نكد ، إنه الابتلاء الذي يعقبه النكال " [11].
وصدق القائل :
والعلم إن لم تكتنفه شمائل *** تعليه كان مطية الإخفاق
رب ركب قد أناخوا عيسهم *** في ذرى مجدهم حين بسق
سكت الدهر زمانا عنهم **** ثم أبكاهم دما حين نطق
ولقد فاق المسلمون غيرهم قرونا وعقوداً من الزمان حين سمت عندهم مكانة العلم وأخلصوا في طلبه وأكرموا أهله 0
أرى الركب إن سرنا كانوا لنا تبعا *** وإن نحن أومأنا لهم وقفوا
وفي الوقت الذي كانت فيه أوروبا ترقد في ظلام دامس وتغطُّ في سبات عميق كان المسلمون قد سبقوا عصرهم في شتى العلوم ، وهانحن في هذا الزمان وقد تبدّل حالنا وصرنا في مؤخرة الركب بعد أن كنا في مقدمته ، صرنا تابعين بعد أن كنا متبوعين لأننا فصلنا بين العلم والدين ، بحجة مواكبة الغرب ونسينا أن ديننا يرغب في العلم ويدعو إليه ويمهّد طريقه ، ويدعو إلى رعاية طلابه وأساتذته مادياّ ومعنوياً .
ومن هنا فلا عودة لنا إلى سابق عزنا ومجدنا إلا إذا أقبلنا على العلم من منطلق إيماني خالص ، عندئذ نعود إلى سالف مجدنا وسابق عزنا .
يقول الأستاذ أبو الحسن الندوي في كتاب ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ( فإذا أراد العالم الإسلامي أن يستأنف حياته ، ويتحرر من رق غيره ، وإذا كان يطمح إلى القيادة فلا بد من الاستقلال التعليمي ، بل لا بد من الزعامة العلمية وما هي بالأمر الهيّن ، إنها تحتاج إلى تفكير عميق ، وحركة التدوين والتأليف الواسعة ، وخبرة إلى درجة التحقيق ، والنقد بعلوم العصر مع التشبع بروح الإسلام والإيمان الراسخ بأصوله وتعاليمه ، إنها لمهمة تنوء بالعصبة أولى القوة ، وهى من شأن الحكومات الإسلامية ، تنظم لذلك جمعيات ، وتختار لها أساتذة بارعين في كل فن فيضعون منهاجاً تعليمياً يجمع بين محكمات الكتاب والسنة وحقائق الدين التي لا تتبدل وبين العلوم العصرية النافعة والتجربة والاختبار ، ويدونون العلوم العصرية للشباب الإسلامي على أساس الإسلام وبروح الإسلام وفيها كل ما يحتاج إليه النشء الجديد ، مما ينظمون به حياتهم ويحافظون به على كيانهم ويستغنون به عن الغرب ... ، ويستخرجون به كنوز أرضهم وينتفعون بخيرات بلادهم ، وينظمون مالية البلاد الإسلامية ، ويديرون حكوماتها على تعاليم الإسلام بحيث يظهر فضل النظام الإسلامي في إدارة البلاد ، وتنظيم الشئون المالية على النظم الأوربية ، وتنحل مشاكل اقتصادية عجزت أوربا عن حلها.
وبالاستعداد الروحي والاستعداد الصناعي والحربي والاستقلال التعليمي ينهض العالم الإسلامي ، ويؤدى رسالته وينقذ العالم من الانهيار الذي يهدده ، فليست القيادة بالهزل ، إنما هي جد الجد ، فتحتاج إلى جد واجتهاد ، وكفاح وجهاد ، واستعداد أيما استعداد )[12].

المسئولية العلمية للأسرة المسلمة
وواجب الأسرة أن تدفع أبناءها إلى طلب العلم وترغبهم فيه وتحفزهم على التفوق والنبوغ حتى يرتقوا بأنفسهم ومجتمعاتهم وينهضوا بأمتهم.

ينبغي أن يوجَّه الصبي من صغره إلى طلب العلم لأن العلم في الصغر كالنقش على الحجر والعلم في الكبر كالنقش على الماء ، والطفل يملك من الاستعداد الفطري والصفاء الذهني ما يعينه على حفظ القرآن والأحاديث النبوية ومتون علوم اللغة والشريعة .
كما ينبغي أن يُعلم الطفل آداب طلب العلم حتى يتحلى بها : ومن أهمها الإخلاص والتقوى والصدق والصبر وتوقير المعلم وتنظيم الأوقات والاعتدال في المأكل والمشرب والنوم [13] .
كذلك ينبغي أن يشجع على القراءة والمطالعة والتدبر والتفكر وأن تراعى المواهب الناشئة والعبقريات المبكرة ويهيأ لها الجو المناسب للتفوق والابتكار.
وأن يكون في البيت مكتبة نافعة لجميع أفراد الأسرة إلى جانب ترغيب الطفل في الذهاب إلى المكتبات الثقافية ، وحضور الندوات والمؤتمرات في المساجد والمنتديات وسائر المؤسسات .
كما ينبغى توجيه الأولاد إلى مدارسة حياة العلماء فهي حياة زاخرة وحافلة بالعبر والعظات، والمؤلفات في ذلك كثيرة وغزيرة .
ومما ينبغي أن يعود عليه الطفل قراءة الصحف والمجلات الدينية والعلمية والثقافية ، ومشاهدة البرامج الهادفة البناءة في التليفزيون والفيديو ، والتدريب على الحاسب الآلي و الاشتراك في شبكات الإنترنت والمشاركة في الرحلات والمسابقات العلمية والثقافية ، ومتابعة الأولاد في المدارس وحفزهم على الجد والاجتهاد ، وتجشم الصعاب في طلب العلم .
كما ينبغي تبصيرهم بحاضر الأمة الإسلامية وتذكيرهم بماضيها حتى يأخذوا من ماضيهم لحاضرهم ، ويعرفوا مآثر أسلافهم وحضارتهم التي أضاءت الكون ، والتي اقتبس الغرب من أنوارها وبدءوا من حيث توقفت ، وأن دور هذا النشء أن يعيد أمجاد أسلافه من خلال اجتهاده في طلب العلم فهو دعامة أساسية للنهوض الحضاري .

حلية طالب العلم من لطائف الآداب
للعلم آداب وأخلاق لا بد لطالب العلم أن يتحلى بها: فهي حليته ووسيلته إلى الفلاح والنجاح .
فالعلم إن لم تكتنفه فضائل *** تعليه كان مطية الإخفاق
ومن جملة هذه الأخلاق
1. إخلاص النية لله عز وجل
فالعلم طاعة وعبادة ، والإخلاص لله تعالى واجب في جميع العبادات وسائر الطاعات قال تعالى (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ {5}) [14]
والإخلاص في العلم أن يبتغي به وجه الله تعالى ، فإذا كان هم طالب العلم تحصيل شهادة أو تبوء منصب لكسب منافع مادية فحسب: فإنه لا يكن مخلصا في طلب العلم .
عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلمْ: (من تعلم علما مما يبتغي بِهِ وجه اللَّه، لاَ يتعلمه إِلاَّ ليصيب بِهِ عرضا من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يَوْم القيامة) يعني ريحها.[15]

2. تقوى الله عز وجل : فالعلماء هم أعرف الناس بالله وأتقاهم له وبالتقوى يزداد العالم علما ، وبالعلم يزداد التقي تقوى قال تعالى (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {282}[16] (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ {28})
والتقوى هي جماع كل خير ، ووصية الله للأولين والآخرين قال تعالى في سورة النساء {وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا {131}}
وقال عز وجل في سورة الأنفال {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ {29}}
أي يجعل لكم ما تٌفرقون به بين الحق والباطل، وبين الصحيح والسقيم ، وبين الغث والسمين وذلك إنما يكون بنور العلم وميزانه ، ونبراسه ومقياسه فالعلم ثمرة من ثمرات التقوى والتقوى سبيل إلى نيل العلم ، والعلم يرقى بصاحبه إلى أعلى درجات المعرفة بالله والخشية من الله ولهذا يؤثر عن الشافعي رحمه الله أنه قال:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي *** فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور *** ونور الله لا يهدى لعاصي .

3. استحضار القلب عند الطلب ؛ إذ لا بد من ذلك لطالب العلم لأنه إن طلبه دون استحضار قلب وحضور ذهن فلن يحصّل شيئا ، وعلى المعلم أن يستعين بالوسائل المفيدة التي تعين على الانتباه والالتفات إلى العلم والإقبال عليه، كالأسئلة والمحاورات مع الطلبة وتنبيه الغافل منهم والثناء الحسن على النابهين المجتهدين ورصد الجوائز والحوافز لهم وتذكيرهم دوما بفضائل العلم وثمراته العاجلة والآجلة .
4. علو الهمة : فلا بد لطالب العلم أن تسمو همته في طلبه فيبذل ما في وسعه لتحصيله ولا يركن إلى الكسل والتواني ولا يسوّف ، ويجعل قدوته العلماء العاملين الذين جدوا وتسابقوا في هذا الميدان .
** فهذا ابن أبى حاتم الرازى يقول :
مكثت في مصر سبع سنوات ، لم أذق فيها مرقة ، نهاري أمر على الشيوخ وبالليل أنسخ وأقابل النسخ ، وفي يوم ذهبنا لموعد شيخ فوجدناه عليلاً فمررنا بالسوق فوجدت سمكة فأعجبتني فاشتريتها وانطلقنا إلى البيت فجاء موعد شيخ فتركناها وانشغلنا عنها ثلاثة أيام حتى كادت أن تنتن فأكلناها وهى نيئة 0
ومن النماذج المهمة في علو الهمة : الإمام أبو يوسف القاضي، كان شديد الملازمة لشيخه أبى حنيفة ، لازم مجلسه أكثر من 17 سنة ، ما فاته صلاة الغداة معه ، ولا فارقه في فطر ولا أضحى إلا من مرض ، ( روى محمد بن قدامة ، قال : سمعت شجاع بن مخلد ، قال : سمعت أبا يوسف يقول : مات ابن لي، فلم أحضر جهازه ولا دفنه وتركته على جيراني وأقربائي ، مخافة أن يفوتني من أبي حنيفة شيء لا تذهب حسرته عنى )[17].
أيضا من تلك النماذج الرائعة : الإمام الفقيه المؤرخ المحدث المفسر : أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ، الذي نشأ الشيخ وترعرع وطلب العلم منذ نعومة أظفاره ، وسرعان ما تفتح عقله ، وبدت عليه علامات النجابة وأمارات النبوغ حتى قال عن نفسه : " حفظت القرآن ولي سبع سنين ، وصليت بالناس وأنا ابن ثماني سنين ، وكتبت الحديث وأنا في التاسعة ".
ومما يدل على علو همته وقوة تحصيله ما أخبر به عن نفسه قال : " جاءني يوماً رجل فسألني عن شيء في علم العروض ، ولم أكن نشطت له قبل ذلك ، فقلت له : إذا كان غداً فتعال إلىَّ " ، وطلب سِفْرَ العروض للخليل بن أحمد ، فجاءوا له به فاستوعبه وأحاط بقواعده وكلياته في ليلة واحدة ، يقول : " فأمسيت غير عروضي ، وأصبحت عروضياً ". [18]
5. الحرص على الوقت : ، فالوقت نعمة إلهية تستوجب منا الشكر ، ولقد خلق الله الليل والنهار لتستقيم الحياة ، قال تعالى في سورة إبراهيم ] اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ {32} وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ {33} وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ {34} ( .
وفي هذه الآيات الكريمة يمتن تعالى على عباده بجملة من نعمه التي لا تحصى ، ومن هذه النعم نعمة الليل والنهار الذي يدور الوقت حولهما ويقوم عليهما وكثير من الناس يغفلون عن هذه النعمة مع جلائها ، قال تعالى في سورة النحل { وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } (12) .
من هنا تتجلى لنا تلك النعمة الإلهية التي غفل عن شكرها الغافلون ، وتنافس في تبديدها وإهدارها البطالون المبطلون ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ) [19].
فعلى المؤمن العاقل أن يجدّ في شكر المنعم على نعمة الوقت وأن يوظفه في كل مفيد نافع.
والوقت أمانة ومسئولية: شأنه في ذلك شأن سائر الأمانات وكافة المسئوليات التي سيسأل عنها الإنسان يوم العرض على الملك الديان ، قال صلى الله عليه وسلم ( لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع عن عمره فيم أفناه ، وعن شبابه فيم أبلاه ، وعن ماله من أين أكتسبه وفيم أنفقه ، وعن علمه ماذا عمل به ) [20].
والوقت من أغلى ما يمتلكه الإنسان: فالوقت هو الحياة ، وهو رأس مال الإنسان ، وإذا ضيعه فلا يمكن بأى حال من الأحوال أن يستردّه ، وشبهه بعض العقلاء بالذهب ، ولكنه أغلى وأنفس من كل نفيس.
والوقت أنفس ما عُنيت بحفظه ** وأراه أيسرَ ما عليك يهون
فالوقت أنفس من كل نفيس لأنه جزء من كيان الإنسان ، لأنه أنفاسه المعدودة في هذه الحياة.
حياتك أنفاس تعدّ فكلما ** مضى نفس منها انتقصت به جزءاً
والمؤمن وحده هو الذي يعرف قيمة الوقت ، لمعرفته بالغاية التي من أجلها خلق ، قال عز وجل ] وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إلا لِيَعْبُدُونِ {56} مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ {57} إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ {58} فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ {59} ( .
وصدق من قال
إذا كنت أعلم علم اليقين *** بأن جميع حياتي كساعة
فلم لا أكون ضنينا بها **** وأنفقها في صلاح وطاعة
*****
إنما دنياك ساعة *** فاجعل الساعة طاعة
واحذر التقصير فيها *** واجتهد ما قدر ساعة
وإذا أحببت عزا *** فالتمس عز القناعة .

حرص السلف الصالح على أوقاتهم
وقد كان سلفنا الصالح رضوان الله عليهم حريصين أشد الحرص على الانتفاع بأوقاتهم واغتنامها واستثمارها ، فقد كانوا يسابقون الساعات ويبادرون اللحظات ضنّا منهم بالوقت ، وحرصاً على أن لا يذهب منهم سدى .
قال الصحابى الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ( ما ندمت على شئ ندمى على يوم غربت شمسه ، نقص فيه أجلي ، ولم يزد فيه عملى ).
وقال الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إن الليل والنهار يعملان فيك ، فاعمل فيهما ).
وقال الحسن البصرى رضي الله عنه : يا ابن آدم إنما أنت أيام فإذا ذهب يوم ذهب بعضك ، ويوشك إذا ذهب بعضك أن يذهب كلك وقال أيضاً : أدركت أقواما كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم [21].
أثقل الساعات على الخليل بن أحمد ساعة يأكل فيها ! .
قال أبو هلال العسكرى في كتابه ( الحث على طلب العلم والاجتهاد في جمعه )[22] كان الخليل بن أحمد – الفراهيدى البصرى أحد أذكياء العالم (100 :170) ه يقول أثقل الساعات على : ساعة آكل فيها ، فالله أكبر ما أشد الفناء في العلم عنده ؟! ، وما أوقد الغيرة على الوقت لديه ؟!.
حرص الجاحظ والفتح بن خاقان وإسماعيل القاضى على العلم !
وروى الخطيب البغدادى في كتابه ( تقييد العلم )[23] عن أبى العباس المبرد ، قال : ما رأيت أحرص على العلم من ثلاثة : الجاحظ – عمرو بن بحر إمام أهل الأدب ، ( 163 -255 ) والفتح بن خاقان – الأديب الشاعر أحد الأذكياء ، من أبناء الملوك ، اتخذه الخليفة المتوكل العباسي وزيرا له وأخاً ، واجتمعت له خزانة كتب حافلة من أعظم الخزائن ، (ت247 ه)0
وإسماعيل بن إسحاق القاضي – الإمام الفقيه المالكى البغدادى ( 200 – 282 ه )
فأما الجاحظ فإنه كان إذا وقع بيده كتاب قرأه من أوله إلى آخره أى كتاب كان ، حتى إنه كان يكترى دكاكين الوراقين ويبيت فيها للنظر في الكتب.
وأما الفتح بن خاقان فإنه كان يحمل الكتاب في كمه ، فإذا قام من بين يدى المتوكل للبول أو للصلاة ، أخرج الكتاب فنظر فيه وهو يمشي ، حتى يبلغ الموضع الذي يريده ، ثم يصنع مثل ذلك في رجوعه ، إلى أن يأخذ مجلسه ، فإذا أراد المتوكل القيام لحاجة أخرج الكتاب من كمه وقرأه في مجلس المتوكل إلى حين عوده .
وأما إسماعيل بن إسحاق القاضى فإنى ما دخلت عليه قط إلا رأيته وفي يده كتاب ينظر فيه أو يقلب الكتب لطلب كتاب ينظر فيه أو ينفض الكتب .
وقال عبيد بن يعيش : أقمت ثلاثين سنة ما أكلت بيدى بالليل ، كانت أختى تلقمنى وأنا أكتب الحديث [24].
وهذا الإمام جمال الدين القاسمي رحمه الله وقد عاش قرابة خمسين سنة وألف ما يزيد عن خمسين مؤلفاً وكانت حياته زاخرة بالعلم والدعوة والكفاح ، ومع ذلك كان يقول : يا ليت الوقت يباع فأشتريه.
" وبحرص سلفنا الصالح على أوقاتهم علا قدرهم وسما شأنهم ، وخلد ذكرهم ، أما في زماننا هذا فإن من أبرز أسباب تخلف المسلمين تفننهم وتفانيهم في تدمير وإهدار أوقاتهم في المقاهي والملاهي والطرقات وأمام التلفاز والتسجيلات الصوتية والمرئية وفي غير ذلك من المجالات التي لا فائدة منها ولا ثمرة من ورائها " [25].

6. الصبر والتحمل
فطريق العلم ليس مفروشا بالورود والرياحين بل إنه يحتاج إلى صبر ويقين وعزيمة لا تلين ، فالطريق طويل والنفس داعية إلى الملل والسآمة والدعة والراحة فإذا طاوع طالب العلم نفسه قادته إلى الحسرة والندامة .
وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى ****** فإن أطمعت تاقت وإلا تسلتِ
والنفس كالطفل إن تهمله شب على ***** حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم

" ومن أعظم ميادين الصبر : الصبر في طلب العلم : فلا سبيل إلى طلب العلم إلا بالصبر ، فالصبر يضئ لطالب العلم طريقه ، وهو زاد لا يستغني عنه ، وخلق كريم لا بد وأن يتحلى به ، صبره على مشقة الترحال إلى الشيوخ وطول المكث عندهم والتأدب معهم ، وصبره على المذاكرة والتحصيل ، وفي قصة موسى والخضر دار هذا الحوار بين نبي الله موسى وبين الخضر عليهما السلام قال تعالى في سورة الكهف } قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا {66} قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا {67} وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا {68} قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا {69} { " [26]
كذلك ينبغي على المعلم أن يتحلى بجميل الصبر مع تلاميذه وأن يتسع صدره لأسئلتهم فلا يضيق بهم ذرعا وأن يتحملهم ويحلم بهم ويترفق ويسهّل لهم التحصيل ، اقتداء بنبينا ومعلمنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي مدحه ربه بقوله {َفبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ {159} }
7. المثابرة : فطالب العلم لا يعرف الملل ولا الكلل ولا يتوقف عن الطلب ؛ فالعلم بحر لا ساحل له ونهر لا ينقطع ، .. يقول بعض السلف : اطلب العلم من المهد إلى اللحد، أي منذ الطفولة إلى الموت، وكان كثير من السلف يطلبون العلم ويكتبونه، فيدخل أحدهم إلى الأسواق ومعه المحبرة - الدواة التي فيها الحبر - وسنه كبيرة فيُقال : لا تزال تحمل المحبرة ؟ فيقول : مع المحبرة إلى المقبرة، أي لا نزال نواصل العلم.
البيروني يتعلم مسألة في الفرائض وهو في مرض موته !.
جاء في معجم الأدباء لياقوت الحموي في ترجمة الإمام الفلكي الرياضي الفذ ، والمؤرخ اللغوي الأديب الأريب ، والعالم بالشريعة ومقارنة الأديان : الجامع لأشتات العلوم أبى الريحان البيروني ( محمد بن أحمد الخوارزمي ( 362 - 440 ه) :
حدث الفقيه أبو الحسن على بن عيسى الولوالجي قال : دخلت على أبى الريحان وهو يجود بنفسه ، قد حشرج نفسه ، وضاق به صدره – قد بلغ من العمر 78 سنة – فقال لي في تلك الحال : كيف قلت لي يوماً : حساب الجدات الفاسدة – وهى التي تكون من قبل الأم - ؟.
فقلت له إشفاقاً عليه : أفي هذه الحالة ؟ قال لي : يا هذا ‍‍ أودّع الدنيا وأنا عالم بهذه المسألة ، ألا يكون خيراً من أن أخليها وأنا جاهل بها ، فأعدت ذلك عليه ، وحفظ ، وخرجت من عنده وأنا في الطريق فسمعت الصراخ ‍! ) انتهى.
8. مذاكرة العلم : وقد قيل :
إحياء العلم مذاكرته *** فأدم للعلم مذاكرته
ولقد كان سلفنا الصالح يتواصون بمذاكرة العلم ، يقول أحدهم: مذاكرة ليلة أحب إلي من إحيائها. يعني : جلوسي في هذه الليلة أتذكر العلم وأتذكر ما حفظته أحب إلي من أن أقومها قراءة وتهجدا وصلاة وركوعا وسجودا .
9. كتابة ما استفاده : فكلما استفاد فائدة أثبتها معه في دفتر أو ورقة وكررها إلى أن يحفظها . يقول العلماء : " إن ما حفظ فر وما كتب قر " ، أي أن ما كتبته ستجده فيما بعد .. ويشبهون العلم بالصيد، فيقول بعضهم:
العلم صيد والكتابة قيده *** فاحفظ لصيدك قيده أن يفلت
10. أن لا يمنعه خجله من السؤال ؛ ولذلك قال بعض السلف : " لا يتعلم العلم مستح ولا مستكبر " ، يحمله تكبره على أن يعجب بنفسه ويبقى على جهله، وكذلك أيضا يحمله خجله عن أن لا يطلب أو يستفيد ممن معه علم فيبقى على جهله.
روى الإمام مسلم في صحيحه عن عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة؛ قالت:
جاءت أم سليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "نعم. إذا رأت الماء" فقالت أم سلمة: يا رسول الله! وتحتلم المرأة؟ فقال "تربت يداك. فبم يشبهها ولدها". [27] .
وهذا ابن عباس رضي الله عنهما : مع حرصه على ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته ، ودعائه له صلى الله عليه وسلم كان مجتهدا في طلب العلم من فقهاء الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فعن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار هلم فلنسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم اليوم كثير قال فقال واعجبا لك أترى الناس يفتقرون إليك قال فترك ذلك وأقبلت أسأل فإن كان ليبلغني الحديث عن رجل فآتي بابه وهو قائل فأتوسد ردائي على بابه تسفي الريح علي من التراب فيخرج فيراني فيقول يا ابن عم رسول الله ما جاء بك هلا أرسلت إلي فآتيك ؟ فأقول لا أنا أحق أن آتيك فأسأله عن الحديث فعاش الرجل الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع الناس حولي ليسألوني فقال هذا الفتى كان أعقل مني " [28] .

11. العمل بالعلم : فالعلم إن لم يترجم إلى عمل فما الفائدة منه ، فعلى طالب العلم كما يجد في الطلب أن يجد في العمل فإنه أولى الناس بقطف ثمرات علمه ، ولقد مدح الله عز وجل في كتابه الكريم العاملين بما علموا : قال تعالى (فبشر) أجر العاملين وحذرنا الله عز وجل من أن نقول ما لا نفعل قال تعالى (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ {17} الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ {18}) سورة الزمر .
كما ذم الله أولئك الذين لا ينتفعون بما يحملونه من علم وشبههم عز وجل بالحمار الذي يحمل أسفارا لا يعرف قيمتها فضلا عن جهله بما تحويه من درر قال تعالى في سورة الجمعة { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {5}
وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: أي فلانا ما شأنك؟ أليس كنت تأمرننا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه). [29]

12. الدعوة إلى الله تعالى والاجتهاد في نشر العلم : أن يوظف هذا العلم في الدعوة إلى الله تعالى على هدى وبصيرة قال تعالى ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {108}) فالداعية لا بد وأن يستغل كل مناسبة ويدعو إلى تعالى في شتى الميادين في المسجد وفي المدرسة وفي المعهد وفي السوق وفي الأعياد والمناسبات ، ولقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على نشر العلم ورغبنا فيه فعَن أنس بْن مالك رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللّه صَلى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (نضر اللّه عَبْدا سمع مقَالَتي فوعاها، ثُمَّ بلغها عَنْي. فرب حامل فقه غَيْر فقيه. ورب حامل فقه إِلَى من هُوَ أفقه منه). [30]

وفي الختام نسأل الله عز وجل أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا ، وأن يجعلنا من " الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب "
--------------------
[1] - سورة طه 114
[2] - سورة الكهف 66
[3] - جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (1 / 419 ) دار ابن الجوزي الطبعة الأولى 1414 ه
[4] - رواه البخاري كتاب العلم باب: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين. 1/25 ، ومسلم – كتاب الإمارة باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى، وأن اليد العليا هي المنفقة، وأن السفلى هي الآخذة. – رقم / 1037
[5] - رواه مسلم كتاب الذكر والدعاء – باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن، وعلى الذكر. الحديث رقم: 38 - (2699)
[6] -رواه الترمذي : في السنن باب فضل طلب العلم - . 5/29 حديث (2785) وقال: حديث حسن غريب .
[7] - جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر
(1) يراجع في هذا المقام كتاب /التخلف العلمي في واقع المسلمين المعاصر تأليف د/ أنس أحمد كرزون ، ط دار ابن حزم بيروت لبنان ، وكتاب( الرسول والعلم ) للدكتور القرضاوي ط مؤسسة الرسالة بيروت وكتاب ( الإسلام والطاقات المعطلة ) للشيخ الغزالى ط دار الكتب الحديثة.
11- لماذا أسلمت للمفكر الفرنسي روجيه جارودي ص 73 ط مكتبة القرآن.
12- العلم والإيمان د / عبد الغنى الراجحي ص 54 بتصرف .
13 في ظلال القرآن 3 / 1339
(1) ماذا خسر العالم الإسلامي بانحطاط المسلمين ص 391 : 392.
[13] يراجع في هذا المقام أدب الدنيا والدين للماوردي وإحياء علوم الدين للغزالي والجامع في أخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي 0
[14] - سورة البينة
[15] - أخرجه الإمام أحمد في مسنده 2 / 338، وأبو داود في السنن، كتاب العلم، باب: طلب العلم لغير الله تعالى حديث 3647. وابن ماجة في السنن المقدمة، باب: الانتفاع بالعلم والعمل به حديث 252
[16] - سورة البقرة
1- مناقب أبى حنيفة للإمام الموفق المكى 1/472 .
[18] - تراجع في ترجمته طبقات الشافعية الكبرى 3 /120 وغاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري 2 / 106 وشذرات الذهب 2 / 260 ووفيات الأعيان لابن خلكان 3/332 وطبقات المفسرين للداودي 2 /110
[19] -الحديث رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما صحيح البخاري، كتاب الرقاق 1 - باب: ما جاء في الصحة والفراغ، وأن لا عيش إلا عيش الآخرة. الحديث رقم: 6049 [وقوله (مغبون) من الغبن وهو النقص، وقيل: الغبن وهو ضعف الرأي. (الصحة) في الأبدان. (الفراغ) عدم ما يشغله من الأمور الدنيوية].
[20] - الحديث رواه الترمذي في السنن عن ابن مسعود كتاب صفة القيامة باب في القيامة في شأن الحساب والقصاص رقم /2418/ و/2419/ وقال حسن صحيح. ورواه الطبراني والبزار بنحوه عن معاذ بن جبل ورجال الطبراني رجال الصحيح غير صامت بن معاذ وعدي بن عدي الكندي وهما ثقتان.يراجع مجمع الزوائد للهيثمي كتاب البعث. باب ما جاء في الحساب. ح 17493 0
2 نفس المرجع ص 27.
3 الحث على طلب العلم والاجتهاد في جمعه لأبى هلال العسكرى ص 87 .
2- تقييد العلم للخطيب البغدادى ص 139.
24 الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2/178 ، وعبيد بن يعيش شيخ البخاري ومسلم تراجع ترجمته في سير أعلام النبلاء للذهبى 11/45.
[25] - يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر للدكتور أحمد الشرقاوي توزيع دار السلام بالقاهرة
[26] - نفس المرجع ص 77
[27] - صحيح مسلم. (7) باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها. الحديث رقم: 32 (313)
[28] - الإصابة لابن حجر ترجمة عبد الله بن عباس 4 / 90
[29] - صحيح البخاري 10 - باب: صفة النار، وأنها مخلوقة. الحديث رقم: 3094وأخرجه مسلم في الزهد والرقائق، باب: عقوبة من يأمر بالمعروف ولا يفعله، رقم: 2989
[30] - سنن ابن ماجة. افتتاح الكتاب في: الإيمان، وفضائل الصحابة، والعلم (18) بَاب من بلغ علما. الحديث رقم: 236 -


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.