في إحدى الشوارع الجانبية لشارع "المعز"، يقف رجلاً في العقد الرابع من عمره، داخل ورشته التي تمتلئ جدرانها بالأحجار الكريمة ذات الألوان الزاهية التي تطغى على المكان، ممسكًا بيديه أدواته التي يستخدمها في تشكيل لوحاته الفنية التي ينقشها على الأحجار الكريمة المختلفة التي تكسبها جمالًا فوق جمالها ويعطيها طابع خلاب خاص بها يجعلها تسحر الناظرين، بدقة مُتناهية ينجزها أنامل حرفي ماهر لتخرج من قطعة الحجر العادي دٌرة ثمينة. يضع فكري أحمد، أحد صناع النقش على الأحجار، القطع المنقوشة قطعة بجوار قطعة لتشكل لوحات فنية تسرق أنظار المارة من أول إطلالة، مما يجعلهم يتساءلون عنها بشكل في انبهار شديد، فيقول: "هذه الحرفة تتطلب شخص سليم وتكون لديه القدرة على العمل الفني الدقيق، ويكون قوي التركيز والصبر ويسعى ليطور من أعماله، ولابد أن يتقن المهنة جيدًا ليستطيع إبراز أعمال وأشكال فنية وجمالية جديدة ترضي الزبائن". واستكمل بشغف كبير: " أعمل في مهنة النقش على الأحجار الكريمة منذ ثلاثة وعشرون عامًا، اخترتها بمحض إرادتي لأنها شغفي الكبير، فأنا أسكب من روحي في كل قطعة أصممها، حيث بدأت بها كهواية بعد ذلك انتهجتها كحرفة للرزق، حيث بدأت أن أتعلمها عن طريق رجلا كبيرًا في المهنة كنت أجلس بجواره وأراه وهو بينحت على الحجر، إلى أن تعلقت بها وبدأت أجرب بيدي إلى أن أصبحت مهنتي"، موضحًا أنه بدأ الأول في تركيب الأحجار في الفضة والذهب، يعقبها النقش على الأحجار بعد اتقان المهنة إلى أن أصبح لديه ورشة خاصة الزبائن تعرفه وتأتي له بالاسم. يمسك "أحمد" أحد الأدوات المستخدمة بالنحت (ماتور يسمى بولطة)، لافتًا إلى أن هناك أنواع للأحجار الكريمة ذاكرًا من بينها: "الجعران الفرعوني، والروماني، والنحت إسلامي والذي يتمثل في نحت بعض الآيات على الحجر، العقيق اليماني والعقيق الهندي والعقيق الإيراني، لافتًا إلى أن أفضلهم العقيق اليماني، فضلاً عن الحجر الأمريكي والإيراني الشابوري". وتابع: "وأيضا يوجد أحجار الياقوت وهو حجر أحمر اللون غامق وفاتح وأفضلهم اللون الغامق وأصله من العراق، وكذلك حجر الزمرد الإيراني وله أكثر من مصدر وأماكن أخرى فيه الهندي والتركي وأفضلها الإيراني"، ويضيف تصلنا الأحجار جاهزة ومعدة من أمريكا لأنها تشكل بطريقه خاصة جداً ونشتريها بالجملة، متابعًا: "نصنع من الحجرة السادة قطعة فنية مثل الكريمة التي تزين التورتة". وكانت الأحجار الكريمة تستخدم للعلاج منذ آلاف السنين لكل حجر طاقة نور، وقوة روحية قادرة على منح شعور السعادة، وهو ما أثبتته الدراسات العلمية إن لكل إنسان نوع من الأحجار الكريمة التي تتفق مع تكوينه النفسي والجسدي، والآن بدأت محاولة العودة لإعادة اكتشاف الطرق العلاجية القديمة، التي انتشرت في العالم أجمع ، حيث ازداد عدد الباحثين عن الطاقات الفعالة في الطبيعة ومنها الأحجار الكريمة والكريستال، ولم تنحصر القيمة السحرية للأحجار الكريمة في ارتدائها، بل كان يعتقد أن لهذه الأحجار الكريمة تأثيرا سحريا جميلا.
وعن الوقت الذي تحتاجه القطعة الواحدة حتى تظهر في شكلها النهائي يقول: "بحسب القطعة وحسب الكم، فمثلاً قطعة الجعران الفروعوني ممكن أنحت 20 قطعة باليوم الواحد، وفي قطع ممكن تستغرق أسبوع وشهرًا كاملاً حسب الحجم نظرًا لأنها تتطلب تفاصيل أكثر"، فيما ينظر إلى يديه ويتنهد تنهيدًة طويلة وهو يردد" القطعة المنحوتة بشكل احترافي وأصلي كلما تقدم ويمر بها الزمن كانت ترتفع سعرها، لكن في زمنا هذا كل شيء اختلف، الناس في الأزمنة الماضية كانت تبحث عن القطعة المنحوتة التاريخية والإسلامية العتيقة، لكن الآن يبحثون عن الأرخص، وأصبح الشغل بالطلب فقط"، نظرًا لحالة الركود الاقتصادي والسياحي التي تشهدها مصر، مشيرًا إلى أن الأعمال الفرعونية تعتمد في المقام الأول على السياحة. وعن مراحل النقش على رقائق الأحجار الكريمة، يقول: "عملية تحضيرها تبدأ بتقطيع حسب المقاسات المطلوبة، ثم ثقلها حيث تمنح هذه المرحلة بريقًا ولمعانًا، ثم تتم صياغته ليكون معدًا للكتابة والنقش، وغالبًا ما تكون النقوش الأحجار الكريمة آياتٍ من القرآن الكريم، وبعض الأدعية والأحاديث"، مشيرًا إلى أن القطعة المنقوشة بالقرآن الكريم هي الأغلى والأكثر طلبًا لدى المصريين، أما الجعران الفرعوني يقبل عليه الأجانب. وأوضح "أحمد" بصوت يملئه الحزن مما توصل إليه حال المهنة: " هناك مردود مادي أفضل بهذه المهنة، ولكن مع الأسف مرتبط ذلك بالأوضاع الحالية التي نعيشها أو ما تمر به البلد، ناهيك عن ارتفاع الدولار الأمريكي الذي أصحاب الأسواق، لاسيما ونحن نستورد الأحجار من الخارج في إشارة منه إلى حجم المعاناة التي يتكبدها في عمله الذي اختاره بإرادته". لمشاهدة الفيديو اضغط هنا