يدأت الحرب بين الاتحاد السوفيتي وأفغانستان في ديسمبر 1979، حينما قامت قوة خاصة تابعة للجنة أمن الدولة، مدعومة بوحدات من الجيش، بالإطاحة بالرئيس الشيوعي حفيظ الله أمين، واستمر هذا النزاع لما يقرب من 9 سنوات، إلى أن انسحبت قوات الجيش السوفيتي من افغانستان في مثل هذا اليوم 15 مايو 1989. وفي هذا السياق ترصد "الفجر"، تاريخ الحرب بين الاتحاد السوفيتي وافغانستان.
العلاقات السوفيتية الأفغانية
بدأت العلاقات الحقيقة، بين الاتحاد السوفيتي وأفغانستان منذ عام 1878م، إلاّ أن العلاقة الفعلية بدأت منذ عهد أمان الله في عام 1919م، حتى عام 1979م، حيث بدأت المرحلة الأولى لتلك العلاقات بحكم أمان الله، وانتهت عام 1973م بانتهاء الملكية، وإعلان الجمهورية في أفغانستان بواسطة محمد داود، وشهدت هذه الفترة علاقات متزايدة، بين أفغانستان والاتحاد السوفيتي، كما اعتبرها البعض فترة جس النبض، حيث تأكد للاتحاد السوفيتي أنّ البيئة الداخلية لأفغانستان، جاهزة لاختراقها أيديولوجياً، ثم يلي ذلك استكمال السيطرة على المجتمع الأفغاني.
وبدأت الفترة الثانية لتلك العلاقات، بإعلان الجمهورية عام 1973م، برئاسة محمد داود، حتى حدوث التدخل السّوفيتي المسلح، مروراً بثورة أبريل 1978م، وشهدت هذه الفترة عملية تسكين كاملة للكوادر الشيوعية التي تم تدريبها في الاتحاد السوفيتي، داخل الجهاز الحكومي، والجيش الأفغاني، والوحدات الإنتاجية.
بداية الحرب
بدأ دخول القوات السوفييتية إلى أفغانستان في ديسمبر 1979، حين قامت قوة خاصة تابعة للجنة أمن الدولة مدعومة بوحدات من الجيش، بالإطاحة بالرئيس الشيوعي حفيظ الله أمين، الذي انتهج، بما يخالف إرادة موسكو، سياسة تسريع بناء الشيوعية في بلد أقرب إلى القرون الوسطى، في نزوع دكتاتوري واضح، مغامراً بفقدان السيطرة على الوضع في البلاد.
الأهداف المُعلنة
كان الهدف السوفيتي المعلن لغزو افغانستان، هو دعم الحكومة الأفغانية الصديقة للإتحاد السوفيتي، والتي كانت تعاني من هجمات الثوار المعارضين للسوفييت، والذين حصلوا على دعم من مجموعة من الدول المناوئة للإتحاد السوفييتي من ضمنها الولاياتالأمريكيةالمتحدة، الباكستانوالصين.
دوافع الاحتلال
تعددت دوافع الاتحاد السوفيتي لاحتلال افغانستان، والتي كان أبرزها الرغبة في الاستيلاء على الموارد الاقتصادية، حيث تمثل أفغانستان ثروة طبيعية لكونها تملك احتياطاً كبيراً من الغاز الطبيعي والفحم والحديد عالي الجودة، كما أنه من السهل التنقيب علي البترول واكتشافه، وطذلك العمل على إيقاف المد الإسلامي، فالبداية كانت من خلال العلاقات الثقافية، مثل التعليم والتدريب؛ ثم تطور إلى المعاونات الاقتصادية، التي كانت دائماً، وعلى جميع المستويات، يمثلها الخبراء، ومن خلال هؤلاء الخبراء، يبدأ نشر الفكر الشيوعي والأيديولوجية الماركسية.
ومن أهداف الاتحاد أيضاً، العمل على حماية أمن الاتحاد السوفيتي، فعلى الرغم من أن الاتحاد السوفيتي حقق السيطرة الكاملة على مقدرات الشعب الأفغاني، من خلال حزب شيوعي يتولى الحكم، إضافة إلى قوات مسلحة، جميع قادتها ينتمون إلى حزب الشعب الديموقراطي، ولكن كل هذه التبعية، لم تكن كافية، من وجهة النظر السوفيتية، فقد تصور القادة السّوفييت أن نظام الحكم في أفغانستان غير مستقر، وأن زعماء الأحزاب في صراع على السلطة، حتى الشّيوعيين منهم، دليل على ذلك أن الولاياتالمتحدةالأمريكية يمكنها استمالة هؤلاء الزعماء بالقليل، وفي مقابل ذلك تُعيد تمركز بعض التجهيزات الرادارية، فمعدات تجسس شمال أفغانستان، قادرة على تصوير الأسلحة المتطورة والمنتشرة في آسيا الوسطى.
العمليات السوفييتية
بعد التدخل السوفييتي، لم تستطع القوات السوفييتية بسط سلطتها خارج كابول، وظل حوالي 80% من مناطق البلاد خارج السيطرة الفعلية لسلطة الحكومة، وتم توسيع المهمة الأولى المتمثلة بحماية المدن والمنشآت لتشمل محاربة قوات المجاهدين المعارضة للشيوعية، ولذلك تم توظيف جنود الإحتياط السوفييت بشكل أساسي.
وأشارت التقارير العسكرية الأولى إلى الصعوبات التي واجهت السوفييت أثناء القتال في المناطق الجبلية، فالجيش السوفييتي لم يكن معتادا على ذلك الشكل من القتال، لم يحظ بتدريب لمواجهة حرب غير نظامية وحرب عصابات، وكانت آلياتهم العسكرية وخاصة السيارات المصفحة والدبابات ليست كفؤة في كثير من الأحيان، وعرضة للهجمات في البيئة الجبلية، وتم إستخدام المدفعية الثقيلة بشكل مكثف أثناء قتال قوات الثوار.
استنكار دولي
وعقب العمليات العسكرية للاتحاد السوفيتي، ارتفع صوت الاستنكار الدولي بسبب القتل المزعوم للمدنيين في أي منطقة كان يشك بوجود المجاهدين فيها، كما كانت عمليات القبض على تشكيلات الثوار تبوء بالفشل عادة وكان من الضروري تكرارها في ذات المنطقة أكثر من مرة وذلك لأن الثوار كان بإمكانهم العودة إلى مخابئهم في الجبال وإلى قراهم بينما يعود السوفييت لقواعدهم.
كان فشل السوفييت في الخروج من المأزق العسكري والحصول على الدعم والنصرة من شريحة عريضة من الأفغان، أو إعادة بناء الجيش الأفغاني، إضطرهم لزيادة التدخل المباشر لقواتهم لقتال الثوار، ووجد الجنود السوفييت أنفسهم يحاربون المدنيين بسبب التكتيك المراوغ للثوار.
ردود الفعل العالمية
وأشار الرئيس الأمريكي جيمي كارتر حينها، إلى أن التوغل السوفييتي كان أكثر التهديدات الجدية للسلام العالمي منذ الحرب العالمية الثانية، كما فرض كارتر حظراً على تصدير السلع كالحبوب والتكنولوجيا المتقدمة إلى الإتحاد السوفييتي من الولاياتالأمريكيةالمتحدة، وأدى التوتر المتزايد بالإضافة إلى الإنزعاج في الغرب من وجود أعداد كبيرة من القوات السوفييتية قريبة من مناطق غنية بالنفط في الخليج وصل وبسرعة لإتخاذ موقف العداء.
واستهجن وزراء خارجية دول منظمة دول المؤتمر الإسلامي، الاحتلال السوفييتي وطالبوا السوفييت بالإنسحاب في إجتماع في إسلام أباد في يناير 1980، كما صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بواقع 104 أصوات مقابل 18 وامتناع 18 عن التصويت لصالح قرار يستهجن وبشدة التدخل المسلح الأخير في أفغانستان، ودعت إلى الانسحاب الكامل للقوات الدخيلة من البلاد.
كما كان قيام مجلس الأمن بأي عمل حقيقي أمراً مستحيلاً لأن الاتحاد السوفييتي كان يملك حق الفيتو، ولكن الجمعية العامة للأمم المتحدة مررت وبشكل متكرر قرارات تعارض الاحتلال السوفييتي.
المقاومة الأفغانية وبحلول أواسط الثمانيات، كبدت حركة المقاومة الأفغانية المدعومة من قبل كل من الولاياتالأمريكيةالمتحدة، المملكة المتحدة، الصين، السعودية، باكستان ودول أخرى موسكو خسائر عسكرية كبيرة وعلاقات دولية متوترة، حيث كان المحاربون غير النظاميون الأفغان يتم تسليحهم وتمويلهم وتدريبدهم بشكل رئيسي من قبل الولاياتالأمريكيةالمتحدةوباكستان، حيث كان يتم إرسال سعوديون وخليجيون باستمرار إلى أفغانستان ليشاركون المقاومة كمجاهدين وكان ذلك يتم برضى أمريكي تام.
سر هزيمة الاتحاد السوفيتي
تصور الاتحاد السوفيتي أن العملية العسكرية لن تزيد على أن تكون مناورة تدريبية، لن تستغرق بضعة أيام، وبالفعل لم تزد عملية الغزو عن ثلاث ساعات، أما ما بعد الغزو، فهو الذي استغرق عشر سنوات، فقد وجدت القوات المسلحة السوفيتية، التي بلغت 120 ألف جندي حسب تقديرات موسكو، بمعداتهم وأسلحتهم وخطوط إمداداتهم، نفسها في مستنقع، شبيه بمستنقع فيتنام بالنسبة للولايات المتحدةالأمريكية، فالدفاع عن العقيدة، هو أصعب أنواع القتال، وهو سر هزيمة الاتحاد السوفيتي من المقاومة الأفغانية، التي تدافع عن الإسلام في مواجهة الإلحاد، مما دفع الاتحاد السوفيتي إلى النسحاب من افغانستان في 15 مايو 1989، وذلك بسبب تكبدها للكثير من الخسائر الاقتصادية والعسكرية في تلك الحرب.