دخل الفيلم الجزائري "في راسي رونبوان" للمخرج حسان فرحاني، مسابقة الأفلام الوثائقية لمهرجان وهران الدولي للفيلم العربي، حيث عُرض مساء أمس ضمن منافسة الوثائقي في مهرجان وهران التاسع للفيلم العربي الذي يسدل ستاره بعد ساعات من مساء اليوم الأربعاء، ويصور هذا الشريط على مدار مائة دقيقة من الزمن، يوميات عمال المذابح، من خلال مشاهد سوداء مليئة بالمتناقضات، ومثقلة بالانشغالات، امتزج فيها الأمل بالألم، والتفاؤل بالتشاؤم، وتنبض بالطموح والحلم والحب والحياة. صور يكدّ فيها الشاب مع الكهل والشيخ من أجل لقمة العيش، وسط ظروف كارثية وبوسائل بدائية، فيها كثير من الشاعرية وأفكار فلسفية، كما أنه يحمل نظرة استشرافية وعالمية، جاءت جلية في مشهد الطائر المهاجر القادم من أوروبا، والشاب الحالم بالحرقة إلى الضفة الأخرى، بعدما وجد نفسه تائها في مفترق الطرق، لم يجد ونيسا له إلا أغاني الراي، وغيرها من المشاهد. حرص المخرج حسان فرحاني على رسم أفكاره ورؤيته ووجهة نظره، التي جمعها وغاص في تفاصيلها، من خلال الأوقات التي تقاسمها مع هؤلاء البسطاء، في محاولة لانتشالهم من الظل الذي يعيشون فيه منذ عقود من الزمن، باعتبار أن العامل البسيط حسب مخرج الفيلم، قلما تطرق إليه صناع الأفلام السينمائية، ونادرا ما سلط عليه الضوء من مخرجي الأفلام الوثائقية، ولم يأخذوا حقهم في الصورة، وهو ما جعل النقاد العرب والأجانب يشيدون بهذا العمل السينمائي، الذي شارك في العديد من المهرجانات الدولية، العربية منها والأجنبية، وتمكن من حصد 19 جائزة حتى الآن. سلطت كاميرا المخرج حسان فرحاني الضوء على الحياة داخل المذبح، في فيلمه "في راسي رونبوان" ورصد كيف يعيش عماله؟، بماذا يحلمون؟، ماذا يزعجهم في المجتمع وكيف ترى عيونهم من هم في هرم السلطة ورؤى أخرى يكتشفها المشاهد في الفيلم؟، أسئلة كثيرة وأجوبة بشفرات ورمزيات لها دلالات في الواقع الجزائري. لم تكن حياة هؤلاء بالداخل سعيدة بل تعتصر ألما وتنزف شوقا إلى الأهل ولمعانقة يوما ما الأحلام، لكن في عمقها مليئة بالحب وبالبساطة والعفوية التي أخرجت ما في ذواتهم من جروح وسط ضجيج الآلات والموسيقى التي ترافقهم يوميا، فبدا حوار العمال الشباب حماسيا تارة وعاطفيا تارة أخرى حينما يتعلق الحديث عن الخليلة والصديقة أو السياسة ويبلغ أحيانا حد الرغبة في الانتحار والهجرة نحو الضفة الأخرى نتيجة الخيبة.