طارق الشناوي: يوسف شاهين لديه أعمالا مشتركة الإنتاج ناجحة ماجدة خير الله: "نظرية المؤامرة" والخوف من الغرب أرهبت المبدعين.. وأخرجت لنا أفلام عديمة القيمة نادي عدلي: الإنتاج المشترك لم يطبق حاليا بالمعنى الدقيق وأصبح عبارة عن تسهيل بعض الخدمات ناقد سوري: المخرجين العرب لا يعانون ضعف "الموهبة" وإنما نقص الحرية "الإنتاج السينمائي المشترك".. مصطلح يتردد كثيرا، فربما يكون تعاونا بين شركات من بلد واحدة، أو شركات من عدة دول، ووضع له السينمائيون تعريفا هو تعاون عدة شركات سينمائية من مخلف الدول في إنتاج عمل سينمائي كبير، ويكون إما بالتمويل او توفير بعض الخدمات والتسهيلات وتوفير المعامل الكبري لتحميض الأفلام، وبذلك تكون ساهمت الشركة في إنتاج الفيلم، ويعد هذا هو النظام المستحدث من مفهوم "الإنتاج المشترك"، فالاتفاق على مفهوم محدد وصريح للإنتاج المشترك قد يكون معضلة بسبب اختلاف رؤية كبار السينمائيين حول أهدافه وأنواعه.
ونظرا لطبيعة الشخصية العربية، التي تفكر أولا في سياسة "الأجندات الخارجية" و"رفض الثقافات الأجنبية" على اعتبار أن لها مصلحة تضر وتحط من قيمة الثقافات العربية والمصرية "بوجه خاص"، كان هناك مخاوف من اشتراك الدول الأجنبية والأوروبية في إنتاج أفلام مصرية، باعتبار أن ذلك سوف يؤثر بالسلب على الثقافة المصرية، وتُفرض ثقافة الدولة الشريكة في الإنتاج، ولعل هذا ما يتسبب في حرمان السينما المصرية من التطلع للتعاون مع الشركات الأجنبية والاستفادة من خبراتها والتقنيات والتمويل وكل هذه عناصر من المؤكد أنها ستصب في مصلحة "الفيلم المصري" فضلا عن الترويج والتسويق له في أسواق تلك الدول الشريكة في الإنتاج.
وإذا عُدنا بالتاريخ إلى بداية التعاون المشترك في الإنتاج السينمائي بين مصر والدول الأجنبية سنجد أن هناك تجارب بدأت من الأربعينات، فالبداية كانت عند فيلم "أرض النيل" بالتعاون مع فرنسا، ثم "القاهرةبغداد" عام 1947، ولكن لم يتم الاستفادة من مميزات الإنتاج المشترك بالشكل الكبير، والفائدة الوحيدة هي التمويل في في فترة الكساد بسبب الأحداث السياسية، ثم جاء فيلم "الصقر" عام 1950 الذي تم إنتاج نسخة مصرية من إخراج صلاح أبوسيف، ونسخة إيطالية، ثم وفيلم "غرام في الصحراء" عام 1959، وبحسب دراسات حول الإنتاج المشترك، فأن هذه التجارب لم تحقق النجاح الذي يتوقعه السينمائيون من الإنتاج المشترك بين الدول، واقتصر الأمر على التمويل بالمال فقط.
وجاءت بعد ذلك فكرة تأسيس شركة للإنتاج المشترك بين مصر وإيطاليا بعنوان "المصرية- الإيطالية كويرو فيلم"، في عام 1963، وأنتج من خلالها "قاهر الأطلنتس" و"نار علي الجليد" و"النمر" و"فارس الصحراء" وغيرها، وتم تصنيفها تحت تصنيف أفلام إيطالية!
ولن نستطيع أن نغفل تجربة المخرج العالمي يوسف شاهين، في مجال الإنتاج المشترك، حي بلغ رصيد أفلامه التي وضعت تحت تصنيف "إنتاج مشترك" حوالي 18 فيلم سينمائي بداية من "رمال من ذهب" إنتاج عام 1966، انتهاءا بفيلم "هي فوضى" إنتاج العام 2007، وكان أغلبها ناتج من تعاون فرنسي.
ولكن في ظل قلة الأعمال الفنية والسينمائية صاحبة الأهداف السامية، واختفاء عناصر الفن السينمائي منها، وبات الاعتماد فقط على "الراقصة الأجنبية"، و "المطرب الشعبي" لماذا لم يلجأ أصحاب السيناريوهات الجيدة، والمبدعين في فن السينما إلى عرض أفكارهم ومشروعاتهم السينمائية على شركات الإنتاج الأجنبية لتمويلها سواء كان ماديا أو تقنيا وتسويقيا، ويزدهر سوق صناعة السينما في مصر بدلا من حالة الابتذال الذي غلبت وطغت على الساحة في الفترة الأخيرة، ولعل سبب تراجع المبدعين عن تلك الفرصة التي يغفلها السينمائيون هو الخوف من سياسية "التخوين" أو اللجوء لشركات أجنبية وبالتالي فهناك مصلحة أو فائدة تضر الثقافة المصرية.
وفي هذا الصدد قال الناقد الفني طارق الشناوي، في حوار ل"الفجر الفني"، إن الإنتاج المشترك ليس شرطا أن يكون ضارا للثقافات المصرية، ولكن ما هو إلا تبادلا للثقافات والاستفادة من خبرات وعناصر الشركات الأجنبية، ساء من حيث التمويل أو التسويق للفيلم وعرضه بدور العرض السينمائية العالمية، وهو الأمر الذي سيساعد على ازدهار السينما في مصر، ورفض "الشناوي" سياسية الاتهام المسبق التي يتبعها البعض وهي أن ما دام الفيلم يمول أجنبيا فبالتالى هناك هدفا غير واضح ولكن سيضر الثقافة المصرية.
وأوضح "الشناوي" أنه ليش شرطًا عندما تكون الدولة الأجنبية شريكة في التمويل أن تفرض سياستها أو رؤيتها على المخرج، فلابد أن يكون المخرج صاحب مشروع فني ورؤية إخراجية، يعرضها على الشركة التي ستساهم في الإنتاج إذا وافقت عليها يتم إنتاج الفيلم إذا كان لديها رغبة في تحريك "المخرج" وكأنه ألة فعليه رفض الانتاج.
وأكد "الشناوي" أن الفيلم أصبح "سلعة" لابد أن يكون لها مردود عالمي، ومن مصلحة صناعه أن يكون هناك أكثر من جهة تشارك في تمويله لأنه سيصب في صالحه، رافضا سياسة الاتهامات المسبقة نحو فرض الأجندات أو الأهجاف الخفية، ضاربا بذك مثال للعالمي يوسف شاهين، الذي تعوان مع شركات أجنبية في العديد من أفلامه وكانت تجارب ناجحة ساهمت في وصول أفلامه المصرية للعالمية.
أما الناقدة الفنية القدير ماجدة خير الله، فكانت رؤيتها هو أن الإنتاج المشترك ليس الاشتراك بالأموال فقط، فهذا يسمى "تمويل" وأغلب الأفلام العالمية يتم تمويلها من شركات أجنبية مختلفة، ولكن الإنتاج المشترك هو اشتراك عناصر تمثيلية من دول محتلفة في الفيلم، ومثالا على ذلك فيلم "الحب الضائع" عام 1970 للنجمة سعاد حسني، فشارك في تمثيله الفنان الجزائري علي بن عياد، الذي جسد شخصية زوج سعاد حسني، فهذا يعد إنتاجا مشتركا.
وأكدت "خير الله" ل"الفجر الفني" أن فكرة الشركات الأجنبية تمول الأفلام المصرية لتحقيق أهداف ومن شأنها تغيير أو التأثير على ثقافتنا، هي أفكار عقيمة ناتجة من "الجهل" في التفكير، والثقافة التي نشأنا عليها وهي "التخوين" و نظرية "المؤامرة" التي باتت المحرك الرئيسى للمصريين، موضحة أنه من الممكن أن يتم عرض فيلم على جهات أجنبية ويتم رفضه، لأن الذي يفصل في الأمر هو المحتوى السينمائي والمضمون الجيد، خاصة وأن الفيلم لن يعرض في السر، وسيكون واضح أمام الجميع.
وأشارت "خير الله" أن هناك دولا عربية فقيرة في العناصر التمثيلية وليس لديها تاريخا كبريا في الإنتاج السينمائي مثل مصر، ولكن تسعى لأن تستفاد من التعاون المشترك مع جهات أجنبية بحيث يتم وضع اسمها ضمن الجات المنتجة ومن خلال عرض تلك الأفلام في الخارج، تنطبع صورة ذهنية بأن تلك الدول لديها صناعة سينمائية، فضلا عن أنها من الممكن أن تشترط تصوير بعض المشاهد للأفلام الأجنبية في دولتها للترويج للسياحة، فتستفيد من الناحية الثقافية والاقتصادية، وهو الأمر الذي يغفله صناع السينما في مصر، فهناك عدد من المبعدين الذين يرغبون في الاستفادة من الانتاج المشترك ولكن خوفهم من اتهامهم المسبق بالخيانة والعمالة ورغبته في طمس الهوية المصرية، تجعهله يتردد وينتهي الأمر بقبوله بشروط شركا الإنتاج المصرية، وهو الأمر الذي نشاهده على الساحة من حيث مجتوى وجودة الأفلام.
أما الناقد الفني نادي عدلي، فمن خلال تصريحه فهو يرى أن الإنتاج المشترك أصبح ليس مطبق في الواقت الراهن بالمعنى الدقيق وهو أن تساهم عدة جهات في تمويل فيلم واحد، ولكن المنتشر حاليا هو أن الدولة المنتجة للفيلم، تعرض على عدة جهات أجنبية أن تستفيد من العناصر الفنية لديها مثال في المعامل السينمائية، أو العرض في دور السسينما بها، فتطلب الدولة أن يتم وضع اسمها ضمن الجهات المنتجة، فبالتالي تكون الاستفادة من خلال الدعم الفني للفيلم أو التسويق له خارجيا، وليس تمويلا بالمعنى الدقيق الذي يكون عبارة عن تعاون مادي صريح بين أكثر من شركة إنتاج. وضرب "عدلي" مثالا على ذلك وهو العالمي يوسف شاهين، مؤكدا أنه تعاون مع شركة فرنسية كانت تتحمل تكاليف نصف بعض أفلامه تقريبا مقابل عرضها في السينمات الأوروبية والترويج له فهذا إنتاج مشترك بين مصر وفرنسا.
بينما أكد "عدلي" أن فيلم "اشتباك" على الرغم من تردد عبارة أنه فيلم "مشترك الإنتاج" فهو لم يعد كذلك، ولكن الفكرة هو أن صناع العمل استفادوا من بعض الخدمات التي قدمتها لهم بعض الجهات الأجنبية، وتم وضع اسمها على قائمة الجهات المنتجة بدلا من دفع مبلغ مادي لها، والاستفادة من الترويج للفيلم والاشترك به في المسابقات، مؤكدا أن ذلك يخدم الفيلم ويروج للسينما المصرية، والخروج عن نطاق المحلية، وهذه هي االصيغة الثانية لمفهوم الإنتاج المشترك.
وفي إحدى الندوات السينمائية الخاصة بأحد المهرجانات كان للناقد السوري قصي درويش رؤية حول الخوف من الإنتاج المشترك مع الدول الأجنبية، أنه على الرغم من أن عملية الإنتاج الفني وارتباطاتها المادية، تظل عملية إبداعية خاصة بالمخرج ومعبرة عن منطقته، مؤكدا أن المخرجين العرب لا يعانون ضعف "الموهبة" وان ما يعانونه هو الحرية.