عكست زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى مصر وبعدها إلى تركيا، ثم جولة ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بين القاهرة وعمان وأبوظبي تحركا سعوديا واسعا لتثبيت أركان التحالف العربي في مواجهة تمدد إيران وداعش في المنطقة. ويحتاج التحالف إلى حسم موضوع مصداقية تركيا ودورها في الحرب ضد الإرهاب، وهو أمر لا شك أن زيارة الملك سلمان إلى أنقرة ستحسمه، وستبين ما إذا كان الأتراك قابلين للاندماج فيه، وهل سيستجيبون لجهود العاهل السعودي في تهدئة الخواطر بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، والدفع نحو وقف الحملات الإعلامية قبل المرور إلى توسيع التحالف الإسلامي الذي دعت إليه الرياض. وقال مراقبون إن العاهل السعودي، الذي يعمل على بناء دبلوماسية الأحلاف الصلبة والتي لا تقف عند المصالح العابرة، سيضغط لإقناع الرئيس التركي بأن يغير أسلوبه في التعاطي مع قضايا المنطقة، وخاصة فتح بلاده أمام مجموعات تخطط لإرباك الحكم في مصر، وتشويه صورته وضرب اقتصاده من خلال زعزعة الاستقرار وتهديد حركة السياحة والاستثمارات فيها بنشر الإشاعات. وأشاروا إلى أنه على تركيا أن تحسم ثلاث قضايا أساسية بما لا يقبل اللبس. أولاها: هل ستستمر في تشجيع حركات إسلامية معارضة تحت مظلة الإخوان المسلمين. أما القضية الثانية فترد في شكل سؤال بسيط: هل أن تركيا مستعدة لإعادة النظر في علاقاتها الموسعة مع إيران بما يخدم عزل طهران إقليميا وتضييق الخناق على مشاريعها في عدد من الدول العربية؟ ومن المهم، ثالثا، أن يحسم الأتراك وضعهم كضفة من ضفاف عبور الجماعات الإرهابية خصوصا بعد أن أصبحت أنقرة ضحية مباشرة لأنشطة المجموعات التي كانت تدعمها أو تتغاضى عنها. وقال مصدر خليجي ل"العرب اللندنية" إن هناك قناعة لدى الرياض ب"أن أخطر التحديات التي تواجه المنطقة هي إيران، وبناء على ذلك وضعت جملة من الإجراءات لتقوية العلاقات الثنائية مع عدة دول لم تكن سابقا مرغوبا بها مثل تركيا من جهة، ومن جهة أخرى إقامة تحالفات عربية – عربية انطلاقا من الخليج ومصر وصولا إلى تحالفات مع دول إسلامية". وأضاف "كانت نتيجة هذه التحالفات ولادة عاصفة الحزم في اليمن ثم التحالف الإسلامي والعربي، وفي المرحلة المقبلة هناك محاولة لضم تركيا بشكل فاعل إلى هذه التحالفات، ولكن الانفتاح الكبير على تركيا يحمل محاذير لدى عدة دول عربية". وأشار المصدر إلى "أن على تركيا أن تكف عن العبث في العالم العربي من خلال حركات الإسلام السياسي وعلى رأسها الإخوان، وأن أي تقارب معها يتطلب ضمانات حقيقية لكبح هذا العبث، ليس بالكلام فقط بل بالفعل". وألمح إلى أن حالة واسعة من انعدام الثقة عربيا في الدور التركي "إذ لم يقدم الأتراك أي بوادر حسن نية للتقارب مع الدول العربية بل كانت القيادة التركية عامل عدم استقرار واستفزاز. ولا يمكن أن تدخل تركيا إلى التحالف الإسلامي طالما لم تراجع موقفها بشكل جدي من مصر، خاصة أن الرياض تعتبر القاهرة أحد الأعمدة الأساسية في أي تحالف إقليمي". وقال جوزيف كيتشيشيان الباحث في مركز الملك فهد للأبحاث والدراسات الإسلامية في الرياض في تصريح ل"العرب" إن بين مصر والسعودية محورا قويا للغاية ظل متماسكا طوال 80 عاما، وإن الرياض لم تغير موقفها من اعتبار الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، وتدرك أيضا أن السبب الحقيقي للخلافات المصرية مع تركيا هو الصراع مع الإخوان. واستبعد المصدر الخليجي السابق أن تغير أنقرة من سلوكها، ومن ثمة فإن احتمال أن تكون عنصرا فعالا في التحالف العربي ضد النفوذ الإيراني سيكون أمرا ضعيفا إلى درجة لا تدعو إلى التفاؤل. وأضاف "إذا كانت أنقرة جادة في الانضمام إلى تحالف سني، فإن هذا يتطلب أن تقوم بدورها في ردع النفوذ الإيراني وفي أقل تقدير تضييق الخناق على طهران من الضفة التركية، وليس إطلاق تصريحات داعمة لموقفها من ملفات العراق واليمن".