طرحت صحيفة العرب اللندنية، عدة تساؤلات حول العلاقات بين مصر والسعودية، في ظل المتغيرات التي تجري في المنطقة، منها: هل هناك توتر بين مصر والسعودية؟ وإذا كانت هناك خلافات حقيقية، ما هي مظاهرها؟ وبماذا نفسر التأكيدات الرسمية على العمق الاستراتيجي في العلاقات؟ وكيف نفهم التفاهم الظاهر في عدد من القضايا؟ ولماذا تسير العلاقات السياسية الرسمية في واد إيجابي، بينما يبدو بعض الإعلاميين على الجانبين متصادمين، بل في واد آخر؟ ولماذا يطفو حديث الأزمة فجأة ويختفي فجأة أيضا؟. وتابعت الصحيفة خلال تقريرا لها، أن أسئلة كثيرة ومتنوعة تطرحها، من وقت إلى آخر، العلاقات بين القاهرةوالرياض، جعلت بعض المراقبين يصابون بالحيرة، ففي الوقت الذي تتوافر فيه معالم واضحة للتوتر، تأتي أخرى لتؤكد أن هناك عافية سياسية لم تعد خافية، وأن أحاديث التوتر التي تظهر وتتوارى من حين إلى آخر، تقف خلفها جهات، أصبحت أشد قلقا من تنامي العلاقات بين البلدين. جهات سياسية مختلفة بالغت في دعايتها، وتعمدت إثارة زوابع حول القواعد التي تحكم العلاقات بين البلدين، وبدأت تتفنن في خلق الفتن، التي تساعد على فتح الباب للمشكلات بين القاهرةوالرياض. وأشارت إلى أنها خلال الأسابيع الماضية أخذت بعض الدوائر تنشط وتعمل على تعكير صفو العلاقات، ليس فقط باختلاق الأزمات وتضخيمها، لكن عبر ممارسة ضغوط على دول قريبة من الطرفين، ووصل الأمر إلى حد المساومات، أملا في أن تتم فرملة الاندفاعات الإيجابية بين مصر والسعودية، ومحاولة تفويت الفرصة على المزيد من الانسجام، الذي أصبح خطرا على مصالح قوى إقليمية، تسعى لجذب القاهرة بعيدا عن الرياض. السياق الحالي يكشف عن وجود ما يشبه التباين في التفاصيل، لكن المحتوى النهائي، أو بمعنى أدق الاستراتيجي لا يزال راسخا، وهو راجع إلى طبيعة التوجهات العامة للنظام الحاكم في كل بلد، فالسعودية تريد مواقف حاسمة في القضايا المعنية بها، والتي تشترك معها مصر في جهة الاهتمام، بينما الأخيرة تفضل، في حالة السيولة التي تتسم بها غالبية القضايا الإقليمية، أن تكون تقديراتها ومن ثم مواقفها ذات طبيعة مرنة، أي تجعل من القطع عملية ثانوية، لأن الرياح السياسية التي تمر بها المنطقة مفتوحة على احتمالات مختلفة ومتقاطعة. الرياض درجت على الوقوف إلى جوار القاهرة، وحتى عندما رحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وخشيت مصر من حدوث تحول في التوجهات، جاءت مواقف الملك سلمان بن عبدالعزيز السياسية لتؤكد أن الأمور تسير على الوتيرة ذاتها تقريبا، وأن ما تردد باعتباره تحولا قادما من جانب الرياض في عهد الملك الجديد، سرعان ما بددته الخطوات والمواقف السعودية التي عززت النهج السابق، كما حافظت مصر على ثوابتها مع المملكة، سواء بالنسبة إلى أمن الخليج أو الموقف من القضايا الساخنة، بدءا من اليمن وإيران وانتهاء بسوريا، وحتى ملف الإخوان الذي كان أكثر إثارة للجدل. ولم يتغير نهج التعامل السعودي مع الأزمات التي تواجهها مصر، فإذا كان الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز اتخذ موقفا تاريخيا إلى جوار القاهرة وكان داعما لها، بعد إزاحة الإخوان، رغم بعض المواقف السلبية لبعض القوى الدولية ضد مصر، فإن الملك سلمان بن عبدالعزيز، قد اتخذ بدوره موقفا حاسما ومنتظرا من السعودية، عندما أعلنت دول عدة وقف طيرانها إلى مدينة شرم الشيخ، بعد سقوط الطائرة الروسية في صحراء سيناء، في نهاية أكتوبر الماضي، حيث أمر بتسيير عدد كبير من رحلات الطيران السعودية إلى شرم الشيخ، لتخفيف الأعباء الاقتصادية الناجمة عن قرار وقف الطيران، الذي اتخذته بريطانيا وروسيا وغيرهما. السفير معصوم مرزوق، مساعد وزير الخارجية الأسبق، استبعد فكرة وجود تراجع في العلاقات المصرية السعودية، مؤكدا أن الرياض تساند القاهرة استراتيجيا والعكس صحيح منذ فترة، ومن الصعوبة أن تتزعزع بالسهولة التي يحاول البعض تصويرها الآن، لأنها أكبر وأعمق من أنظمة الحكم نفسها. وشدد على أن الأمر يتعلق بأمن وسلامة البلدين، وقد استطاع كلاهما الحفاظ على أمنه واستقراره الداخلي، في ظل مخططات التفتيت الجارية في المنطقة العربية، مرجعا ما بدا وكأنه خلاف أو توتر بين البلدين إلى تباين في وجهات النظر بالنسبة إلى الملف السوري، والبحث عن الطريقة المناسبة للحل السياسي لوقف الصراع الدائر حاليا، وهذا لا يعني على الإطلاق أن العلاقات تشهد انتكاسة سياسية. وقال مرزوق للصحيفة: إن العلاقات المصرية السعودية لن تتأثر جراء هذا الخلاف، ولن يضحي أي من الطرفين بالآخر، فمصر بدت حريصة على الدولة السورية، بغض النظر عن بشار الأسد، والرياض أضحت متفقة مع القاهرة في الحفاظ على تماسك سوريا، وتسعى إلى إبعادها عن شبح التقسيم، ووقف نزيف الدماء، مشيرا إلى أن هناك وسائل دبلوماسية متعددة يمكن أن تساعد على تقريب الرؤى بين الطرفين، خاصة أن الخلاف ليس بالعمق الذي يحاول البعض ترسيخه. لكن حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، اعتبر أن العلاقات بين البلدين تتعرض للحظة حرجة واختبارات دقيقة، بسبب الملف السوري، وقال إنه يتعين على كل دولة تحديد هدفها بوضوح في هذه الأزمة، على أن تلتقي إرادة الدولتين عند نقطة واحدة تمكن الشعب السوري من تقرير مصيره. وقال مبارك أحمد، خبير الشؤون الخليجية أن المنطقة العربية، بأكملها تواجه حملات تفكيك، والدول الثلاث مصر والسعودية وسوريا، كانت ركيزة ورمانة ميزان للاستقرار في المنطقة، ومع انهماك سوريا في أزمتها الراهنة، أصبحت الدولتان الأخريان محور استقرار المنطقة العربية. لذلك لا غرابة في قرارات ومواقف السعودية الداعمة باستمرار لمصر، وآخرها مواصلة رحلاتها إلى شرم الشيخ لدعم السياحة المصرية، التي تأثرت بطلب بعض الدول الأوروبية إجلاء رعاياها، في أعقاب سقوط الطائرة الروسية فوق صحراء سيناء، التي تشهد صراعا دمويا بين الجيش المصري وجماعات إرهابية مسلحة. ولفت إلى أن الدعم السعودي لمصر، ليس بجديد على الرياض، التي ساندت القاهرة إبان حرب أكتوبر عام 1973، كما كانت للراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز مواقف داعمة ومشرفة لا ينساها الشعب المصري، فضلا عن توظيف دبلوماسية بلاده لصالح مصر، وتخفيض الضغوط التي كانت واقعة عليها، بعد انتهاء حكم الإخوان.