التنظيم يودع مرحلة «التمكين» ويعود إلى هجمات «النكاية والإنهاك» ■ استهداف المدنيين فى «الغزوات الرمضانية» أولوية قصوى وإغلاق الجدل حول «مشروعية» قتلهم بين رجال البغدادى حالة تأهب قصوى، وتمهيد إعلامى ضخم، على المواقع والنوافذ الإلكترونية وحسابات التواصل الاجتماعى التابعة لداعش على شبكة الإنترنت، سبقت ظهور تسجيل صوتى جديد ل«الدولة الإسلامية» فى «ليلة النصف من شعبان» بعنوان «ويحى من حى عن بينة». التسجيل تم الترويج لأهميته مسبقاً بأنه سيكون بصوت الخليفة أبوبكر البغدادى نفسه، أو المتحدث الرسمى باسم الدولة أبو محمد العدنانى على أقل تقدير، لضمان المزيد من الاهتمام ولفت الأنظار إليه، قبل أن يأتى التسجيل «الموعود» بصوت العدنانى، متضمنا «بيان الحرب» الجديد للدولة الإسلامية، فى التوقيت الفارق والأشد خطراً، فى مصير تنظيم داعش وخلافته المزعومة منذ تأسيسها وحتى الآن، وفى لحظة من أشد اللحظات صعوبة على التنظيم وقياداته، قبيل أيام فقط من بدء التحركات للهجوم على أمنع معاقل التنظيم فى «الموصل» و»الفلوجة»، وعاصمته السياسية فى مدينة «الرقة». وفى مشهد أصبح يهدد بإنهاء أسطورة داعش، ونزول كلمة النهاية لنفوذه فى سورياوالعراق بالأساس على وقع ضربات قوات التحالف الدولى وشركائه، ناهيك عن القائمة الطويلة من الخسائرالبشرية القاتلة التى منى بها داعش خلال الفترة الأخيرة بتصفية عدد من أخطر قيادات الصف الأول له، وعلى رأسهم الرجل الثانى والمسئول المالى فى التنظيم، وهو أبى علاء العفري». وبخلاف ماتردد عن مقتل أبو عمر الشيشانى أخطر القيادات العسكرية فى داعش، فإن قائمة الخسائرأيضاً تضم أبو حمزة، مسئول التنسيق والدعم المالى والعسكرى فى محيط نهر الفرات، وأبو صوفيا، الذى تتهمه دوائر معلوماتية عربية وغربية بمسئوليته عن شن الهجمات الكيميائية فى المنطقة ذاتها، وأيضاً أبو الهيجاء التونسى الموفد العسكرى من أبو بكر البغدادى من العراق للإشراف على العمليات العسكرية فى سوريا، وقد لقى مصرعه فى مدينة الرقة، وكذلك أبو سياف التونسى وكان يتولى تجارة النفط والرهائن. على ذلك وبينما أصبحت «الدولة الإسلامية» فى مصيدة لا تحسد عليها من عدم الاستقرار، أجبرتها على اجتناب مواجهات الجبهات المفتوحة، والعودة إلى استراتيجية الضربات الخاطفة والعمليات الانتحارية فى العراقوسوريا، لحفظ ماء الوجه، ونكاية فى أعدائها بتحقيق أى خسائر موجعة، شهدت قبل أيام مدينتى طرطوس واللاذقية أعنف تفجيرات تشهدها المدن الساحلية، راح ضحيتها أكثر من 145 قتيلا ومئات الجرحى، بخلاف التفجيرات الانتحارية لداعش فى بغداد وخلفت فى أقل تقدير نحو 100 قتيل. وانطلاقا من إحداثيات المشهد الحرج، خرج التسجيل الصوتى للدولة الإسلامية، بصوت أبو محمد العدنانى، مترجما لحالة التوتر والانفعال والهياج العصبى التى يعيشها التنظيم وقياداته، ومتلبساً حالة العنف بكل أشكالها، بداية من العنف والانفلات اللفظى واستخدام الشتائم بشكل صريح ومتكرر ضد أعداء التنظيم، كما فى وصف أوباما ب»البغل» والعلماء المخالفين لهم والموالين للأنظمة ب»حمير العلم»، ولأيمن الظواهرى ب»سفيه القاعدة»، ووصولا إلى دعاوى الموت والذبح والعمليات الإرهابية التى دعا إليها بيان العدنانى بعد ذلك. ورغم تباهى العدنانى بهجمات « كنداوفرنسا وتونس وتركيا وبلجيكا» الأخيرة، فقد تضمن البيان اعترافا ضمنيا بهزيمة «الدولة الإسلامية» فى حربها على الأرض، واعترافا صريحا للمرة الأولى بخسارتها للأراضى وتمهيداً لأعضائها باحتمال خسارة الفلوجة والموصل والرقة، والإعلان كذلك للمرة الأولى عن مصرع عدد من قياداتها تم ذكرهم بالاسم. وعلى ذلك الأساس فقد خرج بيان داعش، كبيان «داخلى» و»تعبوى» من الطراز الأول، يحاول فيه استنهاض أتباعه، ويصدر فيه لهم نفير «التعبئة العامة» ويلعب فيه على الحالة النفسية لهم واستنفار روح القتال لآخر لحظة بداخلهم. وعند هذا المحك فقد اختارت «الدولة الإسلامية» أن تلجأ للسلاح الذى تجيده وتدرك تأثيره النفسى على أتباعها جيداً فى هذه اللحظة، فى اختيار»المقابلة» مع المناسبات الدينية، واستغلال دلالاتها الرمزية الدينية والعقائدية لدى هؤلاء الأتباع، وكذلك استهداف مناسبات تنظيمية، ترتبط بتأسيس الدولة والانتصارات المصيرية التى سبق أن حققتها لرفع الروح المعنوية لهؤلاء الأعضاء. طبق التنظيم تلك الاستراتيجية الداعشية بحذافيرها، بداية من اختيار»ليلة النصف من شعبان» ذكرى تحويل القبلة بدلالتها الدينية المؤثرة، لتكون موعداً لإصدار التسجيل الصوتى «التعبوى» فى أحلك أزمات التنظيم، والذى يتزامن أيضا مع ذكرى سيطرة داعش على مدينة الموصل. ثم اختار شهر رمضان، لتوجيه إشارة البدء ل»غزواته الرمضانية» الجديدة، سلاحه المبتكر فى حربه الجديدة ضد العالم، مع حلول الذكرى الثانية لتأسيس خلافته المزعومة، وتدشين رمضان القادم، شهر انتقام باسم «الدولة الإسلامية»، فى أكبر حرب عشوائية يتبناها التنظيم الآن، فى كل من السعودية وأمريكا ودول أوروبا : «تَغْزُونَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ، فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الرُّومَ، فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ فَارِسَ، فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الدَّجَّالَ، فَيَفْتَحُهُ اللَّهُ».. «وها قد أتاكم رمضان، شهر الغزو والجهاد شهر الفتوحات، فتهيأوا وتأهبوا، وليحرص كلّ منكم على أن يمضيه فى سبيل الله غازيَا «،»ونخصّ جنود الخلافة وأنصارها فى أوروبا وأمريكا». علما بأن داعش قد سبق أن وجه الدعوة العام الماضى لأتباعه على لسان العدنانى أيضا، بتنفيذ «غزوات رمضانية»، وأسفرت الدعوة عن هجمات وعمليات متتالية للتنظيم فى كل من مسجد الإمام الصادق الشيعى بالكويت، وأسفرت عن مقتل 25 مصليا شيعيا وإصابة آخرين، وكذلك أحد الفنادق بمدينة سوسة الساحلية التونسية ما أسفر عن سقوط 27 قتيلا، وعشرات المصابين، بالإضافة إلى استهداف التنظيم للغاز قرب مدينة ليون جنوبفرنسا تسبب فى مقتل شخص وإصابة اثنين آخرين، وذلك قبيل هجمات الشيخ زويد التى نفذها التنظيم ومنى فيها بهزيمة ساحقة من الجيش المصرى فى سيناء. وفى هذا السياق فقد تجلى فى بيان التعبئة العامة الجديد لداعش، نقطتين استراتيجيتين مهمتين، أولاهما جمع داعش فى نفس الدعوة للعمليات الإرهابية، لاستهداف « العدوالبعيد» متمثلا فى أوروبا وأمريكا، و»العدو القريب» فى استهداف السعودية وجزيرة العرب، وهى الإشكالية الأخطر فى تاريخ التنظيمات الإسلامية. أما الأخطر فكان إعلان العدنانى عن حسم مسألة «مشروعية» استهداف المدنيين إلى غير رجعة، والتأكيد على ماسبق المطالبة به من استهدافهم، بل وضع استهدافهم هذه المرة كأولوية فى الحرب المقبلة لأن استهدافهم أشد إيلاما ونكاية لحكومات دولهم. وكذلك أعلن عودة التنظيم من مرحلة «التمكين» فى محافظاته ومدنه والمناطق التى يسيطر عليها، إلى مرحلة «النكاية « والإنهاك مرة أخرى، فى استهداف الأعداء وفقا لمراحل «إدارة التوحش» التى ينتهجها داعش ويطبقها. وعدم الوقوف عند الأهداف الاستراتيجية والعسكرية المهمة فقط كأهداف للعمليات الإرهابية المنتظرة، وإنما انطلاق إشارة البدء ل»حرب عشوائية» تتضمن أهدافاً صغيرة ومتناهية الصغر يصعب توقعها أوتتبعها والسيطرة عليها وتحقق شوكة النكاية والإنهاك للأجهزة الأمنية للدول المستهدفة، فيقول: «وقد بلغنا أنّ بعضكم لا يستطيع العمل لعجزه عن الوصول لأهداف عسكريّة، ويتحرج من استهداف ما يُسمّى بالمدنيّين فيُعرض عنهم لشكه بالجواز والمشروعيّة، فاعلموا أنّ فى عقر دار الصليبيين المحاربين لا عُصمة للدّماء، ولا وجود لما يُسمّى بالأبرياء، ولا يسع المقام لذكر وتفصيل الأدلة، فقائمتها طويلة، وأقلها من باب المُعاملة بالمثل فلا تفرق طائراتهم عندنا بين مسلح أو أعزل، ولا امرأة أو رجل»..»واعلموا أن استهدافكم لما يُسمى بالمدنيّين أحبّ إلينا، كونه أنكى بهم وأوجع لهم وأردَع، فهبّوا أيها الموحدون فى كلّ مكان، عسى أن تنالوا الأجر العظيم أو الشهادة فى رمضان».