الإسكان الاجتماعي: 50 ألف من مستأجري الإيجار القديم تقدموا بطلب «سكن بديل»    تكريم الزميل عبد الحميد جمعة خلال المؤتمر السادس لرابطة تجار السيارات 2025    بوتين يصف اتفاقية الحدود بين دول آسيا الوسطى بالتاريخية    مغادرة 388 شاحنة مساعدات إنسانية من معبر رفح لدعم قطاع غزة.. صور    منتخب مصر يختتم تدريباته استعداداً لمواجهة زيمبابوي غداً    تخفيف الحكم على مدرب كونغ فو للحبس 6 سنوات بتهمة التعدي على تلميذته بمدرسة بحدائق الأهرام    بعد 18 عاماً من الإشارة إليها فى «أخبار الأدب» |قريبًا .. السيرة الشعبية المفقودة للحاكم بأمر الله متاحة للقراء    وزير الثقافة يشهد ختام فعاليات الدورة العاشرة من "ملتقى القاهرة الدولي لفنون الخط العربي" ويُكرم الفائزين ورموز الخط العربي    هنادي مهنى تنضم ل " اتنين غيرنا" في دراما رمضان    من قلب عين شمس إلى قمة الدراما.. أحمد العوضي يروي رحلته في «صاحبة السعادة»    الصحة: إغلاق 11 مركزًا للنساء والتوليد بسبب مخالفات تهدد سلامة الأمهات    رئيس الإمارات يلتقي إيلون ماسك    نوعية بنها تنظم معرضا لتقييم التدريب الميداني لمشروعات طلاب الإعلام    الصحة توضح أسباب اعتداء الطلاب على زميلهم في أكتوبر    ترتيب الدوري الإنجليزي بعد مباريات الأحد.. أرسنال يتفوق على السيتي    تامر أمين: الهجوم على محمد صبحي خناقة في حارة مش نقد إعلامي    دعاء أول يوم في شهر رجب.. يزيد البركة والرزق    فلكية جدة: هلال رجب يزيّن سماء الوطن العربي    المعهد القومي للاتصالات يفتح التقديم ببرنامج سفراء الذكاء الاصطناعي    قناة ON تنقل قداس عيد الميلاد من مصر وبيت لحم والفاتيكان    وزير الإسكان يتابع موقف مشروعات وحدات المبادرة الرئاسية" سكن لكل المصريين" بعددٍ من المدن الجديدة    ديانج: مستعد للتضحية بنفسي للتتويج بأمم إفريقيا مع مالي    حفل توقيع كتاب "وجوه شعبية مصرية" بمتحف المركز القومي للمسرح.. صور    مصر تتقدم 47 مركزًا فى تصنيف مؤشر نضج الحكومة الرقمية لعام 2025 الصادر عن البنك الدولى    جامعة العاصمة تنظم معرضا متكاملا بالتعاون مع محافظة القاهرة    تعليم الغربية: عقد لجنة القيادات لتدريب 1000 معلم لقيادة المدارس كمديرين    ضبط طرفي مشاجرة بعد تداول فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي    سيسكو يقود هجوم مانشستر يونايتد أمام أستون فيلا في البريميرليج    محمود توفيق يبحث مع وزير الحج والعمرة السعودي أوجه التعاون بين البلدين    رئيس الوزراء يشهد توقيع عقد تشغيل فندق الكونتيننتال التاريخي وسط القاهرة بعلامة تاج العالمية    على أنغام الربابة.. نائب محافظ الأقصر يشهد تعامد الشمس على معابد الكرنك| صور    مفتي الجمهورية: المؤسسة الدينية خَطُّ الدفاع الأول في مواجهة الحروب الفكرية التي تستهدف الدين واللغة والوطن    الجيزة توضح حقيقة نزع ملكية عقارات بطريق الإخلاص    وزير الخارجية يعقد اجتماعاً ثلاثياً حول ليبيا مع نظيريه الجزائري والتونسي    القيمة السوقية لمنتخبات أفريقيا في كان 2025    تشكيل برشلونة - جارسيا في الوسط بدلا من بيدري.. وتوريس يقود الهجوم ضد فياريال    إحالة أوراق قاتل زوجته أمام أبنائه إلى المفتي بالبحيرة    رئيس الوزراء يتابع مع وزير الكهرباء الموقف التنفيذى لمشروعات الطاقة المتجددة    نصيحة للأمهات، احذري من تأثير ضغط الدراسة على علاقتك مع أبنائك    انطلاق المسح الصحي لرصد الأمراض غير السارية بمحافظة قنا    لماذا نشتهى الطعام أكثر في الشتاء؟    برلمانية المؤتمر: تعديلات قانون الكهرباء خطوة ضرورية لحماية المرفق    ضبط 3 محطات وقود بالبحيرة لتجميع وبيع 47 ألف لتر مواد بترولية    توجيهات الرئيس السيسى خلال اجتماعه مع رئيس الوزراء ومحافظ البنك المركزى ووزير المالية (إنفوجراف)    «المصدر» تنشر نتيجة الدوائر الملغاة بالمرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب    وزير الخارجية يلتقي نائبة وزير خارجية جنوب إفريقيا لبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية    محافظ أسيوط: استمرار تدريبات المشروع القومي للموهبة الحركية لاكتشاف المواهب الرياضية    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 21ديسمبر 2025 فى المنيا    حملة للمتابعة الطبية المنزلية لأصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن وذوي الهمم.. مجانًا    مصرع 3 أشخاص وإصابة آخرين في بورسعيد إثر حادث تصادم بين سيارتين    فى مباحثاته مع مسرور بارزانى.. الرئيس السيسى يؤكد دعم مصر الكامل للعراق الشقيق ولوحدة وسلامة أراضيه ومساندته فى مواجهة التحديات والإرهاب.. ويدعو حكومة كردستان للاستفادة من الشركات المصرية فى تنفيذ المشروعات    شهر رجب .. مركز الأزهر العالمى للفتوى يوضح خصائص الأشهر الحرم    محافظ القاهرة جدول امتحانات الفصل الدراسي الأول للعام الدراسي    أمم إفريقيا – المغرب.. هل يتكرر إنجاز بابا؟    حبس المتهم بقتل زميله وتقطيع جثمانه إلى أربعة أجزاء وإخفائها داخل صندوق قمامة بالإسكندرية    بعد رؤية هلال رجب.. ما هو موعد شهر شعبان ؟    الإفتاء: الدعاء في أول ليلة من رجب مستحب ومرجو القبول    قمة إنجليزية نارية.. ليفربول يحل ضيفًا على توتنهام في الجولة 17 من البريميرليج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



متى كان الانتحار شرفاً وكرامة ؟!
نشر في الفجر يوم 04 - 03 - 2016

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .
أما بعد : فالعبد يؤخذ بما يتكلم به ( مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) (ق : 18 ) وهل يكب الناس على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم، ومن هنا كان لا بد من مراجعة للكلمات التي يرددها الناس ،وتجري على ألسنتهم ، ومن جملة ذلك قول الناس للمقصرين والمذنبين - في نظرهم - أشرف لك أن تنتحر أو " لو كان عند فلان كرامة لانتحر " فاعتبر هؤلاء أن الانتحار من صور الكرامة والموت بشرف، وكنت قد قرأت مقالة لأحد الكتاب يفرق فيها بين صاحب المشروع وغيره فقال : صاحب المشروع كهتلر إذا فشل مشروعه فإنه ينتحر ، أما العابث فلا ؛ لأنه يتمسك بالحياة حتى آخر نفس - يقصد بذلك صدام حسين أو غيره !! . وهذا وغيره بل الحياة بأسرها لابد من ضبطها بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:65)
وإليك بيان خطأ وتهافت هذه الكلمات .
أولا : حكم الانتحار والدعوة إليه
وردت النصوص الشرعية بالنهي عن قتل النفس قال تعالى: ( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) (النساء: من الآية29). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر فقال لرجل ممن يدَّعي الاسلام :" هذا من أهل النار" فلما حضرنا القتال قاتل الرجل قتالاً شديداً فأصابته جراحة فقيل : يا رسول الله الذي قلت :انه من أهل النار فإنه قد قاتل إلىوم قتالاً شديداً ، وقد مات ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إلى النار" فكاد بعض الناس أن يرتاب فبينما هم على ذلك إذ قيل: إنه لم يمت ولكن به جراحاً شديدة ،فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك .... " الحديث رواه مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ ( يطعن ) بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ومن شرب سماً فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً فيها أبداً ". ( رواه البخاري ومسلم ).
وفي الحديث :"الذي يخنق نفسه يخنقها في النار والذي يطعنها يطعنها في النار". ( رواه البخاري) .
ويقال للمنتحر: " لن نصلح منك ما أفسدت " رواه مسلم ، ولما علم النبي الله صلى الله عليه وسلم برجل مرض ثم نحر نفسه بمشاقص معه قال: " إذا لا أصلي عليه ". ( رواه أبو داود باسناد حسن).
فالانتحار معصية وكبيرة من الكبائر وفيه معنى القنوط وهو أشد اليأس ، فكيف يتم التحريض عليه والدعوة إليه ، وأشر الناس الذين يقنطون الناس من رحمة الله ، قال علي رضي الله عنه الفقية حق الفقيه: من لم يقنط الناس من رحمة الله ، ولم يرخص لهم في معاصي الله ، ولم يؤمنهم من عذاب الله ، ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره، إنه لا خير في عبادة لا علم فيها، ولا علم لا فهم فيه ، ولا قراءة لا تدبر فيها , (رواه الدارمي) .
وقد ذكر العلماء أنه لا استكراه في القتل، فلو قيل لإنسان: إما أن تقتل أخاك أو نقتلك ، فلا يجوز له أن تمتد يده بقتل أخيه إذ نفسه ليست أفضل من نفس أخيه، وقد أمر سبحانه عباده بالتعاون على البر والتقوى ونهى عن التعاون على الإثم والعدوان، ولا يجوز لمن خاف الله أن يقنط من رحمته بل يكون خائفاً راجياً يخاف ذنوبه ويعمل بطاعته ويرجو رحمته.
ثانيا : معنى الشرف والكرامة
الاستقامة هي أعظم كرامة ، قيل لعبد القادر الجيلاني : أرنا من نفسك كرامة ،فصعد على المنبر ، ثم قال : منذ كم وأنا فيكم فقالوا منذ عشرين سنة ، فقال هل رأيتم علي معصية ، هل جربتم علي مخالفة ، فإن الاستقامة هي أعظم كرامة ، وقال البعض : كن طالباً للاستقامة لا للكرامة ، فإن نفسك تدعوك للكرامة والله يطالبك بالاستقامة وقال حاتم الأصم : رأيت الناس يعودون إلى التجارات والصنائع والأنساب ونظرت في قوله تعالى? إن أكرمكم عند الله أتقاكم ? فعملت بالتقوى حتي أكون كريما عنده ، فمن أراد أن يكرم نفسه ، فعليه بطاعة الله وأن يجنب نفسه ما يسخط الله جل وعلا كالانتحار وغيره من الذنوب والمعاصي ، وقد وردت النصوص تبين المعني الحقيقي للشرف ، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : " جاء جبريل إلى النبي صلي الله عليه وسلم فقال :يا محمد عش ما شئت فإنك ميت ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به وأحبب ماشئت فإنك مفارقه ، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل وعزه استغناؤه عن الناس ". (رواه المنذري والطبراني في الأوسط بإسناد حسن) .
ولما قيل للنبي صلي الله عليه وسلم: أي القتل أشرف؟ قال :" من أهريق دمه وعقر جواده ". (رواه أبو داود وصححه الألباني) وفي الحديث :" تنكح المرأة لأربع ، لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك ". (رواه البخاري ومسلم). وفيه التحريض والحث على الزواج من صاحبة الدين ، والناس عادة يقصدون هذه الخصال الأربع وآخرها عندهم ذات الدين فاظفر أنت أيها المسترشد بصاحبة الشرف الحقيقي ، وفي الحديث: " الحسب المال , و الكرم التقوى ". ( رواه الترمذي وأحمد وابن ماجه). وقال النبي - صلي الله عليه وسلم - : "من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ". (رواه مسلم) .
معنى الشرف والسيادة عند السلف الصالح
لقد كان للسلف رضي الله عنهم فهمهم لقضية الشرف والسيادة عبروا عنه بأقوالهم وأفعالهم، فعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- قال: " كرم المؤمن تقواه ، ودينه حسبه , ومروءته خلقه ، والجرأة والجبن غرائز يضعها الله حيث شاء فالجبان يفر عن أبيه وأمه ، والجرئ يقاتل عما لا يؤوب به إلى رحله ، والقتل حتف من الحتوف والشهيد من احتسب نفسه على الله . وقال أيضا: " تفقهوا قبل أن تسودوا ( أي تصيروا سادة وقادة ) قال البخاري : وبعد أن تسودوا , وكان عمر يقول : أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا، يعني بلالاً . وعن عكرمة قال : السيد : الذي لا يغلبه الغضب وقال الضحاك : هو الحليم التقي ، وقال مرة : الحسن الخلق ، وقال ابن القيم - رحمه الله - في وصف إرادة رب العالمين: " يا محمد أنت تريد أبا طالب ونحن نريد سلمان ، أبو طالب إذا سئل عن اسمه قال :عبد مناف، وإذا انتسب افتخر بالآباء و إذا ذكرت الأموال عد الإبل ، وسلمان إذا سئل عن اسمه قال : عبد الله ، وعن نسبه قال : ابن الإسلام ، وعن ماله قال : الفقر، وعن حانوته قال : المسجد ، وعن كسبه قال: الصبر ، وعن لباسه قال : التقوي والتواضع ، وعن وساده قال : السهر ، وعن فخره قال : سلمان منا ، وعن قصده قال : يريدون وجهه ، وعن سيره قال : إلى الجنة ، وعن دليله في الطريق قال: إمام الخلق وهادي الأئمة ".
فالشرف والكرامة الحقة في متابعة منهج الأنبياء والمرسلين والشرف يحجب المرء عن السقوط في قبيح الأفعال ولواتخذ ذريعة لأغراض غير مشروعة أضل صاحبه وأهلكه ، فكيف يقال :( أشرف له ان ينتحر ) أو ( لو كان عنده كرامة لانتحر ) !!! إن الأمور كل الأمور على ما عند الله جل وعلا ، لا ما اصطلح عليه البعض في عصور الغربة والاغتراب ، فلا يكونن أحدكم إمعة ، ولا يقلدن أحدكم دينه رجلاً ، إن آمن آمن ، و إن كفر كفر ، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه ومن أراد الشرف وطلب الكرامة فليتأس بسيد ولد آدم في الدنيا والآخرة وأشرفهم محمد صلي الله عليه وسلم: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب:21)
وقد أمر صلي الله عليه وسلم بحسن الفعال ونهى عن الفخر بالأحساب والأنساب وذم الانتحار . فالواجب على كل شريف وكريم أن ينتهي عن كل ما نهى عنه صلي الله عليه وسلم وزجر .
ثالثاً: دعوة إلى التوبة لا إلى الانتحار
دعا سبحانه إلى التوبة الكفار المعاندين والمحاربين الصادين عن سبيله سبحانه فقال: ( قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ ) وهل هناك تفريط وتقصير وذنب ومعصية أعظم من الكفر بالله تعالى ؟ !! وقال سبحانه: ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم) (الزمر :53 ).
فعلي العبد أن يتوب إلى ربه وإن عمل من الذنوب ما عمل ، لا أن ينتحر فيضيف بذلك للذنوب ذنبا آخر وللإسراف إسرافا . والتوبة من الكفر أو النفاق لا تكون إلا بالإيمان، والتائب ينال حب الله ومغفرته والفلاح والفوز بالجنة وهي من مظاهر رحمته تعالى بعباده وصفة من صفات الأنبياء وصالح المؤمنين ، وتقبل توبة العبد ما لم يغرغر أي ما لم تتردد روحه في حلقومه ، وفي الحديث: " إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسئ النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسئ الليل ، حتى تطلع الشمس من مغربها " (رواه مسلم) ، وهذا بالنسبة لعمر الزمن ، فباب التوبة ما يزال مفتوحاً أمام العصاة والمذنبين: " من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه ". والشمس لم تطلع من مغربها بعد والأجل لم يأت ، فالبدار إلى التوبة قبل حلول النقمة ، وتأخير التوبة ذنب يجب التوبة منه ، والله يفرح بتوبة عبده ويتوب على من تاب ، وفي الحديث: " كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ". ( رواه أحمد والترمذي وسنده قوي).
لا تحجروا واسعا
لا يصح لأحد أن يحجر واسعاً ، ولا أن يغلق أبواب الرحمة بكلامه ، ففي الحديث: " من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال " أشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله ، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ، فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ". (رواه مسلم والترمذي وأبو داود) . وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " من قال أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ( ثلاثاً ) غفر له وإن كان فرَّ من الزحف ". (رواه الترمذي وأبو داود والحاكم وهو حسن) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : " يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة وقالوا : كيف يا رسول الله ؟ قال : " يقاتل هذا في سبيل الله فيستشهد ثم يتوب الله على القاتل فيسلم فيقاتل في سبيل الله عز وجل فيستشهد ". ( رواه مسلم ). وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم " سيد الأستغفار أن يقول : اللهم أنت ربي لا إله الأ أنت خلقتني و انا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك على و أبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت " قال ومن قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يُمسِ فهو من أهل الجنة ، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة ". (رواه البخاري) .
شروط التوبة
و الذنب إذا كان بين العبد و بين الرب فهو إلى العفو أقرب , ولا بد من ثلاثة شروط للتوبة منه , الأول : الندم و الثاني : الاقلاع عن المعصية و الثالث : العزم على عدم العودة فيه مرة ثانية , فإذا تضمنت المعصية انتهاك حقوق الأخرين , فلابد في التوبة من شرط رابع , وهو رد الحقوق لأصحابها أو التحلل من حقوق الآدميين , و قالوا في معنى التوبة النصوح التي أمرنا بها أن تندم بالقلب و تستغفر باللسان و تقلع بالجوارح , قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إلى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا ) ( التحريم : 8) . و هذه التوبة مستجمعة الشروط تمحو كل ذنب كفراً كان فما دونه , و العبد متى أطلع الله على قلبه فوجد منه الحرص و العزم على رد الحقوق لأصحابها , فإن لم يستطع ردها و مات , فعسى الله أن يرضيهم عنه , و في حديث الرجل الذي قتل تسعة و تسعين نفسا و كمل المائة بالراهب , شاهد على قبول التوبة , و إن تعاظم الذنب , فإن الله لا يتعاظمه شئ فهل دعونا العصاة و المذنبين . و كلنا ذلك الرجل . إلى ما دعاهم إلىه أرحم الراحمين , بدلا من الدعوة إلى قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق , و لنا في رسول الله صلى الله عليه و سلم أسوة حسنة و قدوة طيبة , فقد كان يقول " و الله إني لأستغفر الله و أتوب إلىه في إلىوم أكثر من سبعين مرة " رواه البخاري . فوسعوا فيما وسعت فيه الشريعة ودوروا مع الاسلام حيث دار , يغفر الله لكم , وهو أرحم الراحمين .
رابعا : شبهة و بيان
التهكم بالمجرمين و السخرية من العصاة و المذنبيين , و دعوتهم للانتحار و تصويره على أنه شرف و كرامة , شبيهه بدعوة المصلي العاصي إلى ترك الصلاة , يقولون له : طالما أنك ترتكب كذا و كذا , إذاً فاترك صلاتك !! و كان الواجب عليهم أن يأمروه بترك المعاصي و الذنوب مع المحافظة على الصلاة , إذ كيف يؤمر بالكفر , فبين المرء الكفر و الشرك ترك الصلاة ، وكلام من يطالب العصاة بالانتحار وردنا عليه لا يتعلق بالعمليات الفدائية الاستشهادية , و التي يطلق عليها البعض أحيانا وصف الانتحارية . فالمرء إذا حمل بنفسه على صف العدو يطلب الشهادة في سبيل الله , و تقوية قلوب المؤمنين , و إضعاف الكافرين فعمله محمود و سعيه مشكور . وهذا ما قرره العلماء : قال القرطبي : و من هذا ما روي أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه و سلم : أرأيت إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا ؟ قال : فلك الجنة فانغمس في العدو حتى قتل ....
و قال محمد بن الحسن : لو حمل رجل واحد على ألف رجل من المشركين وهو وحده لم يكن بذلك بأس إذا كان يطمع في نجاة أو نكاية في العدو , فإن لم يكن كذلك فهو مكروه لأنه عرض نفسه للتلف في غير منفعة للمسلمين , فإن كان قصده تجرئة للمسلمين عليهم حتى يصنعوا مثل صنيعه فلا يبعد جوازه , ولأن فيه منفعة للمسلمين على بعض الوجوه وإن كان قصده إرهاب العدو ليعلم صلابة المسلمين في الدين فلا يبعد جوازه . وإذا كان فيه نفع للمسلمين فتلفت نفسه لإعزاز دين الله و توهين الكفر فهو المقام الشريف الذي مدح الله به المؤمنين في قوله : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم ) ( التوبة : 111) إلى غيرها من آيات المدح التي مدح الله بها من بذل نفسه . ا.ه . فليصطلح كل فريق على حقه , وحتى لا نكون أشبه بحاطب ليل , قد يحمل حية تلدغه , ولنحذر دس السم في العسل , و انبهارنا بالشرف و الكرامة لا يجعلنا نروج للانتحار . اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين .
وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.