في منطقة «الدرب الأحمر» وتحديدًا شارع «النصارى» بسوق السلاح تستوقفك لافتة خشبية قديمة عُلقت أعلى محل صغير به عدد من الأدوات الصحية مكتوب عليها، «أم باسم.. سباك صحي»..، تبدأ في التفكير من تكون هذه السيدة وربما يخطر ببالك أنها سيدة تمتلك عدد من المشروعات من بينها محلاً لأعمال السباكة، ولكن عند سؤالك عنها تجدها مشهورة في المنطقة ب«سباكة الدرب الأحمر». عجوزٌ تحمل على ظهرها حقيبة بها عدد من الأدوات البدائية لتصليح أعمال السباكة وحقيبة يد بها أدواتها الشخصية وترتدي ملابس تعبر عن ذوق رفيع ولكن صعوبة المهنة أثرت قليلاً على مظهرها. «الشغل مش عيب المهم نقدر نعيش ولادنا في مستوى كويس»، هكذا بدأت سهام حسين مغازي الشهيرة ب«أم باسم» حديثها إلينا وفي عينيها نظرة فخر بما تقوم به ثم بدأت في سرد قصتها. واضافت: «عندي 64 سنة ومن مواليد منطقة الدرب الأحمر، وشغالة في السباكة بقالي 14 سنة من بعد ما انفصلت عن زوجي بحوالي 3 سنوات، وكانت نقطة تحول في حياتي اللي بدأتها من بعد الحصول على دبلوم تجارة بالعمل مع والدي في ورشة طلاء معادن، ثم في بنك مصر في محمد فريد وبعدها سافرت للعيش بالكويت عند أقاربي والتقيت زوجي هناك لنعيش 14 عاماً من الحياة الرغدة حيث لي سيارتي الخاصة وأعيش مستوى اجتماعي جيد وبعد رجوعنا من الكويت بفترة تركني زوجي وأخذ كل ما نمتلكه، كل شئ كان مسجل باسمه وبقيت على الحديدة». ثم انهمرت دموعها على ما حدث من تحول في المستوى المعيشي لها حيث بدأت المصاريف تتزايد عليها ولا تعرف من أين تأتي بها ثم استكملت، «ابتدى السباك يجي يعملي شغل وياخد فلوس والنجار كذلك.. ففكرت إني اتعلم أنا كمان مهنة وأمارسها ناكل منها عيش أنا واولادي وعملت بكوافير لمدة 6 شهور وبدأت الناس تطلبني أجيلهم البيت فصاحب المحل ضايقه الموضوع ده وكان بيتحكم فيا فقررت اسيب الشغل وقولت لازم اتعلم مهنة أكون أنا فيها سيدة قراري محدش يتحكم فيا وبدأت اسأل لحد ما عرفت إنه في مشروع اسمه (أغاخان) لتعليم الشباب المهن وقدمت فيه». كانت الدورات المتوافرة بالمشروع أغلبها للرجال أو مهن يُقَال إنه لا يصح أن يعمل بها سوى الرجال وبدأوا في تأجيل قبول «أم باسم» في التدريب لحين توافر مهنة للسيدات ولكنها وجدت أن هناك دورة للسباكة فقررت أن تلتحق بها مهما كلفها ذلك من معارضة، كان الأمر غريباً في البداية ولاقى معارضة شديدة من القائمين على المشروع ومن المُدَربين وخصوصاً أن المتدربين كلهم من الرجال ولكن ومع إصرارها قرروا تجربتها في الدورة. «من أصعب المواقف اللي حصلتلي وقت ما ولادي رفضوا إني بشتغل في السباكة كان في يوم بعد ما خلصنا الدرس بتاع الدورة الرجالة سبقوا ودخلوا غرف تغيير الملابس قبل مني فكنت هتأخر لو استنيتهم يخلصوا فقررت أروح ب (الأفارول) وأول ما بنتي شافتني صوتت وقالتلي هترمي نفسها من فوق السطوح لو أنا استمريت في المهنة دي، وابني قال هيغير اسمه لكن كل ده مأثرش على عزيمتي وقتها بس هزني ولكن قررت إني أكمل». لم يكن أحد من أصحاب الورش يتقبل أن تلتحق «أم باسم» للعمل معه رغم شطارتها في هذه المهنة ولكن كان الجميع يخشى كونها سيدة فقررت أن تبدأ المهنة من تصليح السباكة بمنازل صديقاتها، وبدأ الناس يعرفونها شيئاً فشيئاً حتى افتتحت محلاً خاصاً بها في منطقة «الدرب الأحمر» وأصبحت أشهر سباك بالمنطقة، لتتغلب على نظرة المجتمع القاصرة للمرأة، ونظرة أولادها للمهنة الذين تكيفوا مع كونها سباكة، تهزم البطالة وتصبح حرة تملك قوت يومها. مونتاج : حسام زيدان